-
البث المباشر
دروس الخارج لسماحة الشيخ عبدالله الدقاق حفظه الله
-
المحاضرات
13
يناير | 2025كيف نحفظ دماء الشهداء؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.
كيف نحفظ دماء الشهداء؟
قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم وخطابه المجيد: بسم الله الرحمن الرحيم: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون" آمنا بالله صدق الله العلي العظيم.
أرحب بجميع الإخوة والأخوات من باكستان العزيز.
نلتقي جميعاً لتكريم شهداء الإسلام العظام، تكريم الشهيد السعيد السيد عارف الحسيني من باكستان، وتكريم الشهيد العزيز السيد محمد باقر الصدر، والشهيد أبو مهدي المهندس من العراق، وتكريم الشهيد الحاج قاسم سليماني من إيران، وتكريم الشهيد السعيد حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله من لبنان، وتكريم الشهيد السيد هاشم صفي الدين من لبنان، وتكريم الشهيد إسماعيل هنية من فلسطين.
وهكذا نكرم جميع شهداء الإسلام العظام في كل مكان.
وهنا يطرح السؤال التالي: كيف نحفظ دماء الشهداء؟
الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وقد مضوا إلى ربهم ولا يحتاجون إلينا، ولكن كيف نحفظ قيمة دماء الشهداء عندنا في حياتنا الدنيا قبل أن يقوم الأشهاد؟ سؤال يطرح نفسه، قدمنا المزيد من الدماء والشهداء، ولا زلنا نقدم الكثير من الدماء في الوداء، والقافلة تسير، وهي قافلة الصادقين مع الله "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"، "من المؤمنين رجال صدقوا مع الله فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً" رزقنا الله وإياكم جميعاً الشهادة في سبيل الله.
كيف نحفظ دماء الشهداء؟ وهذا يقودنا إلى سؤال آخر: ما هي أركان المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية القوية؟ كيف يكون المجتمع مجتمعا قوياً ناهضاً واقفاً أمام التحديات القوية؟ كيف يكون المجتمع فاعلاً لا منفعلاً؟ كيف يكون المجتمع صانعاً للأحداث لا أنه يجري على وفق الأحداث بحكم ردة الفعل؟
الجواب: الأمة القوية هي التي تتوفر فيها ثلاثة أركان:
الركن الأول: قيادة العلماء والفقهاء، فلا بد من تجذر قيادة المرجعية الدينية وولي الأمر في مختلف البلدان الإسلامية، ولاية الفقيه خط النجاة.
الركن الثاني: دماء الشهداء، دماء الشهداء هي التي تجذر وتعمق قيادة الفقهاء وأقوال العلماء والمراجع وفقهاء المسلمين.
الركن الثالث: الوحدة الوطنية والإسلامية، فلو في مجتمع من المجتمعات توجد قيادة للعلماء والمراجع من جهة، وتوجد دماء الشهداء من جهة أخرى، لكن لا توجد وحدة وطنية ولا توجد وحدة كلمة، فهذه الأمة لن تنتصر إذا كان هذا وجماعته، وهذا وجماعته لن تنتصر.
سُئل أحدهم: بما بعث النبي أبو القاسم محمد؟ فقال بكلمتين كإشارة النصر هاتين، قال: "بعث النبي بكلمتين: كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة". كلمة التوحيد: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وتوحيد الكلمة لا على الباطل بل على الحق وعلى كلمة التوحيد.
من هنا يتضح جواب السؤال: كيف نحفظ دماء الشهداء؟
الجواب: بإتباع القيادة العلمائية من جهة، وتوحيد الكلمة من جهة أخرى.
إذا أردنا أن نصبح أقوياء في پرچنارة حيث يقتل الشيعة هناك أو في لاهور أو في إسلام آباد أو في كل بقعة من بقاع الإسلام، فعلينا باتباع الفقهاء أولاً، وتوحيد الكلمة ثانياً.
رحمة الله على المجدد الشيرازي، الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي، صاحب ثورة التنباك، حينما جاءت شركة بريطانية إلى إيران واحتكرت بيع التنباكو والتتن، فأصدر فتواه المشهورة: "استعمال التتن والتعاطي مع هذه الشركة محاربة لإمام الزمان ـ عجل الله فرجه الشريف ـ".
يقال: أصبح الشاه القاچاري يريد أن يشرب القدو والتتن والتنباكو، فرأى أن الأواني قد كسرت وأن التنباكو قد حطم، فقال لزوجته ولجاريته: "من أمركم بذلك، ولم لم تأخذوا أمري؟"
فقالت زوجته: "أمرني الذي حللني عليك"، أي هذا الفقيه الذي جوز لك نكاحي هو الذي حرم عليك تهيئة التتن لك".
