المحاضرات

23

يناير | 2024
151

أهمية البحث العلمي والتخطيط الاستراتيجي

أهمية البحث العلمي في القرآن والحوزة والجامعة والتخطيط الاستراتيجي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

فعاليات

 

المحاضر: الشيخ عبد الله الدقاق

العنوان: أهمية البحث العلمي والتخطيط الاستراتيجي

قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم وخطابه المجيد على لسان موسى ـ عليه السلام ـ مخاطبا الخضر هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا، فقال الخضر: إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، فقال: سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِرًا وَلَآ أَعْصِى لَكَ أَمْرًا آمنا بالله صدق الله العلي العظيم.

الحديث عن أهمية البحث العلمي في القرآن والحوزة والجامعة والتخطيط الاستراتيجي.

نبدأ القرآن الكريم موسى ـ عليه السلام ـ كان من أولي العزم وكلمه الله تكليماً وكان الخضر ـ عليه السلام ـ يعلم بأن موسى كليم الله ولكن موسى ـ عليه السلام ـ الذي أعطي علم الظاهر لما علم أن الخضر ـ عليه السلام ـ لديه بعض علم الباطن وأن هذا العلم المختص بالباطن لم يكن موجوداً عند موسى ـ عليه السلام ـ آثر موسى أن يتعلم منه وأن يبحث عن هذا العلم.

الآية الأولى فيها على الأقل خمس نكات مهمة:

النكتة الأولى الاستئذان، قال هل اتبعك؟ لم يقل موسى للخضر سأتعلم منك، قال: هل تأذن لي أن ابحث وأن أتعلم.

النكتة الثانية عبر بالإتباع ولم يعبر بالتعلم أو البحث يعني بما أن لديك علم فأنت متبوع وأنا تابع، أنزل نفس مع أني من أولي العزم أنزل نفسي منزلة العبد التابع وأنزلك منزلة المولى المتبوع.

الأمر الثالث على أن تعلمني، موسى ـ عليه السلام ـ لم يشترط عليه أي شرط أتبعك مقابل التعلم أن تعلمني من دون أي قيد وأي شرط، البعض إذا أراد أن يبحث أو يتعلم يفرض شروطه، موسى ـ عليه السلام ـ لم يذكر أي شرط.

الأمر الرابع مما علمت يعني أنا أريد بعض ما عندك لا أريد كل ما عندك، لا اطمع أكثر من اللازم وأقول أعطني كل ما عندك أنا آمل واطمع في بعض ما عندك.

النكتة الخامسة رشدا أي أنت صاحب رشد في مقابل الرشد الجهل والضلال، يعني أنا أنزلك منزلة الراشد وأنزل نفسي منزلة الجاهل، هكذا من يريد البحث، من يريد البحث ينزل نفسه منزلة العبد الذليل أمام السيد العزيز، ينزل نفسه منزلة الجاهل أمام العالم الراشد، لا يشترط أي شرطاً إلا الوصول إلى الكمال والحقيقة.

لا الأهل أهلي ولا الأولاد أولادي إذا دنا يوم تحصيل العلا داني

في المقابل الخضر ـ عليه السلام ـ لم يشجع موسى بل بالغ في تيئيسه، قال: إنك لن تستطيع معي صبرا، وفي هذه الآية ثلاث نكات:

أولاً استخدم التأبيد لن وتفيد التأبيد يعني أنت لن تصبر.

الأمر الثاني قال لن تستطيع معي صبراً، لم يقل له: لن تصبر، قال: لن تستطيع الصبر، نفى الاستطاعة على الصابر ولم ينفي نفس الصبر.

الأمر الثالث قال لن تستطيع معي يعني ربما تستطيع مع غيري ولكن معي لن تستطيع.

هناك مقولة يونانية، تقول: لا تظلموا الحكمة وتعطوها غير أهلها، الذي يعرض بضاعته يعرضها للكساد، إذا عندك علم والقابل لا يعي أهمية هذا العلم فأنت تضيع وقتك، الخضر ـ عليه السلام ـ أراد أن يعزز من قيمة العلم يرفع من شأن العلم، هذا العلم يا موسى أنا لا أعطيك إياه هكذا بمجرد أن تطلب وإن نزلت نفسك منزلة التابع.

لكن موسى ـ عليه السلام ـ لم ييأس، وقال: ستجد إن شاء الله صابراً ولن أعصي لك أمرا.

على الرغم من كلام الخضر ـ عليه السلام ـ والمبالغة في تيئيس موسى ـ عليه السلام ـ إلا أن موسى لم ييأس، قال: ستجدني إن شاء الله صابراً أولاً علق صبره على مشيئة الله وهذا درس بليغ للباحث أن لا يأخذه الغرور ويعتمد على نفسه ويتكل على نفسه بمعزل عن الله عزّ وجل وإنما الباحث ينبغي أن يتعلق بالله وأن يرتبط بالله تبارك وتعالى.

ثم قال: «ولا أعصي لك أمرا» يعني أنت أيها السيد المعلم الباحث أنت بمثابة السيد والمولى الذي يأمر وهو في مقام العلو، وأنا بمثابة العبد الضعيف الذي يسعى أن لا يعصي، هذه أهمية البحث، القرآن الكريم يشير إلى أهمية العلم والمعرفة، إذا رأيت عالماً، إذا رأيت باحثاً فعض عليه بالنواجذ لا تأخذك العزة والأنفة وتحرم نفسك من هذا البحث.

الكلام عن أهمية البحث في الحوزة والجامعة، العملية التعليمية متقومة بثلاثة أركان: الأستاذ والطالب والممنهج الدراسي هذه أركان ثلاثة في العملية التعليمية، الدراسة الحوزوية بمختلف مراحلها: المقدمات والسطوح وبحث الخارج تركز على الأستاذ كثيراً، وتركز على المتون الدراسية كثيراً، وبالنسبة إلى الطالب تركز على الجهد الشخصي للطالب.

أصلاً ملاك وأساس الدراسة الحوزوية الجهد الشخصي للطالب فالطالب إذا تعب على نفسه سيختار الأستاذ المتميز وسيختار المنهج والمتن الدراسي المتميز، وسيصبح طالباً متميزاً.

إذاً الدراسة الحوزوية تركز على الجانب التعليمي أكثر من الجانب البحثي يتعلم الطالب كيف يدرس؟ وكيف يدرس؟

وإذا تعب على نفسه بشكل شخصي يتعلم كيف يقرأ؟ وكيف يكتب؟ كيف يطالع الكتب؟ وكيف يكتب؟ إذاً في الدراسة الحوزوية الاعتماد على الطالب والجهد الشخصي يعني البعد التعليمي أكثر من البعد البحثي.

ولنذهب الآن إلى الدراسة الجامعية والأكاديمية عندنا أركان ثلاثة: الأستاذ والطالب والمنهج الدراسي.

أما الأستاذ فالدراسة الجامعية تعتمد على الأستاذ، وأما الطالب فالدراسة الجامعية تعتمد على بحث الطالب وتعلم الطالب البحث العلمي، لذلك المنهج الدراسي في الكثير من الأحيان خصوصاً في مرحلة الدكتوراه تتاح الفرصة للأستاذ أن يختار المتن الدراسي المناسب لكن الأستاذ يفرض على الطالب أبحاثاً معينة كلما تقدمت المراحل:

المرحلة الأولى دبلوم.

المرحلة الثانية بكالوريوس.

المرحلة الثالثة ماجستير.

المرحلة الرابعة دكتوراه.

هذه المراحل الأربع كل مرحلة من هذه المراحل الأربع يراد لها الوصول إلى شيء.

المرحلة الأولى الدبلوم يراد لها تكوين فكرة.

المرحلة ثانية يراد لها بيان فكرة.

المرحلة الثالثة الماجستير يراد لها نقد فكرة.

المرحلة الرابعة الدكتوراه يراد لها طرح فكرة.

كلها تجتمع في كلمة فكرة، وتختلف فيما قبل الفكرة: تكوين وبيان ونقد وطرح فكرة.

الدراسة الجامعية في أول مرحلة الدبلوم سنتين ثلاث المهم الطالب يكون فكرة يلم بفكرة، لذلك لا يطلب منه كتابة بحث.

المرحلة الثانية مرحلة البكالوريوس يراد لها بيان فكرة، لذلك بعض الجامعات تطلب من الطالب أن يكتب بحث لأن المطلوب في هذه الفترة بيان فكرة وبعض الجامعات ما تطلب منه.

المرحلة الثالثة مرحلة الماجستير المطلوب فيها نقد فكرة، مناقشة فكرة، القدرة على مناقشة الفكرة، لذلك لابدّ للطالب أن يكتب، ويقال لما كتبه رسالة رسالة ماجستير.

وأما المرحلة الرابعة الدكتوراه يراد فيها طرح فكرة، بيان شيء جديد، لذلك رسالته يقال لها: أطروحة، أطروحة دكتوراه.

هذه الأمور الثلاثة البحث في البكالوريوس يقال لما يكتبه بحث، والرسالة في الماجستير والأطروحة في الدكتوراه تحتاج إلى مهارات البحث العلمي.

لما كنا في الجامعة جامعة طهران مرحلة الدكتوراه كان عندن أستاذ كل أسبوع يعطينا كتابين، يقول: اذهب وأقرأ الكتابين واتي وانقدهما أولاً بين الكتاب توضيح كتاب ثم انقد ثم اكتب مقالة، بعد كل مادة ندرسها لابد نكتب عليها مقالة تنشر في المجلة.

بعد أطروحتك في الدكتوراه لا يمكن أن تناقشها إلا إذا كتبت مقالة في مجلة محكمة علمياً، وهذا المجلة المحكمة قبلت أن تنشر لك، المجلة المحكمة أنت تدفع لها فلوس حتى تنشر إليك لأنها تخضع لمعايير علمية، إذا أنت كتبت رسالة تحت أستاذ مشرف وأستاذ مستشار لكن لم تكتب مقالة في نفس موضوع هذه الرسالة في مجلة محكمة علمياً لا يسمحون لك أن تناقش رسالتك لابد من مناقشة هذه الرسالة.

لذلك أيها الإخوة أيها الاحبة إن شاء الله عندكم توأمة بين التعليم وبين البحث أصلاً دكتور بمعنى باحث، تعلم أن تبحث، كل كتاب تدرسه تكتب فيه بحث، وليس كلامنا عن مجرد الكتابة كلامنا عن البحث العلمي.

نختم بالبحث العلمي في الجانب الاستراتيجي.

الإنسان الناجح والقوي الذي عنده ثلاثة أبعاد أي إنسان أو أي مؤسسة عندها هذه الأركان الثلاثة التي اصطلحنا عليها مثلث التغيير والإصلاح سيكون ناجحاً ورائداً:

الأمر الأول التخطيط الاستراتيجي.

الأمر الثاني بناء الكوادر النوعية.

الأمر الثالث الاستثمار وتوفير الإمكانات أي مؤسسة أي إنسان عنده هذه الثلاثة الأبعاد:

أولاً عنده عقل استراتيجي يخطط.

ثانياً عنده قدرة على بناء الكوادر البشرية والنوعية وتعليمهم.

ثالثاً عنده قدرة على توفير الإمكانات والأموال.

هذا مثلث متساوي الأضلاع أولا نقول بني الإسلام أو قام الإسلام على ثلاث: «مال خديجة، وسيف علي، وأخلاق محمد» مال خديجة يمثل مركز الاستثمارات والأموال توفير الإمكانات يمثل بناء الكوادر، النبي قام بكوادر بشرية أبرزها سيف الله علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ ، وأخلاق محمد تمثل التخطيط الإلهي هذه الخطة الاستراتيجية الإلهية.

بعد هناك جناحان نطير بهما جناحان:

الجناح الأول إنتاج العلم والإنتاج يعني ابتكار العلم والنظرية.

والجناح الثاني الإعلام.

الجناح الأول إنتاج العلم يعني توليد علم بالفارسي يعني ابتكار نظريات، والإنتاج العلمي يعني الإنتاج العلمي يعني طباعة كتاب مثل هذا الآن برنامجنا هذا يعتبر إنتاج علمي بالفارسي يقال له توليد محتوى، فرق بين توليد علم وبين توليد محتوى، توليد علم يعني إنتاج العلم ابتكار العلم إيجاد نظريات جديدة، توليد محتوى يعني إنتاج علمي طباعة كتاب مسرحية ندوة سيدي شريط وبعد الإعلام رسانه.

ما هو موقع هذه الأمور الخمسة من البحث العلمي؟

الأمور الخمسة كلها تحتاج إلى بحث علمي، إذا عندك مركز أبحاث ودراسات.

أولاً ستكون قوياً في التخطيط الاستراتيجي.

ثانياً ستكون قوياً في بناء الكوادر البشرية والنوعية.

ثالثاً ستكون قوياً في جذب الاستثمارات وتوفير الأموال.

رابعاً ستكون قوياً في إنتاج العلم والإنتاج العلمي.

خامساً ستكون قوياً في الإعلام لأن كل عملك وفق تخطيط وفق دراسة.

في الغرب يعملون دراسة سنتين ثلاث ويبنون في ستة شهور، لكن في الشرق يبنون في سنتين ثلاث من دون دراسة، بعد ذلك يقولون هل ندرس هل هناك إخفاقات أو لا؟

أتذكر أول خاطرة أول ما دخلت لندن أول ما دخلت من المطار من مطار بندخل لندن السائق، قال لي: شيخنا ارفع رأسك، رفعت رأسي وجدت مبنى كبير ضخم مبنى زجاجي ضخم نحن نألف المجمعات الضخمة، قلت ما هذا؟

قال: شيخنا هذا مركز أبحاث ودراسات هنا توجد عقول تدرس وضعنا في الشرق وسيطروا علينا ببركة هذه المراكز والأبحاث هذه الدراسة.

الآن أي رئيس أمريكي يخضع إلى مراكز الأبحاث والدراسات، هناك مراكز أبحاث وتنشر أبحاثها على العلن موجودة وبعضها ما تنشرها.

لذلك هذا الأسبوع في الحوزة العلمية في جامعة المصطفى أسبوع البحث العلمي يحتل مكانة مهمة جداً، أصلاً قوة أي مؤسسة قوة أي شركة قوة أي شخص بمقدار البحث العلمي الموجود عنده، كلما يكون هناك عناية بالأبحاث العلمية التحقيقات الدراسات الكتابات كلما إن شاء الله نخطوا خطوات متقدمة نحو الرقي والتقدم.

زاد الله في توفيقكم، ونأمل إن شاء الله في هذه الوجوه الطيبة والبراعم اليافعة، إن شاء الله أن تشكل لبنات قوية لبناء الصرح الإسلامي الشامخ القائم على دراسات وأبحاث استراتيجية ومعرفية.

أقول قولي هذا وأستميحكم عذراً، وأستغفر الله لي ولكم إنه غفور رحيم وتواب حليم، والحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.