• البث المباشر
  • البث المباشر

    دروس الخارج لسماحة الشيخ عبدالله الدقاق حفظه الله

المحاضرات

11 - الخوف والرجاء

07

يناير | 2025
39

11 - الخوف والرجاء

محاضرات أسبوعية التي تبث كل أسبوع من قناة الولاية الفضائية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين،

الخوف والرجاء

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وأهل بيته الطيبين الطاهرين، والسلام على أئمتنا أئمة الهدى، من مولانا الأول المعصوم بالدين إلى مولانا ومقتدانا الحجة بن الحسن المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

ثم السلام عليكم، مشاهدين الأكارم ورحمة الله تعالى وبركاته. أسعد الله أوقاتكم بكل خير، وتقبل الله أعمالكم وطاعاتكم بأحسن القبول إن شاء الله.

أهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم "مفاتيح الفلاح". يسعدني ويشرفني في هذه الحلقة أن أستضيف معي الضيف الدائم لهذا البرنامج، الأستاذ في الحوزة العلمية والباحث الإسلامي، سماحة الشيخ عبد الله الدقاق.

السلام عليكم شيخنا، وأسعد الله أوقاتكم.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. الله يحفظكم ويسلمكم إن شاء الله.

مشاهدين الأكارم، تحدثنا في الحلقة الماضية عن المراقبة والمحاسبة في علم الأخلاق، وبحثنا فيها وتحدثنا عن أنواع المراقبة، وما هو المقصود من المحاسبة وأنواعها، وفقاً للآيات القرآنية وأحاديث أهل البيت عليهم السلام. وأما اليوم، موضوع حلقتنا لهذه الليلة هو الخوف والرجاء. أرجو أن تقضوا معنا أفضل وأنفع الأوقات إن شاء الله.

حياكم الله سماحة الشيخ، رب يحفظكم ويسلمكم إن شاء الله. إذن نبدأ الحديث في هذه الحلقة، وهي بعنوان وموضوعها الخوف والرجاء. إذن نبدأ بتعريف الخوف وتعريف الرجاء، والحديث لكم، تفضلوا.

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

تحية طيبة لك ولجميع المشاهدين الأعزاء.

وفي البداية، نبارك لكم حلول شهر رجب الأصب، ونبارك لكم ولادة الإمام محمد الباقر في الأول من رجب، ونبارك لكم ولادة الإمام علي بن محمد الهادي في الثاني من رجب. هذه الليلة، وهي ليلة جمعة، وإن شاء الله ببركة ميلاد الإمام الباقر والهادي، وليلة الجمعة وشهر رجب، نوفق لخدمتكم.

وإن شاء الله نقضي وقتاً ممتعاً يوجب رضا الله وعناية صاحب العصر والزمان، روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.

الخوف هو احتمال العبد عدم قبول الله لأعماله أو عدم قبوله لتوبته، والرجاء هو توقع العبد قبول الله عز وجل لأعماله أو قبوله لتوبته، والإنسان المؤمن بين الخوف والرجاء.

ونضرب مثالا لذلك من سيرة علمائنا الأطهار، ألا وهو سماحة آية الله العظمى المرجع الأعلى السيد حسين البروجردي رحمه الله، أستاذ السيد الإمام الخميني والسيد محمد الگپايگاني، والكثير من مراجع قم.

يقال إنه لما دنت منه الوفاة، بكى، فقيل له: لما البكاء؟ فقال: ما عندي أعمال. قيل له: أنت ما عندك أعمال؟ بنيت المسجد الأعظم، بنيت المدارس العلمية والحوزات العلمية في النجف الأشرف وقم المقدسة، أسست مركزاً إسلامياً في هامبورگ في ألمانيا. أنت ليس لديك أعمال؟!.

قال: صحيح، ولكن أيها مقبول؟ العبرة بقبول العمل.

هناك حيثيتان في الأعمال: حيثية الصحة وحيثية القبول.

صحة العمل: إذا أتيت بالعمل تام الأجزاء والشرائط، مثلاً: تصلي هذه الصلاة، تأتي بركوع صحيح، سجود صحيح، ذكر صحيح، قراءة صحيحة، هذه أجزاء. تأتي بالشرائط، تقابل القبلة، تتوضأ، فإذا أتيت بالعمل تام الأجزاء والشرائط، فهذا العمل صحيح. ومعنى الصحة هنا عدم وجوب الإعادة والقضاء. لا يحتاج تعيده ولا يجب عليك أن تقضيه، فإذا جئت بالصوم صحيحًا، لا يجب عليك القضاء. إذا جئت بالحج صحيحاً، لا يجب عليك القضاء، هذا بالنسبة إلى الصحة.

لكن بالنسبة إلى قبول الأعمال قد يكون العمل صحيحاً لكنه غير مقبول عند الله تبارك وتعالى، في الرواية: "إن من الصلاة لما يُلف كما تُلف السجادة ويُضرب بها وجه صاحبها"، يعني عمل غير مقبول.

إذًا المراد بالخوف: خوف المسلم عدم قبول عمله أو عدم قبول توبته، يعني هو يأتي بعمل، يتوب إلى الله، لكن يخشى أن الله عز وجل لا يقبل توبته، لا يقبل عمله. والرجاء بالعكس، يتوقع أن يقبل الله عمله، يتوقع أن الله يتوب عليه، لأن الله عز وجل رحمته تسبق غضبه.

إذن، الإنسان المؤمن بين الخوف والرجاء: يرجو أن يقبل الله عمله لأن الله رؤوف ورحيم بالعباد، ويخاف ويخشى أن لا يقبل عمله وأن لا يقبل توبته لعظم ذنوبه، فالمؤمن بين الخوف والرجاء لا يعتد بعمله ولا يصاب بالعجب، ولا يعتد بما يقوم به، ولا يعول على ما يقوم به، ولكن في نفس الواقع، يرجو رحمة ربه.

لذلك الكثير من المؤمنين لا يعولون على أعمالهم، بل يعولون على شفاعة الشافعين، ويعولون على شفاعة الصديقة الطاهرة، السيدة فاطمة الزهراء، ويعولون على شفاعة الإمام الحسين.

أنا رأيت الكثير من الأكابر يقولون: أنا يوم القيامة إذا سئلت، أنا لا أعول على عملي، ربما عملي أشك في إخلاصه، ربما يأتيني إبليس ويكون عملي مشوباً بشائبة، فأنا لا أضمن ولا أطمئن من إخلاصي، ولكن أعول على شيئين؛ أولاً حبّي لله، يعني يوم القيامة إذا ربي سأني، أقول: أنا عبد مذنب، ولكن أنا يا الله أحبك، يا ربي أنا أحبك، وأنت أعلم بنيتي، أنا صادق معك، أنا أحبك.

والشيء الثاني: أعول على شفاعة الشافعين، إني أحب فاطمة، التي تأتي في المحشر وتلتقط سعاتها كما يلتقط الطائر الحب الجيد من الحب الرديء.

هذا كلام جميل، سماحة الشيخ. ولكن ما بين الخوف والرجاء بمعنى متى يكون الرجاء والخوف مثمرًا؟ مثلاً، في هذه القضية.

ثمرة الخوف والرجاء إذا أدت إلى الاستقامة والاعتدال في الأعمال، من دون إفراط ولا تفريط، أحياناً، الخوف والرجاء يقود إلى الإفراط والتفريط.

ولكي نوضح ذلك، نقدم مقدمة: أكبر الكبائر في الإسلام الشرك بالله، ثاني أكبر الكبائر اليأس من روح الله، ثالث أكبر الكبائر الأمن من مكر الله. ما يهمنا الآن هو الثاني والثالث. الأول واضح: إذا واحد يشرك بالله، هذا الله عز وجل يقول في القرآن الكريم: إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. فالشرك بالله هذا يؤدي إلى النار. كلامنا في محل بحثنا عن الثاني والثالث: اليأس من رحمة الله هو الثاني، والأمن من مكر الله هو الثالث.

الآن عندنا مفردة الخوف ومفردة الرجاء، من أفرط في الخوف، يعني يحتمل أن الله لا يقبل عمله، أن الله لا يقبل توبته، هذا يصاب باليأس من رحمة الله، يصاب باليأس من روح الله، وهذا الثاني من أكبر الكبائر.

كان الحسن البصري يقول: العجب كل العجب ممن نجا كيف نجا؟ يعني أمام عذاب الله وناره، كيف ينجو الإنسان؟ فرآه الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين فقال: العجب كل العجب ممن هلك كيف هلك؟ يعني أمام رحمة الله الواسعة الله عز وجل رحمته تسبق غضبه، أنت لا تغول في النظر إلى النار بحيث تصاب باليأس من رحمة الله، تصاب باليأس من روح الله.

إذن من أفرط في الخوف، هذا يصاب باليأس من رحمة الله.

فإذن الخوف مطلوب بدون إفراط فيه.

أحسنت.

وهكذا بالنسبة إلى الرجاء: من يرجو رحمة الله ويعول على رحمة الله، ويفرط في ذلك، ولا يأتي بالعمل، بعضهم هكذا يقول: "حب علي حسنة لا تضر معها سيئة"، يعني يكفي أن تحب الإمام علي، بعد ما يحتاج أن تصوم أو تصلي وكذا، تفعل ما تشاء، والعياذ بالله كالزنا وشرب الخمر. هذا غير صحيح، هذا خلاف منهج علي بن أبي طالب، فهذا يؤدي إلى الأمن من مكر الله.

الله عز وجل له مكر، له عقوبة، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين، ومكر الله هو رد مكرهم، وليس مكر الله بمعنى الحيلة والخديعة، وإنما الإجراء المضاد للحيلة والخديعة.

إذن، ثمرة أن يكون المؤمن بين الخوف والرجاء تظهر الثمرة إذا أدى توازن الإنسان بين الخوف والرجاء إلى استقامة الإنسان، إذا أدى إلى الاعتدال، فلا الخوف يزيد ولا الرجاء يزيد، تعادل بينهم بين الخوف والرجاء، يعني دائماً الإنسان يكون على وجل من عمله، ما يعول على عمله إذا يعول على عمله، قد يصاب بالعجب، ولكن دائماً يعول على رحمة الله، دائماً يعول على سعة رحمة الله.

يوم من الأيام كنت خارجًا من إحدى المدارس، وأحد المراجع دخل إلى تلك المدرسة والحوزة، فقلت له: سيدنا، أنت إلى خير. قال: شيخنا، انظر ما دائم هذه الروح لم تخرج من الحلق. أنا لا أضمن أنني على خير. يبقى المؤمن على وجل من عمله، يخاف أن يكون هذا عمله في شائبة الرياء أو شائبة العوج.

رغم أن هذا العالم دعا لله عز وجل وسأله رحمته في هذه الروح.

نعم، وطلبت منه وسألته الدعاء، فقال: ما اسم قد له؟ فرفع يديه أمامي ودعا بالاسم، فإذا هو يعول على رحمة الله.

إذن، المؤمن بين الخوف والرجاء، لا يزيد الخوف على الرجاء، ولا يزيد الرجاء على الخوف، فلا يحصل إفراط ولا يحصل تفريط. مثلاً في الخوف، إذا يوجد إفراط في الخوف، فهذا يصيب باليأس من روح الله، وبالتالي لا يبالي. وإذا حصل تفريط في الخوف وعدم العناية بالخوف، فهذا يتجرأ على المعاصي، يتجرأ على الانتقام. إذن، لا إفراط ولا تفريط بل يوجد اعتدال.

إذن، الثمرة تكمن بين الخوف والرجاء إذا أدت إلى الاستقامة. والمراد بالاستقامة هو الاعتدال من دون إفراط ولا تفريط.

جميل، جزاكم الله خيرًا. الكلام جداً جميل وواضح.

ولكن، سمحت الشيخ، دعونا نذهب إلى السؤال الثالث: ما هو دور الخوف والرجاء في العلاج وإصلاح الإنسان؟ كالشخص البشري، وكيف نستطيع أن ننجح في عملية التغيير الاجتماعي باستخدام هذا المفهوم؟

كون الإنسان بين الخوف والرجاء داخليًا ونفسيًا له انعكاس خارجي على الإنسان في الحياة الاجتماعية، ويتمثل في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

بعض الناس في الحياة الاجتماعية يرجو الناس، ويخاف الناس، دائماً محط نظره كسب رضا الناس، والخوف من أذية الناس. مثل هذا الشخص يبتلى بماذا؟ مثل هذا الشخص يبتلى بالرياء، يبتلى بالممارات، يبتلى بعدة أمور، مثل ذاك الشخص الذي دخل إلى المسجد يصلي، فسمع صوتًا من خلفه وظن أن رجلاً قد دخل إلى المسجد، فخشع في صلاته. فلما انفتل من صلاته والتفت إلى خلفه، وإذا به كلب قد دخل المسجد، فكانت تلك الصلاة صلاة الكلب، يعني هو خشع في صلاته رجاء رضى الكلب.

وهكذا من ذهب إلى الجبهة وقتل في المعركة، فقال الناس: فلان شهيد، قتل في سبيل الله، فقال النبي صلى الله عليه وآله: هذا شهيد الحمار، لأنه خرج للقتال دون حماره.

خوف الله داخليًا، ورجاء رحمة الله وثواب الله، داخليًا وقلبياً، لأن له انعكاس خارجي واجتماعي في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أن أمر بالمعروف جلبًا لرضى الله، وأنهى عن المنكر كسبًا لثواب الله، ولا تأخذني في الله لومة لائم.

البعض لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، يقول لك: لا تعور راسك، خل كل واحد على راحته، هذا غير صحيح، نتيجة خوف الناس مكان خوف الله ورجاء محبة الناس بدل محبة الله، سقطت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لذلك، يقول النبي صلى الله عليه وآله: "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، وإلا سلط الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟"

قيل: "أو يكون ذلك يا رسول الله؟"

فقال: "كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفًا؟".

هذا كله نتيجة التساهل، خوف الناس، مثل ما في المثل السوري: "يقولون خليك مثل الوتر، من وين ما يدقوا برن"، يعني على الموجة، على النغمة، المؤمن ليس هكذا؛ المؤمن ليس على موجة الناس، المؤمن يتكلم، يعتقد، يتحرك، يعمل وفقًا لمرضات الله وحده لا شريك له. لا يرى إلا الله، لا يرى في الوجود إلا الله وما سواه عدم.

إذن، المؤمن لا يخاف إلا الله، ولا يرجو إلا رحمة الله، وهذا من معالم فكر الإمام الخميني، "العالم محضر الله، فلا تعصوا الله في محضره"، يعني الله حاضر في كل مكان. ما دام الله حاضر؟ أنت كيف تعصيه وهو أمامك؟ العالم محضر الله، فلا تعصوا الله في محضره.

وأيضًا نكتة أخرى من معالم فكر الإمام الخميني: "لا يؤثر في الوجود إلا الله".

لذلك يقول: "أنا لم أعرف الخوف في حياتي"، السيد الإمام الخميني لم أستشعر الخوف في حياتي يقول: "حينما جاء السافاك وأخذوني من بيتي في قم، وأخذوني إلى طهران، يقول: في الطريق انحرفت السيارة عن الجادة، وأحسست أنهم سينهون أمري، فنظرت إلى قلبي فلم يتغير شيء ولم أخاف".

هذا طبعًا مقام، ما يحصل بالكلام، أنا وأنت نتكلم، لكن هذا المقام مقام عظيم، هذا المقام متى يصل إليه المؤمن؟ تدل الرواية هكذا تقول: "من خاف الله عز وجل وحده، أخاف الله منه كل شيء، ومن خاف الناس، أخافه الله من كل شيء".

إذن، المهم أن يكون متعلق الخوف هو الله رب الأرباب، متعلق الخوف والرجاء هو الله وحده لا شريك له. إذن، المؤمن بين الخوف والرجاء؛ هذه المقولة لها انعكاس في الحياة الاجتماعية، لها ثمرة في الحياة الاجتماعية، وهي تتمثل في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخوف الله وحده ورجاء الله وحده.

أحسنتم نذهب إلى فاصل. نعدكم، إن شاء الله، مشاهدين الأكارم. فاصل ونواصل، فابقوا معنا.

حياكم الله مشاهدين الأكارم، أهلاً ومرحباً بكم مرة أخرى. عدنا إليكم من بعد فاصل قصير إلى برنامجكم "مفاتيح الفلاح".

كما أود أن أذكركم، يمكنكم التواصل معنا عبر الأرقام الظاهرة أسفل الشاشة للإدلاء بمشاركاتكم العطرة. فأهلاً ومرحباً بكم.

موضوعنا لهذه الليلة وفي هذه الحلقة هو الخوف والرجاء، وتحدث لنا سماحة الشيخ العزيز عن تعريف ومعنى الخوف ومعنى الرجاء، وقلنا بأن الخوف والرجاء يكونان مثمرين عندما يكونان متوازنين؛ لا أكثر ولا أقل عن بعضهما، أي الخوف يساوي الرجاء.

والاستقامة والتعادل بينهما على كفة الميزان كما يقول، وقلنا بأن دور الخوف والرجاء في العلاج وإصلاح الإنسان هو مخافة الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

هكذا نمضي في مجتمع قوي يخاف الله عز وجل ويرجو الله ورحمة الله عز وجل. والآن وصلنا إلى موضوع الخوف، وسنتعرف مع سماحة الشيخ العزيز عن أنواع الخوف، بعون الله تعالى. حياكم الله سماحة الشيخ. عدنا إليكم، رب يحفظكم. إذن، نتحدث عن أنواع الخوف.

الخوف ينقسم إلى قسمين: خوف ممدوح وخوف مزموم. الخوف الممدوح له صور:

الصورة الأولى: الخوف من الله.

الصورة الثانية: الخوف من الذنوب والعيوب.

الصورة الثالثة: الخوف من سوء الخاتمة وسوء العاقبة.

فهذا خوف ممدوح، إذا الإنسان يخاف الله عز وجل، إذا الإنسان يخاف من ذنوبه، فيقول: "سودت وجهي ذنوبي عطلت ركناً شدادي..

من يلهيه المرديان المال والأمل..

لم يدري ما المنجيان، العلم والعمل..

يا منفق العمر في عصيان خالقه أفق فإنك من أسر الهوى ثمل..

تعصيه لا أراك من خوفه وجل.."

إلى آخر الأبيات العظيمة للشيخ حسن الدمستاني البحراني، صاحب الملحمة الحسينية:

"أحرم الحجاج عن لذاتهم بعض الشهور وأنا المحرم عن لذاته كل الدهور كيف لا أحرم دأباً ناحراً هدي السرور وأنا من مشعر الحزن على رزء الحسين".

صاحب ملحمة عريقة في الثورة الحسينية، وصاحب أراجيز وكلمات من أهمها ما ذكره في العلم والعمل.

فإذا الإنسان خاف الله عز وجل، خاف سوء الخاتمة، وخاف من ذنوبه، وخاف سوء العاقبة، والخاتمة، فهذا خوف ممدوح، وفي مقابله، الخوف المذموم. مثل ماذا؟ الخوف من الموت، الموت حقيقة.

أينما تذهب فالموت معك..

إنه الظل الذي لن يدعك..

أولياء الله ماتوا وكذا أعداؤه..

أفهل يكتب رب الخلد لك؟!

لو ملكت الدور والحور وكان الكون لك..

بيتك الدائم، قبر! ليس في ذلك شك..

إنما الأمراض والأحداث للموت شبك..

خائف من الموت، "تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً".

إذن، الخوف المذموم له صور:

الصور الأولى: الخوف من الموت.

الصور الثانية: الخوف من الأمور المفزعة، كالخوف من الجن، البعض يخاف من ذكر الجن مع أن الجن مخلوق، والإنسان مخلوق وله عالمه، والجن مخلوق وله عالمه، فلمَ الخوف والفزع من الجن؟! ولمَ الخوف من الموت؟! وهكذا سائر أنواع الخوف الذي يستند إلى خوف ماعد الله عز وجل.

فخوف الله وما يتصل بخوف الله، كالخوف من الذنوب، وخوف سوء العاقبة والخاتمة، هذا خوف ممدوح؛ لأن مرجعه إلى الله عز وجل.

أما الخوف المذموم، فهو الخوف الذي يتصل بما عدا الله تبارك وتعالى، ينبغي على الإنسان المؤمن أن لا يخاف إلا الله، وأن لا يخشى إلا الله، فخوف الله ممدوح، وخوف ماعد الله مذموم.

إذن، ينقسم الخوف إلى قسمين أو أنواع الخوف على نوعين:

النوع الأول هو الخوف الممدوح، وهو خوف الله وما يتصل به.

النوع الثاني هو الخوف المذموم، وهو خوف ماعد الله تبارك وتعالى.

سبحان الله! جميل، سماحة الشيخ. إذن، هذه أنواع الخوف: الخوف الممدوح والخوف المذموم. فإذن هذا بالنسبة إلى الخوف، ولكن ماذا عن الرجاء؟ إذا قلنا ما هي أنواع الرجاء وكلمات الأئمة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم عن الرجاء، مثلاً؟ وكأنما الليلة مثلاً ليلة الجمعة، في دعاء كميل، مثلاً، ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء". فأعطانا الإمام عليه السلام هذه الروح لطلب الرجاء من الله عز وجل بالرحمة والمغفرة.

ولكن ما هي أنواع الرجاء في كلام المعصومين؟

الرجاء أيضاً ينقسم إلى قسمين أو الرجاء على نوعين: رجاء ممدوح ورجاء مذموم.

الرجاء الممدوح هو الأمل، والرجاء المذموم هو التمني.

أما بالنسبة إلى الأمل، فرق بين الأمل وبين طول الأمل، المذموم هو طول الأمل، وليس نفس الأمل، والروايات التي ذمت الأمل، فنظرها إلى طول الأمل، وإلا الإنسان لا يعيش بدون أمل، يعني أنت الآن، لو تشعر أن أنت ستموت، ما تجي إلى الاستوديو، صحيح؟ ولو الآن تحس أنك ستتموت، ما تكمل الحلقة.

سبحان الله. وهكذا المشاهد، لو يحس الآن بيموت، يذهب يذكر الله، يقرأ قرآن، ما يطالع الحلقة، صحيح؟

نعم. فالإنسان لا يعيش بدون الأمل، الإنسان يخرج إلى العمل وعنده أمل في الرزق. نعم، يخرج إلى المستشفى للعلاج وعنده أمل في حصول الشفاء، يخرج إلى الدراسة أو المدرسة أو الجامعة وعنده أمل في الحصول على شهادة.

الإنسان لا يعيش بدون أمل، بل لا يتحرك بدون أمل، إذا انعدم الأمل عند الإنسان، فإنه يموت داخل حياته. فالممقوت ليس هو الأمل. الإنسان لا يعيش بدون أمل، الممقوت هو طول الأمل.

التفت النبي صلى الله عليه وآله إلى أبي ذر الغفاري فقال: "يا أبا ذر، كم أملك؟" قال: "يا رسول الله، أمسي لا أدري، أصبح أو لا أصبح". فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "يا أبا ذر، إنك لطويل الأمل، تطبق جفنك لا تدري تفتحهما أو لا، تفتح جفنك لا تدري تطبقهما أو لا".

إذن، حينما قال النبي: "كم أملك"، يعني ما هو مقدار طول أملك؟ فالممقوت هو طول الأمل، النبي هكذا يقول: "إني أخوف ما أخاف عليكم أمر الهوى وطول الأمل، أما الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة".

إذن، النوع الأول من أنواع الرجاء هو الرجاء الممدوح، والمراد بالرجاء الممدوح الأمل بالله تبارك وتعالى، الإنسان يكون عنده أمل، يمرض، يأمل أن الله يشفيه، يصيبه مشكلة، يأمل أن الله يحل له المشكلة، فالأمل بالله هو الرجاء الممدوح.

النوع الثاني..

قبل الذهاب إلى النوع الثاني، لدينا اتصال مع الأخ محمد.

محمد، لخدمتكم إن شاء الله. السلام عليكم أخي العزيز.

حياكم الله، وعليكم السلام ورحمة الله تعالى. بولادة إمامنا الباقر عليه السلام، باقر علوم النبيين. وإعطانا الله وإياكم من محبيهم ومن ينال شفاعتهم في الدنيا وعلى سفره.

والسلام إلى سماحة الشيخ الأستاذ على بيانه. الله أكبر! لقد تحدث الشيخ في بداية الحلقة حول اليأس من رحمة الله. وورد عن إمامنا الهادي عليه السلام: "المصيبة للصادر واحدة، وللساجد اثنان". ممكن ترفع صوتك أخي العزيز؟

أخي محمد، أرجوك، ترفع صوتك شوي. نعم، نعم. لقد تحدث الشيخ عن اليأس من رحمة الله في بداية الحلقة، فقال إمامنا الهادي عليه السلام في هذا الكلام: "المصيبة للصادر واحدة، وللساجد اثنان". وكذلك تحدث الشيخ عن مفاصل الخوف وآثار الرجاء. وهناك رواية في هذا الكلام عن إمامنا الصادق عليه السلام: "قال: يا ابن جندب، يهلك المتكل، يهلك المتكل على عمله ولا ينجو المتجرئ بالذنوب الواثق برحمة الله".

قلت: فمن ينجو؟ فقال ابن جندب، سأل الإمام: "قال: لمن ينجو؟ قال له الإمام عليه السلام: الذين هم بين الخوف والرجاء، كانت قلوبهم في محلب طار شوقًا إلى الثواب، وخوفًا من العذاب".

الخوف هو حالة من حالات الطلب المسببة إلى شنو؟ انتظار المكروم. نعم، نعم. لذلك قال أمير المؤمنين: "الخشية من عذاب الله قيمة المتقين". وكذلك قال إمامنا الباقر عليه السلام: "تحرز من إبليس بالخوف الصادق، وإياك والرجاء الكاذب، فإنه يوقعك بالخوف الصادق، سلام الله عليه".

ولو هناك رواية أدخلكها، ولو الوقت لا يسمح لي. الله يحفظك. رواية عن أبي هشام الجحفري، قال: "لقد أصابتني ضيقة شديدة". هذه الرواية تدعم الكلام. كما تحدث في بداية الحلقة حول اليأس.

نعم. قال عن أبي هشام الجعفري، وهو من نسل جعفر الطيار عليه السلام: "لقد أصابتني ضيقة شديدة فصرت إلى أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام، فاستأذنت عليه فأذن لي. فلما جلست، قال: يا أبا هاشم، أي نعم الله عليك، تريد أن تؤدي شكرها؟". قال أبو هاشم: "فوجمت"، يعني سكت، فلم أدرِ ما أقول.

فابتدأني عليه السلام، الإمام الهادي عليه السلام، فقال: "إن الله عز وجل رزقك الإيمان، فحرم به بدنك على النار، ورزقك العافية، فأعانك على الطاعة، ورزقك القنوع، فامتنعك عن الابتذال، ورزقك القنوع، فصانك عن الابتذال.

يا أبا هاشم، إنما ابتدأتك بهذا لأني ظننت أنك تريد أن تشكو لي من فعل بك هذا، فقد أُمرت لك بمئة دينار، فخذها". فهنا الإمام عالج مادياً وروحياً. سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته.

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته. أحسنتم أخي، الحمد لله. طيب الله أنفاسكم، جزاكم الله خير الجزاء على هذه المداخلة العطرة، وفقكم الله لما يحب ويرضى إن شاء الله.

بمساعدة الله وقوته، أعود لكم بسماحة الشيخ، رب يحفظكم ويسلمكم، كنا نتحدث عن أنواع الرجاء وتفضلتم بالنوع الأول، وصلنا إلى النوع الثاني. والحديث لكم:

النوع الثاني من الرجاء هو الرجاء المذموم، وهو التمني. أن يتمنى الإنسان يعني طول الأمل.

يطول أمله بإبليس والدنيا ونفسي والهوى؛ كيف الخلاص وكلهم أعدائي؟!

يعيش في هذه الدنيا وتغرقه الأماني، وأكثر الناس هكذا يفكر، يقول: "أنا بس أريد أزوج، بس أريد أولاد، بس أريد أعلمهم، بس أريد أكلهم، بس أريد أزوجهم"، وهكذا يغمض يفتح خلصت الدنيا، وهو كله في الأمل، يأمل أن يزوج، ويأمل أن ينجب أولاداً، ويأمل أن يبني بيتاً، ويأمل ويأمل ويأمل، ثم ماذا؟

هذا مطلوب، هذا مطلوب "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق؟!" هذا الله عز وجل خلقها للمؤمن قبل الكافر، هذا مطلوب، ولكن الانشغال بها غير مطلوب، الانشغال بالدنيا وملذاتها هو الأمل وطول الأمل، هذا التمني، التمني وطول الأمل.

إذن، النوع الثاني من أنواع الرجاء هو الرجاء المذموم، وهو التمني والركون إلى الدنيا، ونسيان الله تبارك وتعالى.

طيب، هذا كلام جميل. اليوم تحدثنا عن الرجاء وعن الخوف والرجاء، ولكن في هذه الدقائق المعدودة المتبقية، سماحة الشيخ، إذا أمكن، في هذا الشهر العظيم، وهو بداية شهر الرجاء، أن تعطونا نصيحة للأخوة المشاهدين، ولي بالبداية عن كيفية اكتساب هذه المواضيع الأخلاقية التربوية للنفس في هذا الشهر الفضيل وأهمية.

عليكم بأدعية أهل البيت، عليكم بأدعية أهل البيت، عليكم بأدعية أهل البيت. مثلاً نحن في رجاء دعاء الرجاء:

"يا من أرجوه لكل خير، وأعوذ بصخطه عند كل شر، يا من يعطي الكثير بالقليل، يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله ولم يعرفه، تحنناً منه ورحمة، أعطني بمسألتي إياك جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة، واصرف عني بمسألتي إياك جميع شر الدنيا وشر الآخرة. فإنه غير منقوص ما أعطيت، وازدني من فضلك يا كريم، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا المعالي والجود، يا ذا المن والفضل".

والدعاء مروي عن الإمام الصادق، قال: فأمسك بشيبته وحرك سبابته اليمنى "حرم شيبتي على النار يا كريم".

أحاديث وأدعية أهل البيت عليهم السلام مليئة بالخوف والرجاء، المعروف عندنا دعاء كميل لأمير المؤمنين والمناجاة الشعبانية، مثلاً في المناجاة الشعبانية:

"ولئن أدخلتني النار، أعلمت أهلها أني أحبك"، هذا رجاء يعني "وحبي لك شفيعي إليك".

وهناك صحيفة، لعلها غير معروفة بين الناس، ولكنها عظيمة، وهي الصحيفة العلوية المعروفة والصحيفة السجادية لإمام زين العابدين، المروية عن الشهيد يحيى بن الشهيد زيد بن الإمام علي من حسين زين العابدين.

عندنا الصحيفة العلوية، جمعها سماحة الشيخ الفقيه عبد الله بن صالح السماهيجي رحمة الله، كان شيخ الإسلام، هو من البحرين، وجاء إلى إيران، إلى أصفهان، وأصبح شيخ الإسلام في الدولة الصفوية، ثم رجع إلى شيراز وتوفي هناك.

في هذه الصحيفة العلوية توجد أدعية لأمير المؤمنين أشعار، منها هذا الشعر:

"تعاليت يا ذا الجود والمجد والعلا، تباركت تعطي من تشاء وتمنع".

"إلهي وخلاقي وحارزي ومنولي، إليك لدى الإعساء واليسر، أفزع".

"يا الله! إلهي، لإن لم تعطي نفسي سؤالها، فمن ذا الذي أرجو، ومن ذا أشفعه؟".

ففيها جاءت مفردة الرجاء، أكثر الأدعية والزيارات وأحاديث أهل البيت مليئة بالخوف والرجاء.

يا الله! أحسنتم، جزاكم الله خير جزاء. طيب الله أنفاسكم على هذه النصيحة الجميلة. أتمنى إن شاء الله أن أكون أول الناس المستمعين والمشاهدين أن أبحث عن هذه الصحيفة العلوية، لأن صراحة أنا إلى حد هذه اللحظة لا أستطيع أن أقول إنني قرأتها كاملة، ولكن...

كل الأئمة لهم صحائف الآن، مؤسسة الإمام المهدي طبعوا الصحيفة العلوية، والصحيفة السجادية، والصحيفة الحسنية، والصحيفة الحسينية، والصحيفة الصادقية، والصحيفة العسكرية، كل الأئمة يعني جمعوا أدعية جميع الأئمة في صحيفة، لكن أشهر الصحائف هي الصحيفة السجادية، ووصلتنا بسند صحيح وبعدها في الشهرة الصحيفة العلوية المباركة.

يا الله، جميل، جزاكم الله خير الجزاء. طيب الله أنفاسكم، سماحة الشيخ. وفقكم الله إن شاء الله لكل خير. وانتظروا منا صالح الدعاء إن شاء الله، والإخوة المشاهدين في عمل الله تعالى.

وشكراً جزيلاً لكم، وشكراً موصولاً لكم أحبتي المشاهدين. جزاكم الله عنا كل خير. أتمنى أن تكونوا قد استفدتم من هذه الحلقة المثمرة. واقعاً، استودعكم في أمان الله وحفظه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. اللهم عجل لوليك الفرج بحق محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين. استودعكم في أمان الله وحفظه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته