أصول التفسير ـ قديم
شیخ الدقاق

028 - امكان فهم بطون القران لغير المعصومين

أصول التفسير- (قديم)

  • الكتاب: دروس في المناهج و الاتجاهات التفسيرية للقرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

امكان فهم بطون القرآن لغير المعصومين عليهم السلام

تطرقنا في الدرس السابق إلى آراء العلماء ونظرياتهم في معنى بطون القرآن الكريم وبعد أن اتضحت نظريات العلماء في تفسير معنى البطن يقع الكلام في هذه المسألة هل تحصيل بطن القرآن ممكن لغير المعصوم أم أنه مختص بالله أو المعصومين عليهم السلام.

يوجد خلاف في مسألة إمكان فهم البطن لغير المعصوم عليه السلام والجواب يمكن تحصيله وفقا للنظريات المختلفة والمتعددة التي ذكرناها فإذا اختار شخص نظرية الإمام الخميني رضوان الله عليه الذي يقول بالوجود المعرفي للقرآن الكريم وأن حقيقة القرآن موجودة في العلم الإلهي وهي المرتبة العليا ولا تحصل بالعلوم الرسمية ولا بالمكاشفات وإنه الله عز وجل يخص بها أولياءه الصالحين كالأنبياء والأئمة عليهم السلام فالإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه يعتقد أن البطن الحقيقي عند الله عز وجل فمن الطبيعي أن تكون النتيجة أن إمكان فهم البطون لغير المعصوم غير ممكن وهكذا لو قلنا بنظرية المحقق الآخوند الخراساني صاحب الكفاية ونظرية السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله القائل بأن البطن من اللوازم الخفية والمختصة بالمعصومين عليهم السلام فبناء على هاتين النظريتين لا يمكن لغير المعصوم أن يفهم القرآن الكريم وبطون القرآن الكريم وهكذا بناء على نظرية السيوطي الذي يرى أن البطون من الأسرار فإنه لا يستطيع أي أحد أن يطلع على السر بخلاف النظريات المقابلة كنظرية العلامة الطباطبائي رحمه الله الذي يرى أن البطن هو عبارة عن معاني طولية مختبئة في الظاهر القرآني فإنه بالتأمل والتدبر يمكن تحصيل المعنى المختبئ في طول المعنى الظاهر وهكذا بناء على نظرية الشيخ ناصر مكارم الشيرازي الذي يرى أن بطون القرآن عبارة عن المعاني العرضية التي استعمل فيها اللفظ القرآني فإنه يمكن تحصيل هذه المعاني العرضية بالتأمل وهكذا بناء على نظرية الشيخ محمد هادي معرفة الذي يرى أن البطن هو عبارة عن القاعدة الكلية المستخرجة من الآيات القرآنية بعد إلغاء الخصوصيات وحينئذ يمكن تطبيقها على مصاديق جديدة فإن الغاء الخصوصية وانتزاع القاعدة الكلية متاح لكل متأمل إذن بناء على الآراء والنظريات المختلفة يمكن الجواب عن هذا السؤال ولكن مجرد التمسك بالنظرية لا يغني عن الجواب إلا إذا شرعنا في بيان التفصيل وبالتالي يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول أدلة إمكان فهم بطون القرآن لغير المعصوم عليه السلام

والثاني أدلة عدم إمكان فهم البطون لغير المعصوم عليه السلام

نشرع في المقام الأول إمكان فهم غير المعصوم لبطون القرآن الكريم هذا الاتجاه مستفاد من آراء الشيخ محمد هادي معرفة رحمه الله في كتابيه التمهيد في علوم القرآن والتفسير الأثري والدكتور الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون والشاطبي والنهاوندي لأن هؤلاء يعتقدون أن بطن القرآن هو هدف الآية وحيث يمكن الحصول على هدف الآية بعد إلغاء الخصوصيات فحينئذ يكون الحصول على البطن متاح لكل أحد وهذا الاتجاه أيضا ينسجم مع رأي العلامة الطباطبائي في الميزان لأنه يعتبر البطن عبارة عن المعاني الطولية الموجودة في المدلول المطابقي لا المدلول الالتزامي فهو يرى أن البطن هو المعنى الطولي الخابئ وراء الآيات والتي تفهم بالتدبر وهذا متاح للمتدبر والمتأمل.

وكذلك يمكن استفادة هذا الاتجاه من سماحة الشيخ ناصر مكارم شيرازي لأنه يعتبر البطن من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى في عرض واحد وفهم استعمالات الالفاظ متاح لغير المعصوم وقابل للتحقق، هذا تمام الكلام في بيان القائلين بالاتجاه الأول وهو أن فهم بطون القرآن متاح لغير المعصوم.

وأما الادلة فنذكر خمسة أدلة:

الدليل الأول إن القرآن الكريم أنزله الله لهداية البشر وهداية البشرية فرع فهم القرآن الكريم والقرآن الكريم مؤلف من ظواهر وبواطن إذن هداية البشرية متوقفة على فهم ظواهر وبطون آيات الكتاب الكريم فمن اللازم أن يفهم الناس ظاهر القرآن وباطنه وإذا لم يفهم الناس ظاهر أو باطن القرآن الكريم كان ذلك نقضا للقرض وخلافا للحكمة وهذا عمل قبيح والقبيح لا يصدر من الحكيم الصانع اللطيف الخبير لأنه خلاف الحكمة، هذا تمام الكلام في الدليل الأول وخلاصته يلزم نقض القرض من القول بعدم إمكان فهم بطون القرآن الكريم.

الدليل الثاني إن بطن القرآن الكريم هو أحد أقسام التأويل والآية الكريمة تقول (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) ونحن نبني على أن الواو عاطفة وليست استئنافية كما نبني على أن الراسخين في العلم لا يراد بهم خصوص الائمة والمعصومين عليهم السلام بل يشمل كل متعمق في العلم نعم الأئمة عليهم السلام هم المصداق البارز للراسخين في العلم وليسوا هم المصداق المنحصر للراسخين في العلم وهذا تدل عليه روايات شريفة يمكن مراجعة كتاب بصائر الدرجات للصفار صفحة 223 وتفسير البرهان للسيد هاشم التوبلاني الجزء الأول صفحة 271 إذن خلاصة الدليل الثاني إن عنوان الراسخين في العلم له مصداقان مصداق بارز وأكمل وهم الأئمة والمعصومون والمصداق الثاني كل عالم متعمق فالآية الكريمة تدل على إمكان فهم وتأويل الآيات ومن مصاديق التأويل فهم البطون.

الدليل الثالث ظاهر أحاديث بطون القرآن وفهم البطون ينسجم مع فهم البطون لغير المعصوم عليهم السلام بل يمكن الادعاء وبشكل واضح أن بعض الأحاديث وبشكل غير مباشر تعلم طريقة الوصول إلى فهم القرآن الكريم ويمكن الرجوع قلنا الروايات اشارت إلى ستة معاني للبطن فإذا رجعنا إلى المعنى الثاني وهو الروايات التي تشير إلى أن بطن القرآن هو عبارة عن مصاديقه الجديدة والمعنى الثالث وهو الروايات التي تشير إلى أن بطن القرآن هي عبارة عن التدبر والعمل به والمعنى الرابع وهي الروايات التي تشير إلى أن بطن القرآن هي عبارة عن المعاني العميقة له والمعنى الخامس وهي الروايات التي تشير إلى أن بطن القرآن عبارة عن فهم معناه فإن هذه المعاني وهي عبارة عن المعنى الثاني والثالث والرابع والخامس أربعة معاني من الثاني إلى الخامس هذه الروايات أو المجموعات الأربع يتضح من خلالها أن الفهم والتدبر والتعمق الفكري والتشخيص للمصاديق الجديدة لأهل الخبرة والاختصاص من المفسرين ممكن بل هو ضروري لأي تفسير كامل.

خلاصة الدليل الثالث إن أربع مجموعات من روايات تفسير البطون تشير إلى أن تفسير البطن ممكن للمتعمقين والمتأملين في القرآن الكريم.

الدليل الرابع إن الأدلة القرآنية على وجود البطون في القرآن الكريم تقتضي فهم البطون لعامة الناس لأن التدبر والتأمل في الآيات والاعتبار من القصص القرآني يقع على عهدة الجميع ولا يقع على عهدة فئة خاصة وهم خصوص المعصومين عليهم السلام فالآيات مطلقة أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها، أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون يتفكرون، لقد كان في قصصهم عبرت إلى آخره كثير هذه الآيات مطلقة عامة للجميع.

الدليل الخامس إن الدليل العقلي يقتضي فهم البطون لعامة العقلاء وذلك لأن وجود المستويات المعرفية في النصوص وتعددها من دون إمكان فهمها خلاف الحكمة وهذا أمر مرفوض عند العقل والعقلاء هذا الدليل الخامس اشبه بالدليل الأول وهو لزوم نقض الغرض، هذا تمام الكلام في الأدلة التي أقيمت على إمكان فهم القرآن الكريم وفي ختامها نذكر ثلاث ملاحظات:

الملاحظة الأولى إن القول بإمكان فهم القرآن الكريم لا يعني عدم تأثير إشارات المعصومين عليهم السلام في فهم تلك البطون بل ربما يقال إننا عن طريق روايات المعصومين عليهم السلام يمكن أن نفهم ونتعلم معنى بطون القرآن وأساليب فهم القرآن فروايات أهل البيت تعلمنا كيفية انتزاع المعنى من بطن القرآن الكريم.

الملاحظة الثانية هذه النظريات التي دلت على أن فهم بطون القرآن ممكن لغير المعصومين لا يعني أن طرق تحصيل البطن واحدة فلا توجد ملازمة بين القول بإمكان فهم البطن وبين وحدة طريقة فهم البطن بل إن لفهم البطن ولطرق تحصيل البطن مستويات مختلفة وطرق متعددة.

الملاحظة الثالثة إن لبطون القرآن مراتب والإنسان أيضا له مراتب من الفهم وبالتالي إن إمكان فهم بطون القرآن لغير المعصومين عليهم السلام لا يعني أنه بإمكان كل إنسان أن يطلع على أعلى معنى للبطن بل يمكن القول إن المرتبة العالية من البطون لا يصل إليها إلا المعصومين عليهم السلام وأما المرتبة الدانية أو المتوسطة من البطون فهي متاحة لكل متدبر ومتأمل وهذا ما سنلتزم به وهو القول الثالث القائل بالتفصيل فتصير الأقوال ثلاثة القول الأول إمكان فهم بطون القرآن لغير المعصوم مطلقا.

القول الثاني عدم إمكان فهم بطون القرآن مطلقا لغير المعصوم.

القول الثالث إمكان فهم البطون العادية لغير المعصومين بخلاف فهم البطن العالي جدا فإنه مختص بالمعصومين عليهم السلام، هذا تمام الكلام في المقام الأول وهو إنكار فهم بطون القرآن لغير المعصومين.

المقام الثاني عدم إمكان فهم بطون القرآن لغير المعصومين عليهم السلام وهذا يستفاد من ظاهر كلمات أربعة من الأعاظم وهم الإمام الخميني والسيد الخوئي والآخوند الخراساني والسيوطي الذي هو من كبار علماء السنة في التفسير صاحب كتاب الإتقان في علوم القرآن فإذا رجعنا إلى كلمات هؤلاء الأربعة قد يستفاد أن إمكان فهم البطون غير متاح لكل بل ربما يدعى اختصاصه بالمعصومين عليهم السلام أو لا أقل إن المراتب العالية من البطون مختصة بالمعصومين عليهم السلام فالإمام الخميني رحمه الله يعتبر أن البطن القرآن هو عبارة عن الحقيقة عند الله ومن أين لعموم الناس أن يطلعوا على الحقيقة في العلم الإلهي وهذا نص كلامه رحمه الله إذ يقول وحقيقة القرآن الشريف قبل تنزله إلى المنازل الخلقية وتطوره بالأطوار الفعلية من الشؤون الذاتية والحقائق العلمية للحضرة الواحدية وهو حقيقة الكلام النفسي الذي هو مقارعة ذاتية في الحضرة الأسمائية وهذه الحقيقة لا تحصل لأحد فيها عموم لا تحصل لأحد لا بالعلوم الرسمية ولا بالمعارف القلبية ولا بالمكاشفة الغيبية، الآداب المعنوية للصلاة صفحة 269 لكن بعد ذلك يستثني السيد الإمام الخميني رضوان الله عليه النبي الأكرم وأمير المؤمنين والأولياء الإلهيين الخلص.

القول الثاني الآخوند الخراساني الذي أحتمل أن بطون القرآن من لوازم المعنى مؤكدا على أن الفهم البشري قاصر عن إدراك البطون كفاية الأصول مبحث استعمال اللفظ في أكثر من معنى الجزء الأول صفحة 203.

القول الثالث السيد أبو القاسم الخوئي حيث اعتبر أن بطن القرآن من لوازم المعنى وأن الفهم البشري قاصر عن إدراك البطون ونيلها بدون عناية أهل البيت عليهم السلام ومن ثم قال ما نصه وهذا معنى أن للقرآن بطونا لم تصل إليها أفهامنا القاصرة إلا بتوجيه من أهل البيت عليهم السلام كما وجهنا إليها في بعض هذه الموارد محاضرات في أصول الفقه الجزء الأول صفحة 213 و214 فإذن من كلام السيد الخوئي وكلام السيد الإمام رضوان الله عليهما قد يستفاد القول الثالث القول بالتفصيل وهو أن المرتبة العالية من فهم البطن مختصة بالمعصومين عليهم السلام ولكن المرتبة العادية من فهم البطن متاحة خصوصا مع الإطلاع على روايات أهل البيت عليهم السلام وهذا صريح في كلام السيد الخوئي رضوان الله عليه.

القول الرابع كلام السيوطي في كتابه الاتقان في علوم القرآن الجزء الثاني صفحة 236 حيث أشار إلى عدم إمكان فهم بطون القرآن الكريم فقد كتب ما نصه وبطنها ما تضمنته من الأسرار التي أطلع الله عليها أرباب الحقائق إذن هذا أيضا فيه إشارة إلى القول بالتفصيل أن هذه الأسرار الله عز وجل قد خص بها أرباب الحقائق وأطلعهم عليها، هذا تمام الكلام في عرض أقوال الأعلام الأربعة في مبناهم وهو عدم إمكان فهم البطن لغير المعصومين عليهم السلام أو ما يستفاد من ظاهر كلامهم.

أدلة عدم إمكان فهم البطون لغير المعصومين نذكر ثلاثة أدلة:

الدليل الأول التمسك بقوله تعالى وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم بأن نبني على أن الواو استئنافية فيختص بأن العلم بالتأويل يختص بالله عز وجل أو نبني على أن الواو عاطفة لكن نخص الراسخين بالعلم بخصوص الأئمة عليهم السلام وهذا أيضا دلت عليه روايات شريفة منها ما جاء في تتمة رواية الفضيل بن يسار عن الإمام الباقر عليه السلام قال ظهره تنزيله وبطنه تأويله منهما قد مضى ومنهما لم يكن يجري كما يجري الشمس والقمر كما جاء تأويل شيء منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء قال الله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم الإمام يقول نحن نعلمه بصائر الدرجات صفحة 199.

لكن هذا الدليل قد يناقش بأنه قد مرت أدلة إمكان فهم القرآن الكريم ورجح فيها أن الواو الواردة في الآية الكريمة إنما هي واو عاطفة وليست واو استئنافية هذا أولا وثانيا إن عنوان الراسخين في العلم لا يختص بالائمة عليهم السلام ولا ينحصر بالمعصومين فإن عنوان الراسخين في العلم له مراتب ويشمل المصداق البارز وهم المعصومين عليهم السلام والمصداق الآخر وهم بعض العلماء فيمكن مراجعة تفسير البرهان الجزء الأول صفحة 20 وروضة الكافي الحديث 485 ووسائل الشيعة الجزء 18 صفحة 136 فإن الروايات المفسرة لعنوان الراسخين في العلم لا تختص الأئمة عليهم السلام بل يمكن تعديتها للعلماء المتعمقين وقد مضى الحديث عن تأويل القرآن الكريم وبحثنا هناك أن الروايات الدالة على عنوان الراسخين في العلم قد أوضحت أن الائمة هم المصداق الكامل للراسخين في العلم لكن هذه الروايات لا تفيد الانحصار هذا تمام الكلام في الدليل الأول ومناقشته.

الدليل الثاني ومناقشته، التمسك برواية إنما يعرف القرآن من خوطب به تفسير الصافي الجزء الأول صفحة 120 حيث إن فهم القرآن الكريم ينحصر بالمخاطبين الحقيقيين وهم أهل البيت عليهم السلام وإذا لم نعتبر أن فهم جميع القرآن منحصر بأهل البيت عليهم السلام فعلى الأقل يكون فهم بطون القرآن منحصرا باهل البيت عليهم السلام.

المناقشة

هذه الروايات يمكن المناقشة فيها من ناحية السند والدلالة وعلى فرض صحة السند فإن دلالتها على عدم فهم جميع مراتب البطون لغير أهل البيت محل تأمل لأن الرواية لم تشر بصراحة إلى بطون القرآن ولو أدعي أنها أشارت إلى بطون القرآن فإنها لا تدل إلا على أن الفهم الكامل للبطن هو الذي مختص بالمعصوم عليه السلام دون بقية المستويات لفهم البطن.

الدليل الثالث التمسك بالروايات التي تشير إلى انحصار علم جميع القرآن باهل البيت عليهم السلام ومن جملتها ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء وفي رواية ابن عباس علي بن أبي طالب عالم بظاهر القرآن وباطنه ولكن يمكن المناقشة فالرواية الأولى هي تدل على عكس المدعى تقول الرواية ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله تنفي الكل يعني تثبت البعض فهنا ثلاث مسائل الموجبة الكلية وهي ثبوت جميع البطون وفهم جميع البطون للائمة عليهم السلام هذه موجبة كلية يعني الائمة يفهمون كل بطون القرآن وظواهرها هذه موجبة كلية وعندنا سالبة كلية لا يستطيع أحد أن يفهم كل القرآن وجميع القرآن غير المعصومين هذه سالبة كلية وهناك موجبة جزئية وسالبة جزئية يعني بعض بطون القرآن مفهوم لغير المعصوم وبعض بطون القرآن ليس بمفهوم لغير المعصوم فالرواية أثبتت الموجبة الكلية ونفت السالبة الكلية ولكن هنا لا يعني سلب الموجبة الجزئية الموجبة الجزئية متحققة إذن ظاهر الرواية الأولى يشير إلى أن المراد بالجمع هو جميع آيات القرآن الكريم وهذه الآيات التي جمعها الإمام علي وهي محفوظة عند الأئمة عليهم السلام ودل على ذلك الروايات منها ما أورد في البحار ما جمعه وما حفظه كما أنزل الله إلا علي بن أبي طالب عليه السلام والائمة عليهم السلام من بعده إما المراد الجمع أو المراد مراتب الظاهر والباطن في القرآن الكريم وهذا معنى خاص بالائمة أن المعرفة الحقيقية والواقعية لظواهر وباطن القرآن مختصة بالائمة لكن هذه الرواية لا تنفي إمكان فهم بعض مراتب بطون القرآن لغير المعصومين أي أن الرواية تثبت جميع ظاهر وباطن القرآن للمعصوم على نحو الموجبة الكلية وتنفي المعرفة لغير المعصوم على نحو الموجبة الكلية ولكنها لا تنفي وجود بعض المراتب لفهم البطون عند غير المعصوم ولو على نحو الموجبة الجزئية بل إن مفردة كله الواردة في الرواية تشير إلى أن علم بعض القرآن ممكن لغير المعصوم.

الخلاصة النهائية

أدلة عدم امكان فهم البطون لغير المعصومين لم تثبت المدعى بل يمكن اثبات فهم البطون بنحو الموجبة الجزئية وبمستويات غير المستويات الكاملة وهذا المعنى موافق لنظرية السيد الخوئي إذ أنه أشار إلى أننا وبتوجيه من أهل البيت يمكن أن نفهم بعض موارد بطون القرآن وهذا أيضا قد يفهم من نظرية الإمام الخميني الذي أشار إلى أن فهم بطون القرآن يكون بواسطة الأولياء الإلهيين الخلص وبالتالي نلتزم بالقول الثالث وهو القول بالتفصيل فمعرفة بطون القرآن الكاملة مختص بالمعصومين عليهم السلام وأما المستويات الأخرى للبطون وهي المستويات غير الكاملة فيمكن الإدعاء أن غير المعصومين يمكن أن يتوصل إليها بالتأمل والتعمق إذن فهم بطون القرآن ممكن بنحو الموجبة الجزئية، هذا تمام الكلام في هذا البحث أن فهم بطون القرآن متاح وممكن لغير المعصومين بنحو الموجبة الجزئية لا بنحو الموجبة الكلية.

طرق استنباط البطون من القرآن

إذن الأمر الأول بينا نظرية البطن في القرآن الكريم، ثانيا بينا أنه يمكن فهم البطن في القرآن الكريم، هذا البحث ثبوتي ممكن الآن البحث اثباتي كيف يمكن أن نستنبط البطون وأن نفهم معنى البطون.

الجواب يمكن بيان الطرق وفقا للنظرية المتبعة ومن هنا نذكر ثلاثة طرق وفقا لثلاث نظريات:

الطريق الأول الرجوع من الشهادة المطلقة إلى الغيب المطلق وهذا الطريق موافق لنظرية الإمام الخميني رضوان الله عليه فبحسب نظريته وهي الوجود المعرفي يرى أن البطن الحقيقي عند الله تعالى فإن طريق الحصول عليه لا يمكن من خلال العلوم الاعتيادية والرسمية بل ربما يحصل عن طريق المكاشفة التامة الإلهية أي أن السالك بواسطة تزكية نفسه وطي مراحل القرب في السير الصعودي إلى الله تعالى والتي هي عبارة عن الرجوع من الشهادة المطلقة إلى الغيب المطلق الآداب المعنوية للصلاة صفحة 269 وبعبارة أخرى إن القرآن يطوى في سيره النزولي من مقام الواحدية فيتلبس بلباس الالفاظ وللحصول على حقيقة القرآن من الضروري أن يحصل السير الصعودي من عالم الخلق إلى عالم الخالق ومن عالم الشهادة إلى عالم الغيب إذن هذا الطريق الأول لتحصيل البطن السير والسلوك من عالم الشهادة إلى عالم الغيب.

الطريق الثاني التدبر في الآيات فبناء على نظرية السيد الطباطبائي في الميزان بأن البطون معاني طولية مختبئة في الآيات ومع الالتفاف إلى ما ذكره يتضح أنه من خلال التدبر في الآيات والالتفات إلى القرائن الموجودة في الآيات أي تفسير القرآن بالقرآن يمكن تحصيل البطون القرآنية ويمكن يراجع كلام السيد الطباطبائي في كتابه القرآن في الإسلام من صفحة 20 إلى صفحة 22.

الطريق الثالث لتحصيل البطن طي المراحل الاربعة لاستحصال البطون

طرح الشيخ محمد هادي معرفة رحمه الله أربع مراحل لتحصيل البطون في القرآن الكريم:

المرحلة الأولى الوصول إلى هدف الآية

المرحلة الثانية الغاء الخصوصيات الزمانية والمكانية والشخصية والتي ليس لها دخل في أصل تحقق الهدف.

المرحلة الثالثة استنباط القاعدة الكلية من الآية

المرحلة الرابعة تطبيق القاعدة الكلية المذكورة على المصاديق الجديدة يراجع التفسير الأثري الجامع الجزء الأول من صفحة 32 إلى صفحة 33 فيرى الشيخ محمد هادي معرفة رحمه الله أنه يمكن الحصول على القاعدة الكلية المستنبطة من خلال التأمل في القرآن الكريم ويذكر ضوابط للتأويل ثلاث ضوابط:

الضابطة الأولى أن يكون التأويل على طريقة السبر والتقسيم باعفاء الملابسات غير الدخيلة في هدف الكلام الأصيل وإبقاء ما كان دخيلا في صلب الموضوع وإلغاء الخصوصيات الزمانية والمكانية والشخصية.

الضابطة الثانية رعاية الدقة الكاملة في معرفة ملابسات الكلام بحيث يمكن التمييز بين الأمور الدخيلية في الغرض الأصلي للآية وبين الأمور غير الدخيلة وهذا يحتاج إلى فهم عميق.

الضابطة الثالثة استخراج الكبرى الكلية من فحوى الكلام ويكون المعنى المستخلص هو المعنى التأويلي ويكون هذا المعنى التأويلي منطبقا على ظاهر التنزيل أي المعنى البطني والتأويلي قاعدة كلية لها مصاديق إحدى مصاديقها وأبرز مصداق لها نفس الآية الكريمة ويطبق هذا الكلام على ما ورد في القرآن الكريم من مفردة الميزان والمقصود منها حسب الروايات العدل وما ورد في الروايات من تفسير الإمام العادل وباطنها أمير المؤمنين ونذكر مثال إلى هذا حتى تتضح الضوابط الثلاث.

المثال الأول قوله تعالى (قل أرأيتم إن أصبح ماءكم غورا فمن يأتيكم بماء معين) فقد جاء في بعض الروايات أن المقصود بالماء المعين هو علم الإمام واستعير الماء المعين للعلم النافع فكما أن الماء هو أساس الحياة المادية كذلك علم الإمام هو أساس الحياة المعنوية وهذه طريقة يمكن تطبيقها ونضرب مثال.

قوله تعالى في قصة يوسف حاكيا عن مجيء إخوة يوسف لأبيهم يعقوب قائلين (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون) هذه الآية لها ظاهر ونذكر لها بطنين، ظاهر الآية تخطيط الإخوة واحتيالهم لخداع أبيهم والتخلص من يوسف برميه في الجب وأما البطن الأول نلغي خصوصية يعقوب الأب نلغي خصوصية الإخوان وهم الأسباط نلغي خصوصية الزمان نلغي خصوصية المكان فلسطين نستنتج هذه النتيجة تحذير الآباء بخصوص الأبناء وذلك بضرورة مراقبتهم والاهتمام بهم حتى لا يحتال أحد من الأبناء على أبيه بخططه الشيطانية باعذار كالغذاء أو اللعب فيكون سببا في إيجاد المشاكل والمتاعب هذا معنى كلي هذا البطن الأول.

البطن الثاني نلغي خصوصية الأب في البطن الأول الغينا المصداق وهو يعقوب لكن أبقينا الضابطة التي تنطبق عليها وهي الأب وأيضا في البطن الأول الغينا خصوصية الأسباط لكن أبقينا عنوان الإخوة فاستنتجنا أن الأب لابد أن يكون نبيها ويراقب أولاده حتى لا يأخذوه بالحيلة.

البطن الثاني نلغي خصوصية الآباء نلغي خصوصية الإخوان نلغي خصوصية الزمان والمكان ونقول هكذا نحذر الأمم بخصوص طاقاتها اللامعة أن لا يختطفوا بأي علل واهية فيوسف عليه السلام كان يمثل الطاقة اللامعة والبارزة فكل أمة من الأمم فيها شخصيات تمثل جواهر وقد يحصل لها كيد من قبل المحيطين بها فعلى زعماء وقادة الأمم أن يلتفتوا إلى حماية الشخصيات اللامعة وصيانتهم من الاغتيال هذا أيضا معنى بطني فبناء على تفسير الشيخ محمد هادي معرفة تحصل بطون كثيرة وهذا يفيد في التفاسير النكاتية، الآن من أبرز التفاسير المطبوعة باللغة العربية التفاسير النكاتية تفسير النور عشرة اجزاء للشيخ محسن قراءتي وبالفارسية هناك الكثير من التفاسير النكاتية منها تفسير رهنما للشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني رحمه الله في عشرين مجلد وتفسير براهين محكمات للشيخ أكبر دهقان، هذه التفاسير تأخذ الآية وتستخرج منها نكتة تستفيد منها في الحياة وهذه أقرب إلى الناس وأقرب إلى عنوان الهداية في القرآن، بسم الله الرحمن الرحيم (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) للأسف الشديد أحيانا تقرأ في بعض التفاسير تجد بحوث نحوية صرفية فقهية أصولية فلسفية مباحث معرفية لكن تجده كتاب علمي تخصصي ما يبحث دور الآية في هداية الناس، المفروض المفسر بعد أن يفرغ من الأبحاث العلمية والتخصصية أن يبين إشارات الآية ودورها في هداية الناس لأن القرآن من أول آية إلى آخر آية لهداية الناس القرآن تضمن العقائد والأحكام والاخلاق وقصص السابقين كل هذه الأمور لهداية البشرية وهذا العنوان قد يغفل في الكثير من التفاسير، هذا تمام الكلام في مسألة البطن وبها نختم الفصل الثالث.

قلنا بحثنا في أصول التفسير وأصول التفسير فيه ثلاثة فصول الفصل الأول التفسير، الفصل الثاني التأويل، الفصل الثالث البطون، هذا تمام الكلام في القسم الأول أصول التفسير ويقع الكلام في القسم الثاني وهو قواعد التفسير، نحن اليوم ختمنا هذه الدورة دورة أصول التفسير نختمها اليوم الاثنين 24 شهر رمضان المبارك عام 1441 هجرية قمرية الموافق 18 مايو شهر خمسة لعام 2020 ميلادية الموافق 29 ارديبهشت الموافق لشهر اثنين لعام 1399 هجرية شمسية.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

 

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 28 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: دروس في المناهج و الاتجاهات التفسيرية للقرآن
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
28 الجلسة