بحوث فقهية في ولاية الفقيه
شیخ الدقاق

063 - التقريب الرابع للمقبولة والاشكالات الأربعة عليه

بحوث في ولاية الفقيه

  • الكتاب: كتاب احكام ولي الامر في الدولة الاسلامية
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    1

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

هل الأعلمية شرط في ولي أمر المسلمين أم تكفي فقاهته والمراد بالأعلم الأقدر على استنباط الأحكام الشرعية من مداركها المقررة كما هو مذكور في تاريخ الأعلم في الرسائل العملية كالمسائل المنتخبة ومنهاج الصالحين للسيد أبو القاسم الخوئي "رحمه الله".

دلت الأدلة على اشتراط الاجتهاد المطلق والفقاهة في ولي الأمر فهل يشترط علاوة على ذلك أن يكون ولي الأمر هو الأعلم من بين الفقهاء وتارة يراد بالأعلمية الأقدر على استنباط الأحكام الشرعية أي الأعلم في الفقه من بين بقية الفقهاء المعاصرين وتارة يراد بالأعلم الأعلم في خصوص حقل معين فالأعلم في الفتوى هو الأعلم في الفقه إلا أن الأعلم فيما يرتبط بولاية الأمر هو الأعلم بالمسائل المتعلقة بشؤون الحكم وإدارة المجتمع العامة فالفقيه الذي يكون اقدر على استنباط الأحكام ويكون أكثر إلماماً بمختلف المسائل الجزئية فيما يتعلق بالحكم يكون هو الأعلم في شؤون الولاية.

وقد يستدل على الاعلمية في ولي أمر المسلمين بأدلة من الروايات والسيرة العقلائية ودليل العقل، فهذه ثلاثة أدلة نشرع في الأوّل وهو الروايات وقد يستدل على اشتراط الأعلمية في الفقه في ولي أمر المسلمين بعدة روايات وردت فيها مفردة الأعلم وقد تصل إلى أربعة عشر رواية كما سنتطرق إليها تباعاً واحدة تلو الأخرى وقبل أن نشرع في بيان هذه الروايات وكيفية الاستدلال بها على الأعلمية ومناقشتها لا بأس ببيان أربعة أمور عامة لابد من ملاحظتها في استظهار هذه الروايات ومناقشتها.

الأمر الأوّل إن لفظ أعلم وغيره من أفعل التفضيل تارة يراد به المعنى التفضيلي وتارة يراد به المعنى الوصفي فإذا قيل فلان أعلم من فلان دل هذا اللفظ على وجود جهة اشتراك وهو العلم بينهما وعلى جهة امتياز وهو كون فلان أكثر علماً من فلان الآخر فحينئذ تكون مفردة أعلم يراد بها المعنى التفضيلي وأحيانا تطلق لفظة أعلم فتقول فلان أعلم من إبليس أو فلان أعلم من الحيوان الفلاني فلا يراد بذلك اشتراك فلان مع إبليس أو الحيوان الفلاني في العلم وإنما يراد به انحصار العلم في فلان دون إبليس ودون الحيوان الفلاني فهذا ما يراد به المعنى الوصفي أي أن صفة العلم منحصرة بخصوص فلان دون الحيوان الفلاني، وهذا ما ينبغي ملاحظته في الآيات والروايات فتارة يستخدم لفظ افعل التفضيل ويراد به المعنى التفضيلي وتارة يستخدم ويراد به المعنى الوصفي، فمثلا قوله "عز من قائل" (أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض)، الآية 75 من سورة الأنفال والآية 6 من سورة الأحزاب.