يقال: بعد الاستجابة الكبيرة لفتوى التنباكو، قاطع الشعب الإيراني هذه الشركة، وخرجت من إيران، وتمت الاستجابة لفتوى السيد الشيرازي رحمه الله.
يقال: إنه من أحبائه دخل عليه فرآه يبكي، فقال له: "سيدنا، لماذا البكاء وقد استجاب الناس لك؟" فقال: "لقد أدرك الاستكبار والأعداء سر قوتنا وسر قوة التشيع، وهو المرجعية الدينية، وبعد هذا سيستهدفون المرجعية الدينية".
إذن حينما نرى حملة تسقيط للمراجع والفقهاء وولي الأمر، هذه خطط مدروسة قد دبرت بليل، وإذا أردنا أن نحفظ دماء الشهداء فعلينا باتباع القيادة الدينية من جهة، والوحدة الوطنية والإسلامية وتوحيد الكلمة من جهة أخرى.
سؤال يطرح نفسه: ما هي أبرز خصائص وسمات الشهداء، وبما تميز شهداء محور المقاومة؟ الشهداء كثر، لكن تميز الشهيد القائد قاسم سليماني، وتتميز الشهيد القائد عارف الحسيني الذي إلى الآن لم يسد فراغه في باكستان. نعم، تميز الشهيد القائد السيد حسن نصر الله رضوان الله عليهم أجمعين، فما هي أبرز السمات والخصائص التي تحلوا بها وميزتهم عن غيرهم؟
الجواب: هناك صفات وخصائص ترجع إلى الحسن الفاعلي وسلامة النية، وهناك سمات وخصائص ترجع إلى الحسن الفعلي وإتقان العمل.
القسم الأول: الخصائص التي تتعلق بالحسن الفاعلي وصدق النية والتقرب إلى الله كثيرة من أهمها وأبرزها: الإخلاص لله تبارك وتعالى، كانوا لا يرون إلا الله ولا يرون شيئاً آخر غيره، أبرز صفة وسمة هي الإخلاص وصدق النية، وتأتي بعد ذلك الصفات التي تعمق الإخلاص وصدق النية مثل التعبد والتهجد والتوسل بأولياء الله، وصلاة الليل، وغير ذلك مما من شأنه أن يؤثر في تقوية سلامة النية وصدق الداعي.
ولكن ذلك لوحده لا يكفي، ما أكثر الناس الذين تقربوا إلى الله وعندهم إخلاص وصدق نية وعبادة، ولكن لم يوفَّقوا في الميدان، وهذا يقودنا إلى الصفات من القسم الثاني: الصفات والخصائص التي تسهم في إتقان العمل وجودة الموقف.
الحسن حسنان: حسن فعلي وحسن فاعلي، الحسن الفاعلي ناظر إلى سلامة النية كالإخلاص وصدق الموقف، والحسن الفعلي ناظر إلى إتقان العمل وجودة الفعل، فما هي أبرز الخصائص التي تحلى بها القادة الشهداء، ومن خلالها أتقنوا عملهم وغيروا في فلسطين ولبنان والعراق واليمن وإيران والبحرين، وكل مكان؟
أقتصر على بيان ثلاث صفات وأختم ولا أطيل عليكم:
1. قوة التخطيط.
2. صناعة الكوادر البشرية.
3. توفير الإمكانات المادية.
وانظر مثلاً في الشهيد السيد حسن نصر الله، والشهيد القائد قاسم سليماني، والشهيد أبو مهدي المهندس، هؤلاء ثلاثة رجال في إيران والعراق ولبنان لم تقتصر آثارهم على بلدانهم، بل امتدت إلى جميع أرجاء العالم الإسلامي.
والسر في ذلك هو ما امتلكوه من هذه الخصائص الثلاثة.
الخصيصة الأولى: قوة التخطيط، كانوا يمتلكون عقلاً استراتيجياً، كانوا يستقرؤون المستقبل، وكان لديهم قدرة على قراءة الواقع وقراءة مخططات الأعداء، وكتابة مخططات بديلة تواجه مخططات الأعداء، "من نام لم ينم عنه" كانوا من أهل اليقظة والبصيرة.
هذا العقل الاستراتيجي وقوة التخطيط، ما أحرجنا إليه أي قائد في أي مجتمع من المجتمعات الإسلامية والإنسانية، أي شخص يتبوأ موقعاً ويكون في سلم القيادة، فهو بحاجة إلى قدرة على التخطيط، إلى قوة وقدرة استراتيجية.
هذا هو العنصر الأول.
