تفسير البيان
شیخ الدقاق

076 - بيان معنى الرحمن الرحيم واعراب وتفسير البسملة

تفسير البيان

  • الكتاب: البيان في تفسير القرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    500

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
الرحمن
كان الكلام في تحليل معنى بسم الله الرحمن الرحيم وقد تم شرح معنى بسم ومعنى لفظ الجلالة الله وفي هذا الدرس نشرح إن شاء الله معنى لفظ الرحمن ولفظ الرحيم والمشهور والمعروف وهو مفاد رواية أن لفظ الرحمن أسم خاص لمعنى وصفة عامة عكس الرحيم فهو اسم عام لمعنى وصفة خاصة، فلفظ الرحمن اسم خاص أي أنه يطلق على الله تبارك ولا يطلق على غيره من خلقه بخلاف لفظ رحيم فإنه أسم عام يطلق على الله "عز وجل" ويطلق على غيره من خلقه فيقال فلان رحيم أو فلان اسمه رحيم، إذن لفظ الرحمن لقب خاص بالله تبارك وتعالى بخلاف لفظ الرحيم فإنه اسم عام.
لكن لفظ الرحمن الذي هو لفظ خاص بالله تبارك وتعالى يعبر عن معنى وصفة عامة فإن رحمة الله "عز وجل" لا تختص بالمؤمن بل تشمل الفاسق وجميع الممكنات ورحمة الله تبارك وتعالى لا تختص بالدنيا بل تعم الدنيا والآخرة بخلاف لفظ الرحيم فإن لفظ الرحيم يختص بالمؤمنين أو يختص بالآخرة ولذلك نجد لفظة الرحيم تتعدى بحرف الباء فتقول رحيم بالمؤمن رحيم بحيوانه رحيم بدابته بخلاف لفظ الرحمن لا تقول رحمن بكذا تقول الله هو الرحمن لكنك تقول الله "عز وجل" رحيم بخلقه رحيم بالمؤمنين وستأتي مناقشة السيد الخوئي "رحمه الله" لكون لفظ الرحمن خاصا بالمؤمنين أو خاصا بالآخرة.
الكلام فعلا في معنى الرحمن لفظ الرحمن مأخوذ من الرحمة ومعناها معروف إذ أن الرحمة هي ضد القسوة والشدة قال الله تبارك وتعالى (محمد والذين معهم أشداء على الكفار رحماء بينهم) وقال تعالى (اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم) والرحمة من الصفات الفعلية كصفة الخلق والرزق فهي من الصفات الحادثة وليست من الصفات الذاتية، قال الله تبارك وتعالى (ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم) وقال تعالى (يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون) أي حسب ما تقتضه حكمة الله البالغة.
وقد ورد في الآيات الكريمة طلب الرحمة من الله "عز وجل" (وقل ربي أغفر وأرحم وأنت خير الراحمين) ومن الواضح جدا أن الرأفة ليست مقومة لعنوان الرحمة فرقة القلب ليست مأخوذة في مفهوم الرحمة نعم بالنسبة إلى البشر رقة القلب من لوازم الرحمة ولكن لم يؤخذ في حق مفهوم الرحمة رقة القلب فالرحمة دون تجرد عن معناها الحقيقي هي من صفات الله الفعلية وليست من صفاته الذاتية.
ومن الواضح أن لفظ الرحمن على وزن فعلان وصيغة فعلان من صيغ المبالغة كصيغة فعيل فلفظ الرحيم على وزن فعيل وهو إما صفة مشبهة أو صيغة مبالغة كذلك لفظ الرحمن وهناك خمس صيغ للمبالغة في اللغة العربية تدرس في علم الصرف مثل فعال كقولك قتال أفعل فعال أفعل فعلان أفعل فعيل مثل كريم هذه من صيغ المبالغة.
قال غير واحد من المفسرين وبعض اللغويين إن صيغة الرحمن مبالغة في الرحمة وهذا صحيح في خصوص هذه الكلمة (الرحمن) سواء التزمنا أن صيغة فعلان في لفظ الرحمن استعملت في صيغة المبالغة أو لم تستعمل في المبالغة فإن كلمة الرحمن في جميع مواردها تستخدم محذوفة المتعلق بخلاف لفظ الرحيم تقول رحيم بالمؤمنين، رحيم بالفقراء والمساكين إلا أن لفظ رحمن لا يذكر متعلقها وكما تعلمون حذف المتعلق يدل على العموم.
تارة تقول أحظر الماء وتارة تقول احظر الماء في كوب احظر الماء في أبريق فإذا قال احظر الماء يعني مطلقا سواء كان في أبريق أو في كأس وما شاكل ذلك فهنا لفظ الرحمن لم يقيد بمتعلق ولم يذكر له متعلق فيستفاد من لفظ الرحمن العموم وأن رحمة الله قد وسعت كل شيء ومما يدل على ذلك أنه يقال (إن الله بالناس أو بالمؤمنين لرحيم) ولا يقال إن الله بالناس وبالمؤمنين لرحمن، فكلمة الرحمن عامة وهي بمنزلة اللقب من الله تبارك وتعالى فلا تطلق لفظة الرحمن على غير الله فهي اسم خاص لصفة عامة ولأن لفظ الرحمن مختص بالله تبارك وتعالى ولقب له ويعبر عن صفة عامة استعمل لفظ الرحمن في الكثير من الآيات القرآنية من دون لحاظ مادتها، قال تبارك وتعالى (قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن يردني الرحمن بضر لا تغني عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) ومما يقرب اختصاص لفظ الرحمن بالله تبارك وتعالى قوله "عز من قائل" (رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا) والآية ذكرت لفظ الرحمن هل تعلم له سميا فإن الملاحظ في سورة مريم أن الله تبارك وتعالى قد اعتنى بكلمة الرحمن وكررها ستة عشر مرة في سورة مريم وهذا يقرب أن المراد بالآية الكريمة (هل تعلم له سميا) أنه ليس لله سمي بكلمة الرحمن غيره هذا تمام الكلام في بيان معنى لفظ الرحمن وبهذا ننتهي من بيان الكلمة الثالثة في البسملة بسم الله الرحمن.
ويقع الكلام في الكلمة الرابعة الرحيم وهي اسم عام لصفة خاصة، لفظ الرحيم صفة مشبهة أو صيغة مبالغة على وزن فعيل ككريم ومن خصائص هذه الصيغة فعيل أنها تستخدم غالبا في الغرائز واللوازم غير المنفكة عن الذات كلفظ العليم القدير الشريف الوضيع السخي البخيل الكريم العلي الدني، فالفارق بين الصفتين الرحمن والرحيم أن الرحمن يدل على ثبوت الرحمة فقط ولا يشير إلى عدم الانفكاك بينما لفظ الرحيم يدل على لزوم الرحمة للذات وعدم انفكاك الرحمة عن الذات ومما يدل على أن الرحمة في كلمة رحيم غريزة وسجية أن كلمة رحيم لم ترد في القرآن عند ذكر متعلقها إلا بتعديتها بالباء، قال "عز من قائل" (إن الله بالناس لرؤوف رحيم) (وكان بالمؤمنين رحيما) فكأن لفظة رحيم عند ذكر متعلقها انسلخت من التعدية إلى اللزوم من خلال التعدية بالباء.
والآلوسي صاحب تفسير روح المعاني ذكر أن كلمة الرحمن وكلمة الرحيم ليستا من الصفات المشبهة، بقرينة إضافة كلمة الرحمن والرحيم إلى المفعول في جملة رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما والصفة المشبهة لابد من أن تؤخذ من اللازم ولا تؤخذ من المتعدي وهذا غريب عجيب إذ أن لفظة الرحمن والرحيم في قولنا (يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما) نجد أن الإضافة في هذه الجملة ليست من إضافة الكلمتين إلى المفعول به بل من إضافة الكلمتين إلى المكان أو الزمان (يا رحمن الدنيا ورحيمهما) يعني رحمتك موجودة في زمان الدنيا وفي زمان الآخرة وفي مكان الدنيا وفي مكان الآخرة ولا يفرق فيها بين اللازم والمتعدي إذن مناقشة الآلوسي في تفسيره روح المعاني ليست تامة لأن الإضافة وإن وجدت إلا أنها ليست من الإضافة إلى المفعول به وإنما من الإضافة إلى الزمان والمكان.
ثم يناقش السيد الخوئي في المطلب الذي ذكرناه وهو أن لفظ الرحيم مختص بالمؤمنين أو بالآخرة فالسيد الخوئي لم يناقش في كون أسم الرحمن خاص بالله "عز وجل" بل أقر أنه لقب لله ولم يناقش في كون لفظ الرحيم عام كما يطلق على الله يطلق على غيره من المخلوقات والممكنات ولم يناقش في كون لفظ الرحمن صفة عامة وإنما ناقش في خصوص هذه المسألة وهي كون لفظ الرحيم خاصا بالمؤمنين أو خاصا بالآخرة فقد ورد في بعض الروايات أن لفظ الرحمن أسم خاص ومعناه عام وأما لفظ الرحيم فهو اسم عام ومعناه خاص ومختص بالآخرة أو بالمؤمنين، يمكن مراجعة الروايات في تفسير الطبري وهو تفسير روائي سني وتفسير البرهان للسيد هاشم البحراني وهو تفسير روائي شيعي.
ثم يعقب السيد الخوئي قائلا إلا أنه لا مناص من تأويل هذه الروايات أو طرحها لماذا تطرح هذه الروايات؟ لمخالفتها للقرآن الكريم فإن القرآن الكريم قد استعمل لفظ الرحيم من غير اختصاص بالمؤمنين أو بالآخرة ففي الكتاب العزيز (فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) ولكن يمكن تأويلها فإنك غفور رحيم بمن عصاك.
الآية الأخرى (نبأ عبادي أني أنا الغفور الرحيم) يعني الغفور الرحيم بعبادي يعني بمن عبدني (إن الله بالناس لرؤوف رحيم) يعني رؤوف بخلقه بالناس الذين خلقهم (ربكم الذي يسجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما) يعني رحيم بالمربوبين يعني بالناس الذين أسجى لهم الله الفلك في البحر.
(ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما) يعني بالمنافقين أو بمن تاب عليهم، نعم لو قلنا إن لفظ الرحيم خاص بخصوص المؤمنين أو بالآخرة تتم مناقشة السيد الخوئي فهذه الآيات بأجمعها ليست خاصة بالمؤمنين وليست خاصة بالآخرة لكن هذا لا يمنع من القول بأن لفظ الرحيم صفة خاصة وليست عامة إلى غير ذلك من الآيات الكريمة وبعض الأدعية والروايات مثل رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما هذه العبارة وردت في الصحيفة السجادية في دعاء الإمام السجاد في استكشاف الهموم ووردت في الدعاء بعد صلاة الأعرابي ووردت أيضا في أدعية الطواف وأنت تدور حول بيت الله الحرام في بعض أشواط الطواف تقول يا رحمن الدنيا ورحيمهما فإذن إما أن تطرح الرواية في هذا المقدار وهو اختصاص لفظ الرحيم بالمؤمنين أو بالآخرة وإما أن تؤول وما هو هذا التأويل ولماذا اختص لفظ الرحيم بالآخرة؟
الجواب الرحمة الإلهية إذا لم تنتهي إلى الآخرة فكأنها لم تكن رحمة وما جدوى وجود رحمة في الدنيا لكن عاقبتها العذاب الأخروي والخسران فإن الرحمة الزائلة وهي رحمة الحياة الدنيا تندك أمام العذاب الدائم في الآخرة لا محالة وبهذا اللحاظ وهو أنه لا معنى للرحمة الزائلة ولا معنى للرحمة في الدنيا دون الآخرة صح أن يقال إن الرحمة مختص بالمؤمنين أو بالآخرة لأن الرحمة بغير المؤمن في الدنيا تزول في الآخرة كما أن رحمة المؤمن في الدنيا إذا سيحصل على العقاب الأخروي والأبدي في الآخرة لا معنى لها فبهذا اللحاظ وهو أن الرحمة في الدنيا أو الرحمة لغير المؤمن في الدنيا لا معنى لها إذا لم تتصل بالرحمة في الآخرة لذلك يقال باختصاص لفظ الرحيم بالمؤمنين أو الآخرة وهذا التخريج أنه الرحمن إذا لم تنتهي إلى الرحمة في الآخرة فكأنها لم تكن رحمة أشير إليه في بعض الأدعية المأثورة، هذا تمام الكلام في بيان معنى الرحيم وبهذا يتم الكلام في بيان المفردات الأربعة للبسملة بسم الله الرحمن الرحيم.
الإعراب بسم يعني باسم والهمزة همزة وصل الباء تتعلق بماذا؟ توجد أقوال أربعة:
القول الأول تقدير لفظ أقرأ.
القول الثاني تقدير لفظ قل أو أقول.
القول الثالث تقدير لفظ أستعين أو أستعن.
القول الرابع تقدير لفظ أبتدئ أو ابتدئ.
فبناء على هذه الأقوال الأربعة تكون البسملة هكذا القول الأول اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم أو أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم.
القول الثاني أقول بسم الله الرحمن الرحيم أو قل بسم الله الرحمن الرحيم.
القول الثالث أستعن ببسم الله الرحمن الرحيم أو استعينوا ببسم الله الرحمن الرحيم.
القول الرابع أبتدئ ببسم الرحمن الرحيم أو إبتدء بسم الله الرحمن الرحيم.
طبعا على هذه التخريجات يكون هناك أثر في المعنى مثلا لو استخرت الله "عز وجل" وخرجت لك البسملة هذه الاستخارة جيدة أو غير جيدة أو لا، بناء على القول الثالث استعن أو استعانة الاستعانة تكون في الأمور الصعبة فيكون مفاد الخيرة أنها جيدة لكن فيها صعوبات ولكن بناء على الأقوال الأول والثاني والثالث أقرء بسم الله قل بسم الله ابتدئ بسم الله تكون البسملة تدل على أن الخيرة جيدة من دون صعوبات إذن التفسير له دور.
سيدنا الخوئي أي الأقوال الأربعة هو الصحيح؟ الجواب خصوص القول الرابع هو الصحيح وهو تقدير لفظ ابتدئ، ابتدئ بسم الله الرحمن الرحيم وقد ورد في الروايات كل عمل لم يبدأ فيه بسم الله فهو أبتر لذلك الآن في طباعة الكتب أول صفحة يطبع فيها لفظ البسملة بسم الله الرحمن الرحيم حتى لا يكون الكتاب ابترا مقطوع الأثر وهكذا إذا شرعت في التدريس أو المحاضرة وغير ذلك.
أما الوجه الأول والثاني الوجه الأول أقرأ أو إقرء الوجه الثاني أقول أو قول فهما باطلان لأن مفعول القراءة أو القول بناء على هذا التقدير يجب أن يكون هو الجملة بما لها من المعنى فلا مناص من تقدير كلمة أخرى لتكون الجملة بما لها من المتعلق مقولا للقول يعني هكذا أقرأ عبارة بسم الله الرحمن الرحيم، أقرأ جملة بسم الله الرحمن الرحيم، قل عبارة بسم الله الرحمن الرحيم، إقرء عبارة بسم الله الرحمن الرحيم فلابد من تقدير كلمة غير كلمة بسم الله الرحمن الرحيم وهي كلمة عبارة جملة إلى آخره والأصل عدم التقدير إذا دار الأمر بين تقدير كلمة وإضافتها أو عدم إضافتها الأصل عدم التقديم.
وأما الوجه الثالث الذي عبر عنه السيد الخوئي بالوجه الأول لأنه جعل لفظ أقرأ وأقول وجها واحدا فوجه بطلان الوجه الثاني الاستعانة لأن الاستعانة تستحيل أن تكون من الله تعالى لغنى الله تبارك وتعالى عن الاستعانة حتى بأسمائه والاستعانة من الخلق إنما تكون بالله لا بأسمائه وقد نص الله تبارك وتعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) الله "عز وجل" هو الغني المطلق غني ليس فيه فقر واحتياج فإذا كان غنيا عن الاحتياج لا يحتاج ولا يستعن حتى بأسمائه تبارك وتعالى فتعين أن يكون متعلق الجار والمجرور في قوله بسم الله الرحمن الرحيم هو القول الرابع ابتدئ.
بسم الله هناك إضافة إلى الله "عز وجل" بأسم الله بسم الله هنا هذه الإضافة هل هي إضافة لفظية بيانية بسم الله يعني بالاسم أي أسم الذي هو الله الذي هو الرحمن الذي هو الرحيم أو المراد الإضافة المعنوية؟
الصحيح أن المراد بالإضافة هنا الإضافة المعنوية يعني ابتدئ بسم الذات الإلهية التي يعبر عنها لفظ الله ومن أهم جهاتها وخصوصياتها صفة الرحمن وصفة الرحيم فالبسملة تشير إلى هذه المعاني وأضافت هذه اللفظات الثلاث الله الرحمن الرحيم لكي تشير إلى معانيها الله يشير إلى الذات الإلهية الرحمن يشير إلى اسم الله الخاص الرحيم يشير إلى اسم الله العام.
وأما إذا حملنا اللفظ على أنه إضافة بيانية يعني نوضح ونبين بأي أسم هذا الاسم هو الله ثم نبين المراد من الله هو الرحمن والمراد من الرحيم هو الرحيم فهذه الإضافة البيانية يرد عليها أولا أنها بعيدة جدا الذوق العرفي لا يفهم هكذا أن كل مفردة من هذه المفردات وكل لفظة من هذه الألفاظ لبيان ما سبقها وثانيا لو قلنا إن الإضافة بيانية يلزم الالتزام بأحد أمرين كلاهما باطل عاطل:
الأمر الأول إما أن يقال إن المراد مجموع هذه الألفاظ، يعني مجموع لفظ الله والرحمن والرحيم ومن الواضح أن مجموع الأسماء ليس من الأسماء الإلهية فإن الأسماء الإلهية عبارة عن كل لفظ من هذه الألفاظ الثلاثة بمفرده لا بمجموعه فإن كان المراد من الإضافة البيانية نفس هذه الألفاظ فإن كان المراد مجموع هذه الألفاظ فمجموع هذه الألفاظ ليس من أسماء الله تعالى وإن أريد نفس هذه الألفاظ على انفراده يعني لفظ الله بمفرده ولفظ الرحمن بمفرده ولفظ الرحيم بمفرده ففي هذه الحالة نحتاج إلى وجود عاطف تقول بسم الله والرحمن والرحيم يعني بسم الله وبسم الرحمن وبسم الرحيم وهذه الجملة بسم الله والرحمن والرحيم بعيدة عن الذوق العرفي وخلاف لفظ البسملة التي ليس فيها لفظ الواو العاطفة.
النتيجة النهائية بسم الله الرحمن الرحيم فيها إضافة معنوية لا محاله وكلمة الله مستعملة في معناها وما هو معناها؟ هذا ما يأتي في التفسير بعد بيان المفردات الأربع للبسملة نأتي بتفسير البسملة.
لما كانت سور القرآن الكريم قد أنزلت لهداية البشر إلى كمالها الممكن وإخراجها من ظلمات الشرك والجهالة إلى نور المعرفة والتوحيد ناسب أن يبدأ رب العالمين كل سورة باسمه الكريم لأن اسمه الكريم الله هو الكاشف عن ذاته المقدسة والقرآن قد نزل لكي يعرف الله سبحانه وتعالى نعم استثنيت سورة براءة من الابتداء بالبسملة فابتدأت بلفظ براءة من الله ورسوله لأن سورة براءة بدأت بالبراءة من المشركين ولهذا الغرض أنزلت فلا يناسبها ذكر اسم الله "عز وجل" خصوصا مع توصيف الله بالرحمن والرحيم.
روى ابن عباس قال سألت علي بن أبي طالب "عليه السلام" (لِمَ لمْ تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال لأنها أمان وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان) سورة براءة تلويح بالعذاب والخلاصة كل سور القرآن ابتدأت بسم الله الرحمن الرحيم عندنا كم سورة في القرآن؟ 114 سورة كلها بدأت إلا سورة التوبة ـ براءة ـ ولكن عندنا كم بسملة في القرآن الكريم 114 بسملة عوض عن البسملة التي لم يبدأ بها في سورة براءة في آية أخرى قوله "عز وجل" (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) رسالة الهُدد إلى بلقيس ملكة سبأ حينما نقل رسالة نبي الله سليمان.
الله "عز وجل" له كتاب تدويني وهو القرآن الكريم وله كتاب تكويني وهو الخلق هذا الكون الفسيح بما فيه الإنسان يقال له كتاب الله التكويني تكوين مأخوذ من قوله "عز وجل" (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون).
السيد الخوئي "رحمه الله" يشير إلى أن الله "عز وجل" بدأ كلا كتابيه الكتاب الأول الكتاب التدويني وهو القرآن، الكتاب الثاني الكتاب التكويني وهو خلقه الكون الفسيح الله "عز وجل" بدأ كلا الكتابين باسمه تبارك وتعالى ابتدأ الله "عز وجل" كتابه التدويني وهو القرآن الكريم بذكر اسمه كما ابتدأ في كتابه التكوين باسمه الأتم فخلق الحقيقة المحمدية ونور النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" قبل سائر المخلوقين.
الحقيقة المحمدية مصطلح عرفاني واختلف فيه العرفاء أيضا وهذا بحث طويل في العرفان ولكن بشكل مبسط الحقيقة المحمدية يقولون هي مبدأ الوجود أو يقولون الذات مع التعين الأول يعني الذات الإلهية وأول تعين للذات وأول شيء خلقته الذات الإلهية وهو نور النبي محمد "صلى الله عليه وآله" إشارة إلى الروية أن (يابن رسول الله ما هو أول شيء خلقه الله قال أول شيء خلقه الله نور نبيكم) إشارة إلى هذا الله "عز وجل" في الكتاب التكويني أول ما خلق الحقيقة المحمدية يعني نور النبي "صلى الله عليه وآله" أول خلق بعد وجود الذات الإلهية يعني أول ممكن بعد الواجب، الواجب الله "عز وجل" أول ممكن بعد الواجب هو الخلق الأتم أتم خلق أكمل خلق وهو نور النبي محمد "صلى الله عليه وآله" إيضاح هذا المعنى الاسم هو ما دل على الذات والاسم ما أنبأ عن المسمى بما أن الاسم هو الذي يكشف عن المسمى وينبأ عن المسمى يعني يكشف عن الذات.
تنقسم الأسماء الإلهية إلى قسمين تكوينية وجعلية يعني اعتبارية فالأسماء الجعلية هي الألفاظ التي وضعت للدالة على الذات المقدسة أو على صفة من صفاتها الجمالية والجلالية الصفات الجمالية هي الصفات التي لها كمال لله مثل صفة القدرة مثل صفة الحياة صفة الحياة صفة العلم هذه من الصفات الذاتية الجمالية الكمالية وهناك صفة جلالية يعني تنزه الله عنها (لم يلد ولم يولد) هذه صفات جلالية يعني نجل الله "عز وجل" وننزهه عنها.
الأسماء التكوينية هي الممكنات الدالة بوجودها على وجود خالقها وعلى توحيده وفي كل شيء له آية تدل على أنه خالقه، قال تعالى (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) إذن في كل شيء دلالة على وجود خالقه وتوحيد خالقه وكما تختلف الأسماء الإلهية اللفظية من حيث دلالتها على جهات فصفة رازق تختلف عن صفة محيي تختلف عن صفة مميت فبعض الأسماء يدل على الذات بما لها من صفات الكمال وهو لفظ الله، الله يدل على الذات الإلهية بجميع صفاتها الكمالية والجمالية، لكن بعض هذه الأسماء يدل على جهة خاصة من كمالات الذات على اختلافها في العظمة والرفعة مثل لفظ الرحمن يدل على صفة لفظ الرحيم يدل على صفة لفظ الرازق يدل على صفة لفظ المحيي يدل على صفة المميت يدل على صفة وجميعها تشترك في الكشف عن وجود الذات وعن توحيد الذات وعن العلم والقدرة وسائر الصفات الكمالية والجمالية ومنشأ اختلاف هذه الأسماء هذا مطلب مهم جدا أن الموجود إذا كان أتم كانت دلالته على الله أقوى كل ما يكون الموجود أتم تكون دلالته على الله اشد وأقوى وبما أن النبي والأئمة وجودهم أتم تكون دلالتهم على الله أقوى لذلك صح إطلاق الأسماء الحسنى في بعض الروايات عن الأئمة الهدى لأن وجودهم أتم وأكمل فتكون دلالتهم على وجود الله أقوى فالواجب "عز وجل" قد ابتدئ في أكمل كتاب وهو القرآن هذا أكمل كتاب من كتبه التدوينية لأنه يوجد الإنجيل والتوراة أفضل كتاب تدويني القرآن الكريم ابتدئ باشرف الألفاظ وأقربها إلى اسمه الأعظم من ناظر العين إلى بياضها يعني السواد والبياض جدا متقارب الآن الفاصل بين الأسود والأبيض في العين تكاد تميزه؟ يريد أن يشير إلى أن اسم الله الأعظم قريب جدا من سائر الأسماء والصفات الإلهية كما بدأ كتابه التكويني باسم الأعظم.
ما هو الاسم الأعظم؟ تسمعون كثيرا الاسم الأعظم، الاسم الأعظم هو الاسم الذي دعي به الله أجاب وما هو هذا الاسم؟ اختلف فيه على عشرة أقوال ولكن أبرز هذه الأقوال ثلاثة لفظ الله لفظ الرب لفظ الحي القيوم لذلك إذا تراجع كلمات العرفاء خصوصا كلمات الفلاسفة العرفانيين مثل ملا صدرا يكثر من لفظ الله ولفظ الحي القيوم (فتعالى الله الملك الحي القيوم).
الله "عز وجل" بدأ في كتابه التكويني باسم الأعظم في عالم الوجود العيني، ما المراد بالوجود العيني؟ الوجود العيني ما يقابل الوجود الذهني فالمراد بالوجود العيني يعني وجود الشيء في الواقع في الخارج كالرعد والبرق والمطر في مقابل الوجود الذهني يعني في عالم الوجود الخارجي أكمل موجود الذات الإلهية وبعد الذات الإلهية تأتي الحقيقة المحمدية وفي هذا تعليم للبشر بأن يبتدئوا بأقوالهم وأفعالهم بسم الله تعالى.
روي عن النبي "صلى الله عليه وآله" أنه قال (كل كلام أو أمر ذي بال لم يفتح بذكر الله "عز وجل" فهو أبتر) يعني عقيم أو قاطع أقطع وعن أمير المؤمنين "عليه السلام" عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن الله "عز وجل" (كل أمر ذي بال لم يذكر فيه بسم الله فهو أبتر).
الخلاصة الله "عز وجل" بدأ كتابه التدويني باسمه وبدأ كتابه التكويني أيضا باسمه ولفظ الله يشير إلى اسم الله الأعظم وإلى الذات المستجمعة لجميع صفات الكمال والجمال والجلال، هذا تمام الكلام في بيان مفردات وتفسير البسملة البحث الأول حول آية البسملة يأتي عليه الكلام.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 84 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: البيان في تفسير القرآن
  • الجزء

    -

  • 500

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
84 الجلسة