المحاضرات

يوم الغدير بين الصبر والبصيرة

07

سبتمبر | 2024
27

يوم الغدير بين الصبر والبصيرة

مشاركة سماحة الشيخ عبد الله الدقاق (حفظه الله) في مراسم عيد الغدير، وذلك من خلال كلمة ألقاها تحت عنوان: يوم الغدير بين الصبر والبصيرة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

العنوان: يوم الغدير بين الصبر والبصيرة

قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم وخطابه المجيد بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ آمنا بالله صدق الله العلي العظيم.

أسعد الله أيامكم بعيد الغدير الأغر.

الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ رزقنا الله في الدنيا زيارته وفي الآخرة شفاعته.

الكلمة تحت عنوان "يوم الغدير بين الصبر والبصيرة".

حادثة الغدير حادثة رويت عن قرابة مئة وعشرة من الصحابة، ذكرها العلامة آية الله الشيخ عبدالحسين الأميني في موسوعة الغدير تحت عنوان الغدير في الكتاب والسنة والأدب، طبعت في حياته أحد عشر مجلداً، وبعد وفاته جمعت المتفرقات وطبعت في أربعة عشر مجلداً.

في هذا الكتاب يذكر سند حديث الغدير بشكل متواتر من أيام الصحابة إلى القرن الرابع عشر الهجري.

إذاً حادثة الغدير لا غبار عليها نريد أن نتطرق إلى عنوان مهم وهو عنوان البصيرة.

أمير المؤمنين ـ عليه أفضل صلوات المصلين ـ في حرب الجمل وقف على زيد بن صوحان وقد استشهد، زيد بن صوحان وهو في آخر لحظات عمره في حالة النزع أمير المؤمنين وقف على رأسه، فقال له زيد بن صوحان: يا أمير المؤمنين! إني قاتلت معك عن بصيرة، قال: وكيف؟

قال يا أمير المؤمنين: أنا سمعت أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ محمد رفع يدك في يوم الغدير، وقال: «ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والي من والاه وعادي من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وادر الحق معه حيثما دار».

الناس والمسلمون في واقعة الجمل حصلت عندهم فتنة الجيش الأول في علي بن أبي طالب ابن عم الرسول وزوج البتول زوج فاطمة الزهراء بنت النبي محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ لكن الجيش المقابل فيه عائشة زوج النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ فيه الزبير بن العوام ابن صفية بنت عبد المطلب عمة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وقع الكثير في حيص وبيص بين اكون مع ابن عم النبي وصهره أم مع زوجه وابن عمته.

يقول زيد بن صوحان: ذهبت إلى أم سلمة سألتها: يا أم سلمة! هل صحيح قال النبي في حقّ علي وأدر الحق معه حيثما دار، قالت: نعم، يقول زيد بن صوحان فقاتلت معك يا أمير المؤمنين عن بصيرة يعني أنا لم أقاتل معك هكذا حشر مع الناس قاتلت عن عقيدة وهذه سمة البصيرة مهمة.

لذلك تقول في زيارة أبي الفضل العباس ـ صلوات الله وسلامه ـ تقول: «السلام عليك أيها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين» ثم تقول: «أشهد أنك مضيت على بصيرة من دينك أشهد أنك مضيت على بصيرة مقتدياً بالصالحين» إذا البصيرة أمر مهم.

سؤال: ما المراد بالبصيرة؟

المراد بالبصيرة انفتاح عين حقيقة القلب يعني القلب ينفتح على حقائق الأشياء يرى الأشياء واضح، يقول أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : «الفتنة إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت نبهت».

أول ما تأتي الفتنة تلتبس الأشياء تتشابه الأشياء لكن إذا تزول الفتنة تكون الأمور واضحة ويتنبه الإنسان.

من أهم خصائص البصيرة والرجل البصير أنه يميز الحق من الباطل، ويميز رجال الحق من رجال الباطل، «اعرف الحق تعرف أهله واعرف الباطل تعرف أهله».

من رزقه الله البصيرة وسمع حديث عيد الغدير الذي قاله النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ الله عزّ وجل كلفه بتبليغ ولاية علي بن أبي طالب قال تعالى: (يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) وبعد أن بلغ نزل قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).

إذا البصيرة التي تجعل الإنسان يشخص الحق من الباطل يميز بين أهل الحق والباطل هذه خصيصة مهمة.

الأمر الآخر نحن نحتاج إلى الصبر بالإضافة إلى البصيرة أحياناً الإنسان تنفتح بصيرته لكن ما يصير عنده صبر أكثر واقعة أكثر واقعة تأذى منها أمير المؤمنين هي واقعة الجمل، شهر كامل يدور بين القتلى، يقول المسعودي في مروج الذهب:

التفت محمد بن طلحة إلى أبيه طلحة بن عبيد الله، قال له: أمقاتل أنت هذا الرجل إنه علي بن أبي طالب!! يعني محمد بن طلحة كان يعرف مقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقال له طلحة: نعم. فقاتل محمد طلحة براً بأبيه فلما انجلت المعركة وقتل محمد بن طلحة جاء أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ نظر إلى محمد بن طلحة كما يقول المسعودي في مروج الذهب وأشار إليه، وقال: هذا ممن قتله بر أبيه لم يصبر على مخالفة أبيه في سبيل الله فضاعت عين البصيرة.

والعكس بالعكس الزبير بن العوام له سبعين سنة كان مدافعاً عن أمير المؤمنين سبعين سنة سيفه طالما كشف الهم والغم عن وجه رسول الله، الزبير بن العوام أحد الستة الذين جعلهم عمر بن الخطاب شورى، يعني مرشحين للرئاسة.

الزبير بن العوام وطالحة والإمام علي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص.

لكن لكن الزبير بن العوام لم يقبل قال: الخلافة لك يا علي أنا لست مرشحاً أنا صوتي لك كان ثابتاً حتى في يوم الشورى الوحيد الذي ثبت فيه يوم الشورى شورى الستة الزبير بن العوام.

لكن بعد أن جاءت الخلافة طمعه ولده عبد الله بن الزبير لذلك ورد في الرواية «ما زال الزبير منا بخير حتى ولد له ابنه المشؤوم عبدالله».

يقول المسعودي في مروج الذهب:

خرج أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ على بغلته، وقال: أين الزبير بن عوام؟!، فقالت عائشة: وترمل أختاه، لأن الزبير بن العوام هو زوج أسماء بنت أبي بكر، بمجرد أن سمعت أن الإمام علي يريد الزبير بن العوام كان من شجعان العرب، قالت سيقتله علي بن أبي طالب.

فقيل لها: إن علياً قد خرج بدون لأمة حربه، فخرج الزبير بن العوام على بغلته فالتقى رأس بغلة أمير المؤمنين وبغلة الزبير بن العوام حتى التقت أذناهما، أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ التفت إلى الزبير بن العوام قال: يا زبير ما الذي أخرجك؟ يا زبير أتذكر أنني يوم من الأيام جئت إليكما فنظر إليك رسول الله، قال: يا زبير أحب علي بن أبي طالب؟ فقلت: والله إني أحبه.

فقال لك رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : والله يا زبير لتقاتلنه وأنت له ظالم.

فقال الزبير بن العوام: ويكأني للتو اسمع الخبر، ذكرتني بالخبر.

فقال له علي ـ عليه السلام ـ : إذا يا زبير ارجع.

فقال الزبير بن العوام: يا علي! كيف ارجع وقد التقى الصفان، التقى الجيشان، وأنا السبب في إخراجهم، إنه العار.

يعني بعد أن أخرجت الناس عار أنا ارجع.

فقال له علي ـ عليه السلام ـ : ارجع يا زبير قبل أن تجمع العار والنار.

إذاً البصيرة تحتاج إلى شجاعة وصبر، أمير المؤمنين حاول يفتح بصيرة الزبير بن العوام، قال: إذا ارجع ارجع يا زبير أنت سمعت من النبي ارجع قبل أن تجمع النار والعار.

إخوتي أحبتي في الله نحن في حياتنا العملية ما أحوجنا إلى الصبر والبصيرة، أتشخص إمام زمانك، أتشخص نائب إمام زمانك، أتشخص القائد الذي يسير على خط إمام زمانك هذا يحتاج إلى بصيرة.

وأيضاً يحتاج إلى صبر أن تصبر على ما قادتك إليه بصيرتك وإلا لن يختلف حالك عن حال طلحة والزبير ومن خانوا أمير المؤمنين ـ عليه أفضل صلوات المصلين ـ .

إذاً يوم الغدير يعلمنا أن نفتح بصيرتنا أولاً، وأن نصبر على ما قادته إليه بصيرتنا ثانياً، هذا درس مهم جداً، درس مهم جداً.

مثلاً: في باكستان، في الهند، في مختلف المناطق نحتاج إلى بصيرة، هؤلاء الذين ذهبوا للدفاع عن الحرم الشريف وقاتلوا في سبيل الله قادتهم بصيرتهم صبروا وفقاً لبصيرتهم.

في الكثير من الأمور في الدراسة في الحوزة العلمية، في الجامعات والمعاهد العلمية، نحن ما أحوجنا إلى الصبر والبصير.

وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّ اللهم على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين