أصول التفسير ـ قديم
شیخ الدقاق

019 -ذكر مجموعة من الأصول الموضوعية للتفسير

أصول التفسير- (قديم)

  • الكتاب: دروس في المناهج و الاتجاهات التفسيرية للقرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

التاسع من الأصول الموضوعية للمفسر أو التفسير انسجام البناء القرآني أي الترتيب المنطقي والإلهي للمفردات والآيات القرآنية.

القرآن الكريم له نظمه الخاص فعند وضع المفردات القرآنية إلى جانب بعضها البعض تتكون الجمل فالقرآن الكريم يتكون من مفردات وجمل تدعى بالآية وعندما تصطف عدة آيات في مجموعة واحدة تبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم وتختم بمجيء بسم الله الرحمن الرحيم أخرى تسمى سورة عدى سورة براءة فإنها بدأت خالية من البسملة فالقرآن الكريم فيه 114 سورة كلها تبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم إلا سورة براءة فإنها بدأت بقوله تعالى (براءة من الله ورسوله) ولكن توجد في القرآن الكريم أيضا 114 بسملة في قوله تعالى (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) من هنا يقع البحث في ثلاثة أسئلة:

السؤال الأول هل ترتيب كلمات القرآن الكريم ومفرداته توقيفي أم لا أي أن وضع كلمة في موضعها هل هذا يتوقف على أمر الله تعالى وأذنه أم أن ترتيب الكلمات بشري؟

السؤال الثاني هل ترتيب الآيات توقيف أم بشري؟

السؤال الثالث هل ترتيب السور توقيفي أو بشري؟

فالقرآن الكريم مؤلف من ثلاثة ترتيبات الأول ترتيب الكلمات والمفردات الثاني ترتيب الآيات الثالث ترتيب السور بحيث تفتتح القرآن بالفاتحة وتبدأ بسورة البقرة وتنتهي بسورة الناس.

سؤال هذه الترتيبات الثلاثة هل هي توقيفية يعني الله عز وجل هو الذي رتبها والنبي وضعها حيث رتبها الله أم أن هذا الترتيب من البشر ومن الناس.

والجواب أما بالنسبة إلى السؤال الأول وهو أنه هل ترتيب الكلمات والمفردات القرآنية توقيفي أو بشري فالجواب هو أن هذا الترتيب توقيفي فالله عز وجل أمر النبي أن يضع هذه الكلمة في هذا الموضع من الكلمة الأخرى وأما السؤال الثاني وهو أن ترتيب الآيات توقيفي أو بشري ففيه خلاف والمشهور الذي نميل إليه أن الترتيب أيضا توقيفي فإذا نزلت الآيات قال النبي صلى الله عليه وآله ضعوا هذه الآية خلف تلك الآية.

وأما جواب السؤال الثالث وهو أن ترتيب السور القرآنية هل هو توقيفي أو بشري فهذا أيضا فيه خلاف إذ يوجد مبنيان المبنى الأول إن القرآن قد جمع على عهد رسول الله وإنه قد جمع بأمر الرسول وكان الترتيب من قبل الرسول وبناء على هذا يكون ترتيب السور القرآنية توقيفيا لا بشريا.

والقول الثاني وهو المعروف أن القرآن قد جمع في عهد عثمان بن عفان وأن ترتيب القرآن هكذا إنما هو بشري لأنهم جعلوا السور الطوال في بداية القرآن فابتدأوا بالبقرة وآل عمران والأنعام والمائدة وختموا بالسور القصار الفلق والناس والصحيح أن القرآن الكريم، طبعا السيد الخوئي يرى أن القرآن الكريم جمع في عهد النبي ونحن نرى أنه جمع بأمر النبي بعد وفاة النبي وجمعه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في مصحفه مصحف الإمام علي لكن الإمام علي جمع القرآن مرتبا على وقت النزول يعني بحسب ترتيب نزول وأما القرآن المتداول اليوم فهو مجموع بحسب كبر وصغر السورة فجعلوا السور السبع الطوال في البداية ثم المئيين ثم ثم ثم إلى أن يصلوا إلى قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس.

