المقالات

07

مايو | 2023
182

فصل الإسلام عن علمائه فصل للرأس عن جسده

فصل الإسلام عن علمائه فصل للرأس عن جسده

فصل الإسلام عن علمائه فصل للرأس عن جسده

هناك مقولة ترى عدم لزوم قيمومة العلماء على العمل الإسلامي، فالفكر الإسلامي فكر واسع وعميق يتسع لجميع أفراد الأمة الإسلامية، وبالتالي فإن لكل مسلم مثقف حق قيادة الحركة الإسلامية ولو بمعزل عن الفقهاء والعلماء، كما أن له حق تشخيص التكليف من قيام وتحرك وغير ذلك ولو خالف ذلك رأي الفقهاء والعلماء، فحق التنظير وتقرير المصير هو لمن يتحرك من أبناء الأمة الاسلامية مهما كان اختصاصه وتوجهه ولو كان بمعزل عن العلماء؛ حيث إن مجرد تصديه للحركة يُعطيه حق حسم المواقف مهما اختلفت الرؤى والينابيع. والخلاصة أنّ هذه المقولة تدّعي صواب فكرة (إسلام بلا علماء).

 

مناقشة المقولة
وفي مقام مناقشة هذه الفكرة وبيان سقهما نقدّم مقدمة؛ وهي أنّ نسبة أي فكرة ومفهوم إلى فكر معين ومدرسة بعينها، لابدّ أن يكون مستنداً إلى المصادر الأصيلة والأساسية لذلك الفكر، فلو أردنا نسبة مفهوم معين إلى المذهب الرأسمالي أو الاشتراكي أو غيرهما من المذاهب والأفكار نكون ملزمين ببيان مصادر ذلك المذهب التي استندنا إليها في مقام نسبة ذلك المفهوم إليه.
ولكي نرى أنّ فكرة (إسلام بلا علماء) صحيحة أم لا، لابد من الرجوع إلى المصادر الإسلامية الأصيلة لنرى هل تُقرر هذه الفكرة أم لا؟


أولاً: القرآن الكريم

نلاحظ من مجموع عِدّة آياتٍ قرآنية أن القرآن الكريم أشار إلى لزوم الرجوع إلى أهل العلم والمعرفة، وذمّ من ينحرفون عن هذا السبيل، ونحن هنا نشير إلى خمس طوائف من الآيات يُرشد مجموعها إلى ذلك، وهي كما يلي:


1. بعض الآيات أشارت إلى أهل الاختصاص ولزوم الرجوع إليهم بالسؤال وغير ذلك، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، فالآية تشير إلى رجالٍ خصهم الله بالوحي، وأمر الناس بالرجوع إليهم وسؤالهم.


2. بعض الآيات نهت النبي عن اتباع الآخرين بعد أن جاءه العلم، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120].

وقوله: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾. [البقرة: 145].

وقوله: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ﴾ [الرعد: 37].


3. بعض الآيات نهتنا عن اتّباع أيّ شيء واقتفاء أثره من دون علم، كما في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36]، فإذا نُهينا عن اتباع شيء من دون علم، فمن بابٍ أولى أن يكون خوضنا وتنظيرنا لشيء ليس من اختصاصنا مورداً للنهي.


4. أدّبنا القرآن بالإقرار بعدم العلم في مقابل أهله، وذلك يتجلى في خلق الملائكة عندما عرضت عليهم المسألة؛ حيث ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: 32].


5. أشارت بعض الآيات إلى وجود حالة لدى الكثير من الناس؛ وهي أنهم يجادلون بعد تبين معالم العلم وتجليها، ولذا استنكر عليهم لعدم توفرهم على العلم، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ [آل عمران: 19].

وقوله: ﴿فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ [آل عمران: 66].

وقوله: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ [النساء: 157].

فلو جمعنا هذه الطوائف الخمسة من الآيات، لرأينا أنها تشير إلى لزوم تقدم أهل العلم، وعدم جواز ركونهم إلى من لا يمتلكون ذلك الرصيد العلمي، كما أنها نهت غير أهل العلم عن عدم اتباع العلماء وذمتهم وأمرتهم بالرجوع إليهم.


ثانياً: السنة المطهرة

توجد الكثير من الروايات التي تنهى على قيادة العلماء نقتصر على ذكر خمسةٍ منها اختصاراً:
1. قال رسول الله (ص): (العلماء قادة والمتقون سادة) [الأمالي للطوسي: 225/42]
2. قال الإمام علي (ع): (العلماء حكام على الناس) [غرر الحكم: 47/205].
3. قال الإمام علي (ع) في الخطبة الشقشقية أنّه قبْل الخلافة وبعد انهيال الناس عليه لبيعته أنّه ما قبل البيعة إلا لـ (مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أن لا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ) [نهج البلاغة، الخطبة الشقشقية، خ3: 16].
4. قال الإمام الحسين (ع): (مَجَارِيَ الْأُمُورِ وَالْأَحْكَامِ عَلَى أَيْدِي الْعُلَمَاءِ بِاللَّهِ، الْأُمَنَاءِ عَلَى حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ) [مستدرك الوسائل، 17: 316/16].
5. قال أمير المؤمنين (ع): (الْمُلُوكُ حُكَّامٌ عَلَى النَّاسِ، وَالْعُلَمَاءُ حُكَّامٌ عَلَى الْمُلُوكِ)  [مستدرك الوسائل، 17: 316/17].
فهذه النصوص الشريفة تنص على حاكمية خط العلماء على جميع الناس بلا استثناء.