لا يراد به إن ذوي الأرحام يشتركون جميعاً في الإرث فمن الواضح إن في الإرث توجد ثلاث طبقات والطبقة الأولى تمنع الثانية والثانية تمنع الثالثة فإذا وجدت الطبقة الأولى وهم الأبناء والآباء فإنهم يمنعون الطبقة الثانية وهم الأعمام والأخوال فالآية الكريمة حينما تقول (أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) أي أن الطبقة الأولى والأبناء والآباء أولى من الطبقة الثانية وهم الأعمام والأخوال وكذلك الطبقة الثانية أولى من الطبقة الثالثة الأجداد فهذا لا يعني أنه يوجد بين الطبقة الأولى والثانية اشتراك إلا أن الطبقة الأولى أولى وإنما يراد به المعنى الوصفي أي أنهم أن حق الإرث مختص بالطبقة الأولى دون الطبقة الثانية لا أن الإرث مشترك بين الطبقة الأولى والثانية بينما الطبقة الأولى أولى وأفضل.

مثال آخر قوله "عز من قائل" (فتبارك الله أحسن الخالقين) سورة المؤمنون آية 14، فلا يراد بها إن الله تبارك وتعالى يشترك مع الآخرين في الخالقية إلا أنه أحسن خلقاً بينما الآخرين حسن الخلقة بل المراد به الاختصاص فتبارك الله أحسن الخالقين يعني فتبارك الله الذي أحسن خلقة هؤلاء فهنا يراد به المعنى التوصيفي ولا يراد به المعنى التفضيلي.

وإذا رجعنا إلى كتاب الله تبارك وتعالى لاستقصاء مفردة أحق فإننا نجد تسع آيات، الآية الأولى منها قد استخدمت لفظة أحق بالمعنى التفضيلي بينما الآيات الثمان الأخر قد استعملت لفظة أحق بمعنى حق أي المعنى التوصيفي.

الآية الأولى قوله تبارك وتعالى (وبعولتهن أحق بردّهن) سورة البقرة الآية 228.

هنا استعملت الآية مفردة أحق بالمعنى التفضيلي حيث إن المراد بها إن الزوج أولى بزوجته المطلقة من غيره من الرجال فهنا أريد المعنى التفضيلي وأما بقية الآيات الثمان كما سيأتي ذكرها تباعا فمن الواضح فيها إن مفردة أحق قد استخدمت بمعنى حق فهي قد استخدمت بالمعنى الوصفي وهو اختصاص الأحقية لا بالمعنى التفضيلي أي الاشتراك في الحق إلا أن أحد الطرفين أحق.

من هذه الآيات الآية الأولى (قالوا أنا يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه) سورة البقرة الآية 247 ونحن أحق بالملك منه يعني ونحن حقيقون بالملك منه أي أن الملك ثابت لنا لأننا أكثر أموالا وجاهة و(أنا يكون له الملك علينا) فهنا أحق بالمعنى الوصفي.

الآية الثانية قوله تبارك وتعالى (فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما) سورة المائدة الآية 107 ، أي لشهادتنا حق وشهادتهم باطل لا أننا نشترك معهم في الحق لكن شهادتنا أحق فهنا أريد بلفظة أحق يعني حقيقة بالإتباع من شهادتهما فأريد المعنى الوصفي.

الآية الثالثة قوله "عز من قائل" (فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون) سورة الأنعام الآية 81، أي حقيقة بالأمن إن كنتم تعلمون فأريد المعنى الوصفي لا المعنى التفضيلي.

الآية الرابعة قوله تعالى (أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) التوبة الآية 13، أي فالله حقيق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين فأريد المعنى الوصفي والاختصاص يعني الله "عز وجل" يختص بالخشية دون غيره لا أنه يشترك مع غيره في الخشية إلا أنه أفضل وأحق.

الآية الخامسة قوله تعالى (لمسجد أسس على التقوى من أوّل يوم أحق أن تقوم فيه) التوبة الآية 108، أي حقيق أن تقوم فيه يعني المسجد الذي أسس على التقوى حقيق بالقيام فيه دون المسجد الذي أسس على أساس الضرار فلا حق للقيام فيه فأريد المعنى الوصفي.

الآية السادسة قوله تعالى (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدّي إلا أن يهدى) سورة يونس آية 35، أي حقيق أن يتبع فليس المراد الاشتراك بالحق وإنما المراد الاختصاص بالحق فمن يهدي يختص به الحق دون من لا يهدي.

