بحوث فقهية في ولاية الفقيه
شیخ الدقاق

062 - التقريب الخامس والسادس لمقبولة عمر بن حنظلة، ورد المناقشات الثلاث الاولى ودلالتها

بحوث في ولاية الفقيه

  • الكتاب: كتاب احكام ولي الامر في الدولة الاسلامية
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    1

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

القسم الثالث من الأدلة التي أقيمت على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر الإجماع، فقد يدعى قيام إجماع على اشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي أمر المسلمين.

تقريب الاستدلال

قد يقال إن إجماع الطائفة المحقة قد قام على اشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في القاضي والقضاء شعبة من شعب الولاية والولاية اخطر من القضاء فإذا اشترط في القاضي الفقاهة فمن باب أولى يشترط في ولي الأمر الفقاهة، إذاً دعوى الإجماع قائمة على أمرين:

الأمر الأوّل ثبوت قيام الإجماع على اشتراط الفقاهة في القاضي.

الأمر الثاني ثبوت الملازمة بين اشتراط الفقاهة في القاضي واشتراط الفقاهة في ولي الأمر بدعوى قيام الملازمة القطعية بينهما.

وقد نقل الإجماع في كلمات الشهيد الثاني في المسالك وكلمات الشيخ محمد حسن النجفي في الجواهر قال في الجواهر الجزء 40 صفحة 15 وهو في معرض الحديث عن شروط القاضي في الفقه، قال الشيخ محمد حسن النجفي وكذا لا ينعقد ـ يعني القضاء ـ لغير العالم المستقل بأهلية الفتوى ولا يكفيه فتوى العلماء بلا خلاف أجده فيه بل في المسالك وغيرها الإجماع عليه من غير فرق بين حالتي الاختيار والاضطرار بل لابد أنه يكون عالماً بجميع ما وليه أي مجتهداً مطلقاً كما في المسالك فلا يكفي اجتهاده في بعض الأحكام دون بعض على القول بتجزي الاجتهاد، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام الجزء 40 صفحة 15، هذا تمام الكلام في تقريب الاستدلال على اشتراط الفقاهة في ولي أمر المسلمين بدليل الإجماع.

وفيه أوّلا يمكن التشكيك في ثبوت الإجماع على اشتراط الفقاهة في القاضي عند الشيعة الإمامية وأوّل المشككين نفس المحقق النجفي في الجواهر إذ قال بعد أربعة صفحات أي الجزء 40 من جواهر الكلام صفحة 19 ما نصه، وأما دعوى الإجماع التي قد سمعتها فلم أتحققها بل لعل المحقق عندنا خلافها خصوصا بعد أن حكا في التنقيح عن المبسوط في المسألة أقوالاً ثلاثة، أوّلها جواز كونه عامياً ويستفتي العلماء ويقضي بفتواهم ولم يرجح ولعل مختاره الأوّل مع أنه أسوأ حالاً مما ذكرناه ضرورة فرضه عامياً حين نصبه ثم يستفتي بعد ذلك، إذاً المناقشة الأولى هي صغروية وهي عدم التسليم بثبوت قيام إجماع على اشتراط الفقاهة المطلقة في القاضي عند الشيعة الإمامية.

وثانياً لو سلمنا قيام الإجماع على اشتراط الفقاهة في القاضي فإننا ننكر الملازمة إذ من المحتمل وجود خصوصية للقاضي بحيث يشترط فيه الفقاهة ولا توجد هذه الخصوصية في ولي الأمر فلا يشترط فيه الفقاهة فما الدليل على وجود الملازمة بين اشتراط الفقاهة في القاضي وبين اشتراط الفقاهة في ولي الأمر هذه الملازمة تحتاج إلى دليل يدل عليها وهو مفقود في البين.

