بحوث فقهية في ولاية الفقيه
شیخ الدقاق

065 - الدليل الثاني رواية (مجاري الامور والاحكام بيد العلماء بالله)

بحوث في ولاية الفقيه

  • الكتاب: كتاب احكام ولي الامر في الدولة الاسلامية
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    1

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

الرواية الحادية عشر من الروايات التي استدل بها على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي الأمر، ما جاء في كتاب لأمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" إلى معاوية ومن معه من الناس ما نصه (ثم إن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديماً وحديثاً أقربهم من رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأعلمهم بكتاب الله "عز وجل" وأفقههم في دين الله ـ ففي نسخة البحار وأنبههم في دين الله ـ وأولهم إسلاما وأفضلهم جهاداً وأشدهم بما تحمله الأئمة من أمر الأمة اطلاعاً ـ وزاد في البحار وأشدهم اطلاعاً بما تجهله الرعية من أمرها)، بحار الأنوار للعلامة محمد باقر المجلسي الجزء 32 صفحة 75 تمام نهج البلاغة الكتاب 48 صفحة 827.

تقريب الاستدلال

هذا الكتاب من أمير المؤمنين "عليه السلام" في مقام إثبات أنه هو الأولى بالخلافة وهو المتعين في التصدي لولاية الأمة وذكر لهذه الأولوية علل منها أعلميته بالأحكام الشرعية وبسائر ما تجهله الرعية من أمور دينهم ودنياهم فيدل الكتاب على أن الأعلم هو المتعين لولاية الأمة وأنه مع وجود الأعلم لا تصل النوبة إلى غيره وهذا هو المطلوب.

والتحقيق أن هذا الكتاب من ناحية السند هو من مرسلات كتاب تمام نهج البلاغة الذي جمعه السيد صادق الموسوي الشيرازي أبن المرجع السيد محمد باقر الشيرازي ابن المرجع المعروف السيد عبد الله الشيرازي "رحمة الله عليهما" فهذه الرواية من الروايات المرسلة وهي ليست من مرسلات نهج البلاغة للشريف الرضي حتى تشملها الشهرة لتصحيحها بناء على بعض المباني، إذاً الرواية من ناحية السند ضعيفة وأما من ناحية الدلالة فالعلم في الأعلمية يحمل على العلم الواقعي لا العلم الظاهري فعلم أمير المؤمنين "عليه السلام" علم واقعي والعلم الفقيه في أكثره علم ظاهري فلا تشمل الرواية مورد بحثنا ولو تنزلنا وقلنا إن المراد بالعلم هو العلم الظاهري لأنها في مقام الاحتجاج على معاوية فإننا نقول إن أفعل التفضيل تحمل على المعنى الوصفي لا المعنى التفضيلي فمن الواضح أنه في مقابل أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" لا علم لمعاوية ولا فقه لمعاوية ولا قرابة لمعاوية برسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى يكون أمير المؤمنين أعلم منه وافقه منه واقرب منه إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" فهيئة افعل في هذا الحديث بل في أكثر هذه الموارد إنما استعملت في معناها الوصفي لا معنى التفضيلي والإنصاف إن هذا الكلام متين وقد ناقش به هذه الرواية وذكره الشيخ حسين المظاهري "حفظه الله" في كتابه فقه الولاية والحكومة الإسلامية الجزء الأول صفحة 260 في مقابل الشيخ المؤمن "حفظه الله" في كتابه الولاية الإلهية الإسلامية الجزء الثالث صفحة 228 حيث ادعى تمامية هذا الكتاب على المطلوب، النتيجة النهائية الرواية الحادية عشر غير تامة سنداً ودلالة على اشتراط الاعلمية الفقهية في ولي الأمر في عصر الغيبة الكبرى.