الآية السابعة قوله تبارك وتعالى (وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها)، سورة الفتح آية 26، أي كانوا حقيقون بها فهؤلاء ثبتت لهم أنهم أهل التقوى وأهل المغفرة دون غيرهم فيراد بلفظة الأحق هنا المعنى الوصفي الاختصاصي دون المعنى التفضيلي الاشتراكي.

الآية الثامنة والأخيرة قول "عز وجل" (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) سورة الأحزاب آية 37، أي أن الله حقيق أن تخشاه فلا يراد أن الخشية مشتركة بين الله والناس وغاية ما في الأمر كون الله أحق بالخشية بل المراد أن الخشية لا تثبت للناس بتاتاً وإنما هي مختصة بالله تبارك وتعالى، هذا تمام الكلام في بيان النقطة الأولى المقدمة الأولى وخلاصتها إن أفعل التفضيل كمفردة أعلم تارة تطلق ويراد بها المعنى التفضيلي فتدل على الاعلمية وتارة تطلق ويراد بها المعنى الوصفي فلا تدل على الاعلمية وإنما تدل على اختصاص العلم.

الأمر الثاني أو المقدمة الثانية تارة تطلق مفردة أعلم في الروايات ويراد بها العلم الواقعي وتارة تطلق ويراد بها العلم الظاهري والمراد بالعلم الواقعي العلم بواقع الأحكام الشرعية الذي يختص بمعرفته المعصوم "عليه السلام" بخلاف أكثر علوم الفقهاء فإنها أحكام ظاهرية والكثير من الروايات الشريفة التي وردت فيها مفردة أعلم أو أعلمهم كانت ناظرة إلى أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" أو إلى خصوص الإمام المعصوم فيراد بها من حاز العلم الواقعي فلا تشمل من حاز العلم الظاهري وهو مورد بحثنا وهو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى.

الأمر الثالث لو سلمنا بالأمر الأوّل وهو أن المراد بأفعل التفضيل هو المعنى التفضيلي وسلمنا بالأمر الثاني وهو أن المراد بالعلم هو العلم الظاهري دون العلم الواقعي فمن يقول إن المراد بالأعلمية هو خصوص الأعلمية في الفقه وفي الإلمام بالمباني الفقهية فإذا سلمنا بالأعلمية كبروياً فإننا لا نسلم بخصوص الأعلمية في الفقه صغروياً إذ الرجوع إلى الأعلم هو من باب رجوع الجاهل إلى العالم في خصوص تلك المسألة وأعلمية كل أمر بحسبه فأعلمية الطبيب ترجع إلى حذاقته في فنه وأعلمية المرجع والمفتي ترجع إلى إحاطته بالمباني الفقيه وآراء الأعلام وقوة الملكة على استنباط الأحكام الشرعية من مداركها المقررة، واعلمية ولي الأمر ترجع إلى ما هو معدود من وظائفه كالخبرة في الشؤون السياسية والدولية واستخراج الأحكام الشرعية المتعلقة بما يرتبط بشؤون المسلمين العامة كالجهاد وحفظ ثغور الدولة الإسلامية والعلاقات الدولية وما شاكل ذلك فيكون المراد بالأعلمية ليس خصوص الأعلمية في استنباط المسائل الفقهية فقط وإنما يضاف إليه الأعلمية في استنباط المسائل المرتبطة بولاية الأمر والشؤون العامة وهذا يرجع إلى الكفاءة فيؤول معنى الأعلمية إلى الأكفأ فيكون الفقيه الأعلم في ولاية الأمر هو الفقيه الأكفأ والفقيه الأخبر في استنباط المسائل الفقهية المرتبطة بولاية الأمر وهذا ما سنلاحظه في بعض الروايات التي ورد فيها لفظ الأعلمية إذ أن الإمام الصادق "عليه السلام" سألهم عن مسائل فقهية ترتبط بولاية الأمر وبالجهاد والقيام ولم يسألهم عن مسائل شرعية تتعلق بالطهارة أوالصلاة مما هو بعيد عن شؤون ولاية الأمر العامة.

إذاً خلاصة المقدمة الثالثة إذا سلمنا بالاعلمية فإننا نسلم بأن المراد بها الأخبر فيما يتعلق بشؤون الولاية العامة للمسلمين وليس المراد بها الأقدر على استنباط الأحكام الشرعية الفقهية البحتة التي ربما لا يكون لها علاقة بولاية الأمر.

الأمر الرابع لو سلمنا بما ورد في المقدمة الثالثة وبنينا على أن المراد بالأعلمية هو الاعلمية الفقهية لا الأعلمية بالمسائل الفقهية المختصة بشؤون ولاية الأمر فأعلم الفقهاء مطلقاً هو الذي يجب أن يكون ولي أمر المسلمين فإذا سلمنا بذلك نقول في المقدمة الرابعة لو نظرنا إلى كلمات صاحب الجواهر "قدس نفسه الزكية" ومن جاء بعده كالشيخ الأنصاري وبقية العلماء من فحول الطائفة كالمحقق الاشتياني في كتاب القضاء والسيد اليزدي في العروة وغيرهم إلى الكثير من أعلام العصر فإنهم لم يقولوا بالاعلمية في ولي الأمر نعم الكثير من المعاصرين قد اشترط الاعلمية في مرجع التقليد والكثير منهم قد قال باشتراط الاعلمية بناء على الاحتياط الوجوبي لأن مدرك الاعلمية السيرة العقلائية كما سيأتي والبعض قد يشكك في انعقاد هذه السيرة فلتشكيكه في هذه السيرة وعدم جزمه يحتاط بالقول بالأعلمية بينما من يجزم بانعقاد سيرة العقلاء على الرجوع إلى الأعلم ويجزم أيضا بإمضاء الإمام المعصوم لهكذا سيرة فإنه يجزم باشتراط الاعلمية ويفتي بها لكن الكثير من الفقهاء المعاصرين يحتاط وجوباً في تقليد الأعلم ولا يفتي بذلك، فإذا رجعنا إلى كلام المحقق صاحب الجواهر فيما ذكره في كتاب القضاء إذ أنه قال إن عدم اشتراط الاعلمية في القاضي من القطعيات ولا ينبغي الوسوسة في ذلك قال "رحمه الله" بل لعل أصل تأهل المفضول وكونه منصوباً يجري على قبضه وولايته مجرى قبض الأفضل من القطعيات التي لا ينبغي الوسوسة فيها خصوصاً بعد ملاحظة نصوص النصب الظاهرة في نصب جميع الموصوفين بالوصف المزبور لا الأفضل منهم، جواهر الكلام المحقق الشيخ محمد حسن النجفي الجزء 40 صفحة 44، إذاً خلاصة المقدمة الرابعة لو سلمنا أن المراد بالأعلمية هو الاعلمية الفقهية فإننا نلاحظ أن الكثير من الفقهاء قد اعرضوا عن هذا الفهم ولم يقولوا به مما يوجب التوقف في ذلك أو الاحتياط، هذا تمام الكلام في مقدمات أربع ينبغي ملاحظتها عند قراءتنا للروايات الشريفة واذكرها بشكل ملخص ومختصر قبل أن نشرع في بيان الروايات الأربعة عشر.

الأمر الأوّل المقدمة الأولى الكثير من هذه الروايات ورد فيها لفظ أعلم بالمعنى التوصيفي لا المعنى التفضيلي فلا تدل على الأعلمية.

المقدمة الثانية بعض هذه الروايات ورد فيها لفظ الأعلم وأريد به العلم الواقعي المختص بالمعصوم فلا تشمل العلم الظاهري الذي هو مورد بحثنا في ولاية الفقيه العامة أو المطلقة.

المقدمة الثالثة لو سلمنا كبروياً بالأعلمية الواردة في الروايات فإننا لا نسلم صغروياً أن المراد بها الاعلمية الفقهية في الأحكام الشرعية وإنما المراد بها الاعلمية في الشؤون المرتبطة بولاية الأمر والشؤون العامة للمسلمين.

المقدمة الرابعة لو سلمنا أن المراد بالأعلمية هو الاعلمية الفقهية دون الاعلمية في الشؤون الخاصة بولاية الأمر فإن هذا الفهم لم يعمل به الكثير من الفقهاء ممن جاء بعد صاحب الجواهر "قدس الله نفسه الزكية" وخصصنا صاحب الجواهر لأن القول بولاية الفقيه قد اشتد وانتشر بعد المحقق المرحوم الشيخ أحمد النراقي وصاحب الجواهر ومن جاء بعدهم.

والآن نشرع في الأوّل الروايات الشريفة التي استدل بها على الأعلمية

الرواية الأولى صحيحة عيس بن القاسم التي رواها ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن صفوان بن يحيى عن عيس بن القاسم قال سمعت أبا عبد الله "عليه السلام" يقول (فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها)، روضة الكافي الجزء الثامن صفحة 264 الحديث 381، وسائل الشيعة الجزء خمسة عشر صفحة 50 الحديث 19964، بحار الأنوار الجزء 52 صفحة 301.

هذه الرواية سندها صحيح وسيتضح من خلال البحث أن الروايات الأربعة عشر ليس فيها سند صحيح إلا الرواية الأولى والثانية وأما بقية الروايات من الرواية الثالثة إلى الرواية الرابعة عشر فكلها ضعيفة من ناحية السند ويقع الكلام فيها من ناحية الدلالة لذلك أهم روايتين في بحثنا هما الرواية الأولى وهي صحيحة العيس بن القاسم والرواية الثانية وهي صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي.

تقريب الاستدلال بهذه الرواية

أما من ناحية السند فهي صحيحة السند وقد ذكرت في الكافي للكليني "رضوان الله عليه" وأما من ناحية الدلالة فهي دالة على الأعلمية إذ أن الإمام "عليه السلام" قد استند إلى أمر عقلائي وهو أن الراعي يأتي بمن يعلم بشؤون غنمه فإذا وجد من هو اعلم منه قدم الأعلم على العالم فتكون الرواية قد دلت على تطابق العقل والنقل في اشتراط الأعلمية.

والجواب هذه الرواية صدر البيان فيها لنفي الولاية عن الولاة الغاصبين الذين منعوا أهل البيت "عليهم السلام" حقهم وجلسوا مجلسهم غصباً وبغياً بالباطل وبغير حق فلا تدل هذه الرواية على وجود جهة اشتراك بين أهل البيت "عليهم السلام" وبين الغاصبين للولاية حتى يقال بتقديم الأعلم على العالم فهذه الرواية قد استعملت فيها مفردة أعلم بمعنى العالم المختص بالشؤون والتمثيل بالراعي يراد به إن صاحب الغنم قد يوكل أمور غنمه إلى شخص يرى أنه عالم بشؤون غنمه فإذا اكتشف أنه ليس بعالم وغيره أعلم منه أي أن غيره هو العالم قدم الغير وهو الشخص الآخر على الشخص الذي اعتقد في أنه عالم بشؤون غنمه خصوصاً إذا لاحظنا مورد الرواية من أن الإنسان له نفس واحدة ولو كانت له نفسان لجرب بإحداهما وافتدى بها لكي يحافظ على النفس الأخرى ولكنها نفس واحدة (فانظروا من تتبعون) فهنا ليس المراد بمن تتبعون يعني افعل التفضيل الأعلم وإنما يراد به خصوص العالم المختص، إذاً هذه الرواية لا يحمل فيها لفظ أعلم على أفعل التفضيل والمعنى التفضيلي بل يحمل فيه لفظ أعلم على المعنى الوصفي أي أن أهل البيت "عليهم السلام" هم العلماء الواجبوا الإتباع دون غيرهم لا أنهم يشتركون مع غيرهم ممن اغتصب الخلافة في العلم إلا أنهم اعلم منهم هذا تمام الكلام في المناقشة الأولى والأمر الأوّل.

