بحوث فقهية في ولاية الفقيه
شیخ الدقاق

067 - الاستدلال بالفقرة الاولى(الحوادث الواقعة) على ولاية الامر

بحوث في ولاية الفقيه

  • الكتاب: كتاب احكام ولي الامر في الدولة الاسلامية
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    1

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

الشرط الخامس عشر والأخير من شروط ولي الأمر العدالة، وقبل أن نقيم الأدلة على اشتراط العدالة في ولي الأمر لا بأس بالتطرق إلى تعريف العدالة وهذا البحث عادة ما يبحث في كتاب الصلاة عندما يتطرق إلى اشتراط العدالة في إمام الجماعة وأحياناً يتطرق إلى بحث العدالة في بحث الشهادات عندما يذكر أن من شروط الشاهد أن يكون عادلاً وأحيانا يبحث في كتاب الاجتهاد والتقليد حينما يذكر إن من شرائط مرجع التقليد والمفتي العدالة، نتكلم عن تعريف العدالة بشكل مختصر ومقتضب وتفصيل ذلك في هذه الأبحاث الفقهية.

بعض الفقهاء عرف العدالة على أنها ملكة كصاحب الجواهر وتبعه صاحب العروة وجملة من المحققين كالسيد الإمام الخميني "رضوان الله عليه" وبعض أعاظم تلامذته كالشيخ الفاضل اللنكراني "رحمه الله" وفي المقابل يوجد قول آخر وهو أن العدالة صفة وليست ملكة واختلف في هذه الصفة فذهب البعض كالشيخ الأعظم الأنصاري "رحمه الله" إلى أنها صفة نفسانية وخالفه المحقق السيد الخوئي "رحمه الله" وذهب إلى أن هذه الصفة هي صفة عملية وليست صفة نفسانية وتبعه بعض أعاظم تلامذته كالسيد السيستاني "حفظه الله".

الخلاصة توجد ثلاثة أقوال في تعريف العدالة، القول الأوّل إنها ملكة القول الثاني إنها صفة نفسانية وليست ملكة، القول الثالث إنها صفة عملية وليست نفسانية وليست ملكة، نذكر بعض هذه التعاريف بنصها ثم نشرع في إقامة الأدلة على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين.

أما التعريفات التي ذكرت أن العدالة ملكة:

التعريف الأوّل للشيخ محمد حسن النجفي في كتابه جواهر الكلام الجزء الثالث عشر صفحة 294 قال "قدس" وقيل العدالة عبارة عن ملكة نفسانية تبعث على ملازمة التقوى والمروءة.

التعريف الثاني للسيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى الجزء الأوّل صفحة 270 طبعة مؤسسة السبطين العالمية 41 تعليقة مسألة 21 العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات وترك المحرمات وتعرف بحسن الظاهر الكاشف عنها علماً أو ظناً وتثبت بشهادة العدلين وبالشياع المفيد للعلم.

التعريف الثالث للسيد الإمام الخميني "رضوان الله عليه" في كتابه تحرير الوسيلة مسألة 28 العدالة عبارة عن ملكة راسخة باعثة على ملازمة التقوى من ترك المحرمات وفعل الواجبات.

التعريف الرابع للشيخ الفاضل اللنكراني في تعليقته على العروة الوثقى على مسألة 23 يقول "قدس" بل عبارة عن ملكة إتيان الواجبات وترك خصوص الكبائر من المحرمات.

إذاً هذه التعريفات الأربع تنص على أن العدالة ملكة وقد ذهب إلى كونها ملكة الشيخ حسين المظاهري "حفظه الله"في كتابه فقه الولاية والحكومة الإسلامية الجزء الأوّل صفحة 267 وقد فرق بين الكاشف والمنكشف فقال إن الكاشف هو الفعل والمنكشف هو الملكة والعدالة هي عبارة عن الملكة المنكشفة وليس الفعل الحسن أو الطاعة الكاشفة عن الملكة المنكشفة وهي العدالة هذا تمام الكلام في ذكر تعريفات القول الأوّل.

وأما القول الثاني وهو إن العدالة صفة نفسانية فقد ذكرها الشيخ مرتضى الأنصاري في كتاب الطهارة الجزء الثاني صفحة 406 قال "رحمه الله" العدالة عبارة عن صفة نفسانية توجب التقوى والمروءة.

