024 - حجية القرآءات القرآنية وجواز قراءتها في الصلاة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

النقطة الثانية جواز التأويل وضوابطه

كان الكلام في الفصل الثاني من أصول التفسير الفصل الثاني يبحث عنوان التأويل في مدخل وأربع نقاط:

النقطة الأولى مفهوم التأويل وقد ذكرنا فيها معنى التأويل في اللغة والقرآن والحديث وكلمات العلماء وبعد أن انتهينا من بيان النقطة الأولى وهي مفهوم التأويل نشرع في تتمة بقية النقاط الأربع وبها مسك الختام في هذا الفصل الذي يبحث التأويل.

النقطة الثانية جواز التأويل وضوابطه

ومن الواضح أن للفظة التأويل معاني متعددة ذكرنا لها عدة معاني وأوجزناها في سبعة معان ومن الواضح أن جواز وعدم جواز وقوع التأويل يتوقف على المعنى الذي نستنبطه للفظة التأويل وبالتالي نذكر معاني التأويل السبعة لنرى أنها هل هي جائزة وممكنة الوقوع أو لا وتفصيل بيان معاني التأويل وجواز وقوعها كما يلي:

المعنى الأول التأويل بمعنى التفسير ومن الواضح أنه جائز فكأنما أن التفسير جائز كذلك ما يرادفه وهو التأويل فنفس الشروط والضوابط المعتبرة في التفسير تكون أيضا ضوابط وشروط معتبرة في التأويل.

المعنى الثاني التأويل بمعنى توجيه المتشابه أي إرجاع مفاد الآية من المعنى الراجح ظاهرا إلى المعنى المرجوح بحسب دلالة القرينة النقلية أو العقلية ومن الواضح أن هذا المعنى أيضا جائز فيما إذا وجدت القرينة الصحيحة التامة الدلالة على خلاف الظاهر كأن تكون آية محكمة أو سنة قطعية فلا يجوز التأويل بالرأي لتحقق ملاك المنع وهو أنه من فسر القرآن برأيه فلتبوء مقعده من النار لكن إذا تمت القرينة فحينئذ يجوز توجيه المتشابه إذن المعاني الثاني جائز أيضا.

المعنى الثالث التأويل بمعنى البطن ومن الواضح أنه جائز أيضا خصوصا إذا تمت مراعاة الضوابط المذكورة للكشف عن المعنى الباطن.

المعنى الرابع التأويل بمعنى تعبير الرؤيا وهذا أيضا جائز ولا دليل على حرمة تعبير الرؤيا والمنام.

المعنى الخامس التأويل بمعنى عاقبة الشيء ونهايته أو تحققه ومن الواضح أن هذا المعنى أيضا جائز فالتأويل من الأول والرجوع أي ما يؤول إليه الشيء وما يختتم به وينتهي إليه وتكون فيه عاقبته وبالتالي يجوز هذا التفسير إذا دل الدليل من آية من آيات الله على وجود هذه العاقبة وتحقق هذه النهاية.

إلى هنا المعاني الخمسة الأولى كلها جائزة.

المعنى السادس التأويل بمعنى الحقيقية العينية سواء كما يقول بها ابن تيمية يعني الوجود الخارجي للأشياء أو يقول به صاحب الميزان الحقيقية العينية الخارجية وقد تقدم كلام سماحة آية الله الشيخ محمد هادي معرفة "رحمه الله" من أنه لا دليل على صحة هذا المبنى وبالتالي إن قام دليل ناهض على أن التأويل بمعنى الحقيقة العينية للأعيان الخارجية فبها ونعمة وإن لم يتم الدليل ففي هذه الحالة نقول لا دليل على صحة هذا التأويل.

المعنى السابع التأويل بمعنى الإشارات والرموز وهنا يوجد فهمان:

الفهم الأول أن يراد بالإشارة والرموز الكشف والشهود الباطني ومن الواضح أن الكشف والشهود شخصي فهو لو قلنا بحجيته فهو حجة على نفس الشخص الذي تم له الانكشاف وليس بحجة على ما ينقله عن هذا الكشف فالمكاشفة يمكن الخطأ فيها فلعله يتوهم أنها مكاشفة رحمانية ولعلها في الواقع وسوسة شيطانية فلو قلنا بحجيتها فهي حجة على نفس ذلك الشخص هذا أولا.

وثانيا ما ينقل عنها ليس بحجة ولابد من إقامة الدليل عليها إذن التأويل بمعنى المكاشفة العرفانية ليس بحجة ولا يمكن نسبته إلى القرآن.

وأما المعنى الثاني للتأويل الإشاري والرمزي بأن يقال هذا من باب تداعي المعاني كما يقول به الشيخ محمد هادي معرفة ومن الواضح أن تداعي المعاني لا يعد تفسيرا ولا تأويلا لأن معنى يستتبع معنى ويتطلب معنى آخر فهذا المعنى الآخر ليس من القرآن لا تفسيرا ولا تأويلا فحينئذ إذا تم الدليل على هذا المعنى المستدعى فهو صحيح لكن لا ينسب إلى القرآن ولا ينسب إلى الله تعالى.

النتيجة النهائية في النقطة  الثانية في جواز التأويل وضوابطه ذكرت سبعة معاني للتأويل ومن الواضح أن التأويل جائز بحسب المعاني الخمسة المتقدمة وأما التأويل بمعنى السادس الحقيقية العينية أو المعنى السابع لم يقم الدليل على جوازه بل لعل الدليل يقوم على عدم الجواز كما هو الحال بالنسبة إلى الرأي السابع فيما إذا حملناه على التفسير الباطني والكشف الشهودي نعم يجوز على تقدير فيما إذا حملنا التفسير الإشاري إلى تداعي المعاني، إلى هنا انتهى الكلام في النقطة الأولى مفهوم التأويل والنقطة الثانية جواز التأويل.

النقطة الثالثة النسبة بين التأويل والتفسير ومن الواضح أن النسب في علم المنطق بين الأشياء أربع وهي نسبة التساوي والتباين والعموم والخصوص المطلق والعموم والخصوص من وجه وإذا رجعنا إلى آراء العلماء وكلماتهم سنجدها متفاوت في بيان النسبة بين التفسير والتأويل ويمكن استخراج خمسة أقوال والنسب أربع لأن واحدة من النسب الأربع هي نسبة العموم والخصوص المطلق تارة يكون الإطلاق من جهة التفسير وتارة يكون الإطلاق من جهة التأويل فنسبة العموم والخصوص المطلق تصير قولين قول أن الإطلاق من جهة التفسير وقول إن الإطلاق من جهة التأويل هذان قولان ونسبة التساوي والتباين والعموم والخصوص من وجه فتوجد خمسة أقوال وخمسة آراء في النسبة بين التفسير والتأويل ومن الواضح أن هذه النسب تختلف باختلاف المعنى المختار للتأويل فبحسب اختيار معنى التأويل يمكن استخراج النسبة بين التفسير والتأويل وفقا للمعنى المختار للتفسير والتأويل ونذكر الأقوال الخمسة في بيان النسبة بين التفسير والتأويل كما يلي.

القول الأول نسبة التساوي فقد نقل عن تغلب وابن الأعرابي أن التفسير والتأويل كلاهما واحد وقد مر أن المفسر ابن جليل الطبري يذهب إلى نفس هذا الرأي فيقول تأويل الآية بمعنى تفسير الآية إذن القول الأول النسبة بين التفسير والتأويل هي التساوي التفسير يساوي التأويل والتأويل يساوي التفسير.

القول الثاني التباين وذهب إلى ذلك أو يظهر من كلمات بعض العلماء أن النسبة بين التفسير والتأويل هي التباين مثل الماتريدي وأبي طالب الثعلبي وأبي نصر القشيني وغيرهم فالنسبة هي التباين.

القول الثالث النسبة بين التفسير والتأويل هي العموم والخصوص المطلق ولكن الإطلاق من جهة التفسير فالتفسير هو الأعم وهذا قد يلوح من كلمات الراغب الأصفهاني فهو يرى أن التفسير أعم من التأويل لأن التأويل يتم بخصوص الكتب السماوية وأما التفسير فأعم من ذلك يشمل الكتب السماوية التوراة والإنجيل والقرآن وغيرها تفسير الكلمات.

القول الرابع النسبة بين التفسير والتأويل نسبة العموم والخصوص المطلق والإطلاق من جهة التأويل فهذا القول الرابع يرى أن التأويل هو الأعم من التفسير لأن التأويل يأتي في الكلام والفعل يعني مرجع الكلام ومرجع الفعل أما التفسير فيختص بالأقوال إذن بلحاظ الحيثيات المأخوذة في معنى التفسير والتأويل تختلف النسبة.

القول الخامس إن النسبة بين التفسير والتأويل عموم وخصوص من وجه وهذا يختلف باختلاف المعاني المذكورة لمفردة التأويل فعلى بعض المعاني يلتقيان كما هو المعنى الأول التفسير يساوي التأويل والتأويل يساوي التفسير فهنا يلتقيان يلتقي التفسير مع التأويل وعلى معان أخر يفترق أحدهما عن الآخر فالتأويل يفترق عن التفسير إذا حملنا التأويل على معنى الحقيقة العينية التي قال بها صاحب الميزان وأبن تيمية فإن الحقيقة العينية أمر خارجي والأمر الخارجي مباين للتفسير اللفظي فرق بين الوجود اللفظي وهو للتفسير وبين الوجود العيني الخارجي للتأويل فالتأويل يفترق عن التفسير إذا قلنا إن التأويل بمعنى الحقيقية العينية الخارجية هذا وجه افتراق التأويل عن التفسير، وأما وجه افتراق التفسير عن التأويل فيما لو قلنا إن التفسير عبارة عن بيان المعاني الظاهرية للقرآن بخلاف التأويل الذي هو عبارة عن بيان المعاني الباطنية للقرآن فهنا التفسير يفارق التأويل، طبعا هذه إيقاع النسبة قد يكون فيه تأمل لأنه أنت توقع النسبة بلحاظ معنى لا بلحاظ معاني متعددة، هذا تمام الكلام في النقطة الثالثة النسبة بين التأويل والتفسير وهي تختلف باختلاف المعنى المختار لمفردة التأويل وإذا لحظنا جميع المعاني السبعة أو أكثر في مفردة التأويل ستكون النتيجة أن النسبة بين التفسير والتأويل بمعانيها المختلفة هي نسبة العموم والخصوص من وجه قد يلتقيان في نسبة التساوي وقد يفترق كل منهما عن الآخر كما في نسبة التباين وقد يفترق أحدهما عن الآخر ما في صورة العموم والخصوص المطلق فيفترق الأخص عن الأعم وقد يفترق كل منهما عن الآخر في بعض المصاديق كما في صورة نسبة العموم والخصوص من وجه.

النقطة الرابعة العلم بالتأويل والراسخون في العلم

سؤال هل العلم بالتأويل مختص بالله تعالى أم متاح لعموم الناس أم متاح لخصوص المعصومين "عليهم أفضل صلوات المصلين" أم متاح لخاصة الناس وهم العلماء هذه تصورات أربعة، التصور الأول أن تأويل القرآن مختص بالله تبارك وتعالى التصور الثاني إن تأويل القرآن مختص بالله والنبي والأئمة المعصومين فقط، التصور الثالث إن فهم التأويل مختص بالله والمعصومين والعلماء، التصور الرابع أعم شيء إن فهم التأويل متاح للجميع ولا يختص بالله والأئمة والعلماء أما هذا القول الرابع فمن الواضح أنه ليس بتام.

قال تعالى (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه من ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا) الشاهد هنا وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم من هنا نتطرق إلى ثلاثة أقوال وفقا لتفسير هذه الآية المباركة:

القول الأول إن العلم بالتأويل خاص بالله تبارك وتعالى والسر في ذلك هو حمل الواو في هذه الآية على أنها واو استئنافية وما يعلم تأويله إلا الله. ثم تأتي الواو لاستئناف مطلب جديد والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا والسر في حمل الواو على أنها واو استئنافية أننا لو حملناها على أنها واو عاطفة لاختل المطلب تصير الآية هكذا وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم. يقولون آمنا فتبدأ بهذا الإخبار يقولون المفروض يقول وهم يقولون لا يوجد لفظ واو والراسخون في العلم ويقولون ولا يوجد لفظ هم يقولون فذهب بعض المحققين إلى أن الواو في لفظ والراسخون استئنافية لأن عطف جملة والراسخون على لفظ الجلالة الله يستلزم أن تكون جملة يقولون بداية الجملة وهذا بعيد عن الذوق العربي فكان اللازم أن يقول هم يقولون أو ويقولون وبناء على هذا لا يعلم تأويل آيات القرآن أحد غير الله "عز وجل" ومن القائلين بأن الواو استئنافية عائشة وعروة بن الزبير والحسن ومالك والكسائي والفراء والجبائي والسيد محمد حسين الطباطبائي صاحب الميزان، يراجع الميزان الجزء الثاني صفحة 27 ومجمع البيان لأمين الإسلام الطبرسي الجزء الأول صفحة 701 ذيل تفسير الآية 7 من سورة آل عمران، هذا تمام الكلام في القول الأول.

القول الثاني العلم بالتأويل خاص بالله تعالى والمعصومين يعني الأنبياء والأئمة المعصومين “عليهم السلام” وهذا يتم مع حمل الواو على أنها واو عاطفة وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم. يقولون آمنا به كل من عند ربنا، الآن إذا تراجع نسخ القرآن المطبوعة يكتبون ميم يعني وقف لازم مخلين الميم والوقف اللازم على لفظ الله وما يعلم تأويله إلا الله تسكت يعني وقف لازم والراسخون في العلم هذا مما يدل على أن علامات الوقف ليست توقيفية وإنما اجتهادات من القراء، إذن أولا الواو عاطفة لأنه وفقا للقواعد الأدبية يجوز البدء بالجملة الحالية بفعل المضارع ولها نماذج كثيرة في الآيات القرآنية والأشعار الأدبية كقوله تعالى في سورة المدثر الآية 6 ولا تمنن تستكثر، تستكثر جملة حالية بدأت بفعل مضارع في نفس القرآن موجود هذا الاستخدام الآن نبين الدلائل على أن الواو عاطفة، الأمر الأول يجوز الابتداء بالجملة الحالية بفعل المضارع وقد وقع هذا في القرآن وقد صرح بعض النحويين بجواز ذلك كما في ألفية أبن مالك.

وثانيا الأصل في الواو العطف والعطف هنا يناسب ويلائم مناسبات الحكم والموضوع، ما هو الحكم؟ فهم المتشابه جواز بيان المتشابه هذا يتناسب مع موضوع الذات الإلهية والذوات المعصومة من الخطأ فبحسب قرينة مناسبات الحكم والموضوع وبانضمامها إلى أن الأصل في الواو في اللغة العربية هو العطف ممكن وهذا أول الكلام من قال إن الواو أصلها أن تكون عاطفة هذا يحتاج إلى بحث لغوي.

لكن يؤيد مناسبات الحكم والموضوع وأن الأصل في الواو هو العطف يؤيد ذلك الواقع الخارجي فمن الواضح أن الكثير من الآيات المتشابهة ممكنة الفهم من قبل الناس فضلا عن المعصوم “عليه السلام” وثالثا لو سلمنا جدلا وافترضنا أن الواو ليست عاطفة لكننا نجد الكثير من الروايات الواردة عن أهل البيت “عليهم السلام” التي تدل على أن المعصومين لديهم علم تأويل القرآن ولا يعلم تأويل القرآن غيرهم.

روي عن الإمام الصادق “عليه السلام” أنه قال (إن الله علم رسوله "صلى الله عليه وآله" الحلال والحرام والتأويل) وروي عن النبي "صلى الله عليه وآله" أنه قال (ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي) والغريب العجيب أن صاحب الميزان التزم أن الواو استئنافية ومقتضاها انحصار علم التأويل بالله دون الأنبياء والأئمة والمعصومين لكنه قال أيضا بأن المعصومين لديهم علم التأويل وهذا ما يتوافق مع الواو العاطفة ولعله مال إلى ذلك بحسب دلالة الروايات الشريفة.

القول الثالث العلم بالتأويل خاص بالله والمعصومين والعلماء والمعصومون هم المصداق الكامل للعلماء فيستفاد من الآية السابعة من سورة آل عمران وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم أن التأويل خاص بالله والراسخين في العلم والراسخون في العلم له صداقان المصداق الأكمل هم المعصومون والمصداق الآخر هم العلماء الذين ساروا على درب الأنبياء والأئمة “عليهم السلام” فالعلماء الكبار المتخصصون في التفسير وعلوم القرآن من مصاديق الراسخين في العلم بناء على هذا المبنى هذا الرأي ينسجم مع المعنى اللغوي والعرفي والاصطلاح القرآني لكلمة الراسخين في العلم الواردة في القرآن ويؤيد ذلك الواقع الخارجي فقد استخدم القرآن الكريم مفردة الراسخون في العلم في علماء أهل الكتاب فضلا عن علماء الإسلام قال تعالى (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك) الله "عز وجل" يخاطب نبيه قائلا له إن الراسخين في العلم منهم ـ من اليهود والنصارى ـ يؤمنون بما أنزل إليك فعبرت الآية الكريمة عن علماء أهل الكتاب بالراسخين في العلم مع أن علماء أهل الكتاب المعاصرون للنبي لم يكونوا من المعصومين فإذا أردنا تفسير القرآن بالقرآن وجمعنا مفردة الراسخون في العلم لا تكون منحصرة بخصوص المعصومين ويمكن أن يؤيد هذا المعنى بجملة من الروايات روي أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال لعلي “عليه السلام” (تخبر الناس بما أشكل عليهم من تأويل القرآن) وفي رواية عن الإمام الباقر رسول الله "صلى الله عليه وآله" (افصل الراسخين في العلم قد علمه الله جميع ما أنزل إليه) وهذا المعنى إن عنوان الراسخين في العلم يشمل العلماء قد يترائى وقد يفهم من كلمات المرجع  الكبير سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل الجزء الثاني صفحة 439 إذ قال ما نصه يقول بحسب المعنى اللغوي لهذه الكلمة فإنها تعني الذين لهم قدم راسخة في العلم والمعرفة طبيعي أن يكون معنى الكلمة واسعا يضم جميع العلماء والمفكرين ويأتون على رأس مصاديق الراسخين في العلم وتنصرف إليهم الأذهان عند استعمال هذه الكلمة قبل غيرهم وهذا هو الذي تقول به بعض الأحاديث التي تفسر الراسخين في العلم بأنهم النبي "صلى الله عليه وآله" وأئمة الهدى “عليهم السلام”.

خلاصة هذا الكلام أن الراسخين في العلم هم العلماء وأبرز مصداق كامل للراسخين في العلم هو النبي والأئمة المعصومين عليهم أفضل صلوات المصلين لكن الصحيح أن مفردة الراسخين في العلم تختص بخصوص الأنبياء والأئمة المعصومين "عليهم أفضل صلوات المصلين" والسر في هذا التخصيص هو الروايات الشريفة وقرأناها تدل على أن الراسخين هم خصوص الأئمة خصوص المعصومين ولا يتعدى إلى غيرهم.

ملاحظة هامة يذكرها صاحب هذا الكتاب منطق تفسير القرآن الشيخ الدكتور محمد علي الرضائي الأصفهاني سنذكرها وسنناقشها لأننا لا نؤمن بها.

يقول إذا لاحظنا معاني التأويل سيتضح أن حصر العلم بالتأويل بالله تعالى والمعصومين بلا دليل ولا فائدة وذلك لأن التأويل إن كان بمعنى التفسير الذي هو المعنى الأول أو توجيه المتشابه الذي هو المعنى الثاني أو البطن الذي هو المعنى الثالث أو تعبير الرؤيا الذي هو المعنى الرابع أو عاقبة ونهاية الشيء الذي هو المعنى الخامس وحتى الإشارات والرموز الباطنية عند العرفاء والصوفية الذي هو المعنى السابع والحقيقة العينية عند أبن تيمية الذي هو المعنى السادس يقول فلم يدعي أحد أن هذه الأمور خاصة بالله سبحانه وبالمعصومين وإذا كان التأويل بالمعنى الذي ذهب إليه صاحب الميزان بمعنى الحقيقة العينية فالعلم به يكون خاصا بالأئمة الأطهار “عليهم السلام” ولكن تقدم أن هذا المعنى لم يقم عليه دليل فضلا عن وجود دليل على حصر معنى التأويل به هذا تمام كلام الشيخ محمد علي الرضائي “حفظه الله” فقد أبدع في كتبه القرآنية.

وفيه أولا قام الدليل ثانيا تترتب فائدة أما قيام الدليل فالروايات الشريفة التي فسرت معنى الراسخين بالعلم بخصوص المعصومين “عليهم السلام” ونفت ذلك عن غيرهم فهذه الروايات المتعددة قد توجب الاطمئنان وحصول الوثوق بأن عنوان الراسخين حتى لو قلنا إنه يشمل العلماء وغير المعصومين بحسب المعنى اللغوي لكن بحسب دلالة الروايات فإنه مقصور على خصوص المعصومين فالدليل موجود.

ثانيا الفائدة أيضا موجودة وهي تحقيق وجود مرجعية للأمة فالأمة في معرفة التأويل لابد أن ترجع إلى مرجع وهو الله والمعصومون وهذه فائدة عظيمة إذا تركت الأمة سدى وكل واحد يفهم على كيفه أو أي عالم يفسر بكيفه مع أن هذا العالم غير معصوم تحصل انزلاغات وانشقاقات بخلاف ما إذا كانت مرجعية الأمة واحدة، هذا تمام الكلام في بيان الفصل الثاني في التأويل بنقاطه الأربع.

الفصل الثالث بحث مهم بطون القرآن يأتي عليه الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين