أصول التفسير ـ قديم
شیخ الدقاق

021 - الآراء في لغة القرآن

أصول التفسير- (قديم)

  • الكتاب: دروس في المناهج و الاتجاهات التفسيرية للقرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

النقطة الخامسة الآراء في لغة القرآن

كان الكلام في النقطة السادسة عشر من الأصول الموضوعية التي ينبغي أن يحوزها المفسر لا زلنا نتكلم في أصول تفسير القرآن الكريم قلنا هذا البحث أصول تفسير القرآن مؤلف من ثلاثة فصول:

الفصل الأول في التفسير

الفصل الثاني في التأويل

الفصل الثالث في بعض ما يتعلق بالتأويل

شرعنا في الفصل الأول وهو التفسير وفيه ستة أمور وصلنا إلى الأمر الخامس، الأمر الخامس الأصول الموضوعية للتفسير، الأصول الموضوعية للتفسير ستة عشر أخذنا الخمسة عشر الأولى وشرعنا في الأصل الموضوعي السادس عشر والأخير وهو اختيار المفسر لنظريته في لغة القرآن، الاصل السادس عشر مؤلف من ست نقاط تكلمنا في الدرس السابق عن أربع نقاط الأولى السابقة التاريخية لبحث لغة القرآن الثانية مفهوم لغة القرآن الثالثة أقسام اللغات واصطلاحاتها الرابعة وظائف اللغة.

اليوم نكمل البحث بذكر النقطة الخامسة وهي الآراء في اللغة والنقطة السادسة وهي الاتجاهات الجديدة للغة الدين في الغرب ونسبتها إلى القرآن فإذا ختمنا النقطة السادسة نكون قد ختمنا الأصول الموضوعية الستة عشر للتفسير وبها يكون مسك الختام في الأمر السادس يبقى الأمر السابع ونختمه وبالتالي نختم الكلام في الفصل الأول التفسير ونشرع في الدرس القادم في الفصل الثاني تأويل القرآن الكريم.

نرجع إلى النقطة الخامسة من الاصل السادس عشر وهو اتخاذ نظرية في لغة القرآن ذكرنا أربع نقاط بقيت نقطتان.

النقطة الخامسة الآراء في لغة القرآن ونذكر ستة آراء ونرجح الرأي السادس وسيتضح أن الرأي السادس لا يتنافى مع الآراء الخمسة المتقدمة فليس بين الآراء المتقدمة مانعة جمع بل يمكن القول بأحدها ولعله لا يتنافى مع القول الآخر.

الرأي الأول في لغة القرآن العرف العام وهذا الرأي موجود في تفسير البيان للسيد الخوئي من صفحة 263 إلى 270 وأصول التفسير وقواعده لعبد الرحمن العك صفحة 138 وخلاصة هذا الرأي وهو العرف العام إن القرآن الكريم في إيصال مفاهيمه وأفكاره وآراءه لم يتبع أسلوبا وطريقة خاصة بل سار على الأسلوب العام والطريقة المتعارفة التي كان العرب يتحاورون بها فالقرآن الكريم لم يأتي باسلوب خاص كالاسلوب الفلسفي العقلي أو العرفاني القلبي أو العلمي التجريبي بل استخدم القرآن الكريم نفس المفردات التي كانت موجودة وكانت متعارفة عند العرب وبين الناس فالقرآن الكريم قد استخدم نفس نظام اللغة العربية والدليل على ذلك عموميات خطاب القرآن وارشاداته وقابلية فهم القرآن لجميع الناس ولكن هذا الرأي قد يناقش بأن لغة العرف كثيرا ما يقع فيها التساهل والتسامح بل ربما يقع فيها بعض الأساطير والخرافات والحال إن القرآن الكريم متن علمي دقيق خصوصا آيات الأحكام من كتاب الله فلا مجال للمسامحات العرفية فيها فلا يمكن الذهاب إلى الرأي الأول وهو العرف العام على اطلاقه بل لابد له من مقيدات كما سيأتي في القول السادس والأخير.

الرأي الثاني اللغة المركبة فلغة القرآن الكريم ممزوجة من عدة طرق وأساليب ففي القرآن الكريم يوجد الاسلوب الأدبي ويوجد الاسلوب العلمي ويوجد الأسلوب العلمي المتأدب فالقرآن الكريم قد استخدم نفس اللغة التي اشار إليها الرأي الأول وهي لغة العرف العام لكنه نوع في الاساليب فجاء بلغة مركبة فمن الواضح أن الناس تستخدم الاستعارة والتشبيه والتمثيل وغيرها من الأساليب البلاغية في اللغة كما أن لغة الناس تشتمل على إشارات رمزية والقرآن الكريم قد استخدم لغة العرف العام وركب بين الاساليب ومزج بين عدة طرق وأساليب ولكن قد يناقش هذا الرأي فإذا نظرنا إلى كلام بعض القائلين بهذه اللغة المركبة وطبعا قد تستفاد هذه النظرية من كلمات الشيخ مصباح اليزدي كما في مجلة المعرفة من صفحة 16 و18 ولكن قد تناقش هذه النظرية بأن بعض القائلين بها لو نظرنا إلى كلامهم فإن كلامهم يماثل كلام من قال بالنظرية الأولى العرف العام فهذا الرأي صور بشكل ترجع به اللغة المركبة إلى اللغة العرفية وبالتالي لابد من تقييدها بأنها متعددة البطون والمستويات حتى تتميز عن لغة العرف العام وتشكل عرفا خاصا قائما على مزج الأساليب ويعنون بعنوان اللغة المركبة.

الرأي الثالث اللغة الرمزية والتأويلية فبعض الباطنيين القداما والجدد يرون أن لغة القرآن الكريم هي نوعا من اللغة الرمزية التي تقتضي حل الكثير من الرموز وفكها كما في الحروف المقطعة في أوائل بعض السور القرآنية لكن قد يناقش هذا الرأي بأن القرآن تضمن مطالب كثيرة في آيات محكمة وآيات متشابهة والمطالب الرمزية التي بين الحق تعالى وبين النبي صلى الله عليه وآله إنما تكون في موارد خاصة ومحدودة لا في جميع آيات القرآن فتعميم اللغة الرمزية والتأويلية إلى جميع آيات كتاب الله لا دليل عليه إذن يمكن القول بهذا القول على نحو موجبة الجزئية بعض الموارد لا على نحو الموجبة الكلية جميع الموارد.

الرأي الرابع لغة الهداية فلغة القرآن لغة الهداية القرآن كتاب هداية فكل ما له دخل في الهداية أشار له القرآن الكريم فالقرآن الكريم عبارة عن مجموعة من الخصائص أي اسلوب تضمن مجموعة من الخصائص لهداية الناس من أمثلة هذه الخصائص انتفاء جميع الناس به تداخل الموضوعات لغة القرآن ذات أبعاد ومراتب لغة القرآن معارف عالية القرآن يشير إلى درجات الهداية العالية له عالميته وشموليته وخلوده إلى آخر ما يمكن أن يذكر في هذا الكلام في هذا المجال لكن يمكن المناقشة في أن الهداية تشير إلى مضمون واللغة تشير إلى أسلوب ونحن في ذكرنا للآراء في لغة القرآن نشير إلى الآراء في أساليب القرآن يعني الكيفية فالنظرية الأولى والثانية والثالثة كانت ناظرة إلى الاسلوب فالنظرية الأولى تقول إن اسلوب القرآن هو اسلوب العرف العام والنظرية الثانية تقول إن اسلوب القرآن هو اسلوب اللغة المركبة والنظرية الثالثة تقول إن اسلوب القرآن هو اسلوب اللغة الرمزية والإشارات وأما النظرية الرابعة فهي تقول إن لغة القرآن لغة الهداية يعني مضمونها مضمون هداية فلعله ليس ناظرا إلى الاسلوب وإذا قلنا إن المراد يوجد اسلوب ومضمون للهداية والمراد بالهداية الارشاد إلى الهدف من هذه الحياة والغاية منها ودعوة الناس إلى الله والارتقاء بقدراتهم واستعداداتهم حتى نصل إلى الهدف الذي من أجله خلق الإنسان وهو الوصول إلى الكمال الإنساني بناء على هذا نقول إن لغة القرآن لا تنفك عن اللغة العقلائية لأنه يخاطب العقلاء نعم قد يقال إن المراد به لغة عرفية خاصة وهي اللغة التي تسهم في هداية الناس هذه اللغة لا يمكن أن نقول هي قسيم للغات الأخرى بل يمكن أن تشملها باجمعها فاحيانا تقتضي الهداية لغة العرف العام واحيانا تقتضي الهداية اللغة المركبة واحيانا تقتضي الهداية اللغة الرمزية والسر في ذلك أن المراد بالهداية المضمون الذي فيه هداية للناس هذا المضمون قد يمرر بعدة اساليب إذن اللغة الرابعة أو الاصطلاح الرابع لغة الهداية ليس قسيما للغات الخمس الأخرى وإنما تجتمع جميع هذه اللغات الخمس أو الست تحت سقف واحد وهو الهداية.

الرأي الخامس لغة القرآن لغة خاصة بأهل البيت عليهم السلام يستفاد من بعض الروايات أن لغة القرآن خاصة بأهل البيت عليهم السلام فعن الإمام الباقر عليه السلام إنما يعرف القرآن من خوطب به ويظهر من كلمات جملة من الأخباريين أن ظواهر القرآن حجة بالرجوع إلى الروايات الشريفة وأما ظواهر القرآن من دون الرجوع إلى أحاديث أهل البيت فهي ليست حجة لأن فهم القرآن خاص بأهل البيت وفهمنا للقرآن ولظواهر القرآن ليس بحجة فالحجة من فهم القرآن ما جاء من تفسير للقرآن من قبل أهل البيت عليهم السلام ولا يمكن لغيرهم من الناس العاديين فهم القرآن فضلا عن تفسيره فهذا الرأي يشير إلى لغة خاصة بين الله تعالى والنبي وأهل بيته عليهم السلام ويمكن مراجعة هذا الكلام في كتب الأخباريين ككتاب الفوائد المدنية للملا أمين الاسترابادي صفحة 28 وكتاب منبع الحياة للجزائري صفحة 44 وكتاب الفوائد الطوسية للحر العاملي صفحة 411 وغيره وقد رد عليهم علمائنا الأصوليين كالشيخ الأنصاري في فرائد الأصول والآخوند الخراساني في كفاية الاصول لذلك بعض الأخباريين، الأخبارية على قسمين اخبارية جمالية واخبارية بحرانية الاخبارية الجمالية هم من نسل آل جمال الدين في البصرة وهؤلاء يحرمون التقليد ويقولون ترجع إلى الرواية ولا ترجع إلى مرجع التقليد ومرجع التقليد هو راو لذلك يقال له محدث أو فقيه ولا يقال له مجتهد وأما الأخبارية البحرانية فهي تجيز التقليد، الأخبارية البحرانية معتدلة ولكن هذا الرأي قد يناقش بأنه لو قلنا أن القرآن لغة خاصة فحينئذ لا يكون للعالمين وغنما يكون لفئة خاصة من العالمين هي التي تقوم بتفسيره وتوضيحه للعالمين.

وثانيا ينتفي التحدي الله عز وجل تحدى جميع الناس فإذا جميع الناس لا يفهمون هذه اللغة ينتفي هذا التحدي فتحمل هذه الروايات على أن الفهم الحقيقي الكامل لا يفهمه إلا أهل البيت هذا صحيح ولكن الفهم الظاهري أو الحد الأدنى من التفسير متاح لكل أحد إذا توفر على أدوات اللغة العربية وغيرها من الأمور التي لها مدخلية في تفسير القرآن الكريم.

الرأي السادس لغة القرآن لغة العرف الخاص بالقرآن فالقرآن الكريم له لغة خاصة ويمكن الجمع بين الرأي السادس وبقية الآراء بأن نقول إن القرآن الكريم سار على العرف العام وهو الرأي الأول ولكن قيده في بعض الموارد بعرف خاص فالقرآن الكريم استعمل الأساليب المتعارفة من كناية وتشبيه وتمثيل واستعارة ومحسنات بديعية واستعمل نفس الاصطلاحات التي كانت معروفة لكنه في نفس الوقت جاء باصطلاحات جديدة وهذب اصطلاحات كانت متعارفة فتكون النتيجة إن للقرآن لغة خاصة وهذه اللغة عبارة عن لغة مركبة وهو الذي يقول به الرأي الثاني وأيضا فيه لغة رمزية واشارية وهو الرأي الثالث وأيضا هذه اللغة الخاصة للقرآن الكريم هي لغة الهداية وهو الرأي الرابع وأيضا هذا العرف الخاص واللغة الخاصة لا يفهمها بنحو كامل إلا أهل البيت عليهم السلام وهو الرأي الخامس نعم فهمها بالحد الأدنى متاح لكل الناس فالرأي السادس والنظرية السادسة ترى أن لغة القرآن الكريم لغة العرف الخاص بالقرآن وهو الصحيح من بين الأقوال الستة المتقدمة ويبدو أن هذا الرأي رأي جملة من الأعلام الكبار كالإمام الخميني رحمه الله والعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسير الميزان والشهيد الشيخ مرتضى المطهري والمرجع المفسر الشيخ جوادي آملي والمرحوم الشيخ محمد هادي معرفة فهؤلاء الأعلام يرون أن لغة القرآن لغة خاصة وله طريقة خاصة ولكن كل واحد منهم تطرق إلى حيثية من حيثيات هذه اللغة الخاصة يمكن جمعها في خمس نقاط وقبل أن نقرأ الخمس النقاط لا بأس أن نقرأ مقطعا للسيد الطباطبائي ومقطعا للشهيد مطهري ومقطعا للشيخ محمد هادي معرفة وقبل أن نقرأ هذه المقاطع نشير إلى هذه الحقيقة القرآن الكريم جاء بلغة الناس ولكن من غير الصحيح أن نحاول أن نفهم لغة كلام القرآن وهو كلام الله بمثل ما نفهم كلام الناس فقياس لغة القرآن بلغة الناس قياس مع الفارق لأن القرآن على الرغم من وجود قرائن منفصلة في بدايته ووسطه وآخره لكن هذه القرائن المنفصلة تمثل سياقا واحدا والمفسر لابد أن يلم بها باجمعها.

يقول العلامة الطباطبائي رحمه الله الميزان الجزء الثالث صفحة 78 تفسير الآية من 7 إلى 9 من سورة آل عمران يجب على المفسر عدم الاكتفاء في تفسير الآيات القرآنية اعتمادا على ما بين يديه من أدوات فهم الكلام العربي مقايسة لكلام الله تعالى بكلام الناس ويقول الشهيد مطهري رحمه الله القرآن الكريم له طريقته الخاصة في بيان المسائل في كثير من الموارد إذا أخذنا آية واحدة من القرآن الكريم دون عرضها على الآيات المشابهة لها سنفهم منها ما يختلف تماما عن ما نفهمه منهما فيما لو عرضناها على الآيات المشابهة لها ويقول في موضع آخر في كتابه معرفة القرآن تفترق لغة القرآن عن لغة الحوار بين إنسانيين.

كلام الشيخ محمد هادي معرفة اكثر صراحة في حواره مع مجلة بينات العدد الأول صفحة 54 أيضا في العدد ثلاثة يقول للقرآن الكريم طريقة خاصة في إفادت تعاليمه الرفيعة فاتخذ القرآن في بياناته الشافية والكافية طريقة تختلف عن الطرق المتعارفة التي يستخدمها الناس في محاوراتهم فما هي معالم هذه الطريقة الخاصة نذكر خمس حيثيات قد نص بعضهم عليها:

الحيثية الأولى إن لغة القرآن بلحاظ طريقة فهمها تختلف عن اللغات الأخرى فطريقة القرآن تختلف عن اللغات الأخرى من ناحية كيفية فهمها وهذا ما أشار إليه العلامة الطباطبائي والشهيد المطهري.

الحيثية الثانية إن لغة القرآن بلحاظ موافقتها للفطرة تختلف عن اللغات الأخرى فقد أشار إلى ذلك الشهيد مرتضى مطهري والشيخ جوادي آملي.

الحيثية الثالثة لغة القرآن متعددة السطوح والمستويات والمجالات ففيها العلمي والعاطفي والتحليلي وقد أشار إلى ذلك الشهيد مرتضى مطهري.

الحيثية الرابعة طريقة التعليم في لغة القرآن غير طريقة التعليم في اللغات الأخرى وقد اشار إلى ذلك الشيخ محمد هادي معرفة.

الحيثية الخامسة لغة القرآن لها اصطلاحات خاصة بها على خلاف لغة العرف العام وقد أشار إلى ذلك العلامة السيد الطباطبائي في الميزان ولو بحثنا أكثر لوجدنا الكثير من الحيثيات التي تمتاز بها لغة القرآن الخاصة عن بقية اللغات بناء على ما تقدم نقول للقرآن لغة خاصة وعرف خاص له خصائص وسمات يمتاز بها عن لغة العرف العام وطبعا هذه اللغة ليست في مقابل اللغة التركيبية أو لغة الهداية أو لغة العرف العام بل نقول هي عبارة عن لغة العرف العام وهو النظرية الأولى مع تقييدها بمقيدات أوجبت حصول لغة خاصة، هذا تمام الكلام في النقطة الخامسة الآراء في لغة القرآن واتضح أن الصحيح من الآراء الستة هو الرأي السادس إن لغة القرآن عبارة عن لغة خاصة وهذه اللغة لا تتنافى مع اللغات الخمس المتقدمة بل تضمنت هذه اللغات الخمس وزادت عليها.

النقطة السادسة دراسة الاتجاهات الجديدة للغة الدين في الغرب ونسبتها إلى القرآن الكريم.

الباحثون في الديانات السماوية المحرفة كمن بحث في لغة الإنجيل المحرف أو التوراة المحرفة ووجدوا فيها بعض الأفكار التي لا يقبلها العقل كلغة التثليث إن الله ثالث ثلاثة وهو واحد في عين أنه ثلاثة وثلاثة في عين أنه واحد والعقل يرى أنه لا يمكن الجمع بين الواحد والثلاثة بينهما مانعة جمع إما واحد وإما ثلاثة ؟؟؟ المسيحيون إن لغة الانجيل تخاطب القلب ولا تخاطب العقل وهذا الاشكال جاء من العقل لا من القلب فالتثليث عقيدة رمزية اشارية من هنا كان موقف بعض الباحثين والمفكرين والأدباء من لغة الانجيل ولغة التوراة عبارة عن اتجاهات قد تكون حادة فلما جاء من درس القرآن الكريم من عرب وغيرهم وشرقيين وغربيين ومسلمين وغير مسلمين حاولوا اسقاط تلك النظريات الغربية وتطبيقها على القرآن الكريم وهو تطبيق في غير محله فطرحوا نظريات أبرزها ثلاث نظريات وسيتضح أنها ليست صحيحة ولا تنطبق على القرآن الكريم.

النظرية الأولى عدم اعتبارية لغة الدين فعلى أساس هذه النظرية يقولون إن المعطى العلمي الوحيد هو ما يثبت بالتجربة وكل ما لم يثبت بالتجربة في المختبر فهو ليس بعلم وليس له قيمة معرفية علمية فالتوراة والإنجيل والقرآن إنما هو عبارة عن نقل ونحن لا نرى أن المعرفة النقلية معرفة صحيحة كما لا نرى أن المعرفة العقلية الفلسفية صحيحة كما لا نرى أن المعرفة القلبية العرفانية الشهودية صحيحة فلا نؤمن باسباب المعرفة الثلاثة وهي النقل والعقل والكشف بل نؤمل بالسبب الرابع فقط وهو العلم والتجربة ولغة الدين بل كل الديانات لا اعتبار بها لأنها عبارة عن معرفة نقلية ونحن لا نؤمن إلا بالمعرفة التجريبية وأطلقنا عليها معرفة علمية أي أن العلم لا يحصل إلا من التجربة وكل ما لم يثبت بالتجربة وفي المختبرات فهو ليس بعلم وإنما أوهام وهنا عدة مناقشات:

المناقشة الأولى هذه العبارة وهي طريقة التأكد من صحة الاخبار منحصرة بالطريقة التجريبية هذه الفكرة بنفسها قضية لا يمكن اثباتها بالتجربة ولا نثبت صحتها بالمختبر وإنما نثبت صحتها عن طريق العقل نفس تعبيرك لا صحة لأي اخبار إلا إذا ثبت عن طريق تجريبي علمي هذه نفس هذه عدم صحة الشيء إلا بالتجربة من أين ثبت هذا ما ثبت بالتجربة هذا معطى عقلي لأن التجربة عبارة عن استقراء وتتبع للجزئيات فإذا تراكمت الجزئيات استنبط العقل النتيجة هذه النتيجة التي توصلتم إليها من أنه لا نقبل أي معلومة إلا إذا ثبتت بالتجربة هذا معطى عقلي هذه قضية عقلية وليست قضية تجريبية إذن أصل مبناكم ليس صحيحا.

المناقشة الثانية اصل التجربة يعتقد على أسس عقلية وفلسفية مثل أصل العلية والمعلولية واستحالة اجتماع النقيضين فالتجربة عبارة عن استقراء يخضع للملاحظة وملاحظات الاستقراء تطرح على العقل والعقل هو الذي يحكم وبعبارة أخرى التجربة هي عبارة عن أدوات لمعطيات العقل وإذا أردنا أن ؟؟؟ النظر فإن المعارف الأربع والخمس النقلية والعقلية والتجريبية والعرفانية والتلفيقية هذه هي عبارة عن أسباب وأدوات وكلها في النهاية تنتهي إلى العقل العقل هو الذي يحكم كل هذه المعارف مرجعها إلى العقل العقل هو الذي يدرك لكن أدوات الأدراك مادة الادراك ما هي؟ تارة المادة نقلية تارة المادة عقلية تارة المادة تجريبية تارة المادة عرفانية تارة المادة تلفيقية فتقسيم المعرفة إلى معرفة نقلية وعقلية وعرفانية وتجريبية وتلفيقية هذا راجع إلى اسباب المعرفة أدوات المعرفة وأما تحقق المعرفة فهو لا يحصل إلا من العقل.

المناقشة الثالثة من قال إن جميع القرآن اخبارات حتى تقول هذه الأخبارات قد تكون صحيحة وقد تكون كاذبة ولابد من اخضاعها للتجربة لنرى أنها مطابقة للواقع أو لا بل بعض القرآن انشاءات والانشاء لا يقبل الصدق والكذب حتى يخضع للتجربة.

المناقشة الرابعة كثير من القضايا القرآنية قابلة لإقامة التجربة عليها فالقرآن فيه انشاءات وفيه اخبارات والانشاءات لا تقبل التجربة والصدق والكذب كما في المناقشة الثالثة ولكن بعض أقسام القرآن الكريم اخبارات ومن قال إن جميع هذه الاخبارات لا تقبل التجربة بل احيانا تقبل التجربة فالقرآن أخبر عن الروح وأخبر عن أشياء كثيرة ويمكن أن تخضع للتجربة، إذن النظرية الأولى عدم اعتبارية لغة الدين لا يمكن القول بها بل لابد أن نرى أن هذا الدين هل لا زال مصونا من التحريف أم وقع التحريف فيه ونحن نلتزم أن القرآن لا زال سليما ولم يقع فيه التحريف فلغته مقبولة ولا يمكن رد لغته، إذن النظرية الأولى عدم اعتبارية لغة الدين لا يمكن التسليم بها.

النظرية الثانية الوظيفة الذرائعية في لغة الدين والمراد بها أن اللغة لا يراد منها معرفة المعاني ومعرفة معاني الألفاظ بل المهم هو معرفة وظيفة هذه الألفاظ وما يمكن أن تؤدي فعلى أساس هذه النظرية يجب أن نهتم بوظائف اللغة لا بمعاني اللغة فلا يجب أن ننشغل بوصف العالم أو العالم ومعنى العالِم ومعنى العالَم بل المهم أن ننشغل بوظيفة العالم ووظيفة العالم فقيمة البيان فيما ينبغي أن نفعل وأن نعمل وليست قيمة البيان في معرفة كنه الأشياء وحقيقة معانيها وبالتالي في اللغة ينبغي أن نأتي بالسبل الملائمة للوصول إلى الهدف المنشود لأنه لكل لغة سنخها الخاص ولغتها الخاصة ولغة الدين لا تمت إلى الواقع بصلة ففي ما يتعلق بالمعارف والمعرفة لغة الدين ليست لغة معرفية حتى لفظ الله ليس له معنى وإنما إشارة إلى العشق وما شاكل ذلك فلغة الله كلغة العشق وغيرها من الأمور الرمزية والإشارية وهذه النظرية أشبه بالفكر المادي البراكماتي الموجود في الغرب والذي مفاده أنه لا توجد قيمة مقدسة وفكرة مقدسة ولا نؤمن بأي فكرة إلا إذا جرت ربحا ماديا وأي فكرة ليس فيها نفع مادي فليست بفكرة عندنا فإذا قلت الله موجود الرسول موجود القرآن موجود الملائكة موجودين الجن موجودين يسأل الغرب هذا السؤال وماذا نستفيد من وجود الله والملائكة والجن والكتب السماوية والأنبياء إذا لم نستفد شيئا ماديا فلا توجد فائدة من هذه الأفكار، الفكرة المقبولة عندنا هي الفكرة التي تجر ربحا وتدفع خسارة، عالم الغرب اليوم قائم على أساس هذه الفكرة الفكر المادي البراكماتي ـ النفعي ـ قائم على المنفعة توجد منفعة أو لا، جلب منفعة ودفع مضرة.

إذا تلاحظ الولايات المتحدة الأمريكية اليوم والسياسات الغربية قائمة على المهم هو المادة، رئيس الوزراء البريطاني يقول سنفقد ثلثي المجتمع ولكن ستحصل للثلث الباقي مناعة هذه مناعة القطيع فكر مادي لا يوجد أن هذا انسان وله حق الحياة بل قال بعضهم جيد هذا مرض كرونا يخلصنا من كبار السن يجعل مجتمعنا مجتمع شاب ومنتج وكبار السن هؤلاء عبء على المجتمع فجاء كرونا لكي يخلصنا من هذا العبء حتى قالوا أنه اجهزة التنفس قليلة وإذا دار الأمر بين وضع جهاز التنفس على كبير في السن أو شاب يافع فلنضعه على الشاب اليافع أو ننزع من كبير السن إلى الشاب اليافع لانه أنفع للمجتمع هذا فكر مادي براكماتي فهذه النظرية الثانية الوظيفة الذرائعية في لغة الدين يعني المهم من اللغة الوظيفة التي نتذرع بها ونستفيد منها لا المعنى الذي تدل عليه هذه اللغة وبما أن الدين لا يفيدنا شيء ولا يشكل شيئا في عالم الوظائف فلغته لا تفيدنا المهم في اللغة هي اللغة التي تفيدنا وهي اللغة التي لها وظيفة ولا نريد من اللغة المعاني التي تستكشف منها وقد تناقش هذه الفكرة بعدة أمور:

الأمر الأول امتلاك اللغة للوظيفة لا ينافي واقعيتها فقد تكون اللغة في نفس الوقت لها معاني وفي نفس الوقت تؤدي وظائف فاللغة كما تحكي عن الواقع تؤدي دورا ملموسا في المجتمع وهذا ما ثبت في اللغة القرآنية فإنها تطفي الصحة النفسية على الفرد والمجتمع وترفع من معنويات المجتمع وتخفض المعصية والجرائم في المجتمع وتزيد في طهارة المجتمع وهذه كلها أمور ووظائف تقوم بها لغة القرآن الكريم فلغة القرآن تسهم في تطبيق العدالة الاجتماعية وفي نفس الوقت تكشف عن الواقع.

المناقشة الثانية واقعية القضايا القرآنية واضحة جدا حتى أن بعض المعاصرين أدعى أن لغة القرآن واقعية بنحو بديهي ووجداني والوجدان لا يحتاج إلى دليل وبرهان.

المناقشة الثالثة نحن ننكر أصل هذه الفكرة وهذا المبنى من قال إن القداسة للانتاج والنفع ولا قداسة للفكرة ما لم يحصل منها انتاج ونفع فإن الإنسان يتحرك بوجوده الفكري لا بوجوده الواقعي فكلما استطعت تصحيح ادراكات الإنسان فإنك ستعدل مساره لأن الإنسان يتحرك بوجوده العلمي لا بوجوده الواقعي فلو كان خلفي جدار وتوهمت أن خلفي أسد فإنني سافر ولو كان خلفي أسد وتوهمت أنه جدار فإنني لن اتحرك فالإنسان لا يتحرك بواقعية الاشياء وإنما يتحرك من خلال علمه وادراكه للأشياء والقرآن الكريم يسهم في تصحيح هذه الإدراكات إذن النظرية الثانية وهي اللغة الذرائعية في لغة الدين لا يمكن تطبيقها على القرآن الكريم.

المصدر الثالث اللغة الرمزية يعني اللغة المعرفية الرمزية على أساس هذه النظرية تكون هذه اللغة الدينية جزءا من المعرفة فهي ليست معاني حقيقية بل معاني اشارية ورمزية ويمكن المناقشة في هذا وهو أن القرآن الكريم قد نزل بلغة العرف والعقلاء ومن الطبيعي أن يكون فيه أساليب محاورات العقلاء من تمثيل واستعارة وكناية وتشبيه فالقرآن الكريم تضمن لغة الإشارة والرمز لكن ليس كله لغة اشارة ورمز.

الأمر الثاني دعوى أن جميع المتون ومنها لغة القرآن رمزية وغير حاكية عن الواقع هذه دعوة جزافية فمن الواضح أن الكثير من مفردات القرآن واقعية وتحكي عن الواقع حقيقة من دون لغة الإشارة.

الأمر الثالث لغة القرآن لغة واقعية والقضايا القرآنية واقعية بالوجدان ويمكن التأمل في قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها وفي قوله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب وغيرها من الآيات التي ثبت وفقا للعلم التجريبي أن القرآن أشار إلى حقيقة علمية ناصعة في ذلك الزمان.

الخلاصة هذه النظريات الثلاث في لغة الأديان في الغرب لا تنطبق على لغة القرآن وقد ثبت أن لغة القرآن لغة خاصة واقعية ولها اشارات رمزية وتسهم في هداية الناس هذا تمام الكلام في الأصل السادس عشر والأخير من الأصول الموضوعية للتفسير وهو أن المفسر قبل أن يرد التفسير لابد أن تكون له نظرية في لغة القرآن فإذا كان من البداية في ذهنه قد ارتكز أن القرآن له لغة خاصة ولا يصح قياس لغة القرآن على لغة الناس فإن هذا سينعكس على تفسيره للقرآن الكريم.

إلى هنا أخذنا ستة أمور في الفصل الأول التفسير بقي الأمر السادس والأخير من الفصل الأول التفسير وهو ضوابط ومعايير التفسير المعتبر يمكن تقسيم تفسير القرآن الكريم إلى قسمين:

القسم الأول التفسير المعتبر وهو التفسير الذي روعيت فيه جميع ضوابط الفعل وأصول التفسير الصحيح للقرآن.

القسم الثاني التفسير غير المعتبر وهو التفسير الذي لم تراعا فيه ضوابط الفهم والتفسير الصحيح للقرآن لذلك لابد من معرفة الضوابط الصحيحة والتمييز بينها وبين الضوابط غير الصحيحة ومن هنا نذكر أربعة أمور من الضوابط الصحيحة وسيأتي مزيد بيانها عندما نتطرق إلى قواعد التفسير.

الضابطة الأولى أن يتم تفسير القرآن الكريم على أساس المصادر الصحيحة والقرائن والمستندات المعتبرة.

الضابطة الثانية أن يتم تفسير القرآن بالطريقة الصحيحة للتفسير وفقا للقواعد التفسير الصحيحة.

الضابطة الثالثة أن يتم تفسير القرآن من قبل مفسر يتمتع بالشروط اللازمة للتفسير.

الضابطة الرابعة أن يتجنب المفسر الأحكام المسبقة وتحميل وجهات نظره على القرآن فيقوم بالتفسير لا التحميل والتطبيق.

هذا تمام الكلام في الأمر السابع وبالتالي نختم الأمور السبعة من الفصل الأول التفسير ويقع الكلام في الفصل الثاني التأويل ومن الواضح أن التفسير إنما يكون لظاهر القرآن والتأويل إنما يكون لباطن القرآن، الفصل الثاني التأويل يأتي عليه الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 28 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: دروس في المناهج و الاتجاهات التفسيرية للقرآن
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
28 الجلسة