الأمر الثاني لو سلمنا أن المراد بلفظة أعلم المعنى التفضيلي دون المعنى الوصفي فإننا نقول إن الأعلمية في كل شيء بحسبه فالأعلمية المطلوبة في الراعي ليس المراد بها الاعلمية في الفقه وإنما يراد بها كون هذا الراعي أخبر من غيره بشؤون الغنم وهكذا الأعلمية في الطب يراد بها أن هذا الطبيب اخبر من غيره وأحذق بشؤون الطب وكلامنا في ولاية الأمر والتصدي للشؤون العامة للمسلمين فيراد بالأعلمية فيها الأخبرية في استنباط الأحكام الشرعية المتعلقة بشؤون المسلمين العامة وولاية الأمر ولا يراد بها الأعلمية في الفقه في المسائل الفقهية البحتة التي ربما لا علاقة لها بأحكام الدولة الإسلامية.

الأمر الثالث المناقشة الثالثة هذه الرواية يحمل فيها العلم على العلم الواقعي لا العلم الظاهري لأنها ناظرة إلى الإمام المعصوم الأحق بالإتباع من إمام الضلال الذي يخرج داعياً إلى نفسه ومن الواضح أن العلم المعتبر في الإمام المعصوم هو علم الواقعي دون العلم الظاهري.

المناقشة الرابعة لو تنزلنا وحملنا العلم الوارد في الرواية على العلم الظاهري دون العلم الواقعي فإننا نلاحظ أن الكثير من الفقهاء لم يفهم الأعلمية ولم يشترط الاعلمية في القاضي فضلاً عن ولي الأمر ودونك ما ذكرناه من عبارة صاحب الجواهر "قدس الله نفسه الزكية" فعباراتهم وكلامهم وإن لم يكن حجة علينا ولكن إطباق الكثير من الأعلام المعاصرين من فحول فقهائنا "رضوان الله عليهم" وعدم فهمهم لاشتراط الاعلمية في الفقه فيمن يتصدى للرئاسة والشؤون العامة قد يبعد هذا الفهم عن الأذهان والله المستعان، إذاً النتيجة النهائية الرواية الأولى وإن كانت تامة السند إلا أنها غير تامة الدلالة على اشتراط الاعلمية في ولي الأمر.

الرواية الثانية صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي التي رواها ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبن أبي عمير عن عمر بن اذنية عن زرارة عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن الصادق "عليه السلام" والرواية طويلة وهي واردة في دخول جمع من رؤساء المعتزلة وقد بايعوا محمد بن عبد الله بن الحسن بالولاية فدخلوا على أبي عبد الله الصادق "عليه السلام" طالبين منه الدخول معهم والنلاحظ الأسئلة الفقهية الذي سألهم الإمام الصادق "عليه السلام" فهي كلها مرتبطة بولاية الأمر فقد ورد في الرواية أن الإمام الصادق "عليه السلام" سألهم عن مسائل في باب تعيين ولي الأمر وفي كيفية المعاملة مع الكفار إذا ظهروا عليهم في الحرب وفي مصرف خمس الغنائم الحربية وفي مصرف نفسها وفي مصرف الصدقات الواجبة فلم يعلموا بحكم الله تعالى فيها ومن الواضح أنها كلها من المسائل العملية المتعلقة بولاية الأمر ثم أقبل الإمام الصادق "عليه السلام" على عمر بن عبيد وهو منهم فقال له (اتق الله وأنتم أيها الرهط فاتقوا الله فإن أبي حدثني وكان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب الله "عز وجل" وسنة نبيه "صلى الله عليه وآله" ـ هنا أعلمهم يراد به العالم منهم يعني أبي أختص بالعلم بالكتاب دون هؤلاء وليس المراد أن أبي الباقر اشترك مع هؤلاء في العلم بالكتاب وفاقهم يراد به العالم المختص كما يراد به العلم الواقعي لا العلم الظاهري ـ أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف)، فروع الكافي الجزء الخامس صفحة 23 و27 الحديث الأوّل، الوسائل الباب 9 من أبواب جهاد العدو الحديث الثاني وأيضا الباب 41 من الوسائل الحديث الثالث وأيضا من المصادر تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي الجزء السادس صفحة 148 الحديث 7 مستدرك الوسائل جزء 11 صفحة 29 الحديث 12353 الاحتجاج الجزء الثاني صفحة 364.

تقريب الاستدلال

هذه الرواية تامة سنداً كما أنها من ناحية الدلالة نصت على اشتراط الاعلمية إذ جاء فيها (من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف) فقد نهت الرواية عن دعوة الناس إلى النفس إذا كان الداعي ليس بأعلم فيكون من الضالين المتكلفين.

وفيه إن هذه الرواية وإن كانت تامة من ناحية السند فهي صحيحة إلا أنها ليس بتامة من ناحية الدلالة إذ هي واردة فيمن يدعو الناس إلى نفسه أن يدعي الإمامة وقد وردت رواية في ذم زيد النار وهو زيد بن الإمام موسى بن جعفر أخ الإمام الرضا "عليه السلام" لأنه خرج داعياً إلى نفسه، بينما الروايات الأخر قد مدحت زيد بن علي بن الحسين الشهيد ولم تصفه بالضلالة والتكلف لأنه دعا إلى الرضا من آل محمد أي إلى إمامة الإمام الصادق "صلوات الله وسلامه عليه" (ولو ظفر لوفى) كما ورد في الروايات الشريفة، إذاً هيئة أفعل أعلم قد وردت بمعناها الوصفي لا بمعناها التفضيلي يعني من يدعو الناس إلى نفسه لابد أن يكون عالماً لا أن يكون جاهلاً والمراد بهذا العلم العلم الواقعي الذي أعطاه الله "عز وجل" للأئمة المعصومين "عليهم أفضل صلوات المصلين"، إذاً الرواية أولاً لا تدل على المدعى لأنها ناظرة إلى العلم الواقعي لا العلم الظاهري.

وثانياً لو سلمنا أن المراد بالعلم هو العلم الظاهري لا الواقعي فإنها ناظرة إلى المعنى الوصفي لا المعنى التفضيلي.

وثالثاً أعلمية كل شيء بحسبه فمن دعا إلى نفسه وادعى الإمامة فلابد أن يكون أعلم بالشؤون المرتبطة بالإمامة والولاية فيراد بذلك أن يكون هو الأعلم في تدبير شؤون الملك والحكم وتنظيم شؤون المجتمع وأين هذا من اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي أمر المسلمين، وهذه الرواية قد ورد مضمونها في الكثير من الروايات مع اختلاف الأسانيد مما يظهر أنها رواية واحدة لكن أسانيدها متعددة، من هذه الأسانيد أو من هذه المضامين ما ورد في كتاب سليل بن قيس وسنتطرق إلى هذه الرواية وقد ورد أيضا في وسائل الشيعة الجزء الخامس عشر صفحة 41 حديث 19950 هذا تمام الكلام في بيان الروايتين الأولتين الصحيحتين على اشتراط الأعلمية في ولي الأمر واتضح أنهما ليسا تامي الدلالة على اشتراط الاعلمية الفقهية في ولاية الأمر، يبقى الكلام في اثني عشر رواية أخرى من الرواية الثالثة إلى الرواية الرابعة عشر وسيتضح أن هذه الروايات بأجمعها ضعيف السند بالإضافة إلى ضعف دلالتها فلا يتم القسم الأوّل من الأدلة على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي الأمر وهو الاستدلال بالروايات الشريفة، الرواية الثالثة يأتي عليها الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الكرام.

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 69 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: كتاب احكام ولي الامر في الدولة الاسلامية
  • الجزء

    -

  • 1

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
69 الجلسة