تفسير البيان
شیخ الدقاق

078 - الروايات المعارضة لجزئية البسملة للسورة وردها

تفسير البيان

  • الكتاب: البيان في تفسير القرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    500

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
الروايات المتعارضة
كان الكلام في أدلة جزئية البسملة للقرآن تطرقنا إلى دليلين:
الدليل الأول أحاديث أهل البيت "عليهم السلام".
الدليل الثاني أحاديث أهل السنة وهذه الروايات الواردة في الدليلين دلت على أن البسملة جزء من كل سورة من سور القرآن الكريم عدا سورة براءة ولكن في مقابل هذه الروايات توجد روايتان دلتا على عدم جزئية البسملة للسورة:
الرواية الأولى رواية قتادة عن أنس بن مالك قال (صليت مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم) وهذه الرواية دلت على عدم السمع ولم يقل أنس في هذه الرواية ولم يقرأ أحد منهم بسم الله الرحمن الرحيم وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود وعدم السمع لا يدل على عدم القراءة فيمكن الخدشة في هذه الرواية وستأتي مناقشات أربع في هذه الرواية.
الرواية الثانية ما رواه أبن عبد الله بن مغفل يزيد بن عبد الله قال (سمعني أبي وأنا أقول بسم الله الرحمن الرحيم فقال أي بني إياك قال ولم أرى أحداً ـ هذا الأب يقول ـ من أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان أبغض إليه حدثا في الإسلام منه ـ هذا الولد يقول لم أرى أكثر من والدي يبغض البدع في الإسلام حدثا يعني بدعة ـ يقول الوالد هكذا فإني قد صليت مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" ومع أبي بكر وعمر ومع عثمان فلم اسمع أحداً منهم يقولها فلا تقلها هنا الرواية دلت على عدم السمع لكن بنهيه فلا تقلها إذا أنت قرأت فقل الحمد لله رب العالمين) هذه الرواية صريحة في عدم جزئية البسملة لسورة الحمد فضلا عن بقية سور القرآن الكريم، هذا تمام الكلام في بيان الروايتين التين عارضتا روايات الخاصة والعامة الدالة على جزئية السورة.
والجواب عن الرواية الأولى مضافاً إلى مخالفتها إلى الروايات المأثورة عن أهل البيت "عليهم السلام" أنها لا يمكن الاعتماد عليها من وجوه:
الوجه الأول معارضة رواية أنس للروايات المتواترة معنا عند السنة فقد نقل من طرق أهل السنة ولاسيما أن جملة من هذه الروايات صحاح الأسانيد نقل أن البسملة جزء من السورة فكيف يمكن تصديق هذه الرواية مع شهادة أبن عباس وأبي هريرة وأم سلمة على أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان يقرأ البسملة ويعدها آية من الفاتحة ونقل أن عبد الله بن عمر كان يقول لم كتبت إن لم تقرأ وروي أن عليا "عليه السلام" كان يقول (من ترك قراءتها فقد نقص) يعني من ترك قراءة البسملة فقد أنقص الصورة.
وكان أمير المؤمنين "عليه السلام" يقول (هي تمام السبع المثاني) إذن الوجه الأول في رد هذه الرواية الأولى أنها معارضة بالروايات المتواترة معنا عند أهل السنة.
الوجه الثاني مخالفة هذه الرواية لما اشتهر بين المسلمين من قراءتها في الصلاة حتى أن معاوية بن أبي سفيان قدم إلى المدينة وصلّى وترك البسملة في قراءته وفي صلاته في أيام خلافته فقال له المسلمون أسرقت أم نسيت يعني سرقت البسملة أم نسيتها ثم أعادها معاوية بالبسملة ويمكن مراجعة التعليقة رقم 15 ومع هذا كيف يمكن التصديق بأن رسول الله "صلى الله عليه وآله" ومن جاء من بعده لم يقرأ البسملة.