وأما القول الثالث وهو أن العدالة صفة عملية وليست صفة نفسانية فضلا عن كونها ملكة نفسانية، فرائد هذا القول السيد أبو القاسم الخوئي "رحمه الله" إذ قال هذا التعريف الأوّل طبعاً تبعاً لأستاذه وفقيهه الذي كثيرا ما يلحظ كلماته وهو المحقق الهمداني "رحمه الله" الفقيه الهمداني له هذه العبارة هذا التعريف الأوّل قال المحقق الهمداني في مصباح الفقيه كتاب الصلاة صفحة 668 من الطبعة الحجرية قال "رحمه الله" والأولى أن يقال في تعريفها إنها عبارة عن كون الرجل مبالياً بدينه بحيث يبعثه تدينه في العادة على فعل الواجبات وترك المحرمات وقد سار على هذا القول زميل السيد الخوئي السيد محمد هادي الميلاني "رحمه الله" في تعليقته على العروة الوثقى الجزء الأوّل صفحة 270 في حاشيته على مسألة 23 قال "رحمه الله" بل هي عبارة عن الاعتدال والاستقامة في مقام الامتثال بإتيان الواجبات وترك المحرمات وتلازمها الملكة النفسية لا أنها هي نعم يكتفا بحسن الظاهر كما ذكره.

تاريخ الثالث للسيد الخوئي "رحمه الله" في منهاج الصالحين مسألة 29 قال "قدس" العدالة المعتبرة في مرجع التقليد عبارة عن الاستقامة في جادة الشريعة المقدسة وعدم الانحراف عنها يميناً وشمالاً بأن لا يرتكب معصية بترك واجب أو فعل حرام من دون عذر شرعي ولا فرق في المعاصي في هذه الجهة بين الصغيرة والكبيرة وقال "قدس" في كتاب الاجتهاد والتقليد صفحة 254 فالعدالة المطلقة هي الاستقامة العملية كما يقتضيه معناها اللغوي إلى أن يقول والمتحصل إن العدالة ليست لها حقيقة شرعية وإنما استعملت في الكتاب والأخبار بمعناها اللغوي أعني الاستقامة وعدم الاعوجاج والانحراف إلى أن يقول كما ظهر أن العدالة ليست من الأوصاف النفسانية وإنما هي صفة عملية.

وقد سار على هذا التعريف تلميذه السيد علي السيستاني "حفظه الله"في تعليقته على العروة الوثقى هذا التعريف الرابع قال "حفظه الله" بل هي الاستقامة العملية في جادة الشريعة المقدسة الناشئة غالباً عن خوف راسخ في النفس وينافيها ترك واجب أو فعل حرام من دون مؤمن وهذا تقريباً يقرب من تعليقة السيد الخوئي على العروة الوثقى إذ يقول بل عبارة عن الاستقامة في جادة الشرع وعدم الانحراف عنها يميناً وشمالاً وهكذا جملة تلامذة السيد الخوئي هذا هو مفاد كلامهم من أن العدالة هي نفس الاستقامة فلنلاحظ تعليقة السيد تقي القمي "رحمه الله" قال بل هي عبارة عن كون الشخص على الجادة المستقيمة الشرعية، هذا تمام الكلام في بيان الأقوال الثلاثة وتفصيل البحث في ذلك في كتاب صلاة الجماعة عندما يبحث عن عدالة إمام الجماعة.

والتحقيق في المسألة إن العدالة هي نفس الاستقامة هذه الاستقامة قد تنشأ عن ملكة وقد تنشأ عن عادة فالعدالة هي نفس الاستقامة في جادة الشريعة المقدسة وأما الملكة فهي منشأ العدالة وليست هي المنشأ الوحيد للعدالة إذاً الخلاصة العدالة هي الاستقامة في ضمن أطار الشريعة المقدسة بالإتيان بالواجبات وترك المحرمات، هذا تمام الكلام في تعريف العدالة.

الأدلة على اشتراط العدالة في ولي الأمر

ويمكن أن تقام الأدلة الأربعة على اشتراط العدالة في ولي الأمر، القرآن الكريم والسنة الشريفة والإجماع والعقل.

الدليل الأوّل القرآن الكريم ويمكن أن يستدل على اشتراط العدالة في ولي الأمر بستة آيات من كتاب الله ذكرها الشيخ حسين المنتظري "رحمه الله" في كتابه دراسات في ولاية الفقيه الجزء الأوّل صفحة 289 فيظهر منه أنه يرى تمامية دلالة الآيات الست على اشتراط العدالة في ولي الأمر وقد ذكرها أيضا الشيخ محمد المؤمن القمي في كتابه الولاية الإلهية الإسلامية الجزء الثالث صفحة 147 وقد استظهر تمامية أربع منها وعدم تمامية اثنتان منها في الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر وسيتضح من خلال البحث أن الصحيح تمامية دلالة ثلاث آيات منها على اشتراط العدالة في ولي الأمر وعدم تمامية ثلاث أخر.

الآية الأولى قوله تبارك وتعالى (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون)، سورة هود آية 113.

هذه الآية استدل بها العلامة الحلي في كتابه تذكرة الفقهاء كتاب الجهاد الجزء التاسع صفحة 393 وموضع الاستدلال بهذه الآية هو الجملة الأولى حيث نهى الله تبارك وتعالى عن الركون إلى الذين ظلموا وصرح بأن الركون إليهم يوجب مس النار فلا محال يكون معصية كبيرة والركون إلى الشيء أن يجعل ركناً يستند إليه فجعلوا بعض الناس ولي أمر القوم لا محال يلزم منه أن يستند إليه في جميع الأمور والمهام الهامة والخطيرة فتكون بيده وهذا يستلزم وجوب طاعته والآية الكريمة تنهى عن إطاعته إذا كان ظالماً فيكون الاستدلال بالآية الكريمة على المطلوب تاماً.

إذاً هذه الآية ليست خاصة بخصوص ولي الأمر وإنما تنهى بشكل عام عن الركون إلى أي ظالم وغير العادل ظالم لنفسه على أقل تقدير بارتكابه ما يوجب الفسق فتنهى الآية الكريمة عن إتباع الفاسق الظالم لنفسه فضلا عن الظالم لغيره فتكون النتيجة النهائية اشتراط العدالة في ولي الأمر لكي يصح إتباعه، إذاً الآية الأولى تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر.

الآية الثانية قوله تبارك وتعالى خطاباً لرسوله الكريم "صلى الله عليه وآله" (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفورا)، سورة الإنسان آية 23 و24.

تقريب الاستدلال

التمسك بالفقرة الأخيرة من الآية الثانية فإن الله تبارك وتعالى قد نهى نبيه عن طاعة الآثم والكفور والنهي يدل على التحريم والإثم هو متحمل الإثم ومن يأتي بيه والإثم والمعصية وقد يقال إن الرضي الأصفهاني في مفرداته قد فسر الإثم بأنه اسم للأفعال المبطئة عن الثواب فربما يتوهم عدم اختصاص الإثم بالمحرمات ولكن الصحيح إن الإثم يشمل المحرمات أيضا فإن المحرمات توجب العقاب ومرحلة إيجاب العقاب أعلى وارفع من مرحلة الإبطاء عن الثواب.

ويدل على أن الإثم يشمل المحرمات قوله تبارك وتعالى (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)، سورة الأعراف الآية 33 فتدل الآية بوضوح على أن الإثم مما حرمه الله والآثم هو الآتي بالإثم، إذاً الآية الكريمة تدل بوضوح على حرمة طاعة الآثم والفاسق وبالتالي إذا كان ولي الأمر آثماً أو فاسقاً لا تجب طاعته بل تحرم، إذاً يشترط في ولي الأمر أن يكون عادلاً لكي تصح طاعته، إذاً الآية الثانية تامة الدلالة على اشتراط في ولي الأمر.

الآية الثالثة قوله تبارك وتعالى مخاطباً نبيه "صلى الله عليه وآله" (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا).

تقريب الاستدلال

إن الله تبارك وتعالى قد نهى النبي محمد "صلى الله عليه وآله" عن طاعة من أغفل قلبه عن ذكره وأتبع هواه وهذا يشمل كل من يعصي الله تبارك وتعالى فكل من يعصي الله يكون قد اتبع هواه وقد غفل قلبه عن ذكر الله وكان أمره فرطا، فالمذنب لا تصح طاعته وهذا يدل على اشتراط العدالة في طاعة الشخص الذي ينبغي طاعته وبالتالي هذه الآية تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر، قد يقال إن هذه الآية خاصة بالنبي "صلى الله عليه وآله" ولا تشمل غيره من البشر وهذا الإشكال كما يرد في الآية الثالثة يرد في الآية الثانية أيضا.

والجواب إن الآية الكريمة اشتملت على حيثية تعليلية فعلة حرمة الطاعة هو كونه آثماً أو كفوراً في الآية الثانية وهو كونه غافل القلب عن ذكر الله ومتبعاً لهواه في الآية الثالثة وهذه العلة كما هي موجودة بالنسبة إلى النبي "صلى الله عليه وآله" كذلك هي موجودة بالنسبة لغيره من البشر، إذاً الآية الثالثة تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر.

الآية الرابعة وهي الآية الأولى التي استدل بها الشيخ المنتظري والشيخ المؤمن القمي وهي قوله تبارك وتعالى (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمها قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)، سورة البقرة آية 124.

تقريب الاستدلال

وانقل نص كلام الشيخ المؤمن القمي كتابه الولاية الإلهية الإسلامية الجزء الثالث صفحة 147 و148 لأنه قد ذكر تقريب الاستدلال وأما الشيخ المنتظري صفحة 289 من كتابه دراسات في ولاية الفقيه الجزء الأوّل فلم يذكر تقريب الاستدلال.

والاستدلال به بملاحظة أنه تعالى قد جعل لإبراهيم "على نبينا وآله وعليه السلام" مرتبة الإمامة والإمامة مساوقة لولاية الأمر على الناس وهو "عليه السلام" استدعاها لذريته فأجابه تعالى بأنه (لا ينال عهدي ـ يعني الإمامة ـ الظالمين) والظلم هو عبارة أخرى عن العصيان فالآية المباركة تجعل العصيان مانعاً عن التشرف بعهد الإمامة والولاية وهو المطلوب وتمامية الاستدلال بها كما ترى متوقفة على أمرين كون الإمامة مرادفة أو مساوقة للولاية وكون الظلم بمعنى العصيان ثم ذكر آيات وروايات استدل بها على كلا الأمرين:

الأمر الأوّل أن الإمامة مرادفة للولاية.

والأمر الثاني أن الظن بمعنى العصيان.

والتحقيق إن الأمر الثاني تام فالظلم بمعنى العصيان كما يظهر من اللغة والعرف فضلا عن الأدلة التي أقامها "حفظه الله"صفحة 151 من الجزء الثالث وإنما الكلام في الأمر الأوّل وهو أن المراد بالإمامة في الآية الكريمة هو ما يرادف الولاية فهذا ليس بتام قطعاً إذ أن إبراهيم الخليل "على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام" قد تدرج في وصوله إلى الله تبارك وتعالى فكان عبداً ثم أصبح نبياً ثم أصبح خلاً ثم أصبح إماماً فمرتبة الإمامة أرفع من مرتبة النبوة والخلة والعبودية ومرتبة الإمامة لم تثبت لجميع الأنبياء نعم قد ثبتت لأولي العزم من الرسل فليس كل نبي إمام وليس كل إمام نبي لذلك تعتقد الشيعة الإمامية أن الأئمة الأثني عشر من ذرية الرسول "صلى الله عليه وآله" أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم محمد بن الحسن القائم المهدي "عجل الله تعالى فرجه الشريف" تعتقد الشيعة أنهم أفضل من الأنبياء عدى النبي محمد "صلى الله عليه وآله" لأنهم لديهم مقام الإمامة ومقام الإمامة يراد به الرئاسة الإلهية فرئاسة كما تعرف الإمامة في علم الكلام رئاسة في الدين والدنيا وليست خاصة بخصوص الأمور الدينية وليس المراد فيها مجرد ولاية الأمر وقيادة المجتمع ولو على أساس ديني بل مقام إلهي رفيع لا يناله إلا ذو حظ عظيم فحتى بعض الأنبياء لم يحصلوا على درجة الإمامة وإبراهيم الخليل حينما ضاق حلاوة هذا المقام الشريف والرفيع وهو مقام الإمامة ولاحظ أنه ارفع من مقام النبوة طلب هذا المقام لذريته فأتاه الجواب (لا ينال عهدي الظالمين) أي أن عهد الله تبارك وتعالى وهو مقام الإمامة لا يشمل من يظلم نفسه ولا يشمل الفاسق ولا يشمل غير العادل، إذاً الآية أخص من المدعى، الآية تامة الدلالة على اشتراط العدالة في الإمام ولكن ولي الأمر لا يندرج تحت عنوان الإمام الوارد في الآية الشريفة، إذاً الآية الرابعة ليست تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر لأنها خاصة بخصوص مقام الإمام الرفيع الذي هو ارفع من درجة النبوة فهي أجنبية عن المدعى فأين المقام الإمامة الذي هو ارفع من مقام النبوة وأين مقام ولاية الأمر العامة الذي هو يمثل مقام النيابة عن الإمام المعصوم "عليه أفضل الصلاة والسلام"، إذاً الآية الرابعة لا تدل على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين.

الآية الخامسة قوله تبارك وتعالى (إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا اطعنا الله واطعن الرسول وقالوا ربنا إنا اطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيرا)، سورة الأحزاب الآيات 64 إلى 68.

موضع الاستدلال الآيتان الأخيرتان (وقالوا ربنا إنا اطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً) فقد طلب الكفار المخلدون في النار من الله تبارك وتعالى أن يعذب سادتهم وكبرائهم لأنهم أضلوهم وأوقعوهم في الضلال بعد إن أطاعوهم ولا شك ولا ريب إنه يستفاد من هذه الآية مبغوضية فعل السادة والكبراء ويكون لازم ذلك أن رئيس القوم إذا أمر بمعصية فقد فعل حراماً فتسقط عدالته ولا تجب طاعته، إذاً يشترط في الرئيس وولي الأمر أن لا يرتكب معصية وهذا ما يدل على اشتراط العدالة في ولي الأمر.

والتحقيق

إن هذه الآية لا تدل على اشتراط العدالة في ولي الأمر كما أفاد الشيخ المؤمن القمي صفحة 156 بحق في كتابه إذ أن مدلول الآية الكريمة يفيد أن لا يكون ولي الأمر عاملاً بالمعاصي وداعياً إلى الضلال والمدعى أوسع من ذلك إذ أن المدعى هو اشتراط العدالة فلو افترضنا أن الرئيس ليس بعادل فيما بينه وبين ربه ولكنه لا يضل الناس ولا يدعوهم إلى الضلال فهو مسلم ومذنب فيما بينه وبين ربه لكنه لا يدعو الناس إلى المعصية والضلال والفساد ولا يضلهم ولا يكون داخلاً تحت مفاد الآية الكريمة فلآية الكريمة لا تدل على اشتراط العدالة وإنما تنهى عن إتباع المضلين الفاسدين المارقين ولا تدل على اشتراط العدالة، إذاً الآية الخامسة لا تدل على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين.

الآية السادسة والأخيرة قوله تبارك وتعالى حكاية عن قول صالح لقومه (ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون).

تقريب الاستدلال

إن الآيتين وإن كانت حكاية عن قول النبي صالح "على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام" إلا أنه لا ينبغي الريب في أن مفاد الآيتين عام فالآية الكريمة قد نهت عن طاعة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون فتدل على عدم جواز طاعة من كان فاسقاً وهذا يعني اشتراط العدالة في ولي الأمر فيتم المطلوب.

والتحقيق أن المناقشة في هذه الآية السادسة كالمناقشة في الآية الخامسة فالآية تنهى عن طاعة المسرفين والمفسدين في الأرض والذين لا يصلحون فلو افترضنا أن مسلماً فيما بينه وبين ربه ليس بعادل لكنه يرتكب الذنوب خفية وفي الظاهر ليس من المسرفين وليس من المفسدين في الأرض بل هو من المصلحين وممن يسعى لإرساء دعائم العدالة الاجتماعية بشكل عام فمثل هذا المورد لا تنهى عنه الآية الكريمة فالآية الكريمة لا تدل على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين وإنما تنهى عن إتباع المسرفين والفاسدين الذين لا يصلحون، النتيجة النهائية الآية السادسة ليست تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين.

نتيجة الدليل الأوّل هي أن الآيات الثلاث الأول تدل على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين بينما الآيات الثلاث الأخر لا تدل على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين ويكفي لتمامية الدليل الأوّل دلالة آية واحدة من كتاب الله فيتم المطلوب ونكون في غناً عن بقية الأدلة لكي نثبت اشتراط العدالة في ولي الأمر، هذا تمام الكلام في بيان الدليل على اشتراط العدالة في ولي الأمر وهو الاستدلال بآيات القرآن الكريم، الدليل الثاني الاستدلال بالروايات والأحاديث الواردة في السنة الشريفة يأتي عليها الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الكرام.

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 69 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: كتاب احكام ولي الامر في الدولة الاسلامية
  • الجزء

    -

  • 1

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
69 الجلسة