المحاضرات

القوة العاقلة من قوى النفس

22

أكتوبر | 2024
4

القوة العاقلة من قوى النفس

برنامج أسبوعي تبث كل أسبوع من قناة الولاية الفضائية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 القوة العاقلة من قوى النفس

تحية طيبة لك وللمشاهدين الأعزاء ولجميع المستمعين والمشاهدين والأحبة في كل مكان، تحية ونحن نشم عبير الإمام الرضا من آل محمد، وندعو لكم بالوصول وندعو لكم بقضاء الحوائج والسعادة في الدنيا والآخرة بجاه ضامن الجنان الإمام علي بن موسى الرضا سلام الله عليه.

موجز عن الحلقة الماضية للمشاهدين حتى إن شاء الله ندخل في صلب الموضوع، شيخنا العزيز تطرقتم في الحلقة الماضية والحلقة الثانية من برنامج مفاتيح الفلاح إلى علم الأخلاق، وتفضلتم بأن علم الأخلاق هو علم يدرس محاسن ومساوئ الصفات الإنسانية، وتعرفنا مع المشاهدين الأعزاء على مناهج الأخلاق، وذكرتم خمسة مناهج، وهي: المنهج الأخلاقي في العرفان، والمنهج النقلي الروائي، والمنهج العقلي للأخلاق، والمنهج الرابع المنهج الحسي، والمنهج الجامع وهو ما يجمع المنهج العقلي والنقلي والروائي والعرفان.

وتفضلتم بأن علم الأخلاق هو العلم الذي يسهم في كمال النفس الإنسانية بعد علم التوحيد والعقائد وأن الإنسان أصبح أشرف المخلوقات بنفسه العاقلة، ومررتم على أقسام علم الأخلاق وذكرتم بأنها القيم والحقوق والآداب، وتحدثتم عن قوى النفس ولها فروع، وهي: القوة العاقلة، والقوة الغضبية، والقوة الشهوانية، والقوة الوهمية.

هذا ما تفضلتم به في الحلقات السالفة، ولكن اليوم وفي هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج الحي والمباشر، برنامج مفاتيح الفلاح، وتحديداً يعني حول موضوع الأخلاق، نتطرق إلى القوة العاقلة من قوى النفس، وهناك تطرح أسئلة كثيرة على طاولة البحث والحوار، وأشير إلى إحدى الأسئلة، وهو: ما مدى أهمية هذه القوى عند الإنسان؟

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، لو سمحت لي أن أقدم مقدمة تمهيدية لبيان أهمية وعظمة القوة عاقلة، هناك مملكة وهناك ملك، المملكة هي بدن الإنسان، والملك هو روح الإنسان، فـ روح الإنسان ونفس الإنسان هي التي تدير هذا البدن، هذا الملك هذا الزعيم يستعين في حكومته وإدارته بأربع قوى، وهي:

«القوة العاقلة، والقوة الغضبية، والقوة الشهوية، والقوة الوهمية».

إذاً عندنا مملكة وهي البدن، وعندنا ملك وهو النفس، وهذه النفس لكي تحكم لكي تدير دفة شؤون حكم البدن عندها أربع قوى: «العقل، الغضب، الشهوة، الوهم».

ولنمثل لهذه الأركان الأربعة والقوى الأربعة:

أما العاقل فهو بمثابة وزير الملك الذي يرشده نحو الصواب، وأما الغضب فهو بمثابة رئيس الشرطة الذي دائماً يحبس الناس ويجعل مؤامرات ويأتي للملك، ويقول: قد كشفنا المخططات، وينبغي إعدام هؤلاء، وهناك مؤامرة، ودائماً رئيس الشرطة أو رئيس الاستخبارات يحاول يجذب انتباه الملك، ويحاول أن ينفذ الملك المؤامرات التي يخططها رئيس الشرطة أو رئيس الاستخبارات، هذا هو دور الغضب.

والثالث هو الشهوة، الشهوة بمثابة جامع الضرائب والخراج، الطماع والكذاب، الذي دائم يبتز الناس يكذب عليهم ويبتزهم، ويأخذ منهم الضرائب والأموال، وطمعه لا ينتهي وشهوته لا تنقضي.

وأما الرابع وهو وهم، هو الذي يقوم بدور المكر والخديعة والشيطنة والتدليس، ودائماً يوهم الملك من خلال خديعته ومكره وخداعه.

إذاً هذه قوى أربعة، النفس تحكم البدن من خلال هذه القوى الأربعة: «عقل، غضب، شهوة، وهم».

هذه القوى الأربعة لها فوائد ولها مساوئ:

العقل يعلم الإنسان إدراك الأمور، ويعلم الإنسان الصواب والحكمة والفلاح، فالعقل مفتاح من مفاتيح الفلاح، والشهوة فيها امتداد النسل وامتداد الحياة، فشهوة البطن تجعل الإنسان يعيش، وشهوة الفرج تفيد امتداد النسل، فإذا الشهوة تدفع الإنسان نحو الأمور الملائمة له.

والغضب من فوائده الغيرة وحماية الأهل وحماية الوطن، فالغضب دفع غير الملائم، يعني هناك تحريكان الشهوة تحرك نحو الشيء الملائم، والغضب يحرك نحو الشيء غير الملائم يدفع الشيء غير الملائم، الشهوة تدفع الإنسان نحو الشيء الملائم من أكل وفرج، والغضب يحرك الإنسان لدفع الشيء غير الملائم، لو الأعداء يغزون البلد، لو واحد ينتهك بيته أو عرضه أو كرامته.

إذاً كل من الشهوة والغضب محرك، لكن الغضب يحرك نحو غير الملائم يعني يدفع الشيء غير الملائم، والشهوة تحرك نحو الشيء الملائم.

الوهم أيضاً عبارة عن المكر والحيلة والخداع والشيطنة.

الآن اذكر شيئين يشترك فيهما العقل والوهم، دور العقل والوهم الإدراك، دور الغضب والشهوة التحريك، الغضب والشهوة من جنس وأكلٍ من شأنها الدفع التحريك، إذاً الغضب والشهوة محركان، بينما العقل والوهم ليسا محركين وإنما مدركان، العقل يدرك الكليات والأمور العامة، والوهم يدرك الجزئيات والأمور الخاصة.

وبما أن البدن بدن الإنسان يتحرك نحو الأمور الخاصة والجزئية فأكثر شيء يتحكم فيه القوة الواهمة، لذلك يقال لها: القوة الدافعة أو القوة الواهمة، العقل يقال له: عقل نظري، والوهم يقال له: عقل عملي، الفارق في المتعلق: ما ينبغي أن يعلم هو عقل نظري، وما ينبغي أن يعمل هو عقل عملي.

الخلاصة الزبدة:

عندنا مملكة تتمثل في البدن، هذا البدن له ملك وهو النفس، النفس لا تحكم البدن بمجردها، بل تستعين بقوى أربع رئيسية: «العقل والوهم الغضب والشهوة»، العقل والوهم دورهما دور الإدراك، العقل يدرك الكليات والوهم يدرك الجزئيات، الغضب والشهوة من شأنهما الدفع والتحريك، والفارق بينهما أن الشهوة تحرك نحو الملائم، والغضب يحرك ويدفع غير الملائم.

إذا اتضحت هذه الخلاصة ندخل في صلب الموضوع:

هذه القوى الأربع، فيها حد إفراط وحد تفريط وحد وسط.

مثلاً: الشجاعة، الشجاعة هي حد وسط بين الإفراط، وهو التهور وبين التفريط وهو الجبن، هذا بالنسبة إلى القوة الغضبية.

بالنسبة إلى القوة الشهوية عندنا العفة: وهي حد وسط بين الإفراط وهو الشره، تقول: فلان يأكل بشراهة، يمارس بشراهة، وبين حد التفريط وهو الخمود والكبد، إذاً العفة حد وسط بين الإفراط وهو الشره وبين التفريط وهو الكبت والخمول.

وهكذا بالنسبة إلى العقل الحد الوسط الحكمة «ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً» الحكمة حد وسط بين الإفراط وهو الجربزة أو الوسوسة، وبين التفريط وهو البله والسفاهة والبلاهة.