الرواية الثانية عشر ما جاء في احتجاج الطبرسي في رواية قال في اعتبارها عن أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقة أن النبي "صلى الله عليه وآله" خرج في مرضه الذي توفي فيه إلى الصلاة فذكر أمر هذه الأيام ومسألة جيش أسامة وتخلُف من تخلَف ثم مسألة بيعة المسلمين لأبي بكر على الولاية وأن الناس بايعوه وانصرف علي إلى منزله ومعه بنو هاشم وأن عمر وجماعة جاءوا إليهم وأحضروهم وأمروهم بالبيعة كل ذلك قد ذكره المرحوم الطبرسي في الاحتجاج ثم ذكر ما هذا لفظه (فلما رأى ذلك بنو هاشم اقبل رجل رجل فجعل يبايع حتى لم يبقى ممن حضر إلا علي بن أبي طالب "عليه السلام" فقالوا له بايع أبا بكر فقال علي "عليه السلام" أنا أحق بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من الرسول "صلى الله عليه وآله" وتأخذونه منا أهل البيت غصبا ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأعطوكم المقادة وسلموا لكم الإمارة وأنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار أنا أولى برسول الله حياً وميتاً وأنا وصيه ووزيره ومستودع سره وعلمه وأنا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم وأوّل من أمن به وصدقه وأحسنكم بلاء في جهاد المشركين وأعرفكم بالكتاب والسنة وأفقهكم في الدين وأعلمكم بعواقب الأمور واذربكم لساناً وأثبتكم جناناً فعلى ما تنازعونا هذا الأمر أنصفونا إن كنتم تخافون الله على أنفسكم ثم أعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفته الأنصار لكم وإلا فبوئوا بالظلم والعدوان وأنتم تعلمون).

وجاء في الرواية أن عمر وجمعاً آخر بالغو في أن يبايع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أبا بكر وامتنع علي من البيعة وقال لهم بعد ذلك (يا معاشر المهاجرين والأنصار الله الله لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري ولا تخرجوا سلطان محمد "صلى الله عليه وآله" من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم ولا تدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس فوالله يا معاشر الجمع إن الله قضى وحكم ونبيه اعلم وانتم تعلمون أنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم أما كان القارئ منكم ـ وفي نسخة البحار أما كان منا القارئ ـ لكتاب الله الفقيه في دين الله المضطلع بأمر الرعية والله إنه لفينا لا فيكم فلا تتبعوا الهوى فتزداد من الحق بعدا وتفسدوا قديمكم بشر من حديثكم)، الاحتجاج للطبرسي من صفحة 70 إلى صفحة 74، وقد ذكر الرواندي في الخرائج والجوارح صفحة 171 الفقرات الأولى وصفحة 182 الفقرات الأخرى.

وقد استدل الشيخ المؤمن "حفظه الله" بهذا المقطع على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي الأمر، والتحقيق إن هذه الرواية من ناحية السند ضعيفة ومن ناحية الدلالة هي مختصة بأمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" وإذا تمسكنا بالعموم اللفظي فيها فإن العلم فيها محمول على العلم الواقعي لا العلم الظاهري ولو تنزلنا وحملنا العلم على العلم الظاهري فإن أفعل التفضيل الوارد فيها محمول على المعنى الوصفي لا المعنى التفضيلي فهي لا تدل على اشتراك أمير المؤمنين معهم في العلم والفضل وثبات الجناح والفقه في الدين والمعرفة بالكتاب والسنة وغاية ما في الأمر أنه أكثر منهم واعلم منهم وإنما هي في مقام بيان أن الفقيه هو علي دون غيره وأن العالم هو علي دون غيره وأن القريب من رسول الله هو علي دون غيره فلا تدل هذه الرواية على اشتراط الاعلمية الفقهية في ولي الأمر في عصر الغيبة وقد وردت فيها عدة تعابير مختصة بأمير المؤمنين ولا تشمل الأئمة من بعده فضلاً عن الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، إذاً الرواية الثانية عشر غير تامة سنداً ودلالة على اشتراط الاعلمية الفقهية في ولي أمر المسلمين.

الرواية الثالثة عشر ما ذكره المجلسي "رحمه الله" مرسلا عن أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" أنه قال (أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به)، بحار الأنوار جزء 68 صفحة 189 وأيضا نهج البلاغة صفحة 484 الكلمة 96، شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد المعتزلي الجزء 18 صفحة 252 ، غرر الحكم ودرر الكلم صفحة 110 الكلمة 1958.

والتحقيق إن هذه الرواية مرسلة فهي ضعيفة من ناحية السند وأما من ناحية الدلالة فهي لا تدل على اشتراط الاعلمية في ولي الأمر وإنما هي في مقام بيان قائم مقام النبي والخليفة بالحق بعد النبي فهي تقول (أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به) فأعلم الناس بجميع ما جاء به الأنبياء هم الأوصياء ووصي رسول الله أبي القاسم محمد هو علي بن أبي طالب "عليه السلام" كما أن وصي موسى "عليه السلام" يوشع بن نون لأنهما اعلم بما جاء به الأنبياء "عليهم السلام" فهذه الرواية غير ناظرة إلى الاعلمية الفقهية إذ أن علم الوصي علم واقعي وليس علماً ظاهرياً ولو تنزلنا وقلنا إن المراد بالعلم هو العلم الظاهري وليس العلم الواقعي فنقول إن علوم الأنبياء كثيرة والأعلم في كل حقل هو الأعرف في ذلك الحقل وفي تلك الجهة فالأنبياء "عليهم السلام" جاءوا بالأحكام فالأعلم بالفتوى هو الأعلم بالأحكام وجاءوا بالقضاء وفصل الخصومات والأعلم بذلك هو الأعرف بالقضاء وفصل الخصومة وأيضا جاءوا بالحكم والسلطة والأعلم بذلك هو الأعرف بشؤون الحكم وإدارة المجتمع فيكون أولى الناس في كل شأن من هذه الشؤون هو الأعلم والأعرف في ذلك الشأن وعادة لا تجد شخصاً هو أعلم وأعرف بجميع هذه الشؤون إلا الوصي والإمام المعصوم، إذاً الرواية الثالثة عشر غير تامة سنداً ودلالة على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي أمر المسلمين في الغيبة الكبرى.

الرواية الرابعة عشر ما جاء في السنن الكبرى للبيهقي لأبن عباس قال (قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" من استعمل عاملاً من المسلمين وهو يعلم أن فيهم أولى بذلك منه واعلم بكتاب الله وسنة نبيه فقد خان الله ورسول وجميع المسلمين)، السنن الكبرى الجزء العاشر صفحة 118.

والتحقيق إن هذه الرواية رواية عامية ولم ترد في طرقنا ولا سند لها عندنا فهي ضعيفة من ناحية السند وقد أوردها العلامة الشيخ عبد الحسين الاميني في كتاب الغدير الجزء الثامن صفحة 291 وقد نقلها المعاصرون عنه فهذه الرواية ضعيفة من ناحية السند وأما من ناحية الدلالة فهي لا تدل على الاشتراط الاعلمية في عمال الدولة الإسلامية فضلاً عن ولي الأمر وإنما فيها إرشاد إلى حكم عقلي وهو إن ولي الأمر إذا فوض إلى رجل أمراً أو وكله فيه فلابد أن يكون جديراً بهذه المهمة التي أوكل إليها وهو الأصلح لتولي هذه المهمة وهذا حكم عقلي لا ينكر فيشترط فيمن فوض إليه أن يكون هو الأجدر والأقدر على أداء المهمة، بل ربما يدعى إن لفظ وهو يعلم أن فيهم أولى بذلك منه قرينة على تفسير قوله "صلى الله عليه وآله" (واعلم بكتاب الله وسنة نبيه) فما دخل الاعلمية بكتاب الله وسنة النبي في أداء مهمة العامل فيراد بأعلمية العامل بكتاب الله وسنة رسول الله أن هذا العامل أعرف من بقية المسلمين بإدارة شأن هذه الأمة فلا تدل هذه الرواية على اشتراط الاعلمية في ولي أمر المسلمين فضلاً عن عمال الدولة الإسلامية، إذاً الروايات الأربعة عشر لا تدل باجمعها على اشتراط الاعلمية في ولي أمر المسلمين فالرواية رابعة عشر غير تامة سنداً ودلالة على اشتراط الاعلمية الفقهية في ولي أمر المسلمين.

إلى هنا تطرقنا إلى أربعة عشر رواية وقد ذكر المرحوم الشيخ حسين المنتظري "رحمه الله" في كتاب دراسات في ولاية الفقيه الجزء الأوّل أربع وعشرين رواية من صفحة 302 إلى 318 كما ذكر الشيخ المؤمن للاستدلال على اشتراط الاعلمية الفقهية في كتابه الولاية الإلهية الإسلامية الجزء 3 من صفحة 219 إلى صفحة 230 ذكر عشر روايات كما ذكر الشيخ حسين المظاهري 8 روايات في كتابه فقه الولاية والحكومة الإسلامية الجزء الأوّل من صفحة 251 إلى صفحة 261 كما ذكر الشيخ مالك وهبي في كتابه الفقيه والسلطة والأمة سبع روايات من صفحة 121 إلى صفحة 124 وإذا أردنا تحقيق المسألة سنلاحظ أن عمدة البحث هو ما ذكره الشيخ المنتظري "رحمه الله" إذ استقصى وتتبع الروايات التي يمكن أن يستدل بها على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر وقد ذكر أربعة وعشرين رواية ورد نص أعلم في أربعة عشر رواية منها فتبقى عشر روايات أخر من هذه العشر سبع روايات ورد فيها لفظ العالم ولم يرد فيها لفظ أعلم، أربعة عشر وسبعة واحد وعشرين رواية تبقى ثلاث روايات هذه الروايات الثلاث واحدة منها مكررة هي الرواية الرابعة والخامسة صفحة 304 ورد فيها مفردة أعلم وهي التي ورد فيها (لم يزل أمرهم إلى سفال) ذكرناها كرواية واحدة وهي الرواية الرابعة والخامسة في ترتيب الشيخ المنتظري صفحة 304 بقيت روايتان هاتان الروايتان هما الرواية رقم 20 ورقم 21 وهما روايتان عاميتان ومضمونهما مضمون رواية سنن البيهقي اشتراط الاعلمية في عمال الدولة الإسلامية ولكن لم يرد فيهما لفظ أعلم وإنما ورد فيهما لفظ أفضل ولفظ أربع وقد استفاد منهما الشيخ المنتظري الأعلمية لذلك لم يذكرهما الشيخ المؤمن القمي في استدلاله واكتفى بالعشر روايات التي نصت على لفظ الأعلمية، ولذلك نحن في الترتيب قلنا أربعة عشر رواية ممكن نجعلها ستة عشر إذا أضفنا هاتين الروايتين تصير الرواية الخامسة عشر ما في كنز العمال عن حذيفة (أيما رجل استعمل رجلاً على عشرة أنفس علم أن في العشرة أفضل ممن استعمل فقد غش الله وغش رسول وغش جماعة المسلمين)، كنز العمال للمتقي الهندي الجزء السادس صفحة 19 الباب الأوّل من كتاب الإمارة من قسم الأقوال الحديث 14653.

الحديث السادس عشر ما في كنز العمال أيضا عن ابن عباس (من استعمل رجلاً من عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين)، كنز العمال الجزء السادس صفحة 25 الباب الأوّل من كتاب الإمارة من قسم الأقوال الحديث 14680.

والتحقيق أن هاتين الروايتين خامسة عشر وستة عشر حسب ترتيبنا عشرين وواحد عشرين صفحة 309 من كتاب دراسات في ولاية الفقيه حسب الترتيب الشيخ المنتظري الجزء الأوّل قد وردتا عن حذيفة وعن ابن عباس وقد يقال إنهما غير مرويين عن النبي "صلى الله عليه وآله" ولو تنزلنا وحملناهما على الرواية عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" نقول لم يرد فيهما لفظ أعلم وإنما ورد في رواية حذيفة أفضل وفي رواية ابن عباس أرضى وإذا حملنا لفظ أفضل وأرضى على الاعلمية فإننا نقول فيهما ما قلنا في الرواية الرابعة عشر الواردة في سنن البيهقي من أنها إرشاد إلى حكم عقلي قد سار عليه العقلاء وهو لزوم تكليف الأكفأ والأجدر بأداء المهمة فلا يستفاد من هاتين الروايتين الأعلمية الفقهية.