الوجه الثالث في رد هذه الرواية الأولى مخالفتها لما استفاض نقله عن أنس بن مالك نفسه مما يدل على أن هذه الرواية موضوعة ولا شك في كونها مختلقة مثلا الرواية الأولى التي ذكرناها ونقلها السيد الخوئي صفحة 440 مروية عن أنس، الرواية الأولى من هذه الروايات المتقدمة صفحة 444 ما رواه أنس (بينما رسول الله "صلى الله عليه وآله" ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاء ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول الله قال أنزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر) وهذه ليست سورة الفاتحة وإنما سورة الكوثر.
وهكذا إذا رجعنا إلى جملة من الروايات التي ذكرها السيد الخوئي "رحمه الله" في التعليقة رقم 16 في قسم التعليقات فقد أجاد وأفاد في نقل جملة من الروايات عن أنس بن مالك من هذه الروايات هذه الرواية روى العسقلاني صفحة 529 قال (صليت خلف المعتمر بن سليمان ما لا أحصي صلاة الصبح والمغرب فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب وبعدها وسمعت المعتمر يقول ما آلوا أن أقتدي بصلاة أبي إذن المعتمر كان يقتدي بأبي بن كعب وقال أبي ما آلوا أن أقتدي بصلاة أنس بن مالك وقال أنس بن مالك ما آلوا أن أقتدي بصلاة رسول الله "صلى الله عليه وآله") قال الحاكم في المستدرك الجزء الأول صفحة 233 و234 رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقاة. الرواية صحيحة السند إذن الرواية الأولى مردودة لمخالفتها لأربعة أمور إذن هناك أربع مناقشات في الرواية الأولى:
المناقشة الأولى مخالفتها لروايات أهل البيت "عليهم السلام".
المناقشة الثانية مخالفتها لروايات أهل السنة والجماعة.
المناقشة الثالثة مخالفتها لما اشتهر بين المسلمين من قراءة البسملة.
المناقشة الرابعة مخالفتها لما استفاض نقله عن أنس نفسه، هذا تمام الكلام في مناقشة الرواية الأولى.
وأما الرواية الثانية ما رواه أبن عبد الله بن مغفل يزيد بن عبد الله فجوابها أولاً ترد فيها المناقشات الثلاث الأولى أولا مخالفتها لروايات الشيعة الإمامية ثانياً مخالفتها لروايات أهل السنة والجماعة. ثالثاً مخالفتها لما اشتهر بين المسلمين من قراءة البسملة قبل الفاتحة والسورة التي بعدها.
المناقشة الرابعة خاصة بها كما أن المناقشة الرابعة للرواية الأولى خاصة بها إذ هي خاصة بأنس الرواية الثانية رواية أبن مغفل المناقشة خاصة بها وهي أن هذه الرواية تضمنت ما يخالف ضرورة الإسلام فإنه لا يشك احد من المسلمين في استحباب التسمية قبل قراءة سورة الحمد وقبل قراءة السورة التي بعد الحمد ولو بقصد التيمن والتبرك، إذن يستحب قراءة البسملة ولو لم نلتزم أن البسملة جزء من القرآن فكيف ينهى ابن مغفل عن قراءة البسملة بدعوى أن البسملة حدث في الإسلام أي بدعة في الإسلام إذن القول بأن قراءة البسملة قبل سورة الفاتحة أو السور التي بعدها بدعة في الإسلام هذا القول يخالف ضرورة الإسلام من القول إما بوجوب البسملة أو استحبابها يعني مطلوبيتها أنها مطلوبة على كل حال أما بقصد الجزئية أو بقصد التيمن هذا تمام الكلام في رد الروايتين وبذلك يتضح أن الروايات المعارضة لروايات الشيعة الإمامية وروايات أهل السنة غير تامة.
إلى هنا ذكرنا دليلين على جزئية البسملة للفاتحة وسور القرآن.