ثالثاً: العقل

فالعقل يدرك ضرورة الأخذ بكلام أهل الاختصاص لا سيما فيما لو تعارض كلامهم مع كلام غير المختصينن؛ بل نلاحظ أنّ العقلاء يرجعون إلى الأعلم فيما لو اختلفت رؤى أهل الاختصاص مع بعضهم البعض، فإننا نلاحظ أن المريض يرجع إلى الطبيب لا إلى المهندس، كما أنه لو أختلف الأطباء فيما بينهم لرأينا أنّ العقلاء يأخذون بكلام أحذقهم وأعلمهم، وهكذا الأمر بالنسبة إلى السياسة والتحرك؛ فمن المقطوع به أنّ السياسة جزء لا يتجزأ من الدين، فلابد فيها من الرجوع إلى أهل الدراية الكاملة للدين وهم العلماء الذين هم أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا. وفيما لو تعارضت أقوالهم أُخذ بقول أفقههم وأعلمهم وأبعدهم عن زخارف الدنيا.

 

ما هو التكليف في حال عدم وجود متصدٍّ؟
قد يقال إنّ أمر الشريعة الناس باتباع العلماء والسير خلفهم أمرٌ مسلم في الكتاب والسنة، كما أنّ العقل يُدرك ذلك، إلا أننا نلاحظ عملياً أنّ العلماء لا يتحركون؛ بل إن البعض منهم يقف ضد التحرك، كما أنّ من يتحرك منهم ليس لديه الإلمام الكافي؛ كقول السياسي والاقتصادي اليوم وما آل إليه المجتمع الدولي من تطور وتشعبات، فهم ليسوا أكفاء لذلك في واقعنا العملي، فهل يقف المسلم المثقف مكتوف الأيدي منتظراً ظهور ذلك المصلح في عالم الخيال والأوهام؟
إن من يتتبع التاريخ في مختلف حقبه يلحظ أنه في كل عصر و مصر يظهر مصلح من العلماء يحمل على عاتقه أعباء نهضة الأمة، مما يدلل على خطأ هذا التصور بضرس قاطع. وهنا نسوق بعض الملاحظات التي تدلل على ذلك، والتي تكشف عن وجود مخطط مدروس لبثّ هذه الأفكار – باختصار شديد:


1. نلاحظ نجاح تجربة الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني عملياً، وها هي الثورة تواصل مسيرتها بقيادة الإمام الخامنئي بخطىً ثابتة رغم التحديات الجمة التي واجهتها ولا زالت تواجهها، وما ذلك إلا ببركة التمسك بولاية الفقيه التي حث الإمام الخميني الشعب الإيراني على التمسك بها؛ حتى لا يُصاب النظام بسوء. كما نلاحظ أنه (قده) قد حذر من مقولة (إسلام بلا علماء) في بيان رجب 1419 هـ، الذي كتبه للحوزات العلمية وعلماء الدين، وبيّن خطورتها.


2. إننا عندما نقول بقيادة العلماء، لا نعنى قيادة كل من درس العلوم الإسلامية وحسب، وإنما نعنى كل من درسها وتوفر على الورع والتقوى وحسن تدبير الأمور وإدراك الحقائق، فالعالِم العامل بعلمه الذي تتحقق فيه شروط القيادة هو الأجدر بقيادة الأمة، كما أنه حين يقود الأمة لا يقودها لشخصه وذاته، وإنما يقودها لتوفر الخصائص والخصال القيادية التي أمرت الشريعة بها واشترطتها في قائد الأمة، ولذلك فإن مجرد زوال تلك الخصال كالعدالة كفيل بإسقاط قيادته للأمة، كما أن توفر شخص على تلك الخصال كفيل بجعله قائداً لها. هذه الأمور كلها تُلحظ مع مراعاة الظروف الخاصة والموضوعية لكل بلدٍ ولكل زمان.


3. هذه المقولة شبيهة بمقولة فصل الدين عن السياسة؛ إلا أنها جاءت من باب آخر، فهي تقول إننا نقبل أن السياسة جزء من الدين إلا أننا لا نتصور أن العلماء هم أهلٌ للسياسة، وما ذلك إلا لأن العلماء هم المنبع الذي ننهل منه من معين الدين، فإذا قضينا على المنبع أصبحنا نأخذ السياسة من غير الدين وإن كنّا نقول في الظاهر بأنّ السياسة من صلب الدين.


4. نلاحظ في الكثير من الدول أنّ من يحكمها أو يرشح نفسها لرئاستها؛ إما عسكري أو مهندس أو... بل قد يتعدي الأمر في بعض الدول إلى أن ترشح الراقصة نفسها لذلك، ولا نجد مَن يعترض على ذلك، ولكن حينما يتقدم المعمم لقيادة الأمة مُلمّ باحتياجاتها التي هي عين اختصاصه، نلاحظ أن الأصوات ترتفع من هنا وهناك مستنكرةً ذلك، مما يدلل على وجود مؤامرة تُخطط لعزلهم عن واقع الأمة الدامي.


5. نلاحظ أن المهندس لا يتدخل في اختصاص الطبيب، كما أن المهندس لا يتدخل في اختصاص الطبيب، وهكذا لا يتدخل صاحب كل اختصاص في اختصاص الآخر، إلا أننا نلاحظ أنه حينما تصل النوبة إلى الدين، فإن الكل يُشمِّر عن ساعد الجد لكي يُلقي الفتاوى والآراء والمفاهيم التي ينسبها للدين وكأنّ الدين ليس له علماء يختصون بدراسته وبيان حقائقه