النتيجة النهائية الروايات الستة عشر نحن نقول هي رواية أربعة عشر لأن لفظ أعلم قد ورد فيها الروايات الستة عشر بناء على ضم روايتي كنز العمال للمتقي الهندي نقول الروايات الستة عشر كلها ضعيفة السند عدا الرواية الأولى صحيحة العيس بن القاسم والرواية الثانية صحيحة ابن عبد الكريم هذا من ناحية السند وأما من ناحية الدلالة فجميعها لا يدل على المطلوب ولقد أجاد وأفاد الشيخ مالك وهبي في كتابه الفقيه والسلطة والأمة صفحة 123 إذ قال الظاهر أن معنى الاعلمية في هذه الأخبار هي الاعلمية بالأحكام الشرعية الواقعية لا الأعلمية في مقام التفاضل المتعارف عليه بين المجتهدين الذين هم في أغلب معارفهم الفقهية يعتمدون على سبل ظاهرية قد لا تكون موافقة للواقع وإن كان مسموحاً بها شرعاً وإذا لا يصح الاستدلال بهذه الروايات على اعتبار الاعلمية الفقهية المتعارف عليها بين الفقهاء بل تكون هذه الروايات من أدلة اشتراط العصمة في الإمام الحاكم لأنه لا يمكن لغيره أن يعرف الحكم الواقعي في كل واقعة وشأن ولا شك أن هذا هو الحكم الأولي الذي بنا عليه الإسلام ولو تنزلنا وحملنا العلم على العلم الظاهري لا العلم الواقعي فإننا نحمل الأعلمية على الأعلمية الوصفية لا الأعلمية التفضيلية ولقد أجاد وأفاد الشيخ حسين المظاهري في كتابه فقه الولاية والحكومة الإسلامية الجزء الأوّل صفحة 262 حيث قال بعد أن ذكر ثمان روايات هذا جميع ما احتج به مثبت الأعلمية فقاهة في الفقيه الولي وهو بالنظر إلى تعدد أسانيده يزيد على عشرين حديثاً إلى أن يقول وكيف كاف فبالنظر إلى ما بأيدينا حوله ظهر أن لا دلالة له على مذهبهم.

وتلخيص الكلام فيه أولاً إن هيئة أفعل في هذه الأحاديث ما استعملت إلا في معناها الوصفي لا التفضيلي ثم يفصل ثانياً إن من تلك الأحاديث ما صدر من مصادره "عليهم السلام" لبيان شأن الإمامة بالأصالة والخلافة الإلهية من غير واسطة ولا ارتباط بينه وبين مسألة ولاية الفقيه نفياً ولا إثباتا.

ثالثاً إن من تلك الأحاديث ما يرشد إلى حكم العقل بتقدم الأعلم على العالم في جميع الأمور والأعلمية في كل أمر بحسبه فالأعلمية المطلوبة من الفقيه الولي غير الاعلمية المطلوبة من الفقيه المرجع وهذا واضح، هذا تمام الكلام في تحقيق الروايات الأربعة عشر التي ورد فيها مفردة الأعلم.

يبقى الكلام في الروايات التي جاء فيها مفردة عالم أو مفردة جاهل في مقابل عالم وهي تصلح للاستدلال على اشتراط العلم في ولي الأمر ولا تصلح للاستدلال على اشتراط الاعلمية كما أن الروايات التي اشترطت الأعلمية وهي الأربعة عشر قد يستدل بها على اشتراط العلم في ولي الأمر ونقرأ هذه الروايات وهي الروايات التي ذكرها الشيخ المنتظري من صفحة 302 إلى صفحة 318 حسب الترتيب التالي الرواية الأولى والسابعة، الخامسة عشر، السادسة عشر، اثنين وعشرين ثلاثة وعشرين وأربعة وعشرين نقرأها بشكل سريع.