وكذلك بالنسبة إلى الوهم، الحد الوسط العدالة، الإفراط: هو الظلم، والتفريط عدم دفاع الإنسان عن نفسه مع قدرته على الدفاع.

إذاً تبين من خلال القوى الأربعة: «العقل يولد الحكمة، الغضب يولد الشجاعة، الشهوة تولد العفة، الوهم يولد العدالة»، وبعبارة أدق: الحد الوسط بين الإفراط والتفريط في العقل هو الحكمة، والحد الوسط بين الإفراط والتفريط في الغضب هو الشجاعة، والحد الوسط بين الإفراط والتفريط في الوهم هو العدالة، والحد الوسط بين الإفراط والتفريط في الشهوة هو العفة.

الآن بعد أن بينا هذه المقدمة الموجزة أو الطويلة نأتي لبيان دور العقل: ما هي أهمية العقل أو القوة العاقلة؟ وهي قوة من بين أربع قوى.

الجواب: الحاكمية والرئاسة، العقل إذا حكم الغضب جعل الغضب في الحد الوسط فلا يحصل إفراط وهو التهور ولا يحصل تفريط وهو الجبن، بل يحصل الحد الوسط وهو الشجاعة.

وهكذا العقل إذا سيطر على الشهوة جعلها في الحد الوسط العفة، فلا إفراط وهو الشراهة، ولا تفريط وهو الكبت والخمور، وهكذا العقل إذا حكم الوهم وسيطر على الوهم، ورأس الوهم، جعل الوهم في الحد الوسط وهو العدالة، فلا إفراط وهو الظلم، ولا تفريط وهو عدم دفاع الإنسان عن نفسه مع قدرته على ذلك.

إذا تبين أن العاقل له دور ريادي.

وهناك نقطة مهمة ينبغي أن نلحظها وهو أن العقل ينافي القوى الأربع الثلاثة الأخرى، يعني الغضب لو أطلق له العنان لا يريد العقل، الشهوة لو أطلق لها العنان لا يريد العقل، الوهم لو أطلق له العنان لا يريد العقل، القوى الثلاث الأخرى كل واحد يشجع الثاني، يعني تشجع الغضب، والغضب يشجع الوهم يتلائمون فيما بينهم القوى الثلاثة، يعني إذا الإنسان غلبت شهوته، ذهب إلى الوهم حتى يأخذ حيلة وخديعة وكذب، وذهب إلى الغضب لكي ينتقم، لكن العقل ينافي.

إذاً العقل يريد أن يحكم الشهوة، ويحكم أيضاً الغضب، ويحكم أيضاً الوهم، قال تعالى: «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها».

سؤال كيف يفلح الإنسان في تزكية نفسه؟

الجواب: إذا جعل العقل حاكماً على جميع القوى، إذا القوة صارت حاكمة على الغضب، حاكمة على الشهوة، حاكمة على الوهم.

لذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله: «ليس الشديد الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب» كيف يملكها؟ بالقوة العاقلة.

ويقول علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه واصفاً من همه بطنه، قال: «كالبهيمة المربوطة همها علفها، تشتغل بأكراشها، وتلهو عما يراد بها».

إذا تكمن أهمية القوة العاقلة في الحاكمية، تكمن أهمية القوة العاقلة في حكومة وسيطرة العقل على الغضب والوهم والشهوة، كلما كانت مدارك القوة العاقلة قوية، كلما أصبح الإنسان رزيناً، وكلما أصبح الإنسان أخلاقياً، وكلما أصبح الإنسان إلهياً.

إذا أخذنا مفاتيح الفلاح ومفتاح المفاتيح هو العقل والقوة العاقلة.

السؤال الثاني: ما هي لذة قوة العقل وألمه؟

ألذ اللذائذ اللذة العقلية، وأشد ألم الألم العقلي، ولأن قيمة الإنسان بعقله، وهناك حقيقة ينبغي الالتفات لها، وهو أنك تصنع نفسك بنفسك من خلال أفكارك، كل إنسان ما يفكر فيه يتحول إلى قوالب يتلفظ بها، وما يتلفظ به يتحول إلى برنامج عملي لحياته.

