أصول التفسير ـ قديم
شیخ الدقاق

025 - هل نزل القرآن على سبعة أحرف؟

أصول التفسير- (قديم)

  • الكتاب: دروس في المناهج و الاتجاهات التفسيرية للقرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

الفصل الثالث بطون القرآن

أصل بحثنا هو أصول وقواعد التفسير فالقسم الأول أصول التفسير والقسم الثاني قواعد التفسير، القسم الأول فيه ثلاثة فصول الفصل الأول التفسير، الفصل الثاني التأويل، الفصل الثالث بطون القرآن وهو بحث مهم جدا.

تمهيد

إن مبحث بطون القرآن من أهم المباحث التفسيرية والقرآنية فقد حظي باهتمام كبير قديما وحديثا وتناولته أحاديث النبي "صلى الله عليه وآله" وروايات أهل البيت وتفاسير القرآن هذا البحث ـ بحث بطون القرآن ـ يتناول مسألة خلود القرآن وعالميته وشموليته فمن الواضح أن القرآن وهو ما بين الدفتين يحمل برنامجا متكاملا لحياة البشر منذ أن أنزله الله على قلب النبي محمد "صلى الله عليه وآله" إلى نهاية التاريخ وإلى يوم يبعثون فهو كتاب عالمي وخالد والسر في خلوده بطون القرآن فالبحث عن بطون القرآن ومعانيه العميقة والمتجددة يمثل البحث عن خلود القرآن وشموليته وعالميته فهو لكل زمان ومكان فلابد أن تتضح لنا معالم القرآن الكريم ونستكشف معالمه الرفيعة ومستوياته المتعددة من هنا تكمن أهمية بحث بطون القرآن في مباحث علوم القرآن مما دعا البعض إلى اعتبار أن حقيقة القرآن هي عبارة عن بيان تلك المستويات العميقة والرفيعة المحجوبة عنا وبعبارة أخرى حقيقة تفسير القرآن هي عبارة عن بيان بطون القرآن العميقة لا تفسيره الظاهري وسعى بعض العلماء لوضع قانون لاستنباط البطون كسماحة آية الله الشيخ محمد هادي معرفة "رحمه الله" في كتابه التفسير الأثري الجامع الجزء الأول صفحة 28 ومسألة بطون القرآن تبحث على الأقل في أربعة علوم مهمة جدا العلم الأول تفسير القرآن العلم الثاني علوم القرآن العلم الثالث أصول الفقه والعلم الرابع الروايات الشريفة إذن مبحث البطون قد ذكر في التفاسير ومباحث علوم القرآن والروايات التفسيرية وكتب أصول الفقه إذن من المهم بحث جذور مسألة البطون وأبعادها ومستوياتها ووضع قانون لها وإدخالها في عملية التفسير لكي تتضح لنا معالم القرآن الكريم ومستوياته المتعددة بصورة كاملة، هذا تمام الكلام في التمهيد.

نبذة تاريخية

نبدأها بسؤال هل بحث البطون خاص بالقرآن واللغة العربية أو لا؟

الجواب مسألة البطون وتعدد المستويات والمعارف وعمقها في نص معين لا تختص بالقرآن إذ أنها طريقة عقلائية وحكيمة لبيان المستويات المعرفية المتعددة فهذه الطريقة لها سابقة طويلة في حياة البشر وليست خاصة بالقرآن أو المسلمين فعلى سبيل المثال نجد العالم والعارف السويسري سودنبورك يعتقد بوجود ثلاث سماوات وثلاث مستويات السماوات الثلاث أعلى ومتوسطة وسفلى والمستويات الثلاث أو التأويلات الثلاث للكتاب المقدس بنظره هي المستوى الطبيعي والمعنوي والقدسي أما المستوى الأول وهو الطبيعي فالمعنى الطبيعي هو عبارة عن المعنى الظاهري وهو الذي يطلق على المعنى الأدبي للفظة.

المستوى الثاني المستوى المعنوي والمعنى المعنوي هو المعنى المقدم على المعنى الطبيعي وهو عبارة عن المعنى الباطني للمتن الذي يصعب إدراكه لكن إدراكه ممكن وليس بمستحيل.

المستوى  الثالث المعنى القدسي وهو عبارة عن فهم باطن الباطن ويتعذر إدراكه على الإنسان الفاني لأنه معنى عميق جدا هذا كلام عارف سويسري ومن الجدير بالذكر أن مسألة البطون والمستويات المتعددة قد طرحت في الآثار اليونانية واليهودية والمسيحية وغير ذلك نذكر أمثلة لذلك.

الأول في اليونان القديمة كانوا يستفيدون من العلماء التاليين وهم إيليا وأوديسة وهميروس لتربية وتعليم الشباب لكنه لم تكن جميع متون وآثار وكتب هميروس مناسبة للشباب ولتعليمهم ومن هنا اخترعوا طريقة للبيان أسموها التفسير التمثيلي وكانوا يقولون أنهم يبرزون الحقائق التي جاء بها هوميروس بهذه الوسيلة وهي وسيلة التفسير التمثيلي المناسب لتعليم الشباب وبالتالي كما أن متن هوميروس له معنى ظاهري وكذلك متن هوميروس يتضمن معنى باطني أشار له التفسير التمثيلي هذا بالنسبة إلى اليونان هذا الأمر الأول.

الثاني الإمبراطورية الرومانية

الرومان عالجوا مسألة البطون والفهم العميق واستفادوا من المتون القديمة مثل متن أيدو بريزل لتعليم الشباب واستعملوا لتفسير هذا الكتاب لفظ أول أكوريا وهو عبارة عن قول للشيء عن طريقة أخرى وعن طريق فهم آخر إذن الأمر الأول بالنسبة إلى اليونان الثاني بالنسبة إلى الرومان.

الثالث استخدم في لون الاسكندراني هذا المنهج لتفسير الكتاب المقدس لليهود ـ التوراة ـ.

الرابع قد استخدم روث بولس والمسيحيون هذا المنهج من فيلون وفسر الشريعة اليهودية تفسيرا باطنيا رافضين ظواهر هذه اليهودية وقالوا معللين ذلك إن جميع هذه الأمور حصلت لنا من أجل أن تكون عبرة لنا وهذا المنهج الباطني فتح الباب للمسيحيين لاعتبار العهد القديم أنه مجرد رموز وعلامات وإشارات، العهد القديم يعني التوراة والعهد الجديد الإنجيل، فاعتبروا العهد القديم عبارة عن رموز وإشارات لما سيكون عليه المسيحيون بعد تجسد عيسى “عليه السلام”.

الخامس متكلموا المسيحيين الكاثوليك

فقد بينوا أربعة معان للكتاب المقدس ـ الإنجيل ـ على أنحاء أربعة:

المعنى الأول المعنى اللفظي أو التاريخي يعني شرح للوقائع

المعنى الثاني المعنى الأخلاقي

المعنى الثالث المعنى التأويلي المرتبط بالحوادث المستقبلية في آخر الزمان وشرائط النخب المسيحيين الذين سيبقون في آخر العالم ونهايته

المعنى الرابع  المعنى الرمزي والتمثيلي حيث وصفت حقائق الإيمان بصورة تمثيلية ورمزية واشارية فقد فسرت الشخصيات ووقائع الكتاب المقدس مثل التنبؤات في تجسد المسيح وأعمال المسيح بطريقة رمزية، إلى هنا ذكرنا وبينا أن معنى البطون والفهم الآخر أو الفهم العميق أو الفهم الثانوي أو الفهم غير المباشر هذا المعنى موجود عند اليونان والرومان والاسكندريين واليهود والمسيحيين الكاثوليك.

وأما في القرون الوسطى وهي التي سادت أوروبا من القرن الخامس الميلادي إلى القرن الخامس عشر الميلادي هذه يقال لها عصور الظلام لأنه هيمنت سلطنة الكنيسة وسلطتها وسطوتها عبر اتحاد ثلاثي بين الكنيسة والملوك الحاكمة وطبقة النبلاء وهم التجار والأعيان فجعل الملوك والنبلاء السلطة في يد الكنيسة وكانت الكنيسة مع الدولة وحاربوا العلم وجاءوا بتأويلات للإنجيل بذريعة أن الله في الإنجيل لا يخاطب العقل وإنما يخاطب القلب وأولوا الكثير من الأشياء حسب مشتهياتهم وفهمهم لذلك وجد التفسير الرمزي مؤيدين كثيرين في القرون الوسطى فكان التفسير الرمزي يوضح النصوص في المسائل الأخلاقية ويستخدم التأويل وكان يجعل ذلك المعنى الباطني على أساس أنه تفسير للإنجيل والكتاب المقدس هذه نبذة تاريخية عن استخدام المعنى الباطني في الحضارات السابقة.

وأما الإسلام والقرآن فقد طرحت مسألة البطون منذ القدم ولعل أولى نماذج البطون والتعبير عنها بالبطن ورد في الروايات الشريفة في الحديث عن النبي محمد "صلى الله عليه وآله" والتي نقلها الشيعة والسنة في تفاسيرهم ومن ثم تلتها أحاديث أهل البيت "عليهم السلام" والصحابة والتابعين ومن هنا اهتم علماء التفسير قديما بمسألة البطون كما اهتم المحققون في علوم القرآن بمسألة البطون فقد حكي عن عبد الله بن يونس التستري المتوفى سنة 283 هجرية أنه قال إذا فهم الإنسان من حرف واحد من حروف القرآن ألف معنى فإنه لا يصل إلى النهاية وهذا إشارة إلى أن معاني القرآن لا تنفذ ولا تنتهي، أبن رشد الأندلسي المتوفى سنة 595 هجرية ذهب إلى أن بطون القرآن هي حقيقة وأن وجودها وراء ظواهر الآيات غير قابل للإنكار مطلقا وأبدا كما يرى سعد الدين التفتزاني المتوفى سنة 794 هجرية أن الاعتقاد ببطون القرآن من كمال الإيمان والعرفان المحض مؤكدا على بطلان الآراء الباطنية التي تنكر ظواهر الآيات وتنفي الشريعة وقد أكد الزركشي المتوفى سنة 794 أكد على مسألة بطون القرآن ونقل روايات الظهر والبطن عن النبي "صلى الله عليه وآله" كذلك السيوطي في كتابه القيم وهو من أقوى الكتب في علوم القرآن أربعة أجزاء قد طبع في مجلدين الإتقان في علوم القرآن فقد خصص السيوطي فصلا خاصا لموضوع الظاهر والباطن وحلل روايات الظاهر والباطن إلى ست صور كما أنه من المعاصرين نجد الدكتور الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون قد اعتبر أحاديث الظاهر والباطن أحاديث صحيحة مؤكدا على أصل وجود الباطن هذا بالنسبة إلى مفسري وباحثي علوم القرآن من أهل السنة.

وأما مفسروا الشيعة وباحثوهم في علوم القرآن فلم يكونوا بعيدين عن مسألة البطون بل تناولوا مسألة البطون وأكدوا عليها منذ القدم ناقلين أحاديث البطون عن النبي والأئمة "عليهم السلام" ومن هؤلاء العياشي في تفسيره والفيض الكاشاني في تفسير الصافي حيث بسط البحث في شرح الظاهر والباطن وممن أكد على هذه المسألة وبحثها العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان حيث قدم تفسيرا خاصا للبطن وقد ذم العلامة الطباطبائي في مقدمة تفسيره الميزان المتصوفة والباطنية المنشغلين بالمعاني الباطنية في تفسير الآيات فقال ما نصه وأما المتصوفة فإنهم لانشغالهم بالسير في باطن الخلقة واعتنائهم بشأن الآيات الانفسية دون عالم الظاهر وآياته الآفاقية اقتصروا في بحثهم على التأويل ورفضوا التنزيل فاستلزم ذلك اجتراء الناس على التأويل وهكذا نجد الإمام الخميني "أعلى الله مقامه الشريف" قد طرح تفسيرا وجوديا لمفهوم البطن حينما شرح سورة الحمد والكتيب مطبوع تفسير سورة الحمد صفحة 136 وشرح دعاء السحر وهو أول كتاب كتبه الإمام الخميني صفحة 38 وصفحة 59 وصاحب الميزان قبل أن يكمل تفسيره الميزان كان عنده كتاب القرآن في الإسلام وبحث البطن ذكره في كتاب القرآن في الإسلام وتفسير الميزان أيضا ونقل المحدثون روايات كثيرة عن البطون فقد ذكر العلامة المجلسي المتوفى سنة 111 هجرية أكثر من ثمانين رواية في البطون في كتابه بحار الأنوار الجزء 89 صفحة 78 وما بعدها فقد توسع صاحب البحار في ذكر روايات البطون وأما المتخصصون في أصول الفقه فلم تكن هذه المسألة بعيدة عن اهتمامهم ومن جملة من ذكرها الشيخ محمد كاظم الآخوند الخراساني في كفاية الأصول والشيخ ضياء الدين العراقي في تقرير البروجردي لأبحاثه نهاية الأفكار صفحة 117، الكفاية الجزء الأول صفحة 57 والسيد أبو القاسم الخوئي في تقرير الشيخ محمد إسحاق الفياض محاضرات في أصول الفقه الجزء الأول صفحة 214، هذا تمام الكلام في النبذة التاريخية لبحث البطن.

مفهوم البطن

ولا بأس بذكر مفهوم البطن في اللغة والقرآن والأحاديث فهذه محاور ثلاثة مهمة لمعرفة مفهوم البطن.

أولا البطن في اللغة قال الراغب  الأصفهاني أصل البطن الجارحة وجمعه بطون إلى أن يقول والبطن خلاف الظاهر في كل شيء ويقال للجهة السفلى بطن وللجهة العليا ظهر ويقال لكل غامض بطن ولكل ظاهر ظهر وقال ابن منظور في لسان العرب الظهر من كل شيء خلاف البطن والبطن من كل شيء جوفه إذن خلاصة كلمات اللغويين إن أصل البطن هو الجارحة التي فيها المعدة ويهضم فيها الطعام والظهر ما كان مقابلا للبطن في الجهة الأخرى من الخلف ولكن أطلق لفظ الظهر على كل ما هو ظاهر ولفظ البطن على ما هو عميق ومخفي.

ثانيا البطن في القرآن الكريم

وردت مفردة البطن ومشتقاتها خمسة وعشرين مرة في القرآن الكريم في موارد متعددة ولكن لم تأتي في مورد واحد من هذه الموارد الخمسة وعشرين بمعنى بطن القرآن في مقابل ظهر القرآن بل جاءت مفردة البطن في القرآن الكريم بمعاني أخر مثل معنى العضو الخاص في البدن وهو بطن الإنسان ومثل استعمل البطن بمعنى الذنوب المستورة وكذلك النعمة المستورة وقد استعملت مرة واحدة بعنوان صفة لله "عز وجل" كما في قوله "عز وجل" (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) ومع الدقة والتأمل في الاستعمال القرآني يتضح أن مفردة البطن ومشتقاتها الخمسة وعشرين لم تستعمل بالمعنى الاصطلاحي للبطن في القرآن الكريم أي باطن القرآن إذن من أين عرفنا أن باطن القرآن موجود؟

الجواب استدل المحققون على وجود البطن في القرآن الكريم من خلال عدة آيات قرآنية فالذهبي قد استشهد بالآيات التي تدعو إلى التدبر والتأمل والتعقل فهي تشير إلى وجود معنى باطن وعميق لا يستخرج إلا بالتدبر والتأمل وهذا المعنى العميق يحكي عن وجود مستويات عميقة مخفية فيما وراء الآيات وأن المقصود والمراد الإلهي هو هذا المعنى الباطل كما أن الآلوسي صاحب تفسير روح المعاني وهو من أقوى التفاسير السنية والألوسي سني وسيد من نسل الرسول "صلى الله عليه وآله" لكن بعض ما قاله يظهر منه النصب ولكن تفسيره قوي جدا.

قال في تفسير قوله تعالى (وتفصيلا لكل شيء) وأيضا قوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء) واستشهد على وجود البطن بالآيات التي تتحدث عن أخذ العبرة من قصص الأنبياء مثل قوله تعالى (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) وسيأتي مزيد بحث عن البطن في القرآن الكريم.

ثالثا البطن في الأحاديث استعملت مفردة البطن في الأحاديث عن النبي "صلى الله عليه وآله" وأهل البيت لكنها لم تستعمل في الجميع بمعنى واحد وإنما استعملت بعدة معاني نذكر منها ستة معاني.

المعنى الأول بطن القرآن هو تأويله

المعنى الثاني بطن القرآن هو مصاديقه الجديدة

المعنى الثالث بطن القرآن هو تدبره والعمل به

المعنى الرابع بطن القرآن هو المعنى العميق للقرآن

المعنى الخامس بطن القرآن عبارة عن الفهم والتفسيرات المتعددة للقرآن

المعنى السادس بطن القرآن عبارة عن المستويات المختلفة للقرآن

طبعا هذه المعاني الستة ليس بينها مانعة جمع بل يمكن الجمع بين بعض هذه المعاني كما سنشير إليه.

المعنى الأول بطن القرآن بمعنى تأويل القرآن

عن الفضيل بن يسار قال (سألت أبا جعفر عن هذه الرواية ما من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن فقال “عليه السلام” ظهره تنزيله وبطنه تأويله منه ما قد مضى ومنه ما لم يكن بعد يجري كما يجري الشمس والقمر) كما روى أهل السنة رواية مشابهة جاء فيها (ظاهر القرآن التلاوة وباطنه التأويل) إذن المعنى الأول المراد بالباطن التأويل.

المعنى الثاني بطن القرآن عبارة عن مصاديق القرآن الجديدة والمتجددة والمستحدثة

قال الإمام الباقر “عليه السلام” (ظهر القرآن الذين نزل فيهم وبطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم) يعني الذين سيأتون وسيعملون مثل أعمال من نزل فيهم.

المعنى الثالث بطن القرآن عبارة عن التدبر في القرآن والعمل به جاء عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قوله (أجل أنا أقرأه لبطن وأنتم تقرؤونه لظهر قالوا يا رسول الله وما البطن قال أقرأ أتدبره وأعمل بما فيه وأنتم تقرؤونه هكذا وأشار بيده فأمرها) يعني كما يمر النفس ويخرج منكم أنتم تقرؤون هكذا يعني من دون تأمل ومن دون عمل.

المعنى الرابع بطن القرآن عبارة عن المعنى العميق للقرآن وهذا المعنى الرابع ينسجم مع المعنى الثالث المعنى الثالث هو عبارة عن التدبر في المعنى والعمل به هذا سبب والرابع مسبب المعنى العميق إذن المعنى الثالث يشير إلى السبب وهو التدبر والمعنى الرابع يشير إلى المسبب وهو المعنى العميق.

عن علي “عليه السلام” (وإن القرآن ظاهره عميق وباطنه عميق وفي رواية أخرى فظاهره حكم وباطنه علم ظاهره أنيق وباطنه عميق) فالمعنى الثالث والرابع منسجمان ويمكن إرجاع المعنى الرابع المعنى العميق إلى المعنى الثالث التدبر في القرآن والعمل به ومن هذا نستفيد أن الآية إذا نزلت في فرعون أو عاد أو ثمود أو غيرهم فإنها تصدق على الأمم المتمردة من بعدهم كما أن الآية إذا نزلت في حق الأنبياء والمرسلين والصالحين فإنها تنطبق على ما يأتي بعدهم.

المعنى الخامس بطن القرآن بمعنى الفهم والمستويات المتعددة للقرآن

في بعض الأحاديث تطلق مفردة القرآن على التفسير من جملتها الرواية عن جابر قال سألت أبا جعفر “عليه السلام” عن شيء في تفسير القرآن ليس المراد تفسير القرآن يعني أن نقوم بعملية تفسير القرآن يعني تفسير ظاهرة القرآن فأجابني ثم سألته ثانية فأجابني بجواب آخر فقلت جعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم فقال لي يا جابر إن للقرآن بطنا وللبطن بطن وله ظهر وللظهر ظهر إذن المعنى الخامس عبارة عن المعاني والتفاسير المتجددة للقرآن ليس المراد التفسيرات المتعددة وإنما التفسيرات المتعددة المستحدثة والمستجدة.

في رواية أخرى عن علي “عليه السلام” ما من آية إلا ولها أربعة معان ظاهر وباطن وحد ومطلع فالظاهر التلاوة والباطن الفهم والحد هو أحكام الحلال والحرام والمطلع هو مراد الله من العبد بها.

المعنى السادس بطون القرآن يراد به المستويات المختلفة للقرآن

أشارت بعض الأحاديث إلى سبعة بطون منها ما ورد عن النبي "صلى الله عليه وآله" أنه قال إن للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطن إلى سبعة أبطن هذا الحديث نقله الفيض الكاشاني عن أهل السنة في بعض الروايات نقل الفيض الكاشاني هذا ما موجود عندنا نحن عندنا سبعة بطون لكن بعض الأحاديث عند السنة سبعين سبعمائة سبعين ألف من هنا هل المراد نفس هذا العدد بالضبط سبعة أو سبعين أو سبعمائة أو سبعين ألف أو المراد الكناية عن الكثرة؟ قد يقال إن المراد خصوص السبعة بمعنى سبعة مستويات معرفية وسبعة مراتب للفهم العميق للقرآن الكريم وفي هذه الحالة يكون معنى البطون سبعة وأحيانا قد يقال إن المراد الكناية والمبالغة في كثرة البطون وفي اللغة العربية عادة لفظ السبعين والأربعين تستغفر لهم سبعين مرة مفردة السبعين والأربعين موجود عندنا في الروايات من جاء يوم القيامة وهو حافظ أربعين حديثا كذا كذا له امتيازات عند الله "عز وجل" لذلك الكثير من علمائنا ألفوا الأربعون حديثا وليس المراد بالأربعين خصوص عدد الأربعين وإنما الكناية عن الكثرة كما أن سن الأربعين يدل على الرشد لذلك بعث النبي "صلى الله عليه وآله" في سن الأربعين لأن العرب كانت لا تعتد بكلام الرجل إذا لم يبلغ الأربعين قبل الأربعين قد يعد شابا يافعا فإذا وصل إلى الأربعين وما بعده عد شاب صاحب تجربة وصاحب خبرة ويعتد برأيه إذن سن الأربعين أو لفظ الأربعين أو السبعة أو السبعين هذا يشير إلى التعدد إلى الكثرة إلى القوة، هذا تمام الكلام في مفهوم البطن والبطون يبقى الكلام في أدلة وجود البطون في القرآن، ما الدليل على وجود البطون؟ توجد أدلة من القرآن والسنة والإجماع والعقل فالبطون ثابتة في كتاب الله بالأدلة الأربعة، أدلة وجود بطون القرآن يأتي عليها الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 28 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: دروس في المناهج و الاتجاهات التفسيرية للقرآن
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
28 الجلسة