بحوث فقهية في ولاية الفقيه
شیخ الدقاق

066 - رد الاعتراضات الستة على التوقيع (الحوادث الواقعة)

بحوث في ولاية الفقيه

  • الكتاب: كتاب احكام ولي الامر في الدولة الاسلامية
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    1

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

الدليل الثاني على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي الأمر دليل العقل

انتهينا بحمد الله "عز وجل" من بيان الدليل الأوّل على اشتراط الأعلمية في ولي الأمر وهو الروايات الشريفة وقد اتضح من خلال التطرق إلى ستة عشر رواية بل أربع وعشرين رواية أنها لا تدل على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي الأمر، فيقع الكلام في الدليل الثاني بعد الروايات وهو الدليل العقلي وقبل أن نشرع في بيان الدليل العقلي لا بأس بذكر بعض التعاريف التي عرفت الأعلمية وعادة ما يذكرها الفقهاء في كتاب الاجتهاد والتقليد فلنبدأ بصاحب العروة الوثقى السيد محمد كاظم اليزدي "رحمه الله".

التعريف الأوّل للسيد اليزدي قال الأعلم من يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة وأكثر اطلاعاً لنظائرها وللأخبار وأجود فهماً للأخبار والحاصل أن يكون أجود استنباطاً، العروة الوثقى الجزء الأوّل المسألة رقم 17 من مسائل كتاب الاجتهاد والتقليد.

التعريف الثاني السيد محسن الحكيم "رحمه الله" في شرح العروة قال الظاهر أن المراد به الأعرف في تحصيل الوظيفة الفعلية عقلية كانت أم شرعية فلابد أن يكون أعرف في أخذ كل فرع من أصله، مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الحكيم الجزء الأوّل صفحة 36.

التعريف الثالث للسيد أبو القاسم الخوئي "رحمه الله" في شرح العروة قال المراد بالأعلمية كون المجتهد اشد مهارة عن غيره في تطبيق الكبريات على صغرياتها وأقوى استنباطاً وامتن استنتاجاً للأحكام من مبادئها وأدلتها، التنقيح في شرح العروة الوثقى الجزء الأوّل صفحة 202.

التعريف الرابع للسيد علي الخامنئي "حفظه الله" قال ملاك الأعلمية أن يكون أقدر من بقية المجتهدين على معرفة حكم الله تعالى واستنباط التكاليف الإلهية من أدلتها، أجوبة الاستفتاءات الجزء الأوّل صفحة 9 المسألة 15 طبعة الثالثة طبعة الدار الإسلامية.

التعريف الخامس ونكتفي به للسيد علي السيستاني قال الأعلم هو الأقدر على استنباط الأحكام وذلك بأن يكون أكثر إحاطة بالمدارك وبتطبيقاتها من غيره بحيث يوجب صرف الريبة الحاصلة من العلم بالمخالفة إلى فتوى غيره، المسائل المنتخبة مسألة 16 صفحة 14 وخلاصة هذه التعاريف الأعلم هو الأقدر على استنباط الأحكام الشرعية من بين بقية الفقهاء وذلك بإلمامه بالمدارك أوّلاً وبتطبيقاتها ثانياً فالأقدر على معرفة المدارك والأقدر على تطبيق المدارك والمباني والكليات على تطبيقاتها وجزئياتها يكون هو الأعلم هذا ما ذكروه بالنسبة إلى الأعلم في التقليد.

نشرع الآن في بيان دليل العقل لأنه ناظر إلى حجية فتوى الفقيه في الفتوى الذي يجعل تقليده مشروعاً.

الدليل الثاني دليل العقل ومفاده إن الأصل طبعاً هذا الدليل ذكره الشيخ مالك وهبي في كتابه الفقيه والسلطة والأمة بحوث في ولاية الفقيه والأمة صفحة 120 .

تقريب الاستدلال بالدليل العقلي إن الأصل عند الشك بالحجية عدم الحجية وعند دوران الأمر بين تقليد الأعلم وتقليد غير الأعلم يوجد قدر متيقن ممن يجوز تقليده وهو خصوص الأعلم دون غير الأعلم فعند اختلاف الأعلم مع غير الأعلم تكون فتوى غير الأعلم مشكوكة الحجية والأصل عدم الحجية وهذا معناه عدم جواز تقليد غير الأعلم نظراً لعدم حجية فتواه فيجب الاقتصار على القدر المتيقن وهو تقليد خصوص الأعلم، هذا تمام الكلام في تقريب الاستدلال وقد نوقش هذا الاستدلال بمناقشة متينة ذكرها الشيخ مالك وهبي في كتابه الفقيه والسلطة والأمة صفحة 120 ومفاد هذه المناقشة.

إن الأصل المذكور لا يجري في المقام وليس الرجوع إلى الأعلم يشكل قدراً متيقناً والسر في ذلك أن اليقين ببراءة الذمة بتقليد الأعلم يكون عبر أحد طريقين وكلاهما ليس بتام.

الطريق الأوّل أن نثبت أن الدليل الدال على الحجية شامل لفتوى الأعلم على كل حال ولكن نشك في شموله لفتوى غير الأعلم فيكون قول الأعلم حجة على كل تقدير.

والطريق الثاني أن نثبت أن العمل برأي الأعلم هو الموافق للاحتياط كما أن العمل برأي غير الأعلم مخالف للاحتياط فيجب العمل وفقاً للاحتياط بإتباع قول الأعلم وكلا هذين الطريقين غير ثابت حسب فرض جريان الأصل.

أما الطريق الأوّل فلأن المفروض أن دليل الحجية كما يشمل قول الأعلم يشمل أيضا قول غير الأعلم فيحصل تعارض بين رأي الأعلم ورأي غير الأعلم وعند التعارض يحصل التساقط فتسقط حجية فتوى الأعلم كما تسقط حجية فتوى غير الأعلم فكيف يبقى رأي الأعلم تحت الحجية بعد التعارض والتساقط علماً بأن دليل الحجية لا يسمح بترجيح قول على قول آخر فدليل حجية فتوى المفتي لا يرجح ولا يقدم فتوى الأعلم على فتوى غير الأعلم، إذاً الطريق الأوّل ليس بتام.

وأما الطريق الثاني وهو الاحتياط فليس بتام أيضا إذ أن قول الأعلم إنما يكون موافقاً للاحتياط لو دار الأمر بين التعيين والتخيير ولا ثالث في البين فيقال يدور الأمر بين حجية فتوى الأعلم مخيراً بينها وبين فتوى غير الأعلم وهذا هو التخيير وبين حجية فتوى الأعلم معيناً أي من دون حجية فتوى غير الأعلم فيدور الأمر بين التعيين والتخيير أي حجية فتوى الأعلم معيناً أو حجية فتوى الأعلم مخيراً بينه وبين فتوى غير الأعلم ومقتضى الاحتياط هو الاقتصار على القدر المتيقن وهو حجية فتوى خصوص الأعلم إذ أن فتوى الأعلم كما هي موجودة في التخيير موجودة أيضا في التعيين فهي القدر المتيقن ومقتضى الاحتياط الاقتصار على القدر المتيقن فإذا دار الأمر بين التعيين والتخيير لزم العمل بالتعيين فهو أوفق بالاحتياط لكن هذا يتم لو لم يوجد احتمال ثالث ولكن في المسألة يوجد قول ثالث واحتمال ثالث وهو العمل بالاحتياط بين القولين فيحتاط المكلف بين فتوى الأعلم وفتوى غير الأعلم فتوجد احتمالات ثلاثة.

الأوّل حجية فتوى الأعلم معيناً.

الثاني حجية فتوى الأعلم مخيراً بينها وبين فتوى غير الأعلم.

الثالث العمل بالاحتياط بين فتوى الأعلم وفتوى غير الأعلم.

فإذا وجد الاحتمال الثالث لا ينحصر الأمر في الدوران بين حجية فتوى الأعلم معيناً وحجية فتوى الأعلم مخيراً بينه وبين غير الأعلم.

وبعبارة أخرى إما أن نرى إمكانية إلزام المكلف بالعمل بالاحتياط أو لا نرى إمكانية إلزام المكلف بالاحتياط فإن لم نرى إمكانية إلزام المكلف بالعمل بالاحتياط لم يجري الأصل لان الأصل إنما يجري لأنه في مقام تحديد ما يتحقق بالاحتياط والحال إن المكلف غير قادر على العمل بالاحتياط فلا يجري الأصل وأما إذا كنا نرى إمكانية إلزام المكلف بالاحتياط فتكون الاحتمالات ثلاثة والذي يحكم به العقل أن يجمع المكلف ويحتاط بين رأي الأعلم ورأي غير الأعلم وهذا هو الاوفق بالاحتياط أما الأخذ برأي الأعلم الذي قد يرى الإباحة وترك رأي غير الأعلم الذي قد يرى الحرمة فهذا لا يوجب قطع المكلف ببراءة ذمته من الواقع والتكليف المجهود فكيف يكون رأي الأعلم مطلقاً ودائماً هو الموافق للاحتياط وهو القدر الذي يتيقن معه المكلف ببراءة ذمته من الواقع المجهول ولو كان على خلاف الاحتياط.

لكن هذه المناقشة قد يتأمل فيها إذا قيل إن العلماء على قولين لا ثالث لهما فإما أن يرو حجية قول المفتي الأعلم معيناً وإما أن يرو حجية قول المفتي مخيراً بين المفتي الأعلم مخيراً بينه وبين غير الأعلم ولا قائل بالقول الثالث وهو العمل باحوط القولين بين الأعلم وغير الأعلم خصوصا أن المسألة من مسائل الولاية ولعل الاحتياط لا يصح أو يصعب في الموارد المختلفة المتعلقة بشؤون الولاية العامة وإدارة شؤون الناس، فإذا قيل بانتفاء الثالث وهو العمل باحوط القولين بين الأعلم وغير الأعلم يتم هذا الكلام وهو أن رأي الأعلم هو مقتضى الاحتياط لأن فتوى الأعلم هي القدر المتيقن ولكن نقول هذا يتم بالنسبة إلى حجية قول المفتي إذ أن المدار في حجية الفتوى على مدى جدارة الفقيه وإلمامه بالمدارك وتطبيقاتها فيلتزم بالأعلمية الفقهية في التقليد وحجية قول المفتي وأما في مسائل الولاية فقد يقال إن الأعلم فيها لا يقتصر فيه على خصوص الإلمام بالمباني الفقهية والآراء والمدارك في المسألة بل لابد من الأعلمية في التشخيص والقدرة على تشخيص الواقع لبيان أن المصاديق الموجودة في الواقع هل تمثل صغريات وتطبيقات من القاعدة الفقهية الكلية المعينة أو لا ومن الواضح جداً أن الأعلمية المقصودة في باب ولاية الأمر والتصدي للشؤون العامة للمسلمين لا يراد بها الأقدر على الاستنباط الفقهي فقط وإنما يضم إليها الأقدر على تشخيص الواقع وإعطاء الموقف المناسب فيكون المراد بالأعلمية ليس خصوص الأعلمية الفقهية بل من يحوز الأعلمية الفقهية والأعلمية في تشخيص الواقع ومن هنا ذهب الشيخ حسين المظاهري "حفظه الله" إلى أن الشرط الرابع في ولي الأمر هو الأعلمية في دقائق السلطة فيراجع كتابه فقه الولاية والحكومة الإسلامية الجزء الأوّل صفحة 264 إذ أن أعلمية كل شيء بحسبه والأعلمية في باب الولاية هي الأقدرية على استنباط المسائل المختلفة المتعلقة بدقائق السلطة، هذا تمام الكلام في دليل العقل واتضح أنه بكلى طريقيه غير تام نعم الطريق الثاني قد يقال بتمامه على اشتراط الأعلمية إلا أن الأعلمية فيه لا تفسر بخصوص الأعلمية الفقهية وإنما يضم إلى الأعلمية الفقهية الأعلمية في تشخيص الواقع ودقائق السلطة وهذا ما يشير إلى الأكفئية أو الأخبرية.

الدليل الثالث على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي أمر المسلمين هو السيرة العقلائية وسيرة العقلاء هي عمدة الدليل على اشتراط الأعلمية في مرجع التقليد إذ يقولون إن رجوع العامي إلى مرجع التقليد هي من باب رجوع الجاهل إلى العالم كرجوع المريض إلى الطبيب فإن لم يعلم المريض بوجود اختلاف بين الأطباء فإنه يعمل برأي أي طبيب ولكن إذا علم المريض بوجود اختلاف بين الأطباء في التشخيص فقال بعضهم بلزوم إجراء عملية معينة وقال آخرون بالاكتفاء بشرب الدواء فحينئذ يقدم العقلاء قول الأعلم على غير الأعلم فيسأل المريض عن كفاءة الطبيب وحذاقته فيقدم قول الأحذق والأكثر مهارة والأعلم وهكذا بالنسبة إلى الفتوى فالعامي جاهل أمام الفقيه ويرجع العامي إلى الفقيه الجامع للشرائط رجوع الجاهل إلى العالم فإن لم يعلم العامي بوجود اختلاف بين الفقهاء يمكنه أن يقلد أي واحد منهم سواء كان الأعلم أو غير الأعلم وأما إذا علم العامي بوجود اختلاف بين الفقهاء تعين عليه العمل بفتوى خصوص الأعلم وهذه السيرة العقلائية سيرة مستحكمة وقديمة وقد سار عليها العقلاء وهي بمرأى ومسمع من المعصومين "عليهم أفضل صلوات المصلين" ولم يردعوا عنها فيكون قول الأعلم حجة ببركة الإمضاء الشرعي للأئمة "عليهم السلام" لمثل هذه السيرة ومن هنا أفتى بعض الفقهاء بلزوم تقديم قول الأعلم على غير الأعلم إذا علم اختلافهما في الفتوى.

والتحقيق

أوّلاً إن هكذا سيرة قد يشكك في أصل تحققها فإذا رجع المريض إلى الأطباء واختلفوا في التشخيص فمن غير المعلوم أن المريض دائماً يقدم قول الأعلم بل ربما يقدم قول الأكثر اطمئناناً لديه فلو رجع إلى الطبيب الأعلم ولم يدقق كثيراً في قراءة التقارير الطبية وقال له مباشرة يجب أن تجري عملية ورجع إلى الطبيب غير الأعلم ودقق كثيراً في التقارير الطبية وقال له لا يجب عليك إجراء عملية بل يمكن أن تكتفي بالتمارين الطبيعية ففي هذه الحالة قد يقدم العقلاء قول الطبيب غير الأعلم على قول الطبيب الأعلم لأن العمل بقول الطبيب غير الأعلم اسلم واقل ضرراً إذ لا توجد فيه عملية جراحية كما أنه قد دقق كثيراً في التقارير الطبية، إذاً لا نسلم أن العقلاء دائماً وفي جميع الفروض يقدمون قول الأعلم على قول غير الأعلم.

ونظراً لهذا التشكيك لم يفتي أكثر علماء العصر بوجوب ولزوم وتقليد الأعلم عند العلم بالاختلاف وإنما احتاطوا احتياطاً وجوبياً بالرجوع إلى تقليد الأعلم فهو أوفق بالاحتياط والسر في عدم فتواهم ولجوئهم إلى الاحتياط هو عدم الجزم بتحقق هكذا سيرة خصوصاً إن اشتراط الاعلمية قد ذكر في الآونة المتأخرة في فتاوى علماء العصر بعد زمن صاحب العروة "رضوان الله عليه" وأما في فتاوى السابقين فلا يفرق بين فتوى الأعلم وغير الأعلم، إذاً أوّلاً نشكك في انعقاد هكذا سيرة.

ثانياً لو سلمنا جدلاً وقلنا بانعقاد سيرة العقلاء على الرجوع إلى الأعلم دون غير الأعلم فإن هذا الأمر محصور فيما لو كان الفقيهان اللذان يراد الترجيح بينهما كفوئين في قيادة الأمة وأما إذا دار الأمر بين أحد شخصين الأوّل منهما أعلم فقهياً لكنه أضعف في الإدارة والنقُل اضعف كفاءة وبين فقيه آخر ليس بأعلم من الناحية الفقهية لكنه أقدر وأكفأ من الناحية العملية ففي هذه الحالة هل يقدم العقلاء الأعلم فقهياً أو يقدم العقلاء الأكفأ عملياً.

والجواب إن العقلاء يقدمون الأكفأ إذ أن الفقاهة مشتركة بين الأعلم وغير الأعلم والمهم في باب قيادة الأمة هو الكفاءة العملية فالكفاءة شرط في الأهلية للولاية والأعلمية مرجح بعد تحقق الكفاءة فإذا انتفت كفاءة الأعلم لا تصل النوبة إلى حجية قوله إذ أن الكفاءة من شروط ولي أمر المسلمين فإذا انتفت الكفاءة أنتفت أهليته وحجية قوله في التصدي للشؤون المسلمين العامة ومن هنا نقول بلزوم تقديم الأكفأ والأخبر على الأعلم ومن هنا يقع الكلام في دليل ترجيح الأكفئية على الأعلمية والذي يدل على الترجيح أمران:

الأوّل سيرة العقلاء فإن العقلاء في حياتهم السياسية والاجتماعية والعملية يرجحون الأكفأ في مقام تعيين الرئيس إذا علم إجمالا بأن الأكفأ سيختلف مع غير الأكفأ في مختلف المسائل فالعقلاء يقبحون ترجيح الكفوء على الأكفأ ويقدمون الأكفأ والسر في ذلك أن الأكفأ أكثر إلماماً بالمصالح والمفاسد من غير الكفوء فإذا دار الأمر بين الأكفأ الأكثر الماماً بالمصالح والمفاسد وبين الكفوء أوغير الكفوء الذي لا إلمام لديه بالمصالح والمفاسد قدم العقلاء بلا شك قول الأكفأ والأخبر.

الأمر الثاني في الترجيح إذا رجعنا إلى النصوص القرآنية والروائية نجد أن شأن الأمة الإسلامية من الشؤون التي اهتم بها الإسلام ولا يرضى بالتساهل فيها فتجب رعاية حقوق الأمة قدر الإمكان وهذا ربما يعد من البديهيات الإسلامية لذلك جرت السنة على تقديم الأفضل على المفضول وهذا جاري في مبدأ النبوة ومبدأ الإمامة ومبدأ الوصاية ووصي النبي ووصي الإمام فيقدم الأكفأ على الكفوء أو الذي لا كفاءة له لأن الأكفأ هو الأفضل وهو الأقدر على إيصال الأمة إلى حقوقها، إذاً النتيجة النهائية إذا دار الأمر بين الأكفأ والأعلم قدم العقلاء الأكفأ بلا شك ولا ريب، ونختم الدليل الثالث السيرة العقلائية بنكتة هامة وهي ملاك ترجيح الأكفئية على الأعلمية.

ومفاد ذلك إن الأعلم هو الأقدر على الاستنباط وكونه أقدر على الاستنباط لا يستلزم دائماً أن يكون أقرب إلى الواقع فقد تكون فتوى غير الأعلم أقرب إلى الواقع من فتوى الأعلم ففتوى الأعلم تعبّر وتكشف عن كونه أقدر من غيره على الاستنباط وأن الأعلم أكثر من غيره الماماً بالمباني والقواعد وتطبيقاتها هذا صحيح، أما أن الأعلم دائماً هو أقرب إلى الواقع المجهول لدينا فهذا أوّل الكلام بل هذا من الواضحات والمسلمات من قال إن فتوى الأعلم دائماً اقرب إلى الواقع من فتوى غير الأعلم، ما الدليل على ذلك لا يوجد دليل على أن فتوى الأعلم دائماً اقرب إلى الواقع من فتوى غير الأعلم نعم نلتزم بتقديم قول الأعلم لأن تقديم قول الأعلم أوفق بالاحتياط بناء على دوران الأمر بين التعيين والتخيير وهذا بالعكس بالنسبة إلى الأكفأ والكفوء فإذا دار الأمر بين الأكفأ الأكثر الماماً بالمصالح والمفاسد المتعلقة بشؤون المسلمين العامة وبين الكفوء أو الذي لا كفاءة لديه أصلا فمن الواضح جداً أن العقلاء يقدمون الأكفأ على الكفوء أو الكفوء على غير الكفوء لأن الأكفأ والكفوء أقرب إلى الواقع من غير الكفوء وهذا هو السر في تقديم الأكفأ على الأعلم فإذا وجد فقيه أعلم من الناحية الفقهية لكنه ليس بكفوء ليس بكفئ الإدارة الدولة الإسلامية أو كانت لديه كفاءة إدارة الدولة الإسلامية لكن الفقيه الآخر أكفأ منه ويوجد فقيه آخر ليس بأعلم من الناحية الفقهية لكنه أكفأ من ناحية إدارة الدولة الإسلامية لخبرته ومعرفته بدقائق السلطة والمصالح والمفاسد ودهاليز السياسة فإذا اختلف الأعلم غير الأكفأ مع الأكفأ غير الأعلم قدم العقلاء الأكفأ غير الأعلم على قول الأعلم غير الأكفأ والسر في ذلك أن الأكفأ غير الأعلم أقرب إلى الواقع لأنه أكثر إلماماً بالمصالح والمفاسد المرتبطة بالواقع العام وقد توفر على شرط الفقاهة، إذاً كلا الشرطين متوفران فيه وهما الفقاهة والكفاءة بينما الفقيه الأعلم إما أن يكون ليس بكفء لإدارة الدولة الإسلامية فيكون قد اختل أحد شروط ولي الأمر وهو الكفاءة وإما أن تكون لديه الكفاءة فيتوفر شرط الولاية بالإضافة إلى أعلميته الفقهية فحينئذ كلا الشرطين قد توفر فيه الفقاهة والكفاءة لكن العقلاء يقدمون الكفاءة على الأفقهية لأن شرط الفقه موجود في الأعلم وغير الأعلم وكونه أعلم لا يعني أنه هو أقرب إلى الواقع ومعرفة المصالح والمفاسد كونه أعلم يعني أنه أقدر ولا يعني أنه أكفأ وأخبر بالمصالح والمفاسد بخلاف الأكفئية فهي تعبر عن كونه أعرف بالمصالح والمفاسد المتعلقة بالمجتمع والعقلاء يقدمون الأكفأ غير الأعلم على الأعلم الأقل كفاءة.

النتيجة النهائية سيرة العقلاء لا تدل على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي أمر المسلمين نعم سيرة العقلاء تدل على تقديم الأعلم في التشخيص والأقدر على معرفة الواقع والإلمام بالمصالح والمفاسد على غير القادر أو الأقل قدرة على التشخيص.

النتيجة النهائية الأدلة الثلاثة دليل الروايات ودليل العقل ودليل السيرة العقلائية لا تدل بأجمعها على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي أمر المسلمين بل هذا أصلا من الواضحات لا يحتاج إلى تطويل وهذه الاستدلالات هذا من الواضحات لو تسأل أي عاقل تقول له أعلم الفقهاء موجود لكن لا يعرف شيء في السياسة وهو أعلم الفقهاء دقيق جداً يشطر الشعرة نصفين في الفقه في الطهارة والحيض والنفاس وبقية الأبواب الفقهية ويوجد فقيه آخر ليس بأعلم ولكنه بصير بالشؤون السياسية وخبير في هذه الحالة العقلاء يقدمون الفقيه غير الأعلم البصير بشؤون الأمة وبالواقع السياسي، هذا تمام الكلام في الشرط الرابع عشر من شروط ولي أمر المسلمين وهو شرط الفقاهة واتضح أن الأدلة وعمدتها الروايات تدل على اشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي أمر المسلمين وأما الأدلة القرآنية أو الإجماع أو العقل فلا يدل على اشتراط الفقاهة وأما الأفقهية والأعلمية فلا تدل الأدلة الثلاثة الروايات والعقل والسيرة العقلائية على اشتراط الأعلمية الفقهية نعم تدل سيرة العقلاء على اشتراط وتقديم الأكفئية، هذا تمام الكلام في الشرط الرابع عشر الشرط الخامس عشر العدالة يأتي عليها الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الكرام.

 

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 69 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: كتاب احكام ولي الامر في الدولة الاسلامية
  • الجزء

    -

  • 1

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
69 الجلسة