إذاً برنامج الحياة فرع المصطلحات اللفظية التي تعرفها، والمصطلحات اللفظية التي تعرفها فرع الأفكار الذهنية القابعة في ذهنك، لذلك كلما تعمقت في أفكارك، كلما زادت المفردات اللفظية والاصطلاحات عندك، وكلما زادت الاصطلاحات كلما تغيرت حياتك بشكل عملي وبشكل تلقائي.

نعود على السؤال الثاني: تفضلتم به، ما هي لذة قوة العقل وألمه؟ يا حبذا تكملة البحث والحوار.

ونحن بجوار الإمام علي بن موسى الرضا، وهذه قبته الشريفة، الإمام الرضا من ألقابه عالم آل محمد، توجد رواية لطيفة ظريفة عن الإمام الرضا عليه السلام يقول: «عرفوا الناس محاسن كلامنا، فإن الناس لو عرفوا محاسن كلامنا لاتبعوها» يعني الناس لو أدركوا اللذة، لأن كلام الأئمة كلام حكماء، يعني غاية التعقل، والحكمة تشير إلى لذة عقلية فائقة.

والمرحوم الخواجة نصير الدين الطوسي رضوان الله عليه يعرف عنه أنه في ليلة من الليالي سهر لحل معادلة رياضية، فلما حل المعادلة الرياضية، صعد إلى أعلى الدار، وهو يصرخ، ويقول: أين الملوك وأبناء الملوك من هذه اللذة؟

لذة الجنس مؤقتة، لذة الأكل مؤقتة، الغضب إبراز انفعالات مؤقتة ثم يندم الإنسان، لذة الحيلة والخديعة للوهم مؤقتة، لذة العقل دائمة، لذة العقل فيها رشاد، فيها هداية، ولذلك ينبغي أن نضع الأمور في موضعهم الصحيح.

الخواجة نصير الدين الطوسي يذكر قصة حلوة، يقول: أرادوا تكريم الحمار، فجعلوا له منصة على شرفة مبنى، وهذه الشرفة مطلة على حديقة غناء، وجاؤوا بالحمار ووضعوه في الطابق العلوي، لكي يكون على مرتفع، ولكي يأنس برؤية البساتين والجنات والأنهار والطيور الغناء.

ولكن الحمار يبقى حماراً، فحينما رأى الخضار والبساتين والأنهار، أراد أن يلقي بنفسه من أعلى الشرفة ومن الطابق العلوي لأنه توهم أن المزرعة أمامه وليس هو في الطابق العلوي.

ولكن لحسن الحظ وضعوا سياجاً حتى لا يقع هذا الحمار، فما كان من الحمار إلا أن ضرب برجليه الأرض وأخذ يرفس اعتراضاً، ويريد الوصول إلى الحديقة الغناء، فتهدم الطابق وسقط الحمار، ومات، فهلك وأهلك المبنى.

هذا هو حالنا حينما يحكمنا الجهلة الذين هم كالأنعام بل أضل سبيلا، فإذا وضع الحمار مكان العاقل تكون هذه النتيجة: يهدم البلد كما أن الحمار هدم الطابق العلوي وسقط، ويهلك نفسه ويهلك الحرث والنسل.

إذاً اللذة العقلية أقوى من اللذة الشهوية والغضب والوهم لأن هذه اللذة لذة دائمة لأن العقل دوره دور الإدراك، فإذا أدرك النكاث يشعر بلذة من خلال الاستنتاج، وإلا ما هي قيمة الإنسان؟ ما الفارق بين الإنسان وبين الحيوان؟

الحيوان عنده غضب، وعنده وهم، وعنده شهوة، الفارق في القوة الرابعة القوة العاقلة، بالقوة العاقلة أصبح الإنسان إنساناً، يعني كلما تعمقت القوة العاقلة كلما تعمقت الإنسانية، وبالتالي تحصل اللذة الأقوى لدى الإنسان من خلال العقل، وإلا في لذة الجنس ولذة الأكل والوهم والغضب يشترك الإنسان مع غيره من الحيوانات والعجماوات.