الدليل الثالث سيرة المسلمين
فقد استقرت سيرة المسلمين على قراءة البسملة في أوائل السور غير سورة براءة وثبت بالتواتر أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان يقرأ البسملة ولو لم تكن البسملة من القرآن الكريم للزم على الرسول "صلى الله عليه وآله" أن يصرح بذلك لأن الرسول كان في مقام بيان السور فإذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم وهو في مقام بيان تمام السورة وجب عليه أن على أن البسملة ليست جزءاً من السورة فظاهر قراءة النبي "صلى الله عليه وآله" أنه يقرأ القرآن وأن جميع ما يأتي به قرآن ولو لم يكن بعض ما جاء به قرآناً ثم لم يصرح به لكان عدم تصريحه إغراءاً بالجهل والإغراء بالجهل قبيح خصوصا فيما يرجع إلى الوحي فهو اشد قبحاً.
قد يقال إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد صرح ولكنه لم يصل إلينا الجواب لو كان لبان فلو صرح النبي بعدم جزئية السورة لنقل إلينا بالتواتر مع أنه لم ينقل إلينا حتى بأخبار الآحاد أن النبي قال أن البسملة ليست من القرآن إذن الدليل الثالث على جزئية البسملة للسورة وهو سيرة المسلمين تام.
الدليل الرابع مصاحف التابعين والصاحبة
مما لا شك ولا ريب فيه أن مصاحف الصحابة والتابعين لأن كل صحابي كان عنده مصحف مثل أبي بن كعب كان عنده مصحف عبد الله بن مسعود عنده مصحف وهكذا بقية الصحابة فضلاً عن التابعين فمصاحب الصحابة والتابعين قبل جمع عثمان بن عفان للقرآن وبعد جمعه لأن عثمان جمع المصاحف وأحرقها هذه المصاحب بأجمعها كانت مشتملة على البسملة ولو لم تكن البسملة من القرآن لما أثبتوها في القرآن لأن الصحابة تشددوا كثيراً في إدراج ما ليس بقرآن في المصاحف لدرجة أنهم منعوا أن يدرج في المصحف تنقيط المصحف تشكيل المصحف حتى لا يدخل ما ليس بقرآن في القرآن.
فقد منع الصحابة أن يدرج في المصحف ما ليس بقرآن حتى أن بعض المتقدمين منعوا عن تنقيط المصحف وتشكيله ومن المعروف أنه التنقيط والتشكيل جاء بعد خليل بن أحمد الفراهيدي فإنه أول من أبتكر الحركات ثم جاء خالد بن أبي إلهيات فإنه أول من نوق وزخرف المصحف وأما قبل الخليل بن الفراهيدي فلم تكن المصاحف منقطة ومزينة فإثبات الصحابة والتابعين للبسملة في مصاحفهم شهادة منهم بأن البسملة من القرآن كسائر الآيات المتكررة في القرآن الكريم وهذا يبطل احتمال أن إثبات الصحابة للبسملة إنما كان للفصل بين السور لأن الصحابة كانوا يتشددون في إدخال ما ليس بقرآن في المصحف فإذا كانت البسملة ليست من القرآن في نظر الصحابة عندها لن يدرجوها في القرآن ولو للفصل بين السور لأنها ليست بقرآن وهذه الدعوى أيضا وهذه الفكرة وهي أنه الصحابة منعوا إدخال ما ليس بقرآن في المصحف الشريف والدعوة التي قيلت من أن الإتيان بالسورة إنما هو لبيان أوائل السور وللفصل بين سور القرآن يوجد نقض كبير عليه جداً وهو أنه لو كانت البسملة لبيان أوائل السور لأدرجوها بداية سورة براءة فإن سورة براءة سورة التوبة تبدأ بقوله "عز من قائل" (براءة من الله ورسوله) من دون بسملة أفلم يخافوا أن يقع الاشتباه وتدرج سورة التوبة وتلحق بالسورة التي قبلها ولو كانت البسملة لفصل السور عن بعضها البعض لما أدرج في الفاتحة البسملة لأن الفاتحة بداية القرآن لا يوجد قبلها سورة فحينئذ لا توجد حاجة لإدراج البسملة فيها لأنه لا توجد قبلها سورة حتى يفصل بين الفاتحة والسورة التي قبلها إذن إثبات البسملة في سورة الفاتحة وعدم إثبات السورة في أول سورة براءة يبطل دعوى أن البسملة جيء بها للفصل بين السور ولو كانت البسملة للفصل بين السور لأثبتت البسملة في سورة براءة ولم تثبت البسملة في سورة الفاتحة لأن سورة الفاتحة لا توجد قبلها سورة وهذا يدلنا قطعا على أن البسملة آية منزلة في الفاتحة ولم تنزل في سورة براءة، هذا تمام الكلام في الأدلة الأربعة التي أقيمت على جزئية البسملة للسورة وهي أربعة أدلة الدليل الأول أحاديث أهل البيت، الدليل الثاني أحاديث أهل السنة، الدليل الثالث سيرة المسلمين والدليل الرابع أثبات البسملة في مصاحف الصحابة والتابعين.
ثم يقع الكلام في أدلة نفاة جزئية البسملة واستدل القائلون بأن البسملة ليست جزءا من السورة بوجوه ذكر السيد الخوئي "رحمه الله" ثلاثة وجوه وردها:
الوجه الأول أن طريق ثبوت القرآن الكريم ينحصر بالتواتر فكلما وقع النزاع في ثبوته فهو ليس من القرآن والبسملة مما وقع النزاع في جزئيتها للقرآن الكريم إذن لم تثبت البسملة لأنها لم تصل إلينا بالتواتر وجوابه في ثلاث نقاط وثلاث وجوه:
الوجه الأول إن كون البسملة من القرآن الكريم مما تواتر في روايات أهل البيت "عليهم السلام" ولا فرق في التواتر عندنا بين أن يكون عن النبي "صلى الله عليه وآله" وبين أن يكون عن أهل بيته الطاهرين بعد أن ثبت وجوب إتباع أئمة أهل البيت "عليهم السلام" إذن الوجه الأول وجه مبنائي جواب مبنائي بناء على مبنى الشيعة الإمامية وصلنا بالتواتر أن البسملة جزء من سور القرآن عدا براءة.
الوجه الثاني إن ذهاب شرذمة وجماعة قليلة إلى عدم كون البسملة من القرآن لشبهة اعترضتهم لا يضر بالتواتر خصوصا مع شهادة جمع كثير من الصحابة بكون البسملة من القرآن بل روايات أهل السنة يوجد فيها تواتر معنوي فالتواتر المعنوي لروايات أهل السنة يدل على جزئية البسملة للسورة.
الجواب الثالث قد تواتر أن النبي "صلى الله عليه وآله" قرأ البسملة حينما يقرأ سورة من القرآن وهو في مقام البيان ولم يبين "صلى الله عليه وآله" أن البسملة ليست من القرآن وهذا يدل دلالة قطعية على أن البسملة من القرآن نعم لا يثبت بذلك أنها جزء من السورة ويكفي لإثبات أن البسملة جزء من السورة ما تقدم من الروايات فضلا عما سواها من الأخبار الكثيرة المروية من الطريقين طريق السنة وطريق الشيعة وجزئية السورة تثبت بخبر الواحد الصحيح ولا دليل على لزوم التواتر فيها أيضا.
خلاصة الجواب الثالث توجد مسألتان المسألة الأولى هل البسملة من القرآن أم لا؟ المسألة الثانية هل البسملة جزء من كل سورة أو لا؟
أما السؤال الأول هل البسملة جزء من القرآن؟ قطعا البسملة جزء من القرآن فقد ثبت أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد قرأ البسملة في جميع سور القرآن عدا سورة براءة وهذا قد نقل إلينا بالتواتر أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يقرأ البسملة مما يعني أن البسملة جزء من القرآن إما جزء بنحو التيمن والتبرك وإما جزء بمعنى أنها جزء من كل سورة، إذن الأمر الأول وصلنا بالتواتر وهو إن البسملة جزء من القرآن هذا وصلنا بالتواتر من طريق السنة ومن طريق الشيعة.
السؤال الثاني هل البسملة جزء من كل سورة؟
الجواب قد ثبت بخبر الواحد أن البسملة جزء من كل سورة ونحن لا نحتاج إلى روايات متواترة حتى نثبت أن البسملة جزء من كل سورة يكفي أن التواتر قام على أن البسملة جزء من القرآن وأما في مقام إثبات جزئية البسملة لكل سورة فيكفي خبر الواحد الصحيح إذن الوجه الأول الذي يرى أن طريق ثبوت الآية في القرآن الكريم هو التواتر وكل ما وقع النزاع فيه فليس بقرآن والبسملة مما وقع النزاع فيه ليس بتام لأنه قد ثبت بالتواتر أن البسملة جزء من القرآن الكريم.
الوجه الثاني لنفي جزئية البسملة ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة قال (سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول قال الله تعالى قسّمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سئل فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنا علي عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى مجّدني عبدي وإذا قال العبد إياك نعبد وإياك نستعين قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).
تقريب الاستدلال بهذه الرواية
هذه الرواية تدل بظاهرها على أن ما بعد إياك نعبد وإياك نستعين يساوي ما قبل هذه الآية في العدد يعني قبلها ثلاثة وثلاثة من دون البسملة مع البسملة تصير سبع آيات إذا تضيف البسملة تصير أول شيء أربع آيات وبعدين ثلاث آيات لكن إذا تحذف البسملة تصير نصفين تتم المناصفة المذكورة في الرواية ثلاث آيات ثم ثلاث آيات، إذن تقريب الاستدلال إن هذه الرواية تدل بظاهرها على أنما بعد آية إياك نعبد وإياك نستعين يساوي ما قبل إياك نعبد وإياك نستعين ولو كانت البسملة جزء من الفاتحة لم يستقم المعنى الوارد في الرواية لأن سورة الفاتحة سبع آيات فإذا كانت البسملة جزءا كان ما بعد إياك نعبد وإياك نستعين آيتين وما قبلها يصير أربع آيات ومعنى ذلك أن ما قبل هذه الآية ضعف ما بعدها يعني من بسم الله الرحمن الرحيم إلى إياك نعبد وإياك نستعين تصير أربع آيات الباقي آيتين فالفاتحة لا تنقسم إلى نصفين في العدد.
خلاصة تقريب الاستدلال لو أضفنا البسملة لا يتم تنصيف سورة الفاتحة إلى نصفين وهذا خلاف ما ورد في الرواية من قول الله "عز وجل" قسّمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين واللطيف أن في الرواية قسمت الصلاة وليس قسمت الفاتحة والجواب عنه أربعة وجوه في رد هذا الاستدلال، طبعا هذه الرواية مروية عن العلاء وقد اختلف فيه بالتوثيق والتضعيف ولو غضضنا النظر عن الجهة السندية توجد أربع مناقشات في الجهة الدلالية:
المناقشة الأولى أول مناقشة مناقشة سندية والثلاث مناقشات مناقشة دلالية، المناقشة الأولى أن الرواية مروية عن العلاء واختلف فيها بالتوثيق والتضعيف.
المناقشة الثانية لو سلمنا أن هذه الرواية تامة سنداً ودلالة فهي معارضة بالروايات الصحيحة المتقدمة الدالة على أن الفاتحة سبع آيات مع البسملة لا بدون البسملة.
المناقشة الثالثة لو غضضنا النظر عن معارضة الروايات الدالة على جزئية البسملة للفاتحة لا دلالة في الرواية على أن التقسيم بلحاظ الألفاظ بل الظاهر أن التقسيم بلحاظ المعنى وبحسب المعنى فالمراد أن أجزاء الصلاة وليس أجزاء الفاتحة، أجزاء الصلاة مقسمة إلى قسمين منها ما يرجع إلى الرب ومنها ما يرجع إلى العبد بحسب المدلول يعني بعضها خطاب من الرب إلى العبد وبعضها خطاب من العبد إلى الرب وهذا واضح لأن الصلاة فيها دعاء والدعاء خطاب من العبد إلى الرب وفيها قرآن والقرآن خطاب من الرب إلى العبد.
المناقشة الرابعة لو سلمنا دلالة الرواية سندا ودلالة وغضضنا النظر عن المعارض وقلنا إنها أيضا غير ناظرة إلى المعاني بل ناظرة إلى الألفاظ من قال أنها في الألفاظ ناظرة إلى عدد الآيات؟ لماذا لا تكون ناظرة إلى عدد الكلمات خصوصا أن الرواية قسّمت الصلاة بيني ما فيها قسمت الفاتحة وليس فيها نظر إلى عدد الآيات حتى تقول ثلاث آيات سابقة وثلاث آيات لاحقة لمَ لا تقل كذا كلمة سابقة وكذا كلمة لاحقة؟ فلعلها باعتبار الكلمات فإذا لاحظنا الكلمات المتقدمة على آية إياك نعبد وإياك نستعين والآيات المتأخرة عنها مع احتساب البسملة وحذف المكررات لأنه هناك تكرر لبعض المفردات وبعض الكلمات مثلا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، لله تكرر إذا حذفنا المكررات نجد أن الكلمات السابقة والكلمات اللاحقة عشر كلمات يصير تساوي عشر كلمات سابقة على إياك نعبد وإياك نستعين وعشر كلمات لاحقة على أننا لا نلتزم أن المراد بالتنصيف هو النظر إلى الألفاظ ولكن لو التزمنا وسلمنا أن المراد به الألفاظ فلماذا نقول عدد الآيات ولمَ لا نقل عدد الكلمات إذن بهذه المناقشات الأربعة يتضح أن الوجه الثاني على نفي الجزئية ليس بتام.
الوجه الثالث ما رواه أبو هريرة من أن سورة كوثر ثلاث آيات وأن سورة الملك ثلاثون آية فلو كانت البسملة جزءا منها لزاد عددهما على ذلك يعني تصير الكوثر أربع آيات سورة الملك تصير 31 آية والجواب إن رواية أبي هريرة في سورة الكوثر لو سلمنا بصحتها سندا فهي معارضة برواية أنس، رواية أنس ذكرناها صفحة 444 قال (أنزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر) ففي رواية أنس جاءت البسملة في سورة الكوثر وهذه الرواية ـ رواية أنس مقبولة ـ وروتها جميع الصحاح الستة لكن لم يذكرها الإمام مالك في كتابه الموطأ فتكون رواية أبي هريرة إما مطروحة أو مؤولة بإرادة الآيات المختصة بالسورة لأن هناك آية عامة وهي البسملة وهناك آيات مختصة فإن البسملة مشتركة بين جميع السور وهذا الجواب يمكن أن يقال بالنسبة إلى سورة الملك حينما يقال إن سورة الملك ثلاثون آية يعني ثلاثون آية مختصة دون الآية المشتركة وهي البسملة.
هذا تمام الكلام في البحث الأول تحليل بسم الله الرحمن الرحيم وقد اتضح أن البسملة جزء لا يتجزأ من سور القرآن الكريم، البحث الثاني تحليل آية (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) يأتي عليه الكلام.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 84 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: البيان في تفسير القرآن
  • الجزء

    -

  • 500

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
84 الجلسة