لكن إذا كان الشخص يمتلك قوة فكرية وقدرة على التخطيط ولا يحركها في الميدان، فإن هذه القوة ستبقى قوة نظرية محظاً ولن تتجسد على أرض الواقع، فلا بد من النقطة الثانية، الخصيصة الثانية بناء الكوادر البشرية، وبناء القواعد الإنسانية. الشهيد حسن نصر الله خرج من الكثير من الكوادر حظب الله في لبنان، والشهيد أبو مهدي المهندس خرج الكثير من كوادر الحشد الشعبي في العراق، والشهيد القائد قاسم سليماني خرج الكثير من كوادر الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس.
إذاً، أي إنسان قيادي ينبغي أن يصنع قيادات بديلة، لكن القائد الضعيف هو الذي لا يسعى إلى ترقية أبناء شعبه لكي يرقى قائداً، إنه يخاف منهم، لكن القائد القوي هو الذي يربي الكوادر البشرية لكي يرثوه ويرثوا طريقه ويسيروا على دربه، هكذا كان شهداء محور المقاومة.
أما الخصيصة الثالثة والعنصر الثالث والأخير فهي القدرة على توفير الإمكانات المادية، ما الفائدة من وجود عقل مخطط من جهة وكوادر بشرية من جهة أخرى، ولكن لا يوجد مال، ولا توجد إمكانات، مواجهة العدو بحاجة إلى إعداد القوة. قال تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْرِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ."
نلاحظ أن الشهيد السيد حسن نصر الله تولى القيادة منذ استشهاد الشهيد القائد السيد عباس الموسوي سنة 1992 إلى وقت شهادته سنة 2024، أي 32 سنة، حول حزب الله من حزب داخلي إلى حزب يحسب له الأمور في الإقليم وله تأثيره الدولي والإقليمي.
إذاً، أي شخص يريد أن يكون قيادياً ناجحاً وأن يكون فعله متقناً عليه بإلقاء هذه الأمور الثلاثة:
أولاً يتعلم ويقضي دورات في تفكير عقل الاستراتيجيات. فنحن بحاجة إلى تأسيس مركز للتخطيط والدراسات الاستراتيجية.
ثانياً ينمي ويربي الكوادر البشرية النوعية. فنحن بحاجة إلى مركز تدريب وتأهيل الكوادر البشرية.
ثالثاً يعمل على توفير الإمكانات.
هذه الأمور الثلاثة يمكن أن نستلهمها من تاريخ الإسلام وسيرة النبي أبي القاسم محمد، هناك مقولة مشهورة: "قام الإسلام بسيف علي ومال خديجة وأخلاق محمد"، هذه الأمور الثلاثة ربما يفهم منها أنها تشير إلى ما ذكرناه من الخصائص والعناصر الثلاثة، سيف علي يشير إلى قوة صناعة الكوادر البشرية حتى ذهب بعضهم إلى أن أعظم معجزة للنبي هي القرآن، ومن معجزات النبي صناعة شخصية أسد الله الغالب علي بن أبي طالب عليه السلام، بعض الباحثين يقول إن صناعة شخصية نموذجية كشخصية علي ابن أبي طالب هذا أمر معجز.
إذاً، الأمر الأول: سيف علي، هذا إشارة إلى قوة العناصر البشرية وبناء الكوادر النوعية.
الثاني: أموال خديجة، إشارة إلى العنصر الثالث، توفير الإمكانات والأموال، خديجة صرفت جميع ما تملك لإرساء دعائم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
والثالث: أخلاق محمد، وهذا يشير إلى التخطيط الرباني، يقول أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين واصفاً نبيه منذ بداية ولادته فقال: "ولقد وكل به منذ أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته"، أي أن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم نتيجة صناعة ربانية، نتيجة تخطيط استراتيجي، نتيجة تخطيط رباني وإلهي.
إذاً، يمكن أن نستنتج التخطيط الإلهي من أخلاق النبي صلى الله عليه وآله.
هذه الخصائص الثلاث إذا تحلى بها المؤمنون في جميع المجتمعات، ستكون هذه المجتمعات نافذة. فعلى كل طالب علم، وعلى كل عالم دين، وعلى كل قائد في ثغر من ثغر الإسلام، أن يسعى للتحلي بالصفات التي تقوي الحسن الفاعلي، كالأخلاق والتعبد والتهجد والتوسل من جهة، وأن يسعى إلى تقوية الحسن الفعلي من جهة أخرى، كالتخطيط وبناء الكوادر البشرية وتوفير الإمكانات.
أقول قولي هذا، واستأذنكم على الإطالة والاستغفار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
تعليق