وثالثاً لو سلمنا بالأوّل والثاني وقلنا بثبوت قيام الإجماع على اشتراط الفقاهة في القضاء أوّلا وثانياً سلمنا وجود الملازمة القطعية بين اشتراط الفقاهة في القاضي وبين اشتراط الفقاهة في ولي الأمر فإننا نقول إن هكذا إجماع محتمل المدركية نظراً لوجود الآيات والروايات والأدلة العقلية التي قد يستفاد منها اشتراط الفقاهة في القاضي وكذلك ولي الأمر في الإسلام والإجماع المحتمل المدركية ساقط عن الحجية، إذاً القسم الثالث من الأدلة وهو الإجماع غير ناهض بالدلالة على اشتراط الفقاهة في ولي أمر المسلمين.

القسم الرابع دليل العقل وقد يستدل بدليل العقل على اشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي أمر المسلمين بعدة تقريبات نذكر منها أربعة تقريبات إلا أنها غير تامة:

التقريب الأوّل ما ذكره الشيخ محسن الأراكي في كتابه نظرية الحكم في الإسلام صفحة 277 إذ قال الوجدان العقلي فإنه يحكم بوضوح بأولوية العالم من غيره بالإدارة والقيادة ويشهد له حكم العقل باستحقاق الذم على من اتبع جاهلاً فضلّ الطريق مع وجود العالم الذي كان يمكن أن يستهدي به في الطريق وأشد الأمور أولوية بالرعاية هو مصير الناس ومصالحهم العامة وما يرجع فيه إلى الحاكم فإن الضلال فيها يعني هلاك المجتمع أو أصابته بخسائر جسيمة لا تعوذ فكيف يرضى العقل العملي بتعريض المجتمع لخطر الإبادة أو الخسائر الجسيمة مع إمكان تفادي ذلك كله بتسليم الأمر للعالم بما فيه خير الناس وسعادتهم الخبير بما يصلحهم وما يفسدهم الفقيه بما يعتقدونه من الدين الذي فيه صلاح معاشهم ومعادهم.

وفيه إنما ذكره لو سلمنا تماميته فإنه غاية ما يدل على اشتراط العلم في ولي الأمر ولا يدل على اشتراط الفقاهة بنحو التجزي فضلاً عن اشتراط الفقاهة بنحو الإطلاق في ولي أمر المسلمين نعم ما ذكره يمكن أن يطلق عليه حكم العقل إذ أن هذا الحكم ربما يكون من الأحكام البديهية نظراً للزومي نقض القرض ففاقد الشيء لا يعطيه والمطلوب من ولي الأمر حسن التدبير وحسن الرئاسة وحسن التدبير والقيادة فرع العلم فإذا فقد العلم فقد ما يتفرع عليه من حسن التدبير والقيادة إلا أن هذا الدليل يثبت اشتراط العلم في ولي أمر المسلمين بالمقدار الذي يعينه على حسن التدبير وقوة الإدارة والقيادة ولا يثبت اشتراط خصوص الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي الأمر، إذاً التقريب الأوّل وإن كان تاماً في نفسه إلا أن نتيجته هي اشتراط مقدار من العلم ولا يدل على اشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق.

التقريب الثاني ما ذكره الشيخ محمد المؤمن القمي في كتابه الولاية الإلهية الإسلامية الجزء الثالث صفحة 203 تحت عنوان الوجه الأوّل وإذا تأملنا فيما أفاده "حفظه الله" نجد أن ما أفاده ليس دليلاً عقلياً وإنما هو عبارة عن السيرة العقلائية ومن الواضح أن السيرة العقلائية ليست دليلاً عقلياً وإنما تندرج تحت السنة إذ أن العمدة فيها هو إمضاء المعصوم وعدم ردعه عن هذه السيرة وإمضاء المعصوم وتقريره هو  القسم الثالث من أقسام السنة إذ أن السنة عبارة عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره، إذاً هناك تسامح في التعبير إذا قيل إن هذا الدليل هو الدليل العقلي.

وتقريب ما ذكره هو أن العقلاء لا يرتابون في أن من يوكل إليه إتيان عمل فلابد أن تكون له أهلية إتيانه بالنحو المطلوب ولا يسوغ لدى العقلاء إيكال الأمر إلى من لا يحسن ولا يتقن الإتيان به ومن الواضح أن إعمال الولاية يفتقر إلى حسن التدبير وحسن التدبير يؤول إلى من يعلم التدبير كمال العلم ويكون على اطلاع على ما يتعلق بالإدارة والتدبير حكماً وموضوعاً في جميع الموارد فمقتضى هذا الحكم العقلي العقلائي القطعي اشتراط علم ولي أمر المسلمين بحسن الإجراء وما ينبغي عليه إجرائه بلا نقيصة وهذا الحكم البديهي العقلائي قد أمضاه الشارع في صحيحة العيس بن قاسم قال سمعت أبا عبد الله "عليه السلام" يقول (عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا إلى أنفسكم فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو اعلم بغنمه من الذي كان فيها والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها ثم كانت الأخرى باقية فعمل على ما قد استبان لها ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم إن أتاكم آت منا فانظروا على أي شيء تخرجون)، الكافي الجزء الثامن صفحة 264 الحديث 381 ونقل عنه الحر العاملي في الوسائل الباب 13 من أبواب جهاد العدو الحديث الأوّل الجزء 11 صفحة 35.

وفيه إن هذا الاستدلال لو تم فإنه غاية ما يثبت اشتراط العلم أو الأعلمية في ولي الأمر بمعنى أن لا يكون رجل متفوقاً ومتقدماً في العلم على ولي الأمر فلو افترضنا عدم وجود فقيه في منطقته وكان يوجد شخصان أحدهما اعلم والآخر عالم فإن هذه السيرة العقلائية ترى تقديم الأعلم على العالم ولا دلالة في هذه السيرة على اشتراط الفقيه المطلق الجامع للشرائط على أن تعبير الشيخ المؤمن "حفظه الله" يحتمل وجهين إذ قال وهذا الحكم البديهي العقلائي فهل مراده إن هذا الدليل هو دليل عقلي بديهي وهو لزوم نقض القرض مثلاً فيندرج هذا التقريب الثاني تحت عنوان الدليل العقلي أم أن مراده سيرة العقلاء ويستكشف ذلك من تعبيره العقلائي أو بداية استدلاله بقوله إن العقلاء لا يرتابون فيكون استدلاله استدلال بالسيرة العقلائية ولا يصح إدراجه تحت عنوان الدليل العقلي.

النتيجة النهائية التقريب الثاني للدليل العقلي سواء قلنا إن المراد به الدليل العقلي البديهي كلزوم نقض القرض أو أن المراد به سيرة العقلاء كما هو ظاهر وواضح من كلام الشيخ المؤمن فكلى الدليل لا يدلان على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر نعم يدلان على اشتراط العلم أو الاعلمية في ولي أمر المسلمين.

التقريب الثالث ما ذكره الشيخ مالك مصطفى وهبي العاملي في كتابه الفقيه والسلطة والأمة وقد أطلق على هذا الدليل أصالة عدم الحجية ومفاد ما ذكره "حفظه الله" صفحة 113 هكذا، إن معنى ثبوت الولاية لشخص لزوم طاعته فيما يأمر وينهى ولزوم الطاعة يستبطن التقليد لأن صاحب الأمر والنهي لابد وأن يرتكز فيما يأمر وينهى على فتاوى فقهية وحينئذ نقول إن كان الولي فقيهاً فهو المطلوب وإن كان غير فقيه فهذا يعني أنه يقلد غيره ولا يجوز تقليد المقلد ولا يكون تقليده مبرئ للذمة وتقليده لفقيه آخر ليس حجة علينا إلا مع قيام الدليل عليه والمفروض أنه لا دليل يسمح للمكلف بتقليد مثله من غير الفقهاء والأصل عدم الحجية وبذلك تسقط ركيزة أساسية من ركائز الولاية وهي براءة الذمة في العمل بالرأي الفقهي للولي بخلاف ما لو كان الولي فقيهاً لأن براءة الذمة ترتكز على كونه فقيهاً وقد تسالم الجميع على أن رأي الفقيه مبرئ للذمة بوجه عام.

وفيه إن موطن بحثنا هو ولاية الفقيه بالنسبة إلى الشؤون العامة وليس موطن بحثنا ولاية الفقيه بالنظر إلى ولاية الإفتاء حتى يبحث في حجية قول المفتي والمقلد كما أنه ليس موطن بحثنا ولاية الفقيه على القضاء فمن الواضح أن الفقيه الجامع للشرائط له عدة ولايات منها الولاية على الإفتاء والولاية على القضاء والولاية على القصر والمجانين والولاية على إقامة الحدود والتعزيرات ومنها الولاية على الشؤون العامة للمسلمين وموطن بحثنا هو ثبوت الولاية للفقيه ويراد بها الولاية في الشأن العام وليس المراد ثبوت الولاية للفقيه من جهة الفتوى فالمدعى والمفترض حجية قول الفقيه فيما يتعلق بالشأن العام وليس موطن بحثنا حجية قول الفقيه في الفتوى حتى يبحث أنه إذا لم يكن فقيهاً ويكون مقلداً إلى آخر ما استدل به فهذا الاستدلال أجنبي عن بحثنا لذلك عبر الشيخ مالك وهبي صفحة 114 يقول لكن هذا الدليل ليس بالقوة التي تمكننا من الاعتماد عليه.

التقريب الرابع والأخير على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر بدليل العقل ما ذكره الشيخ مالك وهبي في كتابه الفقيه والسلطة والأمة صفحة 114 كدليل ثاني وعنونه بعنوان دليل الحسبة واستدل عليه بمجموعة مقدمات إذا تمت أنتجت النتيجة وهي أربعة مقدمات:

المقدمة الأولى إن الحكومة الإسلامية ضرورة حكم بها العقل والشرع.

المقدمة الثانية أنه لابد من ولي لهذه الحكومة سواء كان شخصاً واحداً أو مجموعة أشخاص وهذا من لوازم المقدمة الأولى.

المقدمة الثالثة نفترض أن كل الروايات التي تقدمت غير دالة على ثبوت الولاية للفقيه لكن لا يوجد دليل ينفي الولاية أو يثبتها للأعم من الفقيه وغير الفقيه.

المقدمة الرابعة ومقتضى المقدمة الثالثة إننا نشك في اشتراط الاجتهاد في الولي وهذا يعني أن المسألة أمام احتمالين لا ثالث لهما وهما الاشتراط وعدم الاشتراط ورعاية الاحتمال الأوّل تقتضي أن يكون الولي فقيهاً زيادة على الشروط الأخرى التي ثبت اعتبارها في الولي ومقتضى رعاية الاحتمال الثاني إنه يمكن للفقيه أو غير الفقيه أن يكون ولياً إن توفرت فيه باقي الشروط ولا مجال لاحتمال ثالث أعني احتمال اشتراط أن يكون الولي غير فقيه وانحصار الولاية بغير الفقيه إلى أن يقول وعند دوران الأمر بين الاحتمالين المشار إليهما يتدخل العقل لصالح الاحتمال الأوّل لأن الترديد بين الاحتمالين يستلزم الترديد بين تعين الولاية بالفقيه وبين التخيير بينه وبين غير الفقيه ودائما مع فرض توفر الشروط الأخرى والقاعدة عند العقل في مثل هذه الأحوال هو الأخذ بالتعيين.

وفيه إن هذا الاستدلال خلط بين ثلاثة أمور:

الأمر الأوّل حكم العقل في موارد دوران الأمر بين التخيير والتعيين وهذا ما جاء في نهاية كلامه.

الثاني الاستدلال بدليل الحسبة في كلمات الفقهاء.

الثالث إيراد بعض المقدمات التي استدل بها على ولاية الفقيه العامة أو المطلقة.

والصحيح إنه يمكن الاستدلال بدليل عقلي بحت على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر وهو التمسك بحكم العقل في موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير فيدور الأمر بين ثبوت ولاية الأمر للفقيه على نحو التعيين وبين ثبوت ولاية الأمر للفقيه مخيراً بينه وبين غير الفقيه فيحكم العقل حينئذ بالتعيين وهو اشتراط أن يكون ولي الأمر فقيهاً لأن التعيين هو القدر المتيقن وهذا الدليل دليل عقلي بحت وهو تام الدلالة على اشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي الأمر ولا يطلق عليه أنه دليل الحسبة ولا يعد من الأدلة الشرعية التي أقيمت على ولاية الفقيه العامة أو المطلقة.

وأما ما ذكره من مقدمات فإنما هي مقدمات قد ذكرت لإثبات ولاية الفقيه العامة عن طريق إثبات مشروعية إقامة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة فالمقدمة الأولى وهي إن الحكومة الإسلامية ضرورة حكم بها العقل والشرع فهذه الضرورة موطن خلاف بين الفقهاء والأعلام وقد بحثناها واثبتنا مشروعية إقامة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة إلا أننا أنكرنا ثبوت ضرورتها وإذا أنكرنا المقدمة الأولى ترتبت عليها المقدمة الثانية وهي أن هذه الحكومة الإسلامية لابد أن يكون لها ولي، هذا ثانياً.

وثالثاً ما ذكره "حفظه الله" بعيد جداً عن دليل الحسبة فالمراد بالحسبة الأمور التي يحتسبها الشارع المقدس عليه ولا يرضى بتركها ولا يرضى بفواتها وتضيعها كالولاية على القصر والمجانين وكل الأمور التي تقع مسئوليتها تحت عاتق الفقيه والدولة الإسلامية ومن هنا فالفقهاء على مسلكين كما تقدم:

الأول يرى أن الدولة الإسلامية من شؤون الحسبة كما عليه أستاذنا الميرزا جواد التبريزي "حفظه الله" ومن يتوسع في مفهوم الحسبة.

المسلك الثاني ما عليه السيد الخوئي والسيد الحكيم "رحمة الله عليهما" من الاقتصار على القدر المتيقن وهو خصوص جواز التصرف في موارد معينة ولا يثبت للفقيه ولاية فيما عدا القدر المتيقن ومن الواضح جداً إن الكلام في ولاية الفقيه العامة أو المطلقة من ناحية قيام دليل خاص عليها يختلف عن ثبوت الولاية للفقيه من ناحية الحسبة إذ أن الحسبة تثبت جواز التصرف للفقيه في القدر المتيقن وهو خصوص المقدار الذي يحتسبه الشارع عليه ولا يثبت للفقيه مشروعية التصرف في الأمور الكمالية المتعلقة بالشؤون الدولة الإسلامية والاجتماع العام.

النتيجة النهائية ما ذكره الشيخ مالك وهبي إن أريد به دوران الأمر بين التعيين والتخيير فهذا تام إلا أنه ليس بدليل الحسبة وإن أراد به دليل الحسبة فهذا بحث آخر وخروج عن محل البحث إذ أن محل بحثنا هو الاستناد إلى ولاية الفقيه العامة بدليل خاص غير دليل الحسبة وإن أراد دليل الحسبة فإن المقدمات التي ذكرها ليست مقدمات لدليل الحسبة، إذاً التقريب الرابع على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر ليس بتام فتكون النتيجة النهائية إن الأدلة العقلية الأربعة التي ذكرت إن التقريبات الأربعة للدليل العقلي الذي ذكرت لاشتراط الفقاهة في ولي الأمر ليست تامة الدلالة نعم لو تمسك بموارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير يمكن الاستناد حينئذ إلى حكم العقل الموجب لاشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي الأمر، هذا تمام الكلام في إقامة الأدلة الأربعة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل على اشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي الأمر وقد اتضح أن عمدة الأدلة هو الروايات الشريفة وأما الآيات وبعض الأدلة العقلية فغاية ما تثبت اشتراط العلم في ولي الأمر لا الفقاهة والاجتهاد المطلق.

