تفسير البيان
شیخ الدقاق

081 - (3) تحليل آية ( إياك نعبد وإياك نستعين

تفسير البيان

  • الكتاب: البيان في تفسير القرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    500

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
ثالثا تحليل آية إياك نعبد وإياك نستعين
اللغة العبادة في اللغة تأتي لأحد معاني ثلاثة وقد استخدمها واستعملها القرآن الكريم:
المعنى الأول العبادة بمعنى الطاعة ومنه قوله تبارك وتعالى (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين) أي أن لا تطيعوا الشيطان فإن عبادة الشيطان المنهي عنها في الآية عبارة عن إطاعة الشيطان.
المعنى الثاني الخضوع والتذلل ومنه قوله تبارك وتعالى (فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون) أي وقومهما لنا خاضعون أذلاء متذللون فكيف نؤمن به وهذا هو حال قومه ومن هذا الإطلاق التذلل تقول الطرق المعبدة عبدنا الطريق فإطلاق لفظ المعبد على الطريق الذي يكثر المرور عليه من هذا الباب لأنه إذا كثر المرور والعبور على الطريق أصبح الطريق خاضعاً مذللاً للإنسان فيقال هذا طريق معبد فيكون المراد بالعبادة الخضوع والمراد بالطريق المعبد الطريق المذلل والخاضع.
المعنى الثالث التأله وهو أكثر معنى قد استخدمت فيه مفردة العبادة ومنه قوله تبارك وتعالى قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به أي أن إلهي ومعبودي هو الله فالمراد بالعبادة الاتجاه إلى الإله وهذا المعنى الأخير المراد بالعبادة التأله هو المعنى الذي ينصرف إليه لفظ العبادة في العرف العام إذا أطلق لفظ العبادة من دون نصب قرينة.
والإنسان قد يطلق عليه أنه حر وقد يطلق عليه أنه عبد والعبد في الشريعة الإسلامية هو عبارة عن الإنسان سواء كان حراً أو كان عبداً لأنه مربوب لبارئه خاضع له في وجوده وجميع شؤونه وإن تمرد على أوامر الله ونواهيه وهناك عدة استعمالات واطلاقات للفظ عبد ذكر منها السيد الخوئي "رحمه الله" ثلاث استعمالات:
الاستعمال الأول يطلق العبد على الرقيق لأنه مملوك وسلطانه بيد مالكه.
الإطلاق الثاني قد يتوسع في لفظ العبد فيطلق على ما يكثر اهتمامه بشيء حتى لا ينظر إلا إليه كما يقال فلان يعبد الفلوس أو يعبد النساء أو يعبد المنصب أي أن اهتمامه قد كثر بأمهات الشهوات الثلاثة وهي المال والنساء والجاه ومنه قول سيد الشهداء "صلوات الله وسلامه عليه" (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحيطونه ما درت معائشهم وإذا محصوا بالبلاء قل الديانون).
الاستعمال الثالث لمفردة عبد قد يطلق على المطيع الخاضع كما في قوله تبارك وتعالى (أن عبدت بني إسرائيل) أي جعلتهم خاضعين مطيعين لا يتجاوزون عن أمرك ونهيك هذا تمام الكلام في البحث اللغوي لمفردة العبادة.
وأما مفردة الاستعانة فهي عبارة عن طلب المعونة والاستعانة تتعدى بنفسها وتتعدى بالباء فتقول يا رب استعينك واستيعن بك يقال استعنته واستعنت به أي طلبت منه أن يكون عوناً وظهيرا لي في أمري، هذا تمام الكلام في البحث اللغوي.
الإعراب
في اللغة العربية عادة يتقدم الفعل والفاعل على المفعول فتقول ضربت زيداً الفعل ضرب والفاعل تاء الفاعل وزيداً مفعول به ولكن إذا تقدم المفعول على الفاعل أفاد الاختصاص فلو قلت زيدا ضربتُ هذا قد يكون رداً على قول الأستاذ للطالب قد ضربت طلاب الصف فيقول لا زيداً ضربت يعني انحصر ضربي لزيد فقط.
قوله تبارك وتعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) في اللغة العربية هكذا يقال نعبد إياك نستعين بك ولكن قدم المفعول به وهو إياك على الفعل والفاعل فقال تعالى إياك نعبد وإياك نستعين فتقديم المفعول به على الفعل والفاعل يفيد الحصر وهذه نكتة مهمة أي أن العبودية منحصرة بالله والاستعانة منحصرة بالله وهذا تربية للأمة ما أكثر الناس الذي إذا اعترته مشكلة أو حاجة يفكر في فلان وفلان، فلان يقضيها لي فلان يدبرها لي وينسى الله تبارك وتعالى مسبب الأسباب.
الله "عز وجل" في سورة الفاتحة يعلمنا ويربينا إياك نعبد وإياك نستعين أي أن العبادة والاستعانة منحصرة بالله تبارك وتعالى ثم إن هذه الآية فيها التفات من الغيبة إلى الحضور والخطاب والمراد بالالتفات في البلاغة العربية الانتقال من ضمير إلى ضمير فنلاحظ الآيات الثلاث السابقة فيها ضمير الغائب بينما آية إياك نعبد وإياك نستعين فيها خطاب للحاضر فالآيات الأربع الأولى (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) ليس فيها خطاب مباشر لله تقول يا رحمن يا رحيم يا مالك يوم الدين يا أرحم الراحمين يا صاحب الحمد والثناء فيها ضمير الغيبة قضية حقيقية (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) إلى هنا ينتهي ضمير الغيبة ثم يأتي ضمير المخاطب إياك نعبد وإياك نستعين والالتفات في البلاغة العربية له نكتة علمية كما في البلاغة ندرس جاء شقيق عارضاً رمحه إن بني عمك فيهم رجال جاء شقيق عارضاً رمحه هذا فعل ماضي جاء شقيق عارضاً رمحه فخوطب خطاب التفات تهكما به إن بني عمك فيهم رجال انتقل من ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب تهكماً به يعني لا تتفاخر بشجاعتك إن بني عمك فيهم رجال دائما خطاب الالتفات في البلاغة العربية فيه نكتة الآيات الكريمة المتقدمة فيها نكات توجب أن ينتقل الