تفسير البيان
شیخ الدقاق

080 - بيان اللغة والتفسير للآيات الثلاث بعد البسملة من سورة الفاتحة

تفسير البيان

  • الكتاب: البيان في تفسير القرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    500

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
اللغة، الحمد
كان الكلام في النقطة الثانية وهي تحليل الآيات الثلاث بعد البسملة وهي قوله تبارك وتعالى (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) بحثنا هذه الآيات من ناحية القراءة واليوم إن شاء الله نبحث هذه الآيات الثلاث من جهة اللغة والتفسير.
أما لفظ الحمد فقد ذكر السيد الخوئي "رحمه الله" ثلاثة مفردات متشابهة وبيّن الفارق بينها:
المفردة الأولى مفردة الحمد.
والمفردة الثانية مفردة الشكر.
والمفردة الثالثة مفردة المدح.
أما المفردة الأولى وهي الحمد فهي ضد اللوم والحمد لا يكون إلا على الفعل الاختياري الحسن سواء كان هذا الفعل عبارة عن إحسان من قبل الحامد أو لم يكن يمثل إحسانا للحامد إذن اخذ في مفهوم الحمد أن يكون على فعل اختياري.
المفردة الثانية الشكر والشكر مقابل الكفران والشكر لا يكون إلا للإنعام والإحسان.
المفرد الثالثة المدح وهو يقابل الذم إذ أن الأشياء تعرف بأضدادها ولا يعتبر في المدح أن يكون على الفعل الاختياري خلافا للحمد ولا يعتبر في المدح أن يكون معبراً عن أحسان خلافا للشكر هذا تمام الكلام في بيان المفردات الثلاث وهي الحمد والشكر والمدح.
الحمد لله مفردة الحمد فيها ألف ولام فهل المراد الألف واللام العهدية وهنا لا يوجد عهد أم المراد الألف واللام الجنسية يعني جنس الحمد جنس الحمد ثابت لله تبارك وتعالى، الحمد لله وقع الخلاف في المراد بالله هل المراد لام الاختصاص الحمد لله يعني الحمد مختص بالله أو المراد لام الملك الحمد لله يعني الحمد ملك لله تبارك وتعالى لعل الظاهر إن المراد بها الاختصاص الحمد لله يعني مختص بالله تبارك وتعالى (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم) هذه المفردات تمت دراستها في البسملة لفظ الله والرحمن الرحيم.
(الحمد لله رب العالمين) الرب مأخوذ من ربب والمراد بالرب المالك المصلح المربي ومنه أخذ لفظ الربيبة وهي بنت الزوجة فإن زوج أمها يربيها في حجره وربائبكم اللاتي في حجوركم فهي ليست أبنته لأنها ليست من صلبه كما لو تزوج شخص بأمراءة كانت متزوجة وعندها أولاد من رجل غيره ثم طلقت أو مات زوجها وتزوجها بعد عدتها فإن هذه البنات تكون ربائب لهذا الرجل والرب لا يطلق على غير الله تبارك وتعالى فلفظ الرب بشكل مطلق لا يطلق على غير الله نعم يطلق على غير الله إذا أضيف إلى شيء كما يقال رب السفينة رب الدار قال الشاعر إذا كان رب البيت بالطبل مولعا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص، إلى هنا درسنا مفردتين الأولى الحمد الثانية الرب.
المفردة الثالثة العالم الحمد لله رب العالمين
عالم على وزن فاعل جمع لا مفرد له كلفظ نساء، نساء جمع لا مفرد له لا تقول امرأة، امرأة مفرد لا جمع لها ونساء جمع لا مفرد له كذلك لفظ الرهط، الرهط يعني جماعة قوم فهذه الألفاظ رهط قوم نساء عالم جمع لا مفرد له وهناك عدة استعمالات للفظ العالم ذكر منها السيد الخوئي "رحمه الله" ثلاثة استعمالات:
الاستعمال والإطلاق الأول قد يطلق لفظ العالم على مجموعة من الخلق متماثلة فتقول عالم الجماد عالم النبات عالم الحيوان عالم الإنسان فهذه مخلوقات متماثلة.
الاستعمال الثاني قد يطلق لفظ العالم على مجموعة يؤلف بين أجزائها اجتماعها على زمان أو مكان فالمدار أنها اجتمعت في زمن ما أو مكان ما فتقول عالم الصبا عالم الشباب، عالم الذر عالم الدنيا عالم الآخرة يجمعها فترة زمنية أو حصة مكانية.
الاستعمال الثالث قد يطلق لفظ عالم ويراد به الخلق كله على اختلاف حقائق وحداته كما جاء في الرواية إذا ظهر الحجة ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين قتل عطشانا ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين بقي عريانا إلى آخر ما في الرواية الشريفة لفظ عالم يجمع بأحد صيغتين إحدى صيغتين:
الصيغة الأولى عالمونالصيغة الثانية عوالم ككتاب الشيخ عبد الله البحراني عوالم العلوم ضعف بحار الأنوار اكبر من بحار الأنوار لكن بعضه مفقود والكثير منه موجود مخطوط في مكتبة المرعشي النجفي وبعضه مطبوع والشيخ عبد الله البحراني الأصفهاني كان من تلامذة العلامة المجلسي وممن استعان بهم العلامة المجلسي في جمع بحار الأنوار اسمه عوالم العلوم فعوالم جمع جمع مثل عالمون جمع جمع وإذا تتبعنا اللغة العربية نجد أنه لا يوجد في لغة العرب ما هو على وزن فاعل ويجمع بالواو غير هذه الكلمة عالم فإنها على وزن فاعل وتجمع عالمون ولا توجد في اللغة العربية باجمعها كلمة غير لفظة عالم تجمع عالمون.
المفردة الرابعة الملك، الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين الملك بمعنى الإحاطة والسلطة والإحاطة والسلطة إما أن تكون حقيقية وإما أن تكون اعتبارية الإحاطة والسلطة الحقيقية كإحاطة الله "عز وجل" بسائر الموجودات والكائنات فإن كل موجود إنما يتقوم في ذاته بخالقه وموجده وليس له واقع مستقل سوى التدلي والارتباط بعلته الموجودة وما أحلى هذه التعابير الفلسفية من السيد الخوئي "رحمه الله".
درسنا في الأصول وفي النحو أن المعنى إما اسمي قائم بذاته وإما حرفي قائم بغيره الله "عز وجل" معنى اسمي قائم بذاته متقوم بذاته لا يحتاج إلى غيره وأما سائر الموجودات فإنها قائمة بالعلة الحقيقية الله "عز وجل" حدوثا وبقاء فمثلا لكي يتم الاحتراق تحتاج إلى النار حدوثا وتحتاج إلى النار بقاء فلو أطفأت النار انتهى الاحتراق فتصير النار علة للإحراق حدوثا ولكن بقاء انتفت هذه العلة فدائما الاحتراق أو الدخان يحتاج إلى إفاضة دائمة من قبل النار فنقول إن الاحتراق وهو ممكن بحاجة إلى إفاضة النار ابتداء واستمرارا حدوثا وبقاء الإنسان وسائر ما عدا الله "عز وجل" موجودات ممكنة والممكن ما تساوى فيه طرف الوجود والعدم فيحتاج إلى علة محدثة لكي يخرج الشيء من حيز العدم إلى حيز الوجود فيرجح كفة الوجود على كفة العدم طبعا هذا التعبير فيه مسامحة وإلا هذا من باب التصوير وإلا فلسفيا غير دقيق هذا الكلام.
ولكي يبقى في الوجود يحتاج إلى إفاضة الوجود حتى لا يخرج من حيز الوجود إلى حيز العدم فالإنسان لكي يوجد بحاجة إلى إفاضة الحياة في النطفة والجنين إلى أن يخرج ولكي يستمر في الحياة بحاجة إلى إفاضة الوجود حتى لا يموت إذن يقولون حقيقة الممكن الفقر والافتقار يعني الممكن دائما بحاجة إلى العلة المحدثة والمبقية فيقولون الممكن عنده فقر ذاتي فالإنسان فقره ذاتي والله "عز وجل" غناه مطلق ليس فيه فقر (يا أيها الناس انتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) والله الغني وانتم الفقراء، لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك، لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك تستغني ويفتقر إليك لبيك، لم يقل وافتقروا إليك ويفتقروا، الفقر في حالة استمرار فإذن وجود الإنسان ليس وجود مستقل الله هو الوجود المستقل الإنسان وسائر الممكنات وجود مرتبط بالله يتدلى يعني مرتبط بغيره قائم بغيره قائم بعلته الموجدة والممكن فقير محتاج إلى المؤثر في حدوثه وفي بقاءه، هذه حيثية الحدوث والبقاء مهمة قد يكون الشخص مخلص حدوثا لكنه غير مخلص بقاء مثلا يخلص لله يعمل مشاريع يدرس يبني يعمل مستشفى بعد ذلك يصير عنده زهو في نفسه أنا عملت كذا أنا عملت كذا يصير عنده عجب أو رياء فيحرق ما أحدثه بالإخلاص حدوثا لكنه احرقه بالعجب والرياء بقاء فما أحوجنا إلى الإخلاص حدوثا وبقاء لذلك المؤمن دائما يكون على وجل.
إذن الملك إما حقيقي وإما اعتباري، الملكية الاعتبارية كملكية الناس للأشياء فإن ملكية زيد لما بيده مثلا ليست إلا باعتبار كونه مالكا لذلك الشيء وإلا إذا يموت يصير هذا المال إرث فإذن الملكية الاعتبارية لها سبب يقتضيها مثل العقد مثل عقد البيع وعقد الهبة، العقد هو ما يتقوم بطرفين ويفتقر إلى لفظ إيجاب وقبول كالبيع والهبة المضاربة وغير ذلك أو الإيقاع وما يتقوم بطرف واحد ويحتاج إلى لفظ مثل الطلاق أنت طالق تقول لا أنا ليست قابلة أو أنت حر لوجه الله لا تورطني لا تعتقني خلاص تم العتق، الإيقاع طرف واحد مثلا النذر، العهد، اليمين فهذا قد يوجب انتقال الملكية الإرث حيازة المباحاة مثل هذا نهر عام أنت تحوز الماء تملكه سبب الملكية هنا الحيازة فعند حدوث المصلحة بسبب معين من عقد أو إيقاع أو ارث في هذه الحالة تحصل الملكية إما بحسب نظر الشرع أو بحسب نظر العقلاء هذا الملكية في الفقه.
وأما الملكية في الفلسفة الملكية عند الفلاسفة هيئة حاصلة من إحاطة شيء بشيء كإحاطة العمامة بالرأس أو إحاطة الخاتم بالإصبع وهذا ما يعبر عنه بمقولة الجدة وهي إحدى المقولات التسع أو الأعراض التسعة هناك بحث في الفلسفة يسمى المقولات العشر الجوهر وتسعة أعراض تلك عشرة كاملة الجوهر بعدين يقسمونه خمسة أقسام جسم نفس عقل مادة صورة خمسة والأعراض يقسمونها تسعة الكم الكيف أن ينفعل الجدء إلى آخره يذكرون تسعة أعراض من هذه الأعراض الجدء يعني هيئة حاصلة من إحاطة شيء بشيء هذا تمام الكلام في بيان الملك الحقيقي والملك الاعتباري مالك يوم الدين حقيقة أو اعتبارا؟ حقيقة ما هو الفارق بين الأمر التكويني والأمر التشريعي لأن الأمر التشريعي أمر اعتباري ما الفارق بينهما؟
الأمور الاعتبارية تحتاج إلى توسط شيء مثل الوضع الأمر إلى آخره الأمور التكوينية لا تحتاج إلى توسط شيء كن فيكون، وتفصيل ذلك إن شاء الله في علم الأصول فرق بين الوجود التكويني وبين الوجود التشريعي أو الاعتباري.
مالك يوم الدين، ما المراد بالدين؟ الدين إما يوم الحساب أو يوم الجزاء وكلاهما مناسب للمقام فإن الحساب مقدمة للجزاء ويوم الحساب هو يوم الجزاء بعينه نفسه الحساب ثم الجزاء، هذا تمام الكلام في بيان المفردات في اللغة.
التفسير بين الله تبارك وتعالى أن طبيعة الحمد وجنسه تختص به إذن اللام للاختصاص الحمد لله وذلك لأمور لماذا يختص الحمد لله "عز وجل" يذكر السيد الخوئي ثلاثة أمور:
الأمر الأول إن حسن الفعل وكمال الفعل ينشأ من حسن الفاعل وكمال الفاعل يعني منشأ الحسن الفعلي الحسن الفاعلي فإذا كان الفاعل كاملا أصبح الفعل كاملا والله "عز وجل" هو الكامل والمختص بالكمال المطلق الذي لا نقص فيه أبدا من أي جهة ففعل الله هو الفعل الكامل حقيقة لا نقص فيه إذن حسن الفعل ينشأ من حسن فاعله قال تعالى (قل كل يعمل على شاكلته).
وأما غير الله "عز وجل" فلا يخلو من نقيصة من النقائص بل هو مجموعة من الفقر وكتلة من العيوب فأفعال الإنسان لا محالة أن تكون ناقصة والفعل الحسن المحض يختص بالله تبارك وتعالى ويمتنع صدور الفعل الحسن المحض من غير الله "عز وجل" لذلك يكون الله "عز وجل" هو المختص بالحمد والثناء ويمتنع أن يستحق الحمد والثناء أحد غير الله "عز وجل" أشير إلى هذا الأمر بقوله (الحمد لله رب العالمين) وقد مضى الكلام في أن لفظ الله وكلمة الله علم للذات المقدسة المستجمعة لجميع الصفات الكمال والجمال وقد ورد عن الإمام الصادق "عليه السلام" أنه قال (فقد لأبي بغلة يعني الإمام الباقر ضلت بغلته دابته قد فقدها فقال لئن ردها الله علي لاحمدنه بمحامدة يرضاها فما لبث أن جيء بها بسرجها ولجامها يعني لم يسرق اللجام والسرج ولما استوى وضم إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال الحمد لله ولم يزد ثم قال ما تركت ولا أبقيت شيئا جعلت جميع أنواع المحامد لله "عز وجل" فما من حمد إلا وهو داخل فيما قلت) هذا المعنى الثالث وهو لام الاستغراق، الحمد لله، لله لام الاستغراق يعني جميع المحامد لله تبارك وتعالى.
وعنه "سلام الله عليه" الإمام الصادق (ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت فقال الحمد لله إلا أدى شكرها).
الأمر الثاني الإنسان له كمالات:
الكمال الأول وجوده لأن الوجود خير من العدم فنفس الوجود كمال فوجود أي شيء هو كماله الأول يعني أصله وجوده وأصل وجود الإنسان أصل وجود البدن أصل وجود العقول أصل وجود الأرواح والأشباح فالكمال الأول لكل موجود ممكن من العقول والنفوس والأرواح والأشباح إنما هو وجود ذلك الشيء أصل وجود ذلك الشيء ولا ريب أن أصل وجود ذلك الشيء فعل لله سبحانه وتعالى والله "عز وجل" هو الموجد والمبدع لوجود الممكنات إذن على أصل الوجود الله "عز وجل" يستحق الحمد.
الكمال الثاني الأمور التي توجب الفضل والميز والتميز وهي على نحويين:
النحو الأول ما كان خارجاً عن اختيار المخلوق مثل جمال الإنسان ذكاء الإنسان ذاكرة الإنسان الناس تتمايز فيها هذه ليست باختيارك واحد خلق جميل وواحد خلق قبيح وواحد خلق ذاكرته قوية وواحد خلق ذاكرته ضعيفة فمن خلق ولديه ميزة وخصيصة خارجة عن اختياره فهذه أيضا من أفعال الله "عز وجل" بلا ريب وهي تحتاج إلى حمد الله تبارك وتعالى مثل قدرة الإنسان على بيان مقاصده لو إنسان الله أنعم عليه بنعمة البيان هذه نعمة يستحق أن يشكر الله "عز وجل" عليها فهي خارجة عن قدرة الإنسان.
الشق الثاني ما كان صادرا عن المخلوقين باختيارهم لكن باختيارهم الحسن فهذه الأمور وإن كانت اختيارية إلا أنها تنتهي إلى الله "عز وجل" لأن الله هو الذي وفقك للصواب وفقك للدراسة وفقط للتصدق وفقط للعبادة فهذه أمور اختيارية ولكن الله "عز وجل" هداك لها فيستحق رب العالمين الحمد والشكر والثناء لأنه هو الهادي إلى الرشاد وسواء السبيل وقد ورد إن الله أولى بحسنات العبد منه لأنه أودع في الإنسان بوادر الخير وهداه إليها وأشير إلى ذلك بقوله رب العالمين يعني هناك عناية من الله "عز وجل" رب العالمين رب الإنسان على مثل هذه الأمور، هذا تمام الكلام في الأمر الثاني.
الأمر الثالث إن الفعل الحسن الصادر من الله لا يرجع نفعه إلى الله لأن الله هو الكامل المطلق ويستحيل عليه الاستكمال كامل ليس فيه نقص فلا يحتاج إلى استكمال فعل الله "عز وجل" أحسان إلى المخلوقين أحسان محض يرجع نفعه إلى المخلوقين وأما الفعل الصادر من غير الله من سائر الممكنات قد يكون أحسانا إلى غيره وقد يكون إساءة وإذا كان إحسانا فأول ما يتوجه الإحسان إلى المحسن (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) في الرواية أعمل المعروف فإما أن يقع في محله وإما أن لا يقع في محله إن وقع في محله الحمد لله رب العالمين وإن لم يقع في محله فأنت محله الرواية هكذا أعمل المعروف فإن وقع في محله فقد وقع في أهله وإن لم يقع في محله فأنت من أهله يعني الإحسان قبل أن يصل إلى المحسن إليه يصل إلى المحسن فالإحسان المحض إنما هو فعل الله تعالى لا غير هذا هو الإحسان المحض مختص بالله يعني لا يرجع نفع إليه يرجع النفع إلى المخلوقين لذلك هو الذي يستحق الحمد والثناء أشير إليه بجملة الرحمن الرحيم ثم يذكر مطلباً مهماً جدا في الختام يذكر أربعة مناشئ للثناء على الفعل الجميل الحمد إنما يكون ثناء على الفعل الجميل ما هو منشأ الحمد والثناء؟
المنشأ الأول إدراك الحامد حسن ذات الفاعل وصفاته من دون نظر إلى إنعام وهذا أشير إليه في قوله تبارك وتعالى الحمد لله فالحامد يحمد الله "عز وجل" لأنه يستحق الحمد في ذاته لأن الذات الإلهية مستجمعة لجميع صفات الكمال ومنزهة عن جميع جهات النقص من دون النظر إلى أنعام الله "عز وجل" الحمد لله لم يقل الحمد لله على نعمائه الحمد لله مطلقا لأن هذه الذات ذات كاملة وهي تستحق الحمد وحدها مع غمض النظر عن إنعامها هذا المنشأ الأول.
المنشأ الثاني إدراك الحامد حسن الذات وصفاتها من دون الرغبة في إنعامها أحيانا يرغب الإنسان في الإنعام فيمدحك حتى تعطيه الهدية وتعطيه المال وأحيانا من دون رغبة في الإنعام أشير إلى هذا بقوله تبارك وتعالى رب العالمين الحمد لله رب العالمين يعني حتى لو لم ينعم عليه أحمده لأنه رباني واعتنا بي.
المنشأ الثالث إدراك الحامد حسن ذات الفاعل وصفاته من دون الرهبة منه هو يحمده لا لرهبة منه لا لخوف منه أشير إلى ذلك بقوله الرحمن الرحيم فإن صفة الرحمة تستدعي الرغبة في نعمائه تعالى وطلب الخير منه فأنت تقول الحمد لله رب العالمين تحمده لأنه رب العالمين لا لأنك تخاف منه بل لأنه رب العالمين.
المنشأ الرابع قد يكون الحمد ناظرا إلى أحد هذه الأمور الثلاثة النظر إلى الإنعام أو الرغبة في الإنعام أو الرهبة من الله "عز وجل" وأشير إلى هذا المنشأ الرابع في قوله مالك يوم الدين الحمد لله مالك يوم الدين فإن من تنتهي إليه الأمور ويكون إليه المنقلب جدير بأن ترهب سطوته وتحذر مخالفته وقد يكون الوجه من قوله يوم الدين يعني يوم العدل والفضل ربنا، عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك الحمد لله مالك يوم الدين يعني مالك يوم العدل الإلهي ومالك يوم الفضل الإلهي وكلاهما جميل العدل جميل والفضل جميل فلابد من حمده تعالى لأجله فكما أن أفعال رب العالمين عنده أفعال في الدنيا وأفعال في الآخرة أفعاله في الدنيا من الخلق والتربية والإحسان كلها أفعال جميلة يستحق عليها الحمد كذلك أفعاله في الآخرة من العفو والغفران وإثابة المطيعين وعقاب العاصين كلها أفعال جميلة تستحق الحمد.
ومن خلال ما تقدم أن لفظة الرحمن الرحيم ليست تكرار بعضهم قال تكرار بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم قال والرحمن الرحيم تكرار للفظ الرحمن الرحيم الواردين في البسملة وهذا التكرار الغرض منه تأكيد الرحمة الرحمانية والرحمة الرحيمية السيد الخوئي يقول بناء على ما ذكرناه من أن مناشئ الحمد أربعة والمنشأ الثالث للحمد هو عبارة عن عدم الرهبة من الله "عز وجل" أحمدك لا رهبة منك هذا يشير إليها بلفظ الرحمن الرحيم يعني أنا أحمدك لأنك رحمن رحيم لا لأني أخاف منك ورهبة منك وإنما طمعا في رحمتك يا أرحم الراحمين فما زعمه بعض المفسرين من أن الرحمن الرحيم تكرار للتأكيد ليس صحيح وإنما جيء بلفظ الرحمن الرحيم لبيان منشأ اختصاص الحمد بالله تبارك وتعالى فلا يغني ذكر بسم الله الرحمن الرحيم في البسملة تيمنا وتبركا.
الخلاصة أربعة مناشئ الحمد لله رب العالمين، الحمد لله إشارة إلى المنشأ الأول أنني أحمدك لذاتك المستجمعة للكمال والاختصاص الحمد لا لشيء آخر هذا المنشأ الأول.
المنشأ الثاني أشير إليه رب العالمين رب العالمين يعني أحمدك رغبة فيك لا لرغبة في إنعامك وإنما لأنك رب العالمين.
المنشأ الثالث الرحمن الرحيم يعني أعبدك لا لرهبة منك بل لأنك أرحم الراحمين.
والمنشأ الرابع أحمدك وأعبدك خوفاً منك ورهبة منك أشير، إليه بلفظ مالك يوم الدين، هذا تمام الكلام في الأمر الثاني، الأمر الثالث تحليل آية إياك نعبد وإياك نستعين يأتي عليها الكلام.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 84 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: البيان في تفسير القرآن
  • الجزء

    -

  • 500

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
84 الجلسة