بقي الكلام في مسألة مهمة، هل تشترط الاعلمية في ولي الأمر أو لا؟ فإذا سلمنا اشتراط الفقاهة في ولي أمر المسلمين ووجد فقيه ووجد الأفقه من هذا الفقيه والأعلم من هذا الفقيه فهل تشترط الاعلمية في ولي الأمر أم يكفي كونه فقيهاَ عالماً وإن لم يكن أعلم.

قد يقال إن الأدلة الثلاثة قد أقيمت على اشتراط الاعلمية وهي الروايات الشريفة والسيرة العقلائية ودليل العقل وهذا ما سنبحثه تباعاً إن شاء الله تعالى ولكن قبل أن نشرع في بيان الأدلة الثلاثة التي أقيمت على اشتراط الأعلمية وسيتضح أنها لا تنهض باشتراط الأعلمية في ولي الأمر قد يدعى إن الشهرة بالإجماع قد قام على عدم اشتراط الأعلمية في ولي الأمر ولتوضيح ذلك لا بأس بقراءة نص المسألة 68 من كتاب العروة الوثقى للسيد محمد كاظم اليزدي الجزء الأوّل صفحة 358 نسخة تحقيق مؤسسة السبطين العالمية خمسة عشر مجلد العروة تعليقة واحد وأربعين من فحول فقهاء الإمامية.

قال السيد اليزدي "رحمه الله" مسألة 68 لا يعتبر الاعلمية فيما أمره راجع إلى المجتهد إلى في التقليد وأما الولاية على الأيتام والمجانين والأوقاف التي لا متولي لها والوصايا التي لا وصي لها ونحو ذلك فلا يعتبر فيها الاعلمية نعم الاحوط في القاضي أن يكون اعلم من في ذلك البلد أو في غيره مما لا حرج في الترافع عليه لم يعلق أحد من الفقهاء والأعلام على قول صاحب العروة "رحمه الله" لا يعتبر الأعلمية في ما أمره راجع إلى المجتهد إلا في التقليد نعم علقوا في اعتبار الاعلمية بالنسبة إلى القاضي ومن أهمها تعليقة المحقق العراقي الجزء الأوّل صفحة 359 قال آقا ضياء الدين العراقي قد تقدم عدم اعتبار الأعلمية في القاضي لإطلاق المقبولة الشامل لبعض مراتب التجزي أيضا نعم يعتبر ذلك في ترجيح الحكمين في واقعة واحدة للنص.

وقد استفاد الشيخ حسين المظاهري في كتابه فقه الولاية والحكومة الإسلامية الجزء الأوّل صفحة 249 بعد أن استند إلى كلام صاحب العروة وكلام الشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكلام قد استفاد قيام الإجماع مؤخراً بعد صاحب العروة على عدم اشتراط الأعلمية فيرجع إلى كلامه صفحة 246 إذ يقول الشيخ حسين مظاهري إن الشهرة العظيمة الواقعة بين العلماء دالة على عدم اشتراطها فيه ولكن هناك روايات استدل بها على أن الاعلمية شرط في الولي فنقول قال صاحب الجواهر واقرأ لك نص الكلام من الجواهر الجزء الرابع صفحة 44 يقول صاحب الجواهر وكلامه عن القاضي، القاضي الفاضل والقاضي المفضول القاضي الفاضل يعني الأعلم المفضول غير الأعلم يقول بل لعل أصل تأهل المفضول وكونه منصوباً يجري على قبضه وولايته مجرى قبض الأفضل من القطعيات التي لا ينبغي الوسوسة فيها خصوصاً بعد ملاحظة نصوص النصب الظاهرة في نصف الجميع الموصوفين بالوصف المزبور لا الأفضل منهم وإلا لوجب القول أنظروا إلى الأفضل منكم لا رجل منكم كما هو واضح بأدنى تأمل وخصوصا بعد إطلاق ما حكوه من الإجماع على قاضي التحكيم بل لعل التأمل في نحو المقبولة من النصوص يقضي بجواز المرافعة إلى المفضول قبل التحقق الخلاف فيه.

وخلاصة ما أفاده صاحب الجواهر "رحمه الله" هو أن جواز تحكيم القاضي غير الأعلم من القطعيات ولا يشترط الرجوع إلى القاضي الأعلم لذلك يعلق الشيخ المظاهري صفحة 247 يقول فثبوت الولاية للمستنبط وإن لم يوصف بالأعلمية ثابت عند المحقق النجفي ولا يجوز عنده الوسوسة فيه وموطن الشاهد الآن هو هذه الدعوة صفحة 247 يقول ثم إن ما اختاره "رحمه الله" من عدم اشتراط الأعلمية في الحاكم والقاضي قد صار من المجمع عليه بعده حيث لم نجد من خالفه فيه وهذا غريب عجيب إلى ترجع إلى العروة وتعليقات المحشين على العروة فإن الكثير منهم يشترط اعلمية القاضي خصوصاً فيما إذا اختلف في مسألة شرعية بين فقيهين فإنه يشترط الرجوع إلى الأعلم.

إلى أن يقول صفحة 246 و249 فتلخص مما قلنا إن الأعلمية في الفقاهة ليست من شروط الولي وتدل على نفي هذه الأدلة الخمسة الأوّل قول صاحب الجواهر بكونه من المقطوع عليه ثانياً كونه من المجمع عليه بين الأصحاب، ثالثا إطلاق الروايات، رابعاً عدم وجدان دليل يدل عليه، خامساً ما في مقبولة عمر بن حنظلة، هذا تمام كلامه "حفظه الله".

وفيه إن نظر الفقهاء إلى ما ذكره صاحب العروة "رحمه الله" من غير المعلوم أنهم قد نظروا إلى ولاية الأمر فالبحث عن ولاية الأمر من البحوث المتأخرة جداً وقد زاد الاهتمام بها بعد انتصار الثروة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني "رضوان الله عليه" وتأسيس الدولة الإسلامية فقول صاحب العروة مسألة 68 لا يعتبر الاعلمية فيما أمره راجع إلى المجتهد إلا في التقليد لا إطلاق لها يعم ما يرد ولاية الأمر فمن غير المعلوم نظرهم إلى ولاية الأمر بل المعلوم هو النظر إلى الموارد المتعارفة آنذاك فلذلك قال وأما الولاية على الأيتام والمجانين والأوقاف التي لا متولي لها.

والخلاصة إن اشتراط عدم الاعلمية ليس من الأمور المجمع عليها بين المتأخرين والوجدان خير دليل وبرهان فالشيخ المؤمن القمي يرى الاعلمية والشيخ حسين المنتظري يرى الأعلمية وهما كتبا أهم موسوعتين فقهيتين في ولاية الفقيه العامة أو المطلقة، إذاً دعوى وجود إجماع على عدم اشتراط الاعلمية أو كون هذا الحكم من القطعيات لا يمكن المساعدة عليه، يبقى الكلام في تناول الأدلة التي أقيمت على اشتراط الاعلمية وعمدتها الروايات وقد ناقشها الشيخ المظاهري مناقشة حسنة وبديعة صفحة 251 من الجزء الأوّل فقه الولاية والحكومة الإسلامية يأتي عليها الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الكرام.

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 69 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: كتاب احكام ولي الامر في الدولة الاسلامية
  • الجزء

    -

  • 1

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
69 الجلسة