المحاضرات

الاجتماع الثاني - أهمية البحث دولياً

25

سبتمبر | 2023
122

الاجتماع الثاني - أهمية البحث دولياً

مشاركة سماحة الشيخ عبدالله الدقاق في جامعة المصطفى العالمية

┈┈┈••❁✿❁◆●••┈┈┈

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً برحمتك يا ارحم الراحمين، وصلّ اللهم على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

العنوان المقترح للمحاضرة هو أهمية البحث دولياً

فالجامعات العالمية والمعاهد والحوزات العلمية، كيف تنظر إلى البحث العلمي؟ وما هو موقع البحث العلمي في مؤسساتنا الحوزوية والجامعية في جميع أنحاء العالم؟

ولكي نوضح أهمية البحث العلمي نتطرق إلى المراحل الدراسية في الجامعات والحوزات العلمية لبيان الغرض من كل مرحلة، ومن المعروف أن الحوزات العلمية فيها ثلاث أو أربع مراحل:

المرحلة الأولى المقدمات.

المرحلة الثانية السطح الداني.

المرحلة الثالث السطح العالي.

المرحلة الرابعة بحث الخارج.

فهذه مراحل أربع في الحوزات العلمية في العالم.

وهكذا بالنسبة إلى الجامعات العالمية توجد فيها أربع مراحل:

المرحلة الأولى الدبلوم.

المرحلة الثانية البكالوريوس.

المرحلة الثالثة الماجستير.

المرحلة الرابعة والأخيرة وهي الدكتوراه.

سؤال يطرح نفسه: ما هو الغرض من كل مرحلة من هذه المراحل الأربعة؟

اذكر الغرض من كل مرحلة بإيجاز.

الدبلوم معرفة فكرة.

البكالوريوس بيان فكرة.

الماجستير نقد فكرة.

الدكتوراه طرح فكرة.

هذه الكلمات الأربع تشترك في كلمة واحدة وهي الفكرة، ولكنها تختلف في المضاف إلى الفكرة، هل المطلوب معرفة الفكرة كما في مرحلة الدبلوم والمقدمات، أو المقدور قدرة الطالب على بيان الفكرة كما هو المطلوب في مرحلة البكالوريوس أو السطح الداني، أو المطلوب هو نقد فكرة والقدرة على مناقشة الأفكار كما هو المطلوب في مرحلة الماجستير والسطح العالي، أو المطلوب هو طرح فكرة جديدة وابتكار فكرة جديدة أو ترجيح فكرة كما هو الحال في مرحلة الدكتوراه والبحث الخارج.

ونحن لا نقيس المراحل الحوزوية على المراحلة الجامعية الأكاديمية لأن مرحلة بحث الخارج أعمق بكثر من مرحلة الدكتوراه، والاجتهاد أعلى بكثير من الدكتوراه، ولكن قارنا بينهما للمقاربة. هذه المراحل مرتبة في الجامعة والحوزة ولذلك اختلفت حتى في الأسماء، ففي مرحلة المقدمات والدبلوم لا يطلب من الطالب كتابة بحث لأن المطلوب في هذه المرحلة هو الإلمام بفكرة معرفة الفكرة الإحاطة بفكرة فالطالب يسعى للإلمام بالفكرة والإحاطة بالفكرة فكيف يكتب حولها؟!

لذلك لا يكتب الطالب بحثاً في مرحلة الدبلوم والمقدمات لأن الغرض أن يلم بالفكرة وأن يهضم الفكرة.

ولكن في المرحلة الثانية التي هي البكالوريوس أو السطح الداني يراد أن يبين الطالب فكرة من الأفكار لذلك يكتب بحثاً مقتضباً وموجزاً لأن الغرض من مرحلة السطح الداني ومرحلة البكالوريوس بيان الفكرة، ولكي يستطيع الطالب أن يبين فكرته فإنه يكتب بحثاً من البحوث يطلق عليه مصطلح بحث بكالوريوس، وكثير من الجامعات العالمية لا تطلب بحث تخرج في مرحلة البكالوريوس لأن الطالب قد لا يستطيع أن يكتب بحثاً في هذه المرحلة.

وأما المرحلة الثالثة وهي مرحلة الماجستير بحيث الطالب يستطيع أن ينقد الفكرة وأن يناقش الفكرة، وهكذا الحال في مرحلة السطوح الدنيا، فإن الطالب يطالب ببحث يطلق عليه عنوان رسالة، وهذا البحث في مرحلة الدكتوراه يطلق عليه لفظ أطروحة.

فهناك ثلاثة ألفاظ: بحث في مرحلة البكالوريوس، ورسالة في مرحلة الماجستير، وأطروحة في مرحلة الدكتوراه، أطلق عليه بحث في البكالوريوس لأن الطالب يستطيع أن يبين ببحثه بعض الأفكار، وأطلق عليها رسالة في الماجستير لأن المطلوب أن الطالب يناقش ويناظر فهذه رسالة في المناقشة، وأما في الدكتوراه فلا يقال له بحث، ولا يقال له رسالة، بل يقال له: أطروحة، يعني ينبغي أن يطرح طرحاً جديداً، إما فكرة جديدة، نظرية جديدة، مسألة جديدة، نقد جديد.

إذاً تتجلى أهمية البحث والبحوث في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، ولا زلت احتفظ بخاطرةٍ حينما ذهبت إلى بريطانيا، وأخذتني السيارة من مطار هيثرو وأول ما دخلت لندن، قال لي السائق: شيخنا ارفع رأسك! رفعت رأسي فوجدت مبنى ضخم جداً، قال لي: شيخنا انظر إلى هذا المبنى الضخم! هو أشبه بمجمع تجاري ضخم كبير على غرار تجمعات ومجمعات طهران. قال: انظر إلى هذا المبنى الزجاجي! هنا عقول تفكر لغزونا ونهب ثرواتنا، هذا مركب أبحاث ودراسات استراتيجية، والغرب سيطر علينا ونهب ثرواتنا في الشرق بـبركة البحث العلمي، عندهم بحوث ودراسات.

في العملية التعليمية من المقدمات إلى بحوث الخارج ومن الدبلوم إلى الدكتوراه، يوجد حركة تنازلية في التعليم وحركة تصاعدية في البحث العلمي، يعني في المراحل الأولى كـالمقدمات والدبلوم يعتمد الطالب على الأستاذ بدرجة ثمانين تسعين في المئة، وفي المرحلة الثانية وهي البكالوريوس أو السطوح الدنيا يعتمد الطالب على الأستاذ بدرجة من خمسين إلى ثمانين في المئة، العشرين في المئة أو تسعة وأربعين في المئة يعتمد على جهده الشخصي وبحثه، في المرحلة الثالثة وهي الماجستير يعتمد الطالب على الأستاذ بدرجة ثلاثين إلى خمسين في المئة، وأما في مرحلة الدكتوراه فالطالب يعتمد على الأستاذ بدرجة عشرين في المئة أو عشرة في المئة، وثمانين أو تسعين في المئة يعتمد الطالب على بحثه وجهده الشخصي.

لذلك في المعاهد العلمية في مرحلة المقدمات أو مرحلة الدبلوم لا يطلب من الطالب بحث، في مرحلة البكالوريوس يطلب منه بحث، في مرحلة الماجستير يعودون الطالب على البحث العلمي ويطلبون منه أبحاث بالإضافة إلى حضور الدرس، وأما في مرحلة الدكتوراه فالأكثر للبحث العلمي.

ولذلك يوجد نظام فرنسي ونظام أمريكي في الدكتوراه، أغلب الجامعات العالمية لا يلزمون طالب الدكتوراه بحضور الدروس بل يكتفون بتقديمه رسالة وأطروحة ومناقشة هذه الرسالة فمعنى دكتور يعني باحث، الدكتور فلان يعني الباحث فلان فهم يركزون على البحث العلمي، نعم بعض الدول كـإيران نظامها فرنسي كما أنه في استقبال رئيس الجمهورية إيران نظامها فرنسي المتداول في العالم إذا جاء رئيس الجمهورية يذهب رئيس الجمهورية لاستقباله في المطار ولكن في فرنسا في النظام الرئيس الفرنسي لا يستقبل الرؤساء في المطار بل يخرج إلى قصر الإيلزيه ويستقبل الرئيس ويدخله إلى قصر الإيلزيه.

إيران نظامها فرنسي في استقبال الرؤساء، رئيس الجمهورية لا يذهب لاستقبال الرؤساء في المطار وإنما يأتي الرؤساء إلى مقر رئاسة الجمهورية ويخرج رئيس الجمهورية لاستقبالهم.

كذلك في البحث العلمي نظامهم فرنسي، لا بدّ من ثمانية عشر وحدة تعليمية يعني سنة ونصف، وثمانية عشر وحدة بحثيه يعني بحث المجموع سنة ونصف + سنة ونصف على الأقل ثلاث سنوات فالنظام التعليمي في الجامعات الإيرانية يلزم الطالب بحضور سنة ونصف عند أستاذ.

يعني يوجد تعليم آموزشى ويوجد النصف الآخر بژوهشى وهو البحث، أما في العالم أغلب الجامعات في العالم نظامها أمريكي ما يحتاج يحضر ماذا؟ ما يحتاج يحضر عند أستاذ. نعم، يجعلون له ورش عمل في البحث العلمي، يعلمونه كيف يحضر البحث العلمي؟! ويدعونه للمشاركة في المؤتمرات والمهرجانات وكتابة تقرير عن هذا المؤتمر والمهرجان الذي حضره.

مثلاً الجامعة اليسوعية أو جامعة القديس يوسف في لبنان هي جامعة فرنسية، الآن أبرز جامعات في لبنان فيها جامعات كثيرة أبرزها الجامعة اليسوعية تبع فرنسا والجامعة الأمريكية والجامعة اللبنانية التي هي جامعة دولة، الجامعة الأمريكية والجامعة اللبنانية ما يلزمون طالب الدكتوراه بحضور الدروس يكفي أن يكتب رسالة ويناقش هذه الرسالة، لكن الجامعة اليسوعية عندها برنامجان برنامج يلزم بحضور الدرس.

لو لاحظنا أيضاً درجة علامة النجاح، هي الدرجة عشرين، في مرحلة الدبلوم درجة النجاح من عشرة الذي يأتي بعشرة من عشرين ناجح، في مرحلة البكالوريوس اثنا عشر من عشرين، في مرحلة الماجستير أربعة عشر من عشرين، في مرحلة الدكتوراه ستة عشر من عشرين.

هذه المراحل واضحة لديكم وقد أطلت عليكم، أهمية البحث العلمي تكمن في مرحلة الماجستير والدكتوراه، حتى الدكتوراه إذا كتب كذا بحث وكذا مقالة وشارك في كذا مؤتمر يعطونه سمة بروفسور. للآسف الشديد في الشرق وفي الجامعات الشرقية يجعلون العمدة والأهمية للتعليم، والتعليم ركنه الأساس ومحوره الأساس الطالب، بينما الجامعات الغربية يولون أهمية للبحث والدراسات خصوصاً الدراسات الاستراتيجية والبحث يعتمد على الطالب أكثر من الأستاذ.

إذاً في التعليم الأساس الأستاذ وجهد الطالب عامل مساعد، في البحث الأساس هو الطالب والأستاذ عامل مساعد. فالرسالة التي يكتبها الطالب في الماجستير والأطروحة التي يكتبها ويطرحها الطالب في مرحلة الدكتوراه تمثل رأيه الخاص ولا تمثل رأي الأستاذ المشرف ولا تمثل رأي الأستاذ المستشار ولا تمثل رأي الأستاذ المناقش.

لذلك أدعو إلى إيلاء الأبحاث العلمية أهمية ومكانة، في المدرسة التي أسستها جامعة الإمام الهادي للدراسات الإسلامية وهي من المدارس التابعة لجامعة المصطفى، قلت لـ المعاون التعليمي ـ وهو حاضر ـ وللمدير، قلت لهم: إذا تجاوز الطالب سنتين إلى ثلاث سنوات يعني مرحلة المقدمات وفي مرحلة الدبلوم يعني إذا أكمل معرفة العلوم، قلت لهم: ألزموه بكتابة بحث قصير، وإذا كتب مقالة في مجلة، علموه من الآن أن يكون له أستاذ مشرف لهذه المقالة وأن يحضر جلسة لمناقشة هذه المقالة، فالطالب من يتجاوز مرحلة المقدمات ومن يتجاوز مرحلة الدبلوم يتعود في بداية مرحلة السطح الداني وفي بداية مرحلة البكالوريوس على كتابة المقالة، هو لا يكتبها بشكل شخصي بل يكتبها تحت نظر أستاذ ويحضر عنده الأستاذ المشرف في جلسة عامة.

إذا علمنا الطالب بعد المقدمات وبعد مرحلة الدبلوم على كتابة مقالة ولو بسيطة وشجعناه بالكتابة في دوريه لتنمية القلم فإننا سنبدأ بمسارين للطالب مسار التعليم ومحوره الأستاذ ومسار البحث العلمي ومحوره الطالب، وبالتالي الطالب سيبدع كثيراً في مرحلة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.

أنا لم أجد الإلزام بالمقالة إلا في مرحلة الدكتوراه، في مرحلة الدكتوراه لا بدّ أن تكتب بحث وتنشره في مجلة محكمة ولا يمكنك أن تدافع عن رسالتك إلا إذا كتبت مقالة في مجلة محكمة وقبلتها هذه المجلة المحكمة.

أقول لكي نعود طلابنا على البحث العلمي، أنا رأيت حوزات عودت طلابها في البحرين، حوزات علمت الطالبات على البحث العلمي، ما شاء الله وصلوا إلى مرحلة البكلوريوس والماجستير وألفوا الكثير من الكتب.

والعالم اليوم يركز على البحث العلمي أكثر من التعليم، فأرجو أن نركز في حوزاتنا على البحث العلمي واكتفي بهذا المقدار، وأعتذر لكم على الإطالة والاستطالة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه غفورٌ رحيم وتوابٌ حليم، والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.