نعم، يفترق الإنسان، وإلا الآن نفترض هذا إنسان فقد الذاكرة أصيب بجلطة ذاك البعيد، وفقد الذاكرة، يصير حاله حال بقية البهائم، يأكل ويشرب ويغضب، لكن فقد إنسانيته من خلال فقد عقله.

إذاً أقوى لذة على الإطلاق هي اللذة العقلية لأنها توصل الإنسان إلى المجهولات وكشف المجهولات من خلال المعلومات التي عنده.

وثانيا تكون هذه اللذة دائمة وليست مؤقتة.

وثالثاً تكون هذه اللذة تنتهي به إلى السعادة والفلاح والنجاح.

ومن هنا فإن أهم مفتاح من مفاتيح الفلاح هو العقل، كلما رقى العقل، هكذا.. لذلك في الرواية شخص يقول للإمام عليه السلام: «كنا في سفر الحج ما إن وقفنا فلان فرش السجادة وأخذ يصلي وأخذ يثني على تعبده وتهجده، فقال الإمام عليه السلام: ولكن كيف عقله؟!».

وأيضاً القصة المعروفة أنه شخص ذهب إلى سفح جبل وأخذ يعبد الله عزّ وجل ويتهجد ويتعبد حتى احتارت الملائكة في مقدار ثوابه، فأوحى الله إليهم إني أثيب العبد على قدر فكره وعقله، فتمثل أحد الملائكة في صورة رجل، ونزل إلى جنب هذا العابد، فسأله: أنت عندك عبادة كثيرة ألا يوجد عندك طلب؟

فقال: نعم، هذا الجبل الحشائش، وأنا أتعجب لماذا لا يرسل الله حماره لكي يأكل من هذا الحشيش؟!

فعلم الملك قول الله عزّ وجل: إني أثيب العبد على قدر معرفته، وكلما قوي العقل قويت المعرفة.

إذاً اللذة العقلية أقوى اللذات لأنها تقوي المعرفة الإنسانية ويكون بها النجاة، إذاً اللذة العقلية لذة دائمة، ثانياً لذة منجية وتوجب السعادة الأبدية.

وأما السؤال الثالث: كيف تكون القوة العقلية هي أقوى القوى؟

القوة العقلية تكون أقوى القوى إذا عمل الإنسان على تقويته مداركه وتنمية علومه.

شخص من الأشخاص ذهب إلى حكيم، قال له: أنا قرأت الكثير من الكتب لكن نسيتها، فما هي فائدة القراءة؟ هذه القراءة وهذه المعرفة لم تزدني شيئاً، فقال له الحكيم: كل هذا الطعام، فأكل الطعام وبعد أن أنهى الصحن وأتم طعامه.

قال له: هل الآن ازددت شيئاً؟ الآن حينما أكلت الطعام، هل الآن ارتفع وزنك؟ هل الآن ارتفع عقلك؟ هل الآن زاد شيء فيك؟

قال: لا.

قال: هل تنكر فضل هذا الطعام في أنه يتحول إلى دم ويغذي العقل ويغذي الروح ويغذي النفس؟

قال: لا.

قال: كذلك المطالعة والقراءة هي عمل تراكمي.

أنت تقرأ هذا الكتاب تحصل على مصطلح، وتقرأ هذا الكتاب تحصل على فكرة، وتقرأ هذا الكتاب وتحصل على معلومة، تدرس عند هذا العالم وتحصل على معرفة، تتابع هذا البرنامج وتحصل على فكرة، تستمع إلى هذا الخطيب وتحصل على فائدة، هذه عملية تراكمية.

فكلما حرص الإنسان على العلم والمعرفة، لذلك يقول الإمام الصادق عليه السلام: «لوددت أن أصحابي تضرب رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا»، وفي الرواية «لو علم الناس ما في العلم لخاضوه، ولو بخوض وسفك المهج» سفك المهاج يعني يقتل نفسه.

موسى عليه السلام نبي ومن أولي العزم الخمسة، أفضل الأنبياء، لكن لما رأى الخضر، ورأى أن هذا الخضر عنده علم في حقل معين غير موجود عند موسى، وهو ما يتصل بالغيب، ماذا قال له موسى؟ هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً؟

يعني عندي شرط، ما هو شرطي؟ أنا أتبعك، حاضر أتبعك، لكن بشرطها وشروطها، أن تعلمني مما علمت رشدا.