إذن الخلاصة ترتيب الكلمات توقيفي وترتيب الآيات توقيفي بخلاف ترتيب السور فإنه بشري وليس توقيفيا بناء على هذا بناء على أن الترتيب توقيفي يكون الانسجام في مفردات الآية انسجام الهي هذا ترتيب الهي هذا ترتيب منطقي ومن هنا نشأ في عصرنا هذا نوع جديد من التفسير اسمه التفسير البنائي ورائده المرحوم الدكتور محمود البستاني رحمه الله إذ ألف تفسيرا من خمسة اجزاء تحت عنوان التفسير البنائي فهو يركز على بناء السورة فهو يقول إن السورة بمثابة شجرة متكاملة فكما أن السورة لها بناء من اغصان وأوراق وكل ورقة وكل غصن ينسجم مع الغصن الآخر كذلك سور القرآن الكريم وآيات كتاب الله لها بناء وسبك أدبي وسياق متكامل فركز في تفسيره على البناء القرآني أي أنسجام الكلمات والأفكار في القرآن الكريم عنده كتاب دراسات فنية في قصص القرآن الكريم ودراسات في فهم القرآن الكريم فألف هذا التفسير إذن الأصل الموضوعي التاسع للتفسير انسجام البناء القرآني أي وجود ترتيب إلهي ومنطقي للمفردات والآيات القرآنية دون السور لأنها ترتيب بشري ومن هنا يقع الكلام في ثلاثة أمور:

الأمر الأول الانسجام بين المفردات

الأمر الثاني الانسجام بين الجمل والآيات

الأمر الثالث الانسجام والترابط بين سور القرآن

أما الأمر الأول وهو الانسجام بين المفردات والكلمات فمن الواضح أن مفردات القرآن تتمتع بالانسجام اللفظي والمعنوي وعند وضع مفردات القرآن بعضها إلى البعض الآخر تتكون الجمل ونلاحظ وجود ربط بين المفردات والكمات فلا تجد في القرآن كلمة ليس لها معنى حتى الحروف المقطعة الموجودة في أوائل السور القرآنية فإن لها عدة احتمالات في دلالتها ومعانيها إذن الترتيب بين الكلمات والمفردات القرآنية توقيفي نازل من الله وهذا الانسجام نوع من أنواع الاعجاز القرآني.

الأمر الثاني الانسجام بين الجمل والآيات فكل نص يتألف من عدة جمل وكل جملة أو عدة جمل تمثل آية من كتاب الله عز وجل ومن الواضح أنه يوجد انسجام بين الآيات بحيث تشكل آيات السورة الواحدة منظومة واحدة متكاملة فهناك انسجام هيكلي في سور القرآن الكريم نعم قد توجد جمل معترضة خارج هذا السياق وهذه موارد نادرة في القرآن الكريم كآية كمال الدين المائدة 3 (اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) فإنها جاءت في سياق المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وهكذا آية التطهير الآية 33 من سورة الأحزاب (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فإنها جاءت في سياق آيات زوجات النبي (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن أتقيتن) والحال إن آية التطهير مختصة بأهل البيت ولا تشمل نساء النبي إذن السياق العام للآيات القرآنية هو وجود الانسجام التام وعدم وجود جملات معترضة إلا في موارد خاصة ونادرة.

الأمر الثالث الترابط بين سور القرآن الكريم

قلنا يوجد مبنيان المبنى الأول أنه تم ترتيب السور وجمعها في مصحف في عصر النبي بأمره أو باشرافه وبناء على هذا يكون ترتيب السور توقيفيا.

المبنى الثاني إنه تم ترتيب السور وجمعها في مصحف في عصر عثمان بن عفان وبناء على هذا لا يكون ترتيب السور توقيفيا وإنما يكون بشريا والقول الثاني هو المشهور وبالتالي لا يكون ترتيب السور ترتيبا توقيفيا وإنما هو جهد بشري ومن هنا نجد أن بعض المفسرين كالطبرسي في مجمع البيان سعى أن يوجد ارتباطا بين نهاية السورة السابقة وبداية السورة اللاحقة ولكن لم يصل إلى نتيجة وسار أكثر المفسرين على هذه الطريقة لكن بناء على الرأي الآخر من أن ترتيب السور جهد بشري لا نحتاج ولا توجد ضرورة إلى ايجاد الرابط بين السورة السابقة والسورة اللاحقة إذا اتضح هذا الأصل التاسع وهو الانسجام بين المفردات القرآنية تظهر الثمرة ويتجلى الغرض من هذا الأصل الموضوعي التاسع فإن البناء على هذا النظم الهيكلي والانسجام في آيات القرآن له تأثير في فهم القرآن وتفسيره إذ حينئذ سيكون السياق يشكل قرينة على فهم الكلمات القرآنية فقد تأتي كلمة أو كلمتين أو تتكرر هذه الكلمة في عدة مواضع لكن معناها يختلف من موضع إلى موضع باختلاف السياق ككلمة الدين مثلا فقد جاءت في سورة الفاتحة مالك يوم الدين بمعنى يوم الجزاء وجاءت أيضا في سورة الكافرون في نهاية القرآن لكم دينكم ولي دين بمعنى الدين مع أن الكلمة واحدة وقد استخدمت في أول القرآن في سورة الفاتحة وقد استخدمت في نهاية القرآن في سورة الكافرون ولكن المعنى اختلف بحسب اختلاف السياق القرآني إذن انسجام مفردات القرآن له أثر في التفسير فلابد أن يفسر المفسر الكلمات القرآنية والآيات القرآنية بحيث يلحظ وجود انسجام بينها ولا يفسر الكلمات بنحو مبعثر ومتناثر بحيث لا يوجد أي انسجام بينها، هذا تمام الكلام في الأصل الموضوعي التاسع للمفسر وهو انسجام البناء القرآني.

الأصل الموضوعي العاشر للتفسير عدم تأثر القرآن وانفعاله يعني وعدم انفعاله بثقافة عصره فالقرآن وحي إلهي فهو يقوم بدور الفعل لا الانفعال وقد جاء القرآن الكريم إلى جزيرة العرب وكانت للعرب ثقافتهم فهل تأثر بها القرآن وأنفعل بها أو أعرض عنها وهجرها أو مارس دور التأثير في تغييرها فلابد من ملاحظة العلاقة بين القرآن الكريم وثقافة العصر الذي نزل فيه وقبل أن نشرع في بيان علاقة القرآن الكريم بثقافة عصره لا بأس ببيان معنى الثقافة في اللغة والاصطلاح.

جاءت مفردة الثقافة في اللغة العربية بالمعاني التالية:

التعليم والتربية

العلم

الأدب

مجموعة الآداب والرسوم

مجموعة العلوم والمعارف والفنون الخاصة بقوم معينين

وأما تعريف الثقافة في الاصطلاح

فقد ذكرت عدة تعاريف منها التعريف الأول الثقافة هي مجموعة الاستنتاجات والأسس الفكرية والفنية والأدبية والفلسفية والسنن والعادات التي تحكم العلاقات الاجتماعية.

التعريف الثاني الثقافة تعني مجموعة التعاليم التربوية والعقلائية والعلم والحكمة والفن والمعرفة التي تتجلى في سلوك الإنسان أو المجتمع في طريقة معيشته وتأصلت في أعماقه وتكون كل أعمال الفرد وتصرفاته متأثرة بها وفي الواقع الثقافة هي وجهات نظر أمة وميولها واتجاهاتها وقيمها.

خلاصة التعريفين الثقافة تعني مرتكزات الفرد والمجتمع هذه المرتكزات عبارة عن العلوم والفنون والمعارف التي تؤثر في معيشة الفرد والمجتمع وتحدد مصيره واتجاهه هذه هي الثقافة إذا اتضح معنى الثقافة نقول ما هي الثقافة التي كانت سائدة عند نزول القرآن؟

الجواب أولا اللغة العربية باساليبها البلاغية والفنية والأدبية.

الثاني العادات الجاهلية من وئد البنات وغير ذلك.

الثالث العادات الصحيحة كعملية البيع والشراء وغير ذلك من هنا لابد من دراسة موقف القرآن والإسلام من ثقافة العرب والجواب في ثلاث نقاط:

النقطة الأولى أما ما يتعلق باللغة العربية وأساليبها البلاغية والفنية فإن القرآن الكريم سار على الأساليب اللغوية والعرفية ولم ينحى منحا خاصا في الأساليب اللغوية والأدبية فما ندرسه في علم المعاني والبيان والبديع كما ينطبق على أشعار العرب في الجاهلية ينطبق أيضا على المعاني والكلمات والآيات القرآنية إذن بهذا المعنى نقول إن القرآن قد جرى على ثقافة العرب في محاوراتهم وألزمهم بأساليبهم نعم القرآن الكريم له سبك خاص لا هو يشبه النثر ولا يشبه الشعر عوان بين ذلك يعني سبك ونظم أدبي خاص لكن هذا السبك الخاص استعمل الأساليب البلاغية والأدبية.

فهنا لا يصح أن نقول إن القرآن قد تأثر بالعرب في اساليبهم البلاغية بل نقول إن القرآن قد نزل بلغة العرب وأساليبهم اللغوية إذ كيف يحتج عليهم بغير لغتهم وبغير اساليبهم فإن الاحتجاج بأساليبهم أبلغ وأقوى في الحجة.

الأمر الثاني القرآن الكريم قد أمضى العادات والمعاملات الحسنة عند العرب وطور بعضها فالبيع والشراء والإجارة وغيرها والحج كلها كانت موجودة عند عرب الجاهلية لكنه طورها فابتكر الحج الابراهيمي واللعان كما أن العرب كانت تعتقد بالجن والسحر وامثالهما فجاء القرآن وأمضى ذلك لكن صحح المفهوم وذكر المفهوم الصحيح للجن والسحر وفرق بين وجود الجن وبين الشعوذة وما شاكل ذلك.

الأمر الثالث القرآن قد حارب العقائد الباطلة والخرافات التي كانت سائدة في العصر الجاهلي ووقف بوجهها والأمثلة على ذلك كثيرة:

المثال الأول حارب عبادة عرب الجاهلية كانوا يعبدون الأصنام قال تعالى (وما كان صلاتهم عند البيت إلا بكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون)

المثال الثاني كان العرب يشعرون الظهار فإذا قال لزوجته أنت علي كظهر أمي بانت منه ويجوز له اللعان جاء القرآن وحرم اللعان لم يجزه لكن لو لاعن تقع البينونة قال تعالى (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل ازواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل ادعيائكم أبنائكم).

المثال الثالث رفض كل ما يعتقدونه من أمور باطلة كنسبة الجن أو الولد أو البنات إلى الله فرد على تلك العقائد قائلا وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون).

المثال الرابع خط الكثير من العادات والأحكام الجاهلية من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام واعتبارها نصيبا لله من الحرث والأنعام ونصيبا لشركائهم فابطل هذه العادات والتقاليد ومنع اكراه الفتيات على البغاء (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا)، حرم الربا وقد كانت سائدا وشائعا، منع وئد البنات وعادات كثيرة نص القرآن الكريم على محاربتها.

المثال الخامس أبطل عقيدة المشركين في خصوص الملائكة حيث كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله وما شاء الله الكثير من الأمور التي حرمها القرآن أو حارب فيها خرافات المشركين آنذاك.

خلاصة الأصل العاشر القرآن الكريم لم يتأثر ولم ينفعل بثقافة العرب في الجاهلية نعم سار على أساليبهم البلاغية في القرآن الكريم وقبل بعض العادات الحسنة وقومها ورفض العادات الأخرى التي تمثل عادات سيئة وخرافات، هذا الأصل مهم جدا للمفسر فإن المفسر لو لحظ أن القرآن فعلي لا انفعالي مؤثر ولا يتأثر وحي إلهي وليس صناعة بشرية فإنه في تفسيره للآيات وملاحظته للمفردات فإنه سيفسر القرآن على أساس أنه كتاب جاء لتغيير البشرية وصناعتها لا أنه جهد بشري تأثر بالواقع الموجود آنذاك فيصبح كتابا تاريخيا يمثل حقبة تاريخية معينة وهي حقبة نزول الوحي على النبي قبل أربعة عشر قرنا بخلاف من ينظر إليه إلى أنه كتاب جاء للهداية ولم ينفعل بل كان فاعلا ومؤثرا.

الأصل الحادي عشر من الأصول الموضوعية للتفسير اختيار المفسر للنظرية في علوم القرآن الرئيسية فعلوم القرآن فيها مباحث كثيرة لابد من تنقيحها والنظر فيها قبل الشروع في تفسير القرآن الكريم خصوصا الابحاث الرئيسية التي لها دور جوهري ومباشر في تفسير القرآن نذكر أمثلة إلى هذه المباحث التي لابد أن يكون المفسر لديه رأي فيها وعنده نظرية فيها ويرجح الرأي فيها قبل أن يفسر القرآن الكريم.

المبحث الأول مبحث الناسخ والمنسوخ هل يوجد في القرآن نسخ أو لا وإذا يوجد نسخ أي قسم من أقسام النسخ هو الذي واقع في القرآن الكريم وإذا وقعت هذه الأقسام كم هو عدد الآيات التي وقع فيها النسخ فإن هذا له تأثير مباشر في تفسير القرآن فإذا بنا على مبنى الإمامية وهو أن النسخ لم يقع في القرآن الكريم إلا في آية واحدة وهي آية النجوى فإنه سيفسر القرآن بأجمعه ولن يقول إن هذه الآية منسوخة فلا يعمل بها.

المبحث الثاني مبحث القراءات القرآنية هل جميع القراءات القرآنية صحيحة ويجوز العمل بها أو لا فإن هذا له أثر في التفسير فإن اختلاف القراءات تؤدي إلى اختلاف المعاني فإذا قال بأن القراءات لم يصح منها إلا قراءة حفص عن عاصم الكوفي فإنه لن يفسر القرآن إلا على أساس قراءة عاصم وأما إذا قال بحجية جميع القراءات أو خصوص القراءات السبع أو العشر أو الأربعة عشر فإن هذا له أثر في التفسير.

البحث الثالث مبحث أسباب النزول هل الروايات الواردة في شأن النزول أو اسباب النزول حجة أو لا وهل أخبار الآحاد هذه تصلح كقرينة لتفسير الآية القرآنية أو لا فهل روايات أسباب النزول تصلح لتقييد الآيات أو لا هذا لابد أن يبحثه مسبقا في علوم القرآن لكي يستطيع تفسير القرآن الكريم.

المبحث الرابع مبحث المكي والمدني والملاك في التفرقة بين الآيات المكية والآيات المدنية فهل الملاك زماني أو الملاك مكاني أو الملاك مضموني بحسب المضمون فالآيات التي تركز على العقائد هي آيات مكية والآيات التي تركز على الفروع والفقه وتفاصيل الأحكام والأخلاق هي آيات مدينة هذا أيضا له دور كبير في تفسير القرآن الكريم.

البحث الخامس بحث المحكم والمتشابه فما هو ملاك كون الآية محكمة وما هو ملاك كون الآية من المتشابهات وما هي آلية حمل المتشابه على المحكم وإرجاعه إليه إذن المفسر لابد أن تكون لديه أصول موضوعية للمباحث الرئيسية المذكورة في علوم القرآن ومن هنا كان المفسرون القدامى يبحثون بعض مباحث علوم القرآن في مقدمات تفسيرهم كما صنع شيخ الطائفة الطوسي في تفسيره التبيان وأمين الإسلام الطبرسي في تفسيره مجمع البيان هذا تمام الكلام في الأصل الموضوعي الحادي عشر وهو اتخاذ الرأي وانتخاب النظرية في علوم القرآن الرئيسية.

الأصل الثاني عشر الاعتقاد بوجود أساليب وصياغات أدبية في القرآن الكريم إذا رجعنا إلى اللغة العربية سنجد أن الاستعمالات على نحويين:

النحو الأول الاستعمال الحقيقي وهو عبارة عن استعمال اللفظ في المعنى الذي وضع له كاستعمال لفظة الأسد في الحيوان المفترس.

الاستعمال الثاني الاستعمال المجازي وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له كاستعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع إذن اللغة العربية فيها استعمالات حقيقية وفيها استعمالات مجازية فهل القرآن الكريم كذلك أم أن استعمالات القرآن الكريم كلها استعمالات حقيقية ولا يوجد فيه استعمال مجازي.

حكي عن البعض أن القرآن الكريم كله عبارة عن استعمالات حقيقية ولا يوجد فيه استعمالات مجازية من استعارة وتشبيه وكناية ومحسنات إلى آخره ونسب هذا القول إلى الظاهرية وابن القاص وابن حويز ومن الواضح أنه بناء على هذا المبنى يلزم حمل بعض الكلمات على ما يستفاد منه التجسيم كقوله تعالى (يد الله فوق أيديهم) (وجاء ربك) إلى آخر هذه الاستعمالات إذن لابد أن ينقح المفسر قبل أن يلج التفسير هل القرآن فيه اساليب بلاغية أو لا، هل القرآن فيه صياغات أدبية أو لا إذن هذا الأصل الموضوعي له أثره الكبير في تفسير القرآن فوجود الصياغات اللغوية والأساليب الأدبية من الاصول الموضوعية المهمة في التفسير خصوصا مبحث المجاز ويتحتم على المفسر أن يبين رأيه في هذا الموضوع قبل أن يشرع في التفسير بناء على وجود أساليب لغوية يصير يد الله هذا معنى مجازي كناية عن قدرة الله عز وجل وجاء ربك يعني وجاءت رحمة ربك، هذا تمام الكلام في الأصل الموضوعي الثاني عشر وهو وجود الأساليب الأدبية في القرآن الكريم.

الأصل الموضوعي الرابع عشر هداية القرآن لجميع البشرية وخلوده فتارة نقول إن القرآن الكريم قد نزل لحقبة تاريخية معينة واختص بها فيكون القرآن خاصا بالبيئة والمكان والزمن الذي بعث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وتارة نقول إن القرآن كتاب انزله الله لجميع الأمم ولجميع البشرية ودوره دور تعليم البشرية وهدايتها فالقرآن عبارة عن كتاب هداية فلابد أن يحدد المفسر مساره من البداية قبل أن يشرع في التفسير فمثلا قوله تعالى (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) فما هو المراد بتبيان كل شيء فقد يقال إن القرآن ليس فيه معادلات رياضية أو كيميائية أو فيزيائية وليس فيه شيء عن الأمور الطبيعية أو الطب وما شاكل ذلك وهنا يأتي الاتجاه المهم في فهم رسالة القرآن وطبيعته فإن قلنا إن القرآن عبارة عن كتاب علمي شأنه شأن سائر العلوم فهنا تبيانا لكل شيء يعني تبيانا لكل علم ولكل مسائل العلوم فلابد أن يكون فيه الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء والطب والهندسة والسياسة والاقتصاد وعلم النفس وعلم الاجتماع والفنون والنووي وغير العلوم وهذا قد يكون مضحكا ولكن تجد بعض المفسرين يحاول في كل آية أن يحملها ما لا تتحمل من العلوم العصرية وكأن القرآن هو كتاب علوم بخلاف الاتجاه الثاني الذي يرى أن القرآن كتاب هداية فحقيقة القرآن أنه جاء لهداية البشرية منذ زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى يوم يبعثون فهو كتاب هداية خالد له شمولية وعالمية فهنا تصير الآية ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) يقيد تبيانا لكل شيء فيما يتصل بالهداية وهذا الغرض مهم جدا بالنسبة إلى المفسر فاحيانا يفسر المفسر القرآن الكريم بتفسير ومع مرور الزمن يتضح أن هذا التفسير خاطئ وأنه مختص بزمن المفسر والمؤلف وليست له عالمية وخلود فإذا وضع المفسر نصب عينه وهو يستنطق كلمات القرآن أن تكون هذه المعاني عالمية وليست مؤقتة بوقت أو محددة بزمن أو مكان وإنما هذه المعاني لها شمولية وعالمية فيما يتعلق بالهداية الربانية إذن الأصل الثالث عشر مهم جدا وهو عالمية القرآن وشموله لكل زمان ومكان فيما يتعلق بدور الهداية الربانية التي يقوم بها القرآن الكريم، هذا تمام الكلام في الأصل الموضوعي الثالث عشر هداية القرآن وعالميته وخلوده.

هناك رواية تشير إلى هذا المطلب عن الإمام الباقر عليه السلام يقول (ظهره تنزيله وبطنه تأويله منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد يجري كما يجري الشمس والقمر) وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام لو كانت إذا نزلت الآية على رجل ثم مات ذلك الرجل ماتت تلك الآية مات الكتاب ولكنه حي يجري فيمن بقى كما جرى فيمن مضى).

وهناك رواية عن الإمام الرضا عليه السلام يسأل ما بال القرآن لا يزداد على النفي والنشر إلا غضاضة يعني يبقى غض طري قال عليه السلام لأنه لم ينزل لمكان دون مكان ولا لزمان دون زمان وإنما يجري مجرى الليل والنهار، إذن هذا الأصل من الأصول الموضوعية المهمة للتفسير ولها تأثير بالغ في فهم الآيات واستنطاقها وتطبيقاتها على الموضوعات الجديدة فليحذر المفسر أن يطبق القرآن على موضوعات جديدة من دون أن يلتفت إلى هذا الأصل عالمية القرآن وشموله وخلوده فالقرآن ليس مجرد كتاب تاريخي قد ارتبط بزمان أو مكان أو ثقافة أمة محدودة وإنما هو لكل العالم.

الأصل الخامس عشر القرآن مطابق للواقع وينبغي أن يكون التفسير مطابقا للواقع وهذا البحث مهم جدا وقد أشرنا إليه في سؤال قد سبق وأرجعنا إلى هنا وقلنا هل القرآن أو هل التفسير كاشفا عن الواقع أو لا والجواب من المسلم أن القرآن الكريم مطابق للواقع لأنه كلام الله فهو كلام لا يأتيه كما في الآية القرآنية (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) وفي آية أخرى (وبالحق انزلناه وبالحق نزل) فالقرآن مطابق للواقع هو كلام إلهي وليس كلام بشري ولكن هل التفسير مطابق للواقع أو لا ويتفرع عليه هل تفسير المفسر حجة أو لا؟

الجواب تفسير المفسر إن استند إلى اصول موضوعية وعلمية وراعى الأصول والقواعد التفسيرية الصحيحة فهو تفسير صحيح وحجة على المفسر لكنه ليس بحجة على غير المفسر فلا يجوز تقليد المفسرين في تفسيرهم لأنه اتباع بغير علم والمعتبر في تفسير الآية أن يكون بعلم وقول المفسر لا يفيد إلا الظن، إن الظن لا يغني من الحق شيئا فتفسير المفسر الصحيح حجة عليه وليس بحجة على غيره وتفسير المفسر غير الصحيح الذي لم يستند إلى أسس علمية وأصول موضوعية وقواعد تفسيرية صحيحة فإن هذا التفسير يعبر عن التفسير بالرأي وقد ورد في الرواية من فسر القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار، فهذا التفسير وبال عليه ووبال على الأمة بناء على هذه القاعدة المهمة نقول ينبغي أن يراعي المفسر قدر الإمكان أن يكون تفسيره مطابقا للواقع لا أن يكون تفسيره مخالفا للواقع أو أن يكون تفسيره مؤقتا بوقت فإذا انجلى الزمن وتغير اتضح فساد هذا التفسير فينبغي أن يلاحظ المفسر مطابقة كلامه للواقع هذا فيه ثمرة له وثمرة لغيره أما الثمرة للمفسر فهو حجية التفسير في حقه وأما الثمرة لغير المفسر فهو أن كلام المفسر يشكل قرينة على فهم المراد الإلهي من الآية القرآنية فتفسير المفسر وإن لم يكن حجة في حق غيره لكنه يمثل قرينة ويشكل قرينة لفهم كلام الله عز وجل، هذا تمام الكلام في الأصل الرابع عشر مطابقة القرآن للواقع وينبغي أن يكون التفسير مطابقا للواقع.

الاصل الخامس عشر عدم قابلية افتراق القرآن الكريم عن السنة المطهرة وهنا نقطتان:

النقطة الأولى عدم افتراق القرآن عن سيرة النبي صلى الله عليه وآله ويستدل على ذلك بآية 44 من سورة النحل (تبين للناس ما نزل إليهم) فالآية تشير إلى أن بيان النبي للقرآن حجة إذن لا يتخلف بيان النبي عن القرآن وكلام النبي حجة في تفسير القرآن.

النقطة الثانية عدم افتراق القرآن عن العترة الطاهرة والأئمة الاثني عشر ويدل على ذلك حديث الثقلين (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا) وفي رواية أخرى إني مخلف فيكم الثقلين أحدهما حبل ممدود من السماء وهو كتاب الله والآخر عترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تتأخروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهما فإنهم أعلم منكم إذن هذا أصل أما من يكون اتجاه قرآني حسبنا كتاب الله لا نريد كلام النبي ولا نريد كلام العترة حسبنا كلام الله كتاب الله فهذا تفسير أعوج أعرج، هذا تمام الكلام في الأصل الموضوعي الخامس عشر.

يبقى الكلام في الأصل الموضوعي السادس عشر وهو بحث طويل ومهم جدا وهو اختيار المفسر لنظريته في لغة القرآن فالبعض يشترط في الاجتهاد أن يكون المجتهد في الفقه مجتهدا في اللغة وقد يقال إنه لتفسير القرآن ينبغي أن يكون المفسر مجتهدا في اللغة العربية ولغة القرآن كما هو يجتهد في تفسير القرآن الكريم.

الأصل السادس عشر من الأصول الموضوعية للتفسير اختيار المفسر لنظريته في لغة القرآن الكريم يأتي عليه الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 28 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: دروس في المناهج و الاتجاهات التفسيرية للقرآن
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
28 الجلسة