الرواية الأولى ما في نهج البلاغة في شرائط الوالي من قوله "عليه السلام" (ولا الجاهل فيضلهم بجهله)، نهج البلاغة الخطبة 131 شرح الشيخ محمد عبدو الجزء 2 صفحة 19 فهي تدل على اشتراط العلم لأنها ذكرت أن الجهل مانع من التصدي لشؤون الولاية.

الرواية السابعة الدراسات صفحة 305 ما في أصول الكافي عن الإمام الرضا "عليه السلام" (والإمام عالم لا يجهل وراع لا ينكل نام العلم كامل الحلم مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر الله ناصح لعباد الله حافظ لدين الله)، الكافي الجزء الأوّل صفحة 202 كتاب الحجة باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته الحديث الأوّل، ومن الواضح أن الرواية الأولى والرواية السابعة ناظرة إلى الإمام المعصوم لا إلى ولي الأمر الذي يقوم مقامه.

الرواية الثالثة الرواية خمسة عشر ما رواه ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة عن علي "عليه السلام" في مقام الاحتجاج (فوالله يا معاشر المهاجرين لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت ونحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله الفقيه في دين الله العالم بسنن رسول الله "صلى الله عليه وآله" المضطلع بأمر الرعية المدافع عنهم الأمور السيئة القاسم بينهم بالسوية)، الإمامة والسياسة لأبن قتيبة الدينوري الجزء الأوّل صفحة 19 باب أباءة علي "عليه السلام" بيعة أبي بكر، سنلاحظ كل هذه الروايات ناظرة إلى احتجاج أمير المؤمنين على خصومه فهي خاصة بالإمام المعصوم ولا تشمل ولي الأمر.

الرواية الرابعة وهي الرواية رقم 16 الدراسات الجزء الأوّل صفحة 307 ما رواه أبن قتيبة الدينوري في الإمامة والسياسة عن علي "عليه السلام" في كتابه لأهل العراق في بيان تفضيلهم على أصحاب معاوية في التصدي لشؤون الولاية وأعمالها والكتاب طويل وفيه (وهؤلاء الذين لو ولو عليكم لأظهروا فيكم الغضب والفخر والتسلط بالجبروت والتطاول بالغضب والفساد في الأرض ولا اتبعوا الهوى وحكموا بالرشا وأنتم على ما فيكم من تخاذل وتواكل خير منهم وأهدى سبيلا فيكم الحكماء والعلماء والفقهاء وحملة القرآن والمتهجدون بالأصحاب والعباد والزهاد في الدنيا وعمار المساجد وأهل تلاوة القرآن أفلا تسخطون وترقمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهائكم والأراذل والأشرار منكم)، الإمامة والسياسة الجزء الأوّل صفحة 136 فهذه الرواية وإن كانت ناظرة إلى علم علي "عليه السلام" ولكن فيها تفضيل لأصحاب علي وتقديمهم على غيرهم لعلمهم.

الرواية الخامسة رواية رقم 22 ما رواه الآمدي في غرر الحكم عن أمير المؤمنين من قوله (العلماء حكام على الناس)، الغرر والدرر الجزء الأوّل صفحة 137 الحديث 506 وهذه الرواية مرسلة وضعيفة السند وقد ناقشناها في الأدلة على إثبات ولاية الفقيه العامة واتضح عدم دلالتها ولكن هذه الرواية في موطن بحثنا ليست خاصة بالأئمة "عليهم السلام" فيها أيضا حيثية تعليلية (العلماء حكام على الناس) يعني سبب الحكم على الناس هو علمهم.

الرواية السادسة رواية رقم 23 ما رواه الحراني في تحف العقول من قوله "عليه السلام" (مجار الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه)، وقد تطرقنا إلى هذه الرواية في الأدلة التي أقيمت على إثبات ولاية الفقيه العامة أو المطلقة وقد ذهبنا إلى أن هذه الرواية عن سيد الشهداء التي ينقل فيها قول أبيه أمير المؤمنين إنما هي ناظرة إلى خصوص الأئمة "عليهم السلام" ولا تشمل الفقهاء من بعدهم فهي أجنبية عن المقام ولكن تشير إلى دور العلم في التصدي لمجاري الأمور.

والرواية السابعة والأخيرة هي آخر رواية ذكرها الشيخ المنتظري رواية رقم 24 صفحة 318 ما في كتاب سليم بن قيس الهلالي حيث قال "عليه السلام" (والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً عالماً ورعاً عارفاً بالقضاء والسنة)، كتاب سليم بن قيس الهلالي صفحة 182.

وقد تطرقنا إلى هذه الرواية فيما سبق ومن الواضح أنها ناظرة إلى تفضيل أمير المؤمنين على غيره وقد ذكرها أمير المؤمنين "عليه السلام" في مقام بيان إن بيعته حازت على النص والشورى فهي ملزمة للعامة حسب مبناهم من الشورى، إلى هنا تطرقنا إلى أربعة وعشرين رواية قد ذكرها الشيخ المنتظري والكتب التي جاءت بعده كانت ناظرة إلى هذه الروايات فالشيخ المؤمن القمي حينما ذكر عشر روايات كان ناظراً إلى ما أورده الشيخ المنتظري وقد اثبت الأعلمية الفقهية بناءً على هذه الروايات والشيخ المظاهري "حفظه الله" بإيراده الثمان روايات كان ناظراً إلى الروايات التي ذكرها الشيخ المنتظري ولم يزد عليها لكنه لم يذهب إلى أن المراد بالأعلمية هي الأعلمية الفقهية وإنما المراد بأفعل التفضيل هو المفهوم الوصفي لا المفهوم التفضيلي وما ذهب إليه هو الصحيح وهكذا الشيخ مالك وهبي في كتابه الفقيه والسلطة والأمة كان ناظراً إلى ما ذكره الشيخ المنتظري.

والحق والإنصاف إن أكثر من كتب في ولاية الفقيه بعد الشيخ المنتظري قد اعتمد على ما ذكره الشيخ المنتظري إذ كان كثير التتبع فمن ناحية ذكر الأدلة من آيات وروايات وأحكام عقلية واجماعات وأقوال العلماء والفلاسفة والحكماء فإن الشيخ المنتظري "رحمه الله" قد اتعب نفسه في الاستقراء والبحث والتتبع نعم من جاء بعده ربما خالفه في الاستدلالات وبعضهم بحث مباحث علمية وفقهية قوية كالشيخ المؤمن القمي في كتابه الولاية الإلهية الإسلامية ولعله من أقوى الكتب التي كتبت في ولاية الفقيه العامة بعد كتاب الشيخ المنتظري "رحمه الله" دراسات في ولاية الفقيه.

إلى هنا انتهينا من القسم الأوّل من الأدلة التي أقيمت على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي الأمر وهي الروايات الشريفة واتضح أن جميع الروايات التي استدل بها على اشتراط الاعلمية في ولي الأمر لا تدل على اشتراط الاعلمية الفقهية في ولي أمر المسلمين وإنما هي ناظرة إلى إمامة وخلافة أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" فيحمل العلم فيها على العلم الواقعي لا العلم الظاهري ولو تنزلنا وحملناها على العلم الظاهري فإننا نحمل أفعل التفضيل فيها على المعنى الوصفي لا المعنى التفضيلي فلا تدل جميع هذه الروايات على المدعى هذا من ناحية الدلالة وأما من ناحية السند فلم تصح منها إلا الرواية الأولى وهي صحيحة العيس بن قاسم الرواية الثانية صحيحة ابن عبد الكريم الهاشمي، هذا تمام الكلام في بيان القسم الأوّل من الأدلة التي استدل بها على اشتراط الاعلمية الفقهية في ولي الأمر واتضح أنها غير تامة، يبقى الكلام في القسم الثاني والقسم الثالث وهما الدليل العقلي والسيرة العقلائية على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي الأمر يأتي عليهما الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الكرام.

                                              

 

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 69 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: كتاب احكام ولي الامر في الدولة الاسلامية
  • الجزء

    -

  • 1

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
69 الجلسة