لذلك أحبتي الكرام إخواني أحبابي يرجى من كل واحد منا أن يحصل على تحصيل العلم والمعرفة، كلما زاد التراكم العلمي والمعرفي قوي العقل، وكلما قوي العقل إن شاء الله يسيطر، لأنه الإنسان الذي يطلق لغضبه العنان، ويطلق لشهوته العنان، ويطلق لوهمه العنان، يكون حكمه حكم البهائم، لكن إذا سيطر العقل من خلال تغذية العقل.

يعني مثلما البدن يحتاج إلى أكل وغذاء، العقل أيضاً يحتاج إلى غذاء، هذا الغذاء من وأن تحصله؟ من الدراسة، التعلم، القراءة، صحبة العلم، مشاهدة البرامج المفيدة، هذه تقوم بعمل تراكمي يسهم في تنمية وتقوية العقل، وإذا قوي العقل فإنه سيقف في وجه القوى الثلاث: «الغضب والوهم والشهوة»، وسيضبط الشهوة والوهم والغضب ويجعلها في حد الاعتدال حد وسط.

ومن هنا نعرف أن أمهات الفضائل أربعة، يعني فضائل الأخلاق مرجعها إلى أربعة:

الحكمة وهي الحد الوسط للعقل.

العفة وهي الحد الوسط للشهوة.

الشجاعة وهي الحد الوسط للغضب.

وبالنسبة إلى الوهم العدالة وهي الحد الوسط للوهم.

والعقل له دور في تحقيق الحد الوسط، بالتالي العقل إذا قوية وهيمن على القوى الأربع، نحصل على الحكمة، ونحصل على العفة، ونحصل على الشجاعة، ونحصل على العدالة.

السؤال الرابع: وهو ما هو السبب في أن أسباب المفاسد والشرور أكثر من بواعث الإحسان والخير؟

نعم السؤال، يمكن أن نصور ذلك بدائرة، الدائرة قطرها كبير، ولكن لها مركز صغير، هذا المركز يمثل الحد الوسط، أي الحكمة بالنسبة إلى العقل، والعدالة بالنسبة إلى الوهم، والعفة بالنسبة إلى الشهوة، والشجاعة بالنسبة إلى الغضب.

ولكن قطر الدائرة الكبير هو طرف الإفراط والتفريط، وبالتالي عندنا نقطة واحدة هي المركز، وعندنا مجموعة نقاط التي هي عبارة عن الدائرة، فأيهما أكثر؟ النقطة الواحدة التي هي المركز وهي حد الوسط وحد الاعتدال، أو النقاط التي تشكل الدائرة؟ أي أو أطراف الإفراط والتفريط.

لا شك ولا ريب أن النقط هي كثيرة ومتكاثرة وتتفرع عليها مساوئ ومفاسد، لذلك نجد القليل الذي يقوي عقله ويصل إلى حد الوسط، القليل الذي عنده الفضائل الأربع: الحكمة بالنسبة إلى العقل، والشجاعة بالنسبة إلى الغضب، العفة بالنسبة إلى الشهوة، والعدالة بالنسبة إلى الوهم.

ولكن ما أكثر الغضوبين، وما أكثر الجبناء، وما اكثر الشرهين، وما أكثر الذين لديهم وسوسة، وما أكثر الذين لديهم بلاهة.

إذا بالنسبة إلى للعقل الحد الوسط هو الحكمة، لكن طرف التفريط عندنا الوسوسة، والوسوسة هي عبارة عن الجربزة يترتب عليها أشياء، مثل: الإلحاد والكفر بالله عزّ وجل وبملائكته وكتبه، في طرف التفريط أيضاً عندنا البلاهة، البلاهة تولد سفاهة، تولد حماقة.

الخلاصة:

مركز الدائرة يمثل حد الوسط وهو نقطة واحدة، بينما طرف الإفراط والتفريط يشكل نقط كثيرة متكاثرة تشكل الدائرة وتتولد منها مساوئ ومساوئ.

أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته