المحاضرات

الموت والاستعداد له

07

سبتمبر | 2024
21

الموت والاستعداد له

مشاركة سماحة الشيخ عبد الله الدقاق (حفظه الله) في مراسم تعزية، وذلك من خلال كلمة ألقاها تحت عنوان: الموت والاستعداد له

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

العنوان: الموت والاستعداد له

السلام عليكم أيها الأحبة في الله ورحمة الله وبركاته.

نعزي أخانا سماحة الشيخ محمد أمين ساجو ـ حفظه الله ـ برحيل والده ووالدته الكريمين، ونسأل الله لهما الرحمة والرضوان وعلو الدرجات في جنان الخلد لروحيهما وأرواح العلماء والشهداء وأموات الحاضرين رحم الله من قرأ سورة الفاتحة مع الصلوات.

جاء في الرواية الشريفة عن أمير المؤمنين ـ عليه أفضل صلوات المصلين ـ علي بن أبي طالب أسد الله الغالب أنه قال: «الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر فخذوا من ممركم لمقركم» صدق سيدنا ومولانا أسد الله الغالب علي بن أبي طالب ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .

سميت الدنيا دنيا لأنها أدنى من كل شيء فلدنوها سميت الدنيا دنيا.

الدنيا محطة عبور ومحطة مرور، علماء الأخلاق يضربون مثلاً لتصوير الحياة الدنيا وتصوير الإنسان في الدنيا، مثال ذلك يقولون: إن أسداً مفترساً هجم على إنسان، هذا الإنسان من شدة خوفه وقع في جب وبئر عميق، لما وقع في البئر نظر إلى أسفل البئر وإذا بثعبان قد فتح فكيه لكي يبتلع ذلك الإنسان، فخاف ولجأ إلى ملجأ لكي ينقذ نفسه من ذلك الثعبان الذي فر من الأسد إليه، فما كان منه إلا أن وجد حبلاً فتمسك بذلك الحبل.

نظر إلى أعلى الحبل وإذا به يبصر جرذين وفأرين يأكلان من ذلك الحبل أحدهما أبيض والآخر أسود فخاف على نفسه وأخذ يحرك ذلك الحبل حتى لا يقطع الفأران الأسود والأبيض ذلك الحبل فيقع في فك التنين وفي فك الثعبان.

لكنه أحس بلزوجة لأمست بدنه، التفت إلى هذه اللزوج المجاورة وإذا به يرى عسلاً وخلية نحل، فذاق من ذلك العسل فالتذ به وانشغل بلذة العسل عن مصيره الذي ينتظره وهو الوقوع في فم الثعبان.

هكذا حال الإنسان الدنيا.

يقول العلماء: أما الأسد فهو الموت الذي يهجم على الإنسان في لحظة غفلة، فكما أن الموت يهجم عليك من دون استئذان كذلك الأسد والفك المفترس والحيوان المفترس يهجم عليك في أي لحظة وعلى حين غره.

وأما الثعبان الذي فتح فكيه فهو القبر، كل إنسان مصيره إلى القبر، وأما الحبل فهو عمر الإنسان، وأما الفأران الأبيض والأسود فهما الليل والنهار، الفأر الأسود كناية عن الليل، والفأر الأبيض كناية عن النهار.

الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.

وأما العسل فهو الدنيا وحلاوتها، فكل إنسان الذي يشتغل في الدنيا هو حاله حال ذلك الإنسان الذي ينتظره الموت لكنه ظل منشغلاً بالعسل بشكل مؤقت وحول الحالة المؤقتة إلى حالة دائمة.

أينما تذهب فالموت معك

إنه الظل الذي لن يدعك

أولياء الله ماتوا وكذا أعداءه

أفهل يكتب رب الخلد لك؟!

لو ملكت الدور والحور وكان الكون لك

بيتك الدائم قبر ليس في ذلك شك

إنما الأحداث والأمراض للموت شبك

لم يتيقن الإنسان بحقيقة كما تيقن بالموت، ولم يغفل الإنسان عن حقيقة وينسها كما نسي الموت، غريب حال الموت.

أنت حينما يقال لك: فلان مات، فلان مات أبوه، فلان ماتت أمه أو أنت يقال لك: مات أبوك ماتت أمك مات أخوك لا تصور أن الخطاب قد وصل إليك أصلاً ما تتعقل ولا تتصور أن الموت قد جاء إليك غريب عجيب حال الإنسان في غفلته عن الموت في غفلته عن المرض، تسمع فلان مات، فلان مرض، فلان أصابه آفة حادث دائماً تتصور أن هذه الأمور تتجه إلى غيرك وتغفل عن أنك عرضة لها، تقول: والله فلان انحرف، فلان حل به مكروه، أنت أيضاً عرضة.

لذلك إذا أنت في حالة مرور أنت في حالة عبور.

لذلك يلتفت أمير المؤمنين ـ عليه أفضل صلوات المصلين ـ إلى تلميذه الوفي كميل بن زياد النخعي، ويقول له: «يا كميل! استعدا لسفرك وحصل زادك قبل حلول أجلك» يعني الدار الدائمة الحياة الحقيقية هي الآخرة هي القيامة، والدار المؤقتة هي دار الدنيا.

لذلك أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ في آخر لحظات الاحتضار يعني بعد أن أوصى الحسن والحسين والمسلمين «أوصيكما ونفسي وجميع أهل بيتي وولدي ومن بلغه كتابي هذا بتقوى الله ونظم أمركم وألا تبغيا الدنيا وإن بغتكما» إلى آخر الوصية الشريفة «الله الله في القرآن، الله الله في الأيتام» آخر لحظات كلمات أمير المؤمنين، آخر أنفاس أمير المؤمنين، اللحظات الأخيرة قبل خروج روحه من الدنيا إلى الآخرة، ماذا قال؟ قال: (لمثل هذا فليعمل العاملون) هذه آية كريمة وردت في القرآن (لمثل هذا فليعمل العاملون).

لكن الإنسان دائم الغفلة «يا من بدنياه اشتغل، قد غره طول الأمل، الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل».

إذا ما الحل؟ الحل أن الإنسان يذكر نفسه يعمل له منبهات حتى لا يغفل لا يستدرجه الشيطان من هذه المنبهات زيارة القبور، جاء في صحيح البخاري عن رسول الله أبي القاسم محمد «كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور والآن أمركم بها فإنها ترقق القلب وتذكر بالآخرة».

أنت إذا يومياً أو كل يوم خميس أو كل يوم جمعة تزور الشهداء تزور الأقارب تزور أهلك تزور المسلمين واقعاً إذا تقف على قبر أبيك أو أمك أخيك أختك صديقك تتمثل بهذا البيت: بالأمس كانوا معي واليوم قد رحلوا خلفوا في سويد القلب نيران.

إذا أول شيء يذكر بالله ويذكر بالموت ويذكر بالآخرة زيارة القبور.

ثاني شيء تحضير الكفن والاستعداد للموت، من المستحبات إعداد الكفن، الآن إذا تهدي إلى واحد كفن ربما ينزعج، يقول: فالله ولا فالك اهديني وردة اهديني كتاب تهديني الكفن تدعو عليّ بالموت، والحال إن إعداد الكفن مستحب.

بعض الناس أعد الكفن وأشهد عليه أربعين مؤمن الشهيد الكبير قاسم سليماني ـ رضوان الله عليه ـ قبيل سفره إلى سوريا قبيل استشهاده قبيل السفر الذي استشهد فيه جاء إلى قم ودار على مراجع التقليد والعلماء يشهدون على كفنه يكتبون ويوقعون يشهدون بإيمانه.

هذا مطلوب كل واحد يهيئ الكفن ويشهد على أربعين مؤمن «اللهم إنا لا نعلم من ظاهره إلا خيراً وأنت اعلم به منا».

البعض يضع على الكفن في الغرفة التي يحضر فيها الدروس الغرفة التي يعمل فيها الاجتماعات لأن الإنسان إذا انشغل باجتماعاته بدروسه بتجارته بأعماله حتى بالعمل الإسلامي قد يغفل عن ذكر الله وقد يغفل عن الآخرة، لذلك الله عزّ وجل يعطيه منبهات وجدانية من هذه المنبهات المرض.

عجيب في التاريخ يذكر أن فرعون لم يبتليه الله بمرض، لذلك ادعى الربوبية، يعني لم يمر بلحظات ضعف متى أحس بلحظة الضعف؟ لما غرق في اليم هناك أقر بربوبية رب العالمين بعد فوات الأوان.

الإنسان تمر عليه لحظة الضعف ينبغي أن تذكره بالله تبارك وتعالى، مثل ماذا لحظة الضعف؟ لحظة مرض لحظة مواجهة ظالم أن يكون مستهدفاً في أمنه، أن يكون مستهدفاً في صحته، أن يقع في مشكلة ويفقد الحيلة فيها يعيش في دوامة لا يستطيع أن يحل هذه المشكلة، فيلجأ إلى الله عزّ وجل.

الله عزّ وجل يحب يسمع صوته في الرواية «إن العبد ليدعو فيستجاب له، فيقول الله: يا ملائكتي أخروا الإجابة فإني أحب أن اسمع صوت عبدي المؤمن» الله يحبك ويحب يسمع صوتك.

إذا المذكر الأول بالله وبالموت زيارة القبور، والمنبه الثاني إعداد الكفن والتهيئ للموت.

المنبه الثالث المواظبة على مجالس الوعظ والذكر.

الإنسان دائماً بغفلة، الإنسان لا يستطيع أن يضمن حسن العاقبة والخاتمة، لكن يستطيع أن يضمن الأسباب التي تؤدي إلى حسن العاقبة والخاتمة، مثل ماذا؟

المواظبة على الحضور في المسجد، المواظبة على صلاة الجماعة، المواظبة على قراءة القرآن، المواظبة على قراءة الأدعية والزيارات، المواظب على حضور مجالس الحسين وذكر أهل البيت ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ هذه مجالس الذكر.

يا إخوة يا أحبة لا تستهينوا بمجالس الذكر ولا تتهاونوا في مجالس الأخلاق ودروس الأخلاق، واذكر لكم هذه القصة وهذه الخاطرة:

في يوم من الأيام أراد المحقق الكبير آية الله العظمى الشيخ ضياء الدين العراقي أن يغير وقت درسه في الفقه والأصول معروف المحقق العراقي أحد الأعلام الثلاثة، أبرز الأعلام الثلاثة في علم الأصول من المعاصرين الميرزا النائيني، الميرزا محمد حسين النائني، والشيخ محمد حسين الأصفهاني، والشيخ الدين العراقي هؤلاء الثلاثة أساتذة السيد أبو القاسم الخوئي والكثير من المراجع.

هذا المحقق العراقي أراد يغير وقت درسه فأراد أن يستشير أبرز طلابه يقول لهم: أنا إذا غيرت وقت درسي من الساعة الكذائية إلى الساعة الكذائية هل تستطيعون الحضور؟ هل يمكنكم الحضور أو لا؟ وكان من ضمن الذين استشارهم تلميذه الوفي المرجع الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم الطباطبائي صاحب كتاب مستمسك العروة الوثقى.

السيد الحكيم ـ رحمه الله ـ قال له: شيخنا إذا غيرت هذا الدرس إلى هذا الوقت أنا أعتذر عن حضور درس الفقه والأصول لأن عندي درس أهم من درسك ولا أستطيع الحضور.

تعجب المحقق العراقي أي درس هذا أفضل من درسه؟ هذا الدرس لأي محقق؟ لأي عالم نحرير؟ فسأل المحقق العراقي السيد محسن الحكيم سيد محسن الحكيم آنذاك أيضاً كان فقيها يحضر درس المحقق العراقي.

قال له: سيدنا سيدنا الحكيم ما هو هذا الدرس الذي من أجله ستترك درسي في الأصول؟

فقال له السيد محسن الحكيم: إنه درس الأخلاق، أنا من سنين احضر درس الأخلاق، وعندي درس الأخلاق أهم من درس الأصول، فإذا تعارض وحصل تزاحم بين درس الأخلاق ودرس الأصول أقدم درس الأخلاق.

هكذا كان السيد محسن الحكيم فتراجع آقا ضياء الدين العراقي ولم يغير وقت درس الأصول من أجل بقاء درس الأخلاق وحضور السيد محسن الحكيم لدرس الأخلاق.

للآسف الشديد أحيانا الطلبة احضروا درس الأخلاق، الحمد لله أخلاقنا حلوة ما نحتاج إلى درس أخلاق، درس الأخلاق ودرس التفسير هذا الطالب الضعيف يحضره الطالب القوي يحضر درس الفقه والأصول والفلسفة أما درس الأخلاق ودرس التفسير ما يحتاج كلا وألف كلا.

اجعل الدرس الأخلاق ومجالس الحسين ومجالس الوعظ والإرشاد من أولى أولوياتك هذا درس مهم مجلس مهم أن تواظب على مجالس الوعظ والإرشاد.

إلى هنا ذكرنا ثلاثة أمور تذكر بالله وتذكر بالآخرة، زيارة القبور أولاً، تهيئة الكفن والاستعداد للموت ثانياً، المواظبة على مجالس الوعظ والإرشاد والأخلاق ثالثاً.

الأمر الرابع قراءة الروايات والكتب التي تتحدث عن الآخرة وعن منازل الآخرة وعن الميعاد يوم القيامة.

