أصول التفسير ـ قديم
شیخ الدقاق

026 - مفهوم البطن

أصول التفسير- (قديم)

  • الكتاب: دروس في المناهج و الاتجاهات التفسيرية للقرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

أدلة وجود بطون القرآن

أقيمت أدلة على وجود البطون في القرآن الكريم بغض النظر عن معنى البطن وتفاصيله فهذه أدلة على وجود البطن في القرآن في الجملة لا بالجملة أي تدل على أصل وجود البطن في القرآن الكريم من دون النظر إلى معنى البطن وقد أقيمت الأدلة  الأربعة على وجود البطن في القرآن الكريم وهي القرآن الكريم والسنة  الشريفة والعقل والإجماع.

الدليل الأول القرآن الكريم

استدل علماء التفسير وعلوم القرآن على وجود البطن في القرآن الكريم بمجموعة من الآيات وقسموا هذه المجموعة من الآيات إلى ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى الآيات التي تدعو إلى التدبر والتفكر في القرآن الكريم

الطائفة الثانية الآيات التي تدعو إلى الاعتبار بقصص القرآن

الطائفة الثالثة الآيات التي تخبر عن وجود كل شيء في القرآن الكريم

وتفصيل هذه الطوائف أما الطائفة الأولى وهي الطائفة التي تدعو إلى التفكر والتدبر في القرآن الكريم فهذه الآيات تشير إلى أن وراء الألفاظ القرآنية والمعاني الظاهرية للآيات معان دقيقة وعميقة ومخفية عن أفهام عامة الناس وهذه الآيات هي المقصودة من الخطاب الإلهي وهي المراد من الخطاب الإلهي وهي التي تمثل بطون القرآن الكريم وقد أشار الدكتور الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون إلى أن العرب الأوائل والمخاطبين الأوائل بالقرآن الكريم كانوا عارفين تمام المعرفة باللغة العربية وكانوا متمكين من فهم ظواهر القرآن الكريم ولم يعانون من أي مشاكل في ذلك لكن المشكلة تكمن في مدى فهمهم للمراد الإلهي المنكشف بهذه الظواهر فهناك مقصود إلهي يكتنف طيات الآيات يقول الآلوسي في تفسيره روح المعاني الجزء الأول صفحة 8 وهو من أقوى التفاسير السنية، أراد بذلك أنهم لا يفهمون عن الله المراد من الخطاب وحظهم على أن يتدبروا في آياته حتى يقفوا على مقصوده ومراده وذلك هو الباطن الذي جهلوا ولم يصلوا إليه بعقولهم إذن الطائفة الأولى وهي الطائفة التي تأمر بالتدبر والتأمل والتفكر أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها، أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند الله لوجودوا فيه اختلافا كثيرا، فهذه الآيات تشير إلى وجود معان عميقة لا تظهر إلا بالتدبر والتأمل وهذه المعاني العميقة هي البطون.

الطائفة الثانية الآيات التي تدعو إلى الاعتبار بقصص القرآن قال تعالى لقد كان في قصصهم عبرت لأولي الألباب فاستدل على أن هذه الآية واردة في مجال أدلة وجود البطون في القرآن الكريم لأن العبرة من مادة عبرة بمعنى العبور من المعنى الظاهر والوصول إلى المطالب العميقة والمحورية للتعاليم القرآنية أي أن الهدف والمقصود أن يفهم معنى الآية كل مخاطب وأن تبقى هذه الآية مستمرة في عطاءها للأجيال المتعاقبة.

جاء في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال ولو أن الآية نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء ولكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السماوات والأرض، إذن القرآن الكريم أمر بالتدبر في الآيات لأنه يجري مجرى الليل والنهار ولا يختص بزمان ولا مكان.

جاء في رواية أخرى عن الإمام الباقر عليه السلام ظهر القرآن الذين نزل فيهم وبطنهم الذين عملوا بمثل أعمالهم هذا تمام الكلام في الطائفة الثانية التي تدل على وجود البطون في القرآن الكريم.

الطائفة الثالثة الآيات التي تخبر عن وجود كل شيء في القرآن الكريم كقوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وقوله تعالى (تبيانا لكل شيء) وقوله تعالى (تفصيلا لكل شيء).

يقول الآلوسي أنا لا أعلم ماذا يعمل المنكرون لبطون القرآن بهذه الآيات كقوله تعالى وتفصيلا لكل شيء وقوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء ولكن يمكن أن يناقش في هذه الطائفة الثالثة فيقال إن الطائفة الأولى والثانية تامتان الدلالة على وجود البطون في القرآن إذ أن التأمل والتدبر إنما يكون للمعنى العميق كما في الطائفة الأولى كما أن أخذ العبرة والاعتبار من القصص القرآني يشير على وجود معناً عميق في هذه القصص.

فالطائفة الأولى والثانية تامتان الدلالة.

وأما الطائفة الثالثة فقد يناقش بها إذ أن الآية 154 من سورة الأنعام وبحسب سياقها إنما كانت تحكي عن التوراة وهي قوله تعالى ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون.

فقوله تعالى وتفصيل كل شيء ناظر إلى توراة موسى عليه السلام كما أن قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء ربما يكون ناظرا إلى اللوح المحفوظ والعلم الإلهي بحسب سياق الآيات السابقة ولكن يمكن التمسك بقوله تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا وبما أن القرآن تبيان لكل شيء فهو تبيان لمعان العميقة والتي هي البطون، هذا تمام الكلام في الدليل الأول الذي أستدل به على وجود البطون في القرآن الكريم واتضح أنه دليل تام بطوائفه الثلاث من الآيات أو لا أقل الطائفة  الأولى والثانية.

الدليل الثاني الذي استدل به على وجود البطون في القرآن الكريم السنة الشريفة وهي على نحويين سنة لفظية وسنة عملية من فعل وإمضاء وتقرير.

أما النحو الأول السنة القولية السنة اللفظية فهناك روايات متعددة رواها الشيعة والسنة نقلت عن النبي "صلى الله عليه وآله" وأهل البيت وهي تصرح بأن القرآن له ظهر وبطن وقد عقد العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار بابا مستقلا في خصوص بطون القرآن فجمع أكثر من ثمانين رواية في بحار الأنوار الجزء التاسع والثمانين كما أن الفيض الكاشاني قد تطرق إلى البطون وإلى رواياته في تفسيره الصافي الجزء الأول في المقدمة صفحة 4 هذا بالنسبة إلى علماء الشيعة وأما علماء السنة فقد تطرق السيوطي في كتابه الاتبان الجزء الرابع نوع 77 إلى 80 وقد بحث بطون القرآن وتطرق إلى الروايات الدالة على ذلك من هذه الروايات وهي روايات سنية عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لكل آية ظهر وبطن فيها عموم لكل آية كل آية لها ظهر وبطن لا أنه بعض الآيات يعمل بظاهرها وبعض الآيات يعمل بباطنها لكل آية فيها عموم، لكل آية ظهر وبطن.

وعن رسول الله "صلى الله عليه وآله" القرآن تحت العرش له ظهر وبطن يحاج العباد وورد عنه "صلى الله عليه وآله" ما من آية إلا ولها ظهر وبطن هذا بالنسبة إلى الروايات المنسوبة إلى رسول "صلى الله عليه وآله".

وهناك روايات وآثار منسوبة إلى الصحابة والتابعين تنص على وجود بطون في القرآن فقد نقل عن أبن مسعود أنه قال إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن وإن علي بن أبي طالب عنده الظاهر والباطن ونقل عن الحسن البصري أنه قال لكل آية ظهر وبطن هذا نص رواية النبي "صلى الله عليه وآله" وقال أبن عباس حبر الأمة القرآن ذو شجون وفنون وظهور وبطون إلى أن يقول ظهر وبطن فظهره التلاوة وبطنه التأويل، هذا تمام الكلام في الأدلة التي أقيمت من السنة على وجود البطون في القرآن الكريم والقسم الأول يشير إلى السنة القولية يقع الكلام في القسم الثاني السنة العملية وهي السيرة العملية للنبي وأئمة أهل البيت عليهم السلام فقد نقل الكثير من الأحاديث عن أهل البيت عليهم السلام أنهم قاموا ببيان وتوضيح بطون القرآن وبطون الآيات وجمعت هذه الروايات في التفاسير الروائية كتفسير البرهان للسيد هاشم التوبلاني البحراني وتفسير الصافي للفيض الكاشاني وتفسير نور الثقلين للشيخ عبد علي جمعة  الحويزي وتفسير كنز الدقائق للمشهدي وغيرها من التفاسير الروائية ولابد من الإشارة إلى هذه التفاسير وبعض هذه الروايات استخدمت مفردة التأويل مكان مفردة  البطن ومن الواضح أن البطن هو أحد معاني التأويل من هذه الروايات جاء في تفسير قوله تعالى وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون.

روى أبو حمزة الثمالي عن الإمام الباقر عليه السلام قال هي في بطن القرآن وإذا قيل للنصاب قولوا عليا لا يفعلون.

مثال آخر في قوله تعالى قل أرأيتم إن أصبح ماءكم غورا فمن يأتيك بماء معين، حكي عن الإمام الكاظم عليه السلام وهو في مقام تأويله أنه قال إذا غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد وفي رواية أخرى سئل الإمام الباقر عليه السلام عن تفسير قوله تعالى فلينظر الإنسان إلى طعامه، قال عليه السلام أي إلى علمه ممن يأخذه مع أن ظاهر الطعام هو الطعام المادي فأشار الإمام عليه السلام إلى الطعام المعنوي وهو العلم ومن الواضح أنه في تفسير هذه الروايات قد تم إلغاء الخصوصية واتبعت قاعدة الجري والتطبيق أي هناك قاعدة كلية ولها تطبيقات مختلفة فأي طعام ينبغي أن ينظر إلى أنه يؤخذ ممن وهذه القاعدة كما تجري في الطعام المادي وقاية عن السم المادي القاتل كذلك تلحظ في الطعام المعنوي الذي هو سم للأفكار والعقول والقلوب وقد أدعى بعض المفسرين كالنهاوندي في نفحات الرحمن أن روايات البطون متوافرة إن لم تكن متواترة فهي روايات كثيرة نفحات الرحمن الجزء الأول صفحة 28 كما أن بعض روايات البطون صحيحة السند كما صرح بذلك الدكتور الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون الجزء الثاني صفحة 28 إذن بطون القرآن ثابتة بآيات كتاب الله وسنة الرسول وأهل البيت عليهم السلام هذا تمام الكلام في الدليل الثاني.

الدليل الثالث الدليل العقلي أو الدليل العقلائي وخلاصته إن الله تبارك وتعالى هو الهادي الحقيقي لكل البشر وإنما أنزل القرآن لهداية الناس والملحوظ في الهداية هو العالمية والخلود والشمولية فالقرآن الذي أنزل على قلب النبي وهو الموجود بين الدفتين في زماننا هذا إنما أنزل لجميع الأجيال والأزمان والحضارات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أي إلى حتى نهاية التاريخ البشري وبصورة طبيعية فإن ظاهر الألفاظ كاف لتبيان جميع المعارف والأحكام وتلبية متطلبات البشر ولكن ظاهر الألفاظ لو اقتصرنا عليه فإنه سيكون مخصوصا بزمان دون زمان ومكان دون مكان والحال إن القرآن الكريم فيه الكثير من المعارف القرآنية التي هي صالحة لجميع الأجيال والعصور والسنين والدهور وبالتالي لكي يوصل القرآن الكريم معارفه ويحفظ خلوده وعالميته لابد أن يأتي ببطون ومعان عميقة إذن بطون القرآن الكريم تمثل سر الخلود والعالمية في القرآن الكريم فإن الكثير من الآيات إذا أخذت على ظاهرها فقط فإنها ستحول القرآن إلى كتاب تاريخي لو صرف النظر عن مسألة البطون ومن المؤكد أن سيرة العقلاء والحكماء ونهجهم المستمر إنما هو على اتخاذ هذه الطريقة وهي طريقة البطون فلكي يتم بيان مستويات معرفية متعددة ومختلفة تتضمن العمق العلمي لابد من بيان المعلومات بشكل ظاهري لجميع الناس وتكون في معرض فهم العامة من البشر وفي نفس الوقت توجد مستويات أعمق تشكل موضوعا للقراء الأكثر عمقا وعلما وهذه الطريقة سار عليها المناطقة والفلاسفة والحكماء وكثير من كتب العلوم الطبيعية فاتخذوا هذه الآلية والكليفية بحيث أن الفهم السطحي للكلام يكون واضحا لكل أحد ولكن الفهم العميق يحتاج إلى شرح الأستاذ والتدبر والدقة في المطلب والتأمل في الكلمات ويحتمل أن يكون هذا المنشأ هو الدافع لبعض الروايات والأحاديث التي أعتبرت أن باطن القرآن هو التدبر فيه والتعمق في فهمه إذن الدليل العقلي والنهج العقلائي في بيان حقائق الحكمة والمعارف الغنية بالمعاني القرآنية يقتضي أن يكون القرآن ذا بطون ومن هنا تكون الأدلة الدالة على وجود القرآن في الكتاب الكريم والسنة النبوية إنما هي إرشاد إلى حكم العقل هذا فنحمل الأدلة القرآنية والروائية الدالة على وجود البطون في القرآن الكريم على أنها إرشاد لطريقة العقلاء ومن جملة الذين استشهدوا بالدليل العقلي الآلوسي في تفسير روح المعاني الجزء الأول صفحة 18 في المقدمة ولكن يمكن التأمل في هذا الدليل العقلي أو العقلائي فيقال إن الله "عز وجل" قادر على كل شيء والله "عز وجل" الذي هو قادر على جعل خلود وعالمية القرآن ببطونه قادر على جعل خلود وعالمية القرآن بغير بطونه وبعبارة أخرى إننا نسلم الكبرى وهي أنه لكي يكون القرآن خالدا وأبديا وعالميا لابد من وجود حيثية تضمن عالميته وتضمن استمراره ولكن لا دليل على الصغرى وهو أن الذي يضمن  الاستمرار هو البطن فلربما شيء آخر فهذا الدليل العقلي أو العقلائي إنما يثبت الكبرى وهي وجود ما يضمن خلود القرآن وشموليته وعالميته ولكنه لا يثبت الصغرى وهي أن الذي يضمن العالمية والشمولية هو بطن القرآن الكريم فلربما يكون شيء آخر، إذن الدليل الثالث ربما يكون مؤيدا للدليل القرآني والروائي لا أنه بنفسه دليل قائم بنفسه.

الدليل الرابع إجماع المفسرين

قال الذهبي تفسير المفسرون  الجزء الثاني صفحة 32 إن الأحاديث الصحيحة تدل على وجود بطون القرآن وقد ذهب إلى ذلك جمهور المفسرين فقد يستفاد من كلامه وجود إجماع لجمهور المفسرين على وجود البطون ولكن الإجماع ليس بحجة كما ثبت في محله في الفقه فمن الواضح أن إجماع المفسرين لا حجية له ولا يوجد دليل خاص في هذا المورد على حجية إجماع المفسرين بالخصوص وبالتالي لا يمكن التعويل على هذا الدليل وعلى أكثر التقادير إنما يصلح إجماع واتفاق جمهور المفسرين أن يشكل مؤيدا وشاهدا على وجود البطون في القرآن الكريم إذن الدليل الثالث وهو العقل والدليل الرابع وهو الإجماع إنما يشكلان مؤيدا للدليل الأول القرآني والدليل الثاني الروائي هذا تمام الكلام في الأدلة التي اقيمت على وجود البطون في القرآن الكريم.

ثم نأتي إلى بحث مهم جدا نظريا وعمليا وهو الآراء الرئيسية المتعلقة بالبطن فإذا أجرينا دراسة تاريخية لمسألة البطن في القرآن الكريم ستتضح ثلاثة اتجاهات للتعامل مع بطون القرآن:

الاتجاه الأول الأخذ ببطن القرآن ونفي الظواهر وضربها بعرض الحائط

الاتجاه الثاني بالعكس الأخذ بظواهر القرآن ونفي بطون القرآن وضربها بعرض الحائط

الاتجاه الثالث وهو الصحيح الأخذ بظواهر وبواطن القرآن معا وهو أسلوب أهل البيت عليهم السلام في التعامل مع القرآن بظواهره وبواطنه.

أما الاتجاه الأول الأخذ ببطن القرآن ونفي الظواهر فقد ظهر من النصف الأول من القرن الثاني الهجري جماعة تسمى الخطابية وهم اتباع أبو الخطاب محمد بن مقلاص الكوفي وهو يعد مؤسس الاتجاه الباطني والغلو والتأويل وذهب هؤلاء إلى أن الإنسان إذا عرف الحق يمكنه ترك العمل بظواهر الشريعة وذهب أبو الخطاب إلى ألوهية الإمام الصادق عليه السلام وادعى أبو الخطاب النبوة فقال إنه نبي للإمام الصادق الذي هو إله والإمام الصادق لعنه ودعا عليه أن يضيقه الله حر الحديد وفعلا قتل أبو الخطاب بحر الحديد والسيوف، إذن من الظواهر الباطنية ظاهرة الخطابية محمد بن مقلاص الكوفي أبو الخطاب.

الإمام الصادق لعنه قال لعن الله أبا الخطاب فقد كان يأخذ كتب أبي ويدس فيها الأحاديث الموضوعة وأيضا ظهرت في هذا الاتجاه الباطني فرقة باطنية تدعى بالباطنية وهم فرع من الإسماعيلية لذلك إلى اليوم الفرق الإسماعيلية مذاهبها باطنية ما يسمحون لك أن تطلع على آرائهم البهرة والآقا خانية قسمان للإسماعيلية.

هؤلاء ـ الاسماعيلية ـ يؤولون الأحكام والمفردات الظاهرية للإسلام إلى المقامات الباطنية والعرفانية ويزعمون أن ظاهر الشريعة خاص بالأشخاص ضعيفي العقول والذين لا ينتفعون من الكمال المعنوي وقد ظهر مذهب الخطابية في عصر الإمام الصادق عليه السلام وقد تصدى الإمام عليه السلام لهذه المجموعة المنحرفة.

كتب أبو عبد الله الإمام الصادق إلى أبي الخطاب وهذا نص ما كتبه بلغني أنك تزعم أن الخمس وأن الزنا رجل وأن الصلاة رجل وأن الصوم رجل وليس كما تقول نحن أصل الخير وفروعه طاعة الله وعدونا أصل الشر وفروعه معصية الله ثم كتب يطاع من لا يعرف وكيف يعرف من لا يطاع.

أبو الخطاب الذي لا يعرف يطاع والإمام الصادق لأنهم لا يعرفونه لا يطيعونه ومن ثم طرد المسلمون هذه الفرقة الخطابية طبعا وقضا عليهم عيسى بن موسى بن علي بن محمد بن عبد الله بن العباس قضا عليهم باجمعهم عدا رجل اثخن بالجراح وظنوه ميتا فلما انصرف العباسيون قام وهذا تاب وهو سالم بن مكرم أبو خديجة لذلك وضع الاختلاف في وثاقته وتضعيفه فبعضهم يوثقه لتوبته وبعضهم يضعفه لكونه كان من جماعة أبي الخطاب.

أعتبر النسفي والتفتزاني الفكر الباطني نوعا من الإلحاد وقد حذر الملا صدرا الشيرازي من الافكار الباطنية وأما العلامة الطباطبائي فقد ذكر أن جماعة من المتصوفة ونتيجة لاشتغالهم بالسير في باطن الخلقة واعتنائهم بشأن الآيات الأنفسية دون عالم الظاهر وآياته الآفاقية اقتصروا في بحثهم على التأويل ورفض التنزيل وبناء على هذا رفض اسلوبهم في التفسير.

يقول الشهيد مطهري رحمه الله في كتابه التعرف على القرآن باتفاق جميع المذاهب الإسلامية إن هؤلاء لا يعدون من زمرة المسلمين إذن هؤلاء اقتصروا على بواطن القرآن ورفضوا ظواهر القرآن.

عندنا مجموعة من الباطنية عندنا الخطابية وقد انقرضوا عندنا الإسماعيلية وإلى اليوم هم موجودن الطائفة الآقاخانية والطائفة الأبهرية اتباع الأبهر وإلى الآن عندهم إمام إمامهم في فرنسا موجود إمام البهرة وهناك متفرعات عن الإسماعيلية وهم الدروز، الدروز فرع من فروع الاسماعيلية إذا تسأل الدرزي عن عقيدته لا يعرف لأنهم لا يطلعونه على عقيدته إلا بعد الاربعين سنة وبعد الاربعين سنة يمكن أن يشترك في حلقات شيخ العقل عندهم شيخ عقل وبعد الاربعين سنة ماذا سيتعلم من القرآن أو الصلاة أو الصوم أو ما شاكل ذلك كما أن قسما من العلويين أيضا من الطائفة الباطنية قسم منهم لأن العلويين على أقسام قسم منهم نصيرية اتباع محمد بن نصير الذي ادعى السفارة عن الإمام الحجة في مقابل الحسين بن روح النوبختي السفير الثالث للإمام الحجة سلام الله عليه لذلك هذه الطوائف الإسماعيلية والنصيرية كلها طوائف باطنية ولهم كتب خاصة تتداول في إطار خاص ولا تنشر على ملأ العام ولا يفهم ظاهرها لأنها كلها بنحو الرموز والإشارة.

الاتجاه الثاني الأخذ بالظواهر ونفي البطون وفي التاريخ الإسلامي ظهر الاتجاه الظاهري المتطرف ليقف على النقيض من الاتجاه الباطني يعني أول ما ظهر الاتجاه الباطني وفي المقابل الاتجاه الظاهري ومن هؤلاء القاضي عبد الجبار المعتزلي المتوفى سنة 415 هجرية وقد اعتمد على الأدلة العقلية لأنه معتزلي وتجاهل الروايات النبوية التي وردت حول الظهر والبطن وأنكر الوجود الباطني الذي تدل عليه الظواهر وكان يرى أن دفع الاختلاف إنما يتم بارجاع الآيات المتشابهة إلى الآيات المحكمة وهو أمر ممكن ولا حاجة للأخذ بالبعد الظاهري للآيات ومن ثم تصدى لرد الباطنية لكنه كان عالما وكان معتزليا عاقلا هناك اتجاه آخر أشد وهو اتجاه ابن حزم الاندلسي الذي يمثل الاتجاه الظاهري فقد أنكر وجود الباطن في الدين الإسلامي وذهب إلى أن مدعي وجود البطن كافر يقتل فقال ما نصه ومن قال إن في شيء من الإسلام باطنا غير الظاهر الذي يعرفه الأسود والأحمر فهو كافر يقتل يراجع المحلى لابن حزم الاندلسي الظاهري الجزء السابع صفحة 318 المسألة 942 وقد سار أبن تيمية على هذا المذهب الظاهري في جوابه هل صح عن النبي أنه قال للقرآن باطن ثم أردف قائلا أم الحديث المذكور فمن الأحاديث المختلقة التي لم يرويها أحد من أهل العلم ولا يوجد في شيء من كتب الحديث ولكن يروى عن الحسن البصري موقوفا أو مرسلا الحديث موقوف أو مرسل أن لكل آية ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا وقام أبن تيمية بتقسيم علم الباطن إلى عدة أقسام ورد بعضها وقبل البعض الآخر وقال علم الباطن الذي يبطن عن أكثر الناس علمه إلى أن يقول فإن الباطن إذا لم يخالف الظاهر لم يعلم بطلانه من جهة مخالفته للظاهر المعلوم فإن علم أنه حاق قبل وإن علم أنه باطل ردة وإلا أمسك عنه إذن هو لا ينكر أصل وجود الباطل وإنما يناقش فيه بخلاف أبن حزم الذي ينكر أصل وجود الباطن ومن ثم ناقش أبن تيمية آراء الباطنية القرامطة.

القرامطة فترة حكموا البحرين ينسبون إلى حمدان بن الاشعث الملقب بالقرمط وكثير من عقائد القرامطة باطنية فابن تيمية رد على آراء الباطنية والاسماعيلية والنصيرية، نصيرية جماعة من الباطنية كانوا يعيشون في شمال الشام ويعتبرون من غلاة الشيعة إلى الآن موجودين في سوريا وتركيا ـ العلويون ـ وهذا محمد بن نصير له آراء باطنية فسموا بالنصيرية وهم قسمون من أقسام العلويين وبعض العلويين غلاة وليس كل العلويين غلاة كثير منهم مستضعفين ما يعرفون دينهم لذلك تجد أكثر العلويين والدروز يعيشون فوق الجبال والمرتفعات مثلا جبل الشيخ الممتد بين سوريا ولبنان.

إذن ناقش ابن تيمية آراء القرامطة الباطنية والاسماعيلية والنصيرية وأمثالهم من الفلاسفة والغلاة والصوفية والمتكلمين وحمل عليهم بشدة، أصلا هو أبرز كتاب إليه منهاج السنة النبوية هو رد على كتاب العلامة الحلي هو معاصر للعلامة الحلي، العلامة الحلي توفي سنة 726 هجرية وأبن تيمية توفي في سجن دمشق توفي سنة 728 هجرية اسم كتابه منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والصوفية والقدرية، والقدرية يراد بهم المفوضة الذي هم المعتزلة.

كما حمل ابن تيمية على الزيدية الذين يعتقدون بأن الإمام علي هو أعلم الناس بالباطن وأبو بكر أعلم الناس بالظاهر فقال بل على العكس فقد اتفق محقق الصوفية على أن أبا بكر هو أعلم الناس بالباطن ومن ثم أدعى أبن تيمية أن أهل السنة والجماعة متفقون على أن أبا بكر هو أعلم الأمة بالباطن والظاهر وقد اجمع كثير منهم على هذه المسألة وأما تلميذ أبن تيمية وهو أبن قيم الجوزية فقد قال إن تأويل الظواهر إلى البطون وبأي شكل كان يعد أمرا فاسدا وجريمة في عالم الإسلام، هذه مباحث مهمة في عصرنا هذا لأن الشيعة الإمامية في عقائدهم وفقهم يرجعون إلى الأئمة عليهم السلام واكثر الروايات واردة عن الإمام الصادق عليه السلام لذلك يقال لهم شيعة جعفرية نسبة إلى الإمام جعفر الصادق أو شيعة إمامية لقولهم بمبدأ الإمامة أو شيعة اثنى عشرية لقولهم بالائمة الاثني عشر في مقابل الشيعة الاسماعيلية أو الشيعة الزيدية وأما أهل السنة فجمهور أهل السنة في العقائد يرجعون إلى أبي الحسن الاشعري صاحب كتاب مقالات الإسلاميين وأما المعتزلة فيرجعون في العقائد إلى مذهبهم الخاص إذن أكثر أهل السنة في العقائد أشعريين وليسوا من المعتزلة لأن الذي دعم مبدأ الاعتزال هو المأمون العباسي وقد سار من بعده على ذلك أخوه المعتصم العباسي إلى أن تصل النبوة إلى جعفر المتوكل الذي فرض المذهب الأشعري ونكل بمن يذهب إلى الاعتزال ومنذ عهد المتوكل إلى يومنا هذا ساد المذهب الاشعري بفرض المتوكل العباسي والدولة العباسية وأما المذاهب الاربعة فقد فرضتها السلطة الحاكمة وحصرتها في أربعة أئمة الأول الإمام أبو حنيفة النعمان ويمثل الاتجاه العقلي الثاني الإمام مالك بن انس ويمثل الاتجاه النقلي والروائي الثالث الإمام محمد بن أدريس الشافعي يمثل الاتجاه الأصولي، الرابع الإمام أحمد بن حنبل ويمثل اتجاه الحشوية الذين يحشون الأحاديث حشوا وهؤلاء الاربعة فرضتهم السلطة العباسية آنذاك فأول كتاب في الفقه قد كتب هو كتاب موطئ الإمام مالك وقد كتبه بأمر المنصور الدوانيقي لكي يكون في مقابل الإمام جعفر الصادق فيقال الإمام مالك هو إمام اهل المدينة حتى يهمش الإمام الصادق عليه السلام إذن جمهور أهل السنة والجماعة يرجعون في العقائد إلى الأشعري وفي الفقه إلى الأئمة الاربعة الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي وأكثر السنة في العالم أحناف لأن الدولة العثمانية التي انبثقت في اسطنبول وفي تركيا وامتدت إلى أغلب العالم في أسيا واوروبا وافريقيا ثلاث قارات كانت تحت حكمها كانت حنفية لذلك تجد أكثر السنة في العالم أحناف مثلا أكثر السنة في باكستان في الهند في العراق حنفيين بعض السنة شوافع كما في مصر لأن الدولة الفاطمية كانت دولة شيعية اسماعيلية فلما قضى عليها الأيوبيون ثم جاء المماليك فرضوا المذهب الشافعي والأيوبيين كانوا شوافع فساد المذهب الشافعي وهذا بحث في الملل والنحل والديانات.

الديانات والمذاهب انتشرت بفعل الحكام والعلماء وأكثر شيء تأثير كان الحكام كان لهم تأثير في ذلك حتى بالنسبة إلى الشيعة الدولة الصفوية كان لها التأثير في نشر التشيع الدولة العيونية الدولة البويهية كان لهم أثر في نشر التشيع المراقد الشريفة أغلبها شيدها الملوك الصفية والملوك القاجار فإذن الملوك والعلماء لهم تأثير كبير في نشر التشيع وفي نشر التسنن وفي نشر هذه الأفكار والآراء، إذن أبن تيمية له موقف مخالف للبطن في قبال الباطنية القرامطة والنصيرية والصوفية.

الاتجاه الثالث اسلوب أهل البيت عليهم السلام في العمل بظواهر القرآن وبطونه، لكل آية ظهر وبطن وظاهرها حجة لعامة الناس وباطنها حجة للمتخصص يقول السيد الطباطبائي إن أسلوب أهل البيت عليهم السلام هو العمل بالظاهر والباطن وتؤخذ هذه المسألة من السنة العملية لهم عليهم السلام الميزان الجزء الأول صفحة 7.

روي عن الإمام الصادق أنه قال إن قوما آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم ينفعهم شيء وجاء قوم من بعدهم فآمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر فلم ينفعهم ذلك شيئا ولا إيمان بظاهر ولا باطن إلا بظاهر إذن لابد من الأخذ بالظاهر والباطن معا فالاتجاه الأول وهو الاتجاه الباطني الذي تمسك بباطن القرآن والشريعة ورفض ظاهر الشريعة والقرآن ليس بصحيح كما أن الاتجاه المعاكس وهو الاتجاه الظاهري الذي أخذ بظواهر الشريعة ورد باطن الشريعة ليس بصحيح الاتجاه الصحيح هو الأخذ بالظاهر والباطن.

طبعا جمهور السنة في العقائد اشعريين وبعضهم في العقائد معتزلة وفي الأحكام يتبعون المذاهب الاربعة لكن الوهابية في الفترة الأخيرة خالفوا عموم السنة وشذوا فهم في العقائد لا يرجعون إلى الأشعري والإمام أبي الحسن الاشعري ولا الى المعتزلة وإنما يرجعون إلى شيخ الإسلام أبن تيمية وتلميذه أبن قيم الجوزية وفي الفقه والأحكام يرجعون إلى محمد بن عبد الوهاب الذي يرونه أنه الإمام المجدد لمذهب الإمام أحمد بن حنبل وأين محمد بن عبد الوهاب من أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل هو أول من جعل الإمام علي رابعا أحمد بن حنبل قبل أحمد بن حنبل كانوا يقولون الخلفاء ثلاثة وينكرون إمامة الإمام علي وخلافته الذي جعله إمام رابع هو أحمد بن حنبل صاحب المسند الذي يعرف الروايات الواردة في حق علي بن أبي طالب فلما ذكر أصحاب النبي وعددهم في الفضل فلان وفلان وفلان سأل ولده عبد الله أبا لم تذكر علي بن أبي طالب قال علي بن أبي طالب هذا من اهل البيت نحن لا نعده من الصحابة هذا من نفس أهل بيت النبي هكذا كان أحمد بن حنبل ولذلك مسند أحمد بن حنبل بعض مطبوعاته حذفت منه الكثير من الأحاديث هذا تمام الكلام في الاتجاهات الثلاثة في التعامل مع بطون القرآن.

آراء العلماء حول بطون القرآن يأتي عليها الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 28 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: دروس في المناهج و الاتجاهات التفسيرية للقرآن
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
28 الجلسة