• البث المباشر
  • البث المباشر

    دروس الخارج لسماحة الشيخ عبدالله الدقاق حفظه الله

المحاضرات

آية الله مصباح كما رأيته

07

يناير | 2025
34

آية الله مصباح كما رأيته

مشاركة سماحة الشيخ عبدالله الدقاق (حفظه الله) في الذكرى السنوية الرابعة لرحيل الفيلسوف الإسلامي الكبير آية الله العلامة الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (رحمه الله)، وذلك بحضور كبار الشخصيات العلمية الحوزوية والجامعية، وذلك من خلال كلمة ألقاها تحت عنوان: آية الله مصباح كما رأيته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 آية الله مصباح كما رأيته

قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم وخطابه المجيد: بسم الله الرحمن الرحيم: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم.

نلتقي جميعًا لإحياء الذكرى السنوية الرابعة لعالم جليل عرف بخشيته لله، ألا وهو سماحة آية الله المجاهد المفكر الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي، رحمه الله.

آية الله مصباح كما عرفته، أو آية الله مصباح كما رأيته، في هذه الكلمة نتحدث عن خصائص ومميزات الشيخ مصباح اليزدي كما رأيته بعيني.

 

الخصيصة الأولى: مفكر إسلامي أصيل.

الحوزة العلمية خرجت الكثير من الفقهاء والفلاسفة والمفسرين والأصوليين، ولكن الدهر يعصر نفسه عصرا حتى يجود علينا بمفكر كالشهيد السيد محمد باقر الصدر، والشهيد الشيخ مرتضى مطهري، والسيد محمد حسين الطباطبائي.

آية الله مصباح اليزدي كان شخصية جامعة في الفقه فهو فقيه، وفي التفسير فهو مفسر، وفي الفلسفة هو فيلسوف، لكن الجانب الأبرز في حياته أنه مفكر يمتلك أصالة فكرية.

هذا الشيخ الجليل وقف كالأسد في مقابل جبهة الثاني من خرداد، وحينما جاءت الأفكار من هنا وهناك تصدى لهم في خطب صلاة الجمعة، فكان يلقي كلمات قبل خطب صلاة الجمعة في طهران، ثم بعد ذلك كُتبت وطبعت بعنوان "النظرية السياسية في الإسلام".

لقد ذكرنا بالشهيد السعيد سماحة آية الله الدكتور السيد محمد حسين بهشتي، ففي أوائل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، نشط حزب تودة، فخرج الشهيد بهشتي في مناظرة تلفزيونية على الهواء مباشرة مع أحد قادة حزب تودة وهزمهم شر هزيمة، وبذلك ولى حزب تودة كان حزب تودة في ذلك الزمان يُقال إنه يضم قرابة سبعة مليون منتسب إلى هذا الحزب الشيوعي، كسرهم آية الله بهشتي بمنطقه وفكره النير.

وهكذا فعل سماحة آية الله مصباح اليزدي، فبعد مجيء الرئيس السيد محمد خاتمي وقوة حركة الإصلاح وجبهة الثاني من خرداد، تصدى لهم آية الله مصباح اليزدي وخرج في مناظرة متلفزة على الهواء مباشرة مع الشيخ الدكتور حجتي كرماني.

ورأيت هذه المناظرة، كنت أشاهدها، وفي نهاية المناظرة قال له الشيخ حجتي كرماني: "أنت أستاذ محكم وقوي"، أقر له بقوته.

وقد شهدنا إرهاصات وتداعيات تصديه لذلك، حينما بعض الجرائد رسمت كاريكاتير تهينه وقامت المظاهرات.

على كل حال، الشيخ مصباح اليزدي مفكر إسلامي أصيل بامتياز، وذكّرنا بما ورد في تفسير الإمام العسكري صلوات الله وسلامه عليه عن رسول الله أبو القاسم محمد: "علماء أمتي مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته يمنعونهم من الوصول إلى ضعفاء شيعتنا"، لقد كان آية الله اليزدي مصداقًا بارزًا لهذا الرواية الشريف.

إذن، أولى الخصائص المهمة التي تميز بها آية الله مصباح اليزدي أنه مفكر إسلامي يمتلك فكراً أصيلاً وهمّة كبيراً.

أتذكر في يوم من الأيام قال في مجلس الدرس في درس الأخلاق: "كنت في الولايات المتحدة الأمريكية ونظرت من شرفة المبنى الذي أسكن فيه فرأيت مبنى كبيرًا، قلت: ما هذا المبنى؟

فقالوا لي: هذا المبنى للشواذ، وهم يعملون على كتابة أبحاث ودراسات لترويض الشذوذ وما يُسمى بالمثلية الجنسية في زماننا هذا".

يقول: "لقد تعجبت، قلت: هؤلاء الشواذ لديهم هكذا مؤسسة لكتابة أبحاث ودراسات، ونحن الإسلاميون ألسنا بحاجة إلى مؤسسة تعمل على كتابة هذه الأبحاث والدراسات؟"!

الخصيصة الثانية: رجل المؤسسات القوية.

لقد أسس العديد من المؤسسات، منها مؤسسة في طريق الحق، وكانت تنشر الكثير من الكتيبات والكتب والمنشورات في مختلف أرجاء إيران، ثم مؤسسة الإمام الباقر عليه السلام، ثم مؤسسة الحوزة والجامعة، ثم مؤسسة الإمام الخميني للدراسات والأبحاث، التي أرسلت العديد من الطلاب لنيل شهادة الدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.

ومن الملفت للنظر أن أكثر مؤسسات آية الله مصباح تعليمية، والسر في ذلك: أنه ينطلق من بنية فكرية يؤمن بها، وهي أن المجتمع له عدة مؤسسات، مثل: مؤسسة الأسرة، ومؤسسة التربية والتعليم، وهكذا توجد عدة مؤسسات في المجتمع، وأهم مؤسسة هي مؤسسة التربية والتعليم، لأن التربية والتعليم تصوغ عقلية الأسرة، وتصوغ عقلية المسجد والحسينية والاجتماع العام، ومن هنا ركز آية الله مصباح اليزدي على التربية والتعليم.

الخصيصة الثالثة: أستاذ مقتدر، أعطاه الله بيانًا ساحرًا وشخصية جذابة.

حضرت عند الكثير من الأعلام، لكني وجدت آية الله مصباح يمتلك مغناطيسًا يجذب المستمعين والطلاب، حضرت عنده دروس الأخلاق، ولكن الطالب في ذلك الدرس لا يتعلم الأخلاق فقط، بل يتعلم الهم الإسلامي، ويتعلم السياسة الممزوجة بالأخلاق، ويتعلم التربية الممزوجة بالأخلاق، لقد كان درسه محفلاً يجمع الكثير من المؤمنين والأحباب.

وهذا الرجل استطاع أن يسد ثغرًا، كما يقول، لأمر المسلمين سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني الخامنئي حفظه الله، قال في حق آية الله مصباح اليزدي: "نحن وإن كنا نفتقد اليوم السيد محمد حسين الطباطبائي والشهيد مطهري، لكن بحمد الله آية الله مصباح اليزدي قد سد هذا الفراغ وسد هذه الثغرة في يومنا هذا"، ولكن من يسد الثغرة بعد آية الله مصباح اليزدي؟!

الخصيصة الرابعة لآية الله مصباح اليزدي: هي التواضع وتقدير العلماء.

كان محبًا للعلماء، شخصيًا لم أعرِف في حياتي شخصًا يقدس العلماء كما رأيت آية الله مصباح اليزدي بأم عيني، على الرغم من مقامه الرفيع فهو فقيه وفيلسوف ومفسر ومفكر، إذا رأى عالمًا ينحني لتقبيل يده.

أول مرة رأيت ذلك حينما كرم المجمع العالمي لأهل البيت سماحة آية الله السيد مرتضى العسكري رحمة الله عليه في طهران، وجيء بآية الله مصباح اليزدي لتكريم آية الله السيد مرتضى العسكري، فتفاجأت أن آية الله مصباح انحنى وقبل يد آية الله مرتضى العسكري، هذا موقف رأيته بأم عيني أمام التلفاز والكاميرات.

موقف آخر رأيته حينما جاء لزيارة سماحة آية الله المجاهد الشيخ عيسى أحمد قاسم حفظه الله، وزاره العلماء، اللقاء المميز كان زيارة آية الله مصباح اليزدي لسماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم، دخل آية الله اليزدي مع ابنيه الشيخ مجتبى والشيخ عيسى، وما إن وصل إلى الكرسي الذي يجلس عليه آية الله قاسم، وإذا به يلقي بعصاه وينحني على يد آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم لكي يقبلها.

يوجد أيضًا مقطع فيديو يوضح الشيخ مصباح وهو ينتظر مكتب قائد الثورة الإسلامية وولي أمر المسلمين آية الله السيد علي الخامنئي حفظه الله ما إن دخل السيد القائد الخامنئي، فإذا بآية الله مصباح ينحني على يده لتقديمها.

ومن الأدب الجم والرفيع أذكر لكم هذه الخاطرة: في يوم من الأيام، دُعي سماحة آية الله الشيخ مصباح اليزدي إلى البحرين، بلدي، لكي يلقي كلمة. وفي ذلك الوقت، شهدت البحرين انفتاحًا، فكثير من علماء إيران والعراق ولبنان قد جاءوا إلى البحرين للخطابة وإلقاء الكلمة، ودُعي آية الله مصباح اليزدي.

لكنه آية الله مصباح اليزدي احضرني وقال لي: "لن أذهب إلى البحرين إلا بأمر من سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم، فذهبت إلى البحرين وكان الشيخ عيس في البحرين. قلت له: "الشيخ مصباح دُعي لإلقاء كلمة، وهو يستأذنك". فقال: "هذا تواضع جم من آية الله مصباح، فلتكن رسولي إلى آية الله مصباح، وقل له: إن الشيخ وعلماء البحرين يرحبون بمقدمك المبارك".

فلما رجعت إلى إيران وجلست معه، وقلت له: إن الشيخ يرحب بك، بعد ذلك ذهب إلى البحرين وكان برنامجه حافلاً كما كان برنامجه حافلاً في لبنان.

الخصيصة الخامسة، واختم ولعلها أهم الخصائص: هي شدة تعلقه بأهل البيت وتوسله بهم.

رزقنا الله وإياكم في زيارة الرضا من آل محمد، صلى الله عليه وسلم، رأيت الكثير من العلماء في زيارتهم للإمام الرضا، لكن تعلقت باثنين:

الأول هو آية الله الأغمق الشيخ محمد تقي بهجت، له زاوية معروفة مقابل ضريح الإمام الرضا، كما أن موضع قبره هو المكان الذي يستريح فيه بعد زيارته للمعصومة سلام الله عليها.

والثاني هو آية الله مصباح اليزدي، حتى في أواخر عمره، على الرغم من كبر سنه، كنت أراه يجعلون له كرسيًا ويسجد على العصا لأنه لا يستطيع أن يسجد على الأرض.

فكان، لعله، يصلي صلاة نافلة، وكان شديد التعلق بالإمام الرضا وبأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.

واختم بهذه الخاطرة:

في يوم من الأيام كان هناك اجتماع خاص مع آية الله الشيخ مصباح اليزدي في مشروع عمل طرح ما عنده، ولاحظت احترامه وتوقيره للإمام القائد الخامنئي، قال: "أنا طرحت خمس نقاط، وعلى الرغم من ذلك، استشير السيد القائد الخامنئي". قال هذا الرجل عجيب وغريب، قال: "الإمام الخامنئي يحضر جلسة مع مستشارين عسكريين وجنرالات وهو ليس عسكريًا، فيبدي وجهة نظر يتعجب منها العسكريون. يقولون: نحن جنرالات ولم نلتفت إلى هذه النقطة، والسيد الخامنئي يلفتهم إلى هذه النقطة".

لذا يقول: "مهما فكرت، حاول أن تستشير الإمام القائد، فلعله يفيدك بنقطة".

في الختام، قلت له: "شيخنا، أنت الآن نيفت على الثمانين، أريد منك نصيحة في كلمة واحدة تكون خلاصة عمرك وأستفيد منها في حياتي العلمية والعملية، في مقام العلم وفي مقام العمل".

قال: "التوسل"، ثم قال: "انظر إلى حرم السيدة فاطمة المعصومة وإلى حرم الإمام الرضا صلوات الله وسلامه عليه. فإن التوفيقات توجد على بعد أميال من ضريحيهما".

ثم قال: "نحن نفكر ونجلس ونخطط، وهذا مطلوب، ولكن أحيانًا لحظة بالتوسل، وهي واحدة تعبر هذه المحطات جميعها وتصل إلى الفكرة من دون حاجة إلى كل هذا التخطيط، فعليك بالتوسل".

وأمر ملفت دائمًا أنه في دروسه ومحاضراته يبدأ بدعاء الإمام الحجة: "اللهم كن وليك الحجة ابن الحسن، صلواتك عليه وعلى آله، في هذه الساعة وفي كل ساعة، وليًا وحافظًا، وطائدًا وناصراً، ودليلاً وعينًا، حتى تسكنه أرضك طؤا، وتمتعه فيها طويلاً برحمتك يا أرحم الراحمين، وصل اللهم على سيدنا ونبينا محمد وآل الطيبين الطاهرين"