للآسف الشديد أحيانا الطالب يقرأ في الفقه والأصول وال الفلسفة والتفسير وحتى الأخلاق ويقرأ في الإدارة وعلم النفس وعلم الاجتماع يدرس كل الأمور الحياتية التي في الحياة الدنيا ويغفل عن قراءة ما يتعلق بالمعاد يوم القيامة وأهوال يوم القيامة ما يتعلق بعالم البرزخ ما يتعلق بعالم القيامة وهذا كله مذكور في الروايات الشريفة.

لقد كتب المرحوم سماحة آية الله المحدث الكبير الشيخ عباس القمي صاحب كتاب مفاتيح الجنان كتب كتاباً عظيما تحت عنوان «منازل الآخرة» كتاب عظيم هذا الكتاب أنصحكم بقراءته هذا الكتاب يبين الميت من أول ما يضعونه في قبره إلى أن تقوم القيامة والأشهاد ينتقل من أي منزلة إلى أي منزلة؟ وما هي الأمور المفيدة للميت في هذه المنزلة؟

مثلاً أول ما ينزل القبر أكثر شيء يفيد الميت الصدقة، ومن عظمة الشيخ عباس القمي وتواضعه وإيمانه هذه القصة، والد الشيخ عباس القمي صاحب مفاتيح الجنان كان يحضر في حرم السيدة المعصومة تحت منبر عالم يحدث عن أمور الآخرة، كل جمعة هناك معمم وعالم كان يصعد المنبر يوم الجمعة ويحدث الناس عن الآخرة وعن منازل الآخرة.

والد الشيخ عباس القمي وأبوه كان يحضر تحت منبر هذا العالم، سؤال هذا العالم كان يحضر لمجلسه من أي كتاب؟

إنه كان يحضر من كتاب الولد أي من كتاب الشيخ عباس القمي.

والد الشيخ القمي أعجب بهذا العالم الذي يرقى المنبر، فقال لولده الشيخ عباس القمي: يا ولدي! متى تصير عالم وتحدثنا على المنبر مثل ما هذا العالم يصعد المنبر ويحدثنا عن القيامة ومنازل الآخرة؟ فماذا كان جواب الشيخ عباس القمي؟

فقال له: يا أبه ادع لي أن أوفق وأكون كذلك.

لو واحد غير المحدث القمي يا أبه أصلاً هذا عالم يحضر من كتابي أنت يا أبه تجهل قدري لا تعرف مكانتي العلمية، لكن الشيخ عباس القمي بما أنه منكر لذاته لم يقل لأبيه هذا العالم كان يحضر من كتابي، بل قال له: يا أبه ادعو لي أن أوفق وأكون مثل هذا العالم الذي يحدثكم.

إذا الأمر الآخر والأمر الرابع الذي يذكر بالله يذكر بالموت قراءة الكتب التي تذكر بالله، قراءة القرآن قراءة الأدعية والزيارات.

الأمر الخامس والأخير نكتفي به خمسة أمور بعدد أهل الكساء الخمسة، الأمر الخامس مصاحبة أهل الدين والورع والتقوى، سأل الحواريون نبي الله عيسى بن مريم، قالوا: يا روح الله من نجالس؟

فقال: «من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله» هذه صفات ثلاثة للصاحب والزميل والصديق.

عن المرء لا تسأل وسل عن صديقه

قل لي من تصادق أقول لك من أنت

يا أخي إذا أنت تصاحب أهل الدنيا يعني بعض الناس إذا تجلس معاه كل كلامه عن الأموال والفلوس التي تغير النفوس، كل الكلام عن الدنيا اشتري كذا بكذا وهذا سعره كذا وهذا حقه كذا هذا بدينار وهذا بتومان وهذا بهذا، كل الكلام.

الآن أحياناً إذا تصعد تاكسي سيارة تاكسي تسمع كله تومان تومان يعني دنيا دنيا شيء طبيعي وتلقائي تكون ماذا؟ شغفاً بالدنيا وزينتها وزخرفها بخلاف إذا تجلس مع شخص من أهل الله ومن أهل الآخرة واقعاً أهل الآخرة لهم رونق.

أنا اذكر لكم هذه الخاطب في يوم من الأيام ذهبت إلى أصفهان سألت هناك عن العلماء ومن أبرز العلماء؟

قالوا لي: هناك علماء كفوء أبرزهم فلان وفلان رئيس الحوزة العلمية الرسمي فلان، ولكن إن أردت العالم الذي له محبوب ومقبولية بين الناس وكلمته مسموعة هو آية الله فلان، من كثرة مديحهم له اشتقت أن أراه، لكن كانت زيارتي قصيرة ولم أوفق لرؤيته.

لكن بقي اسمه في ذاكرتي وكنت أشتاق إلى رؤيته لكنني لم أراه.

مرت السنون في يوم من الأيام ذهبت لزيارة الحسين والعباس رزقنا الله وإياكم الوصول، دخلت حرم العباس بن علي بن أبي طالب ـ سلام الله عليه ـ وقبل أن ادخل من باب العباس للورود على ضريح أبي الفضل العباس وجدت عالماً كبير السن لحيته بيضاء جالس على الأرض مهيب جداً إليگ تأخذك مهابته من بعيد والناس قد التفوا حوله.

أرأيت خلية النحل كيف النحل يدورون حول هذه الخلية؟ هكذا كان، له جاذبية مغناطيس خاص سبحان الله، لم اعرفه ولم اعرف اسمه ولكن كان من الواضح أنه من الصالحين، تقدمت إليه سلمت عليه، قلت له: ادع لي بحسن العاقبة الخاتمة رفع يديه ودعا بحسن العاقبة والخاتمة.

ثم التفت إلى المرافق له، قلت له: من هو هذا الشيخ؟

قال: هذا آية الله ناصري.

قلت: سبحان الله أنا ذهبت إلى أصفهان كنت أمل أن أرى آية الله ناصري لكن الحمد لله أنا لم أره حين سمعت به لأنه لو رأيت واعرف هذا آية الله ناصري ربما تأخذني المهابة من الشهرة، لكن أخذتني مهابته من دون أن أطبق اسم آية الله ناصري على هذا الشخص.

وتوفي قبل مدة بسيطة ـ رحمة الله عليه ـ آية الله ناصري، وهو قد نقل هذه الخاطرة التي سـأنقلها واختم بها.

يقول آية الله ناصري وهذا الكلام موجود في برنامج متلفز ومصور، ينقل يقول: كان السيد علي القاضي وهو أحد العرفاء الكبار أستاذ صاحب الميزان السيد محمد حسين الطباطبائي، يقول: كان يدرس في النجف الأشرف، كان في الحلقة قرابة ثلاثين شخصاً، وكان يدرس ويتكلم عن المعرفة ومعرفة الله والمعارف الدينية.

فجأة وإذا بسيد شاب قد دخل ذلك المجلس فمن كان هذا الشاب إنه أبو الفتوح السيد روح الله الموسوي الخميني.

يقول آية الله ناصري: ما إن دخل الإمام الخميني وكان شاباً وإذا بالسيد علي القاضي يقطع الدرس ويقف إجلالاً لهذا السيد الشباب وحينما جلس السيد روح الله الخميني تكلم السيد علي القاضي الطباطبائي لمدة ساعة عن الثورة وأهمية القيام على الظالم وأهمية مقارعة الظالمين كان الدرس عن المعرفة فتغير موضوع الدرس إلى أهمية الثورة والقيام على الظالم.

وبعد انتهاء الدرس قام السيد روح الله الخميني وأراد الخروج فشيعه السيد علي القاضي إلى باب مجلس الدرس وودعه ثم جلس في مكانه.

فسألوا السيد علي القاضي: من هو هذا السيد الشاب؟ ولماذا قطعت الدرس؟ ولماذا قمت إجلالاً له وشيعته؟ ولماذا غيرت موضوع الدرس من المعرفة إلى القيام على الظالمين؟

فقال السيد علي القاضي: هذا السيد روح الله الخميني وسيقوم بثورة في إيران وسينتصر وسيحقق دولة إسلامية وبعد حكمه وحكم خليفته سيظهر صاحب العصر والزمان الإمام محمد بن الحسن المهدي.

ثم قال آية الله ناصري: لن تجدوا هذا الخبر إلا عندي لأن الحاضرون قرابة ثلاثين كلهم قد ماتوا، وقد بقيت أنا ممن حضرهم، وهو ينقل عن أحد الحضار، يقول: هؤلاء هم الذين سمعوا والحديث مسجل ومتلفز، وآية الله ناصري ينقل عن أحد الحضور وقد توفي أيضاً.

رحمة الله على آية الله ناصري، رحمة الله على أمواتنا جميعاً، إن شاء الله نستعد ليوم ظهور صاحب العصر والزمان، وإن شاء الله نكون له نعم الأعوان ونستعد للموت.

اللهم اعنا على الموت وما بعد الموت.

اللهم اجعل جميع أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.

اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها واجعل خير أعمالنا يوم نلقاك إنك على كل شيء قدير وبالإجابة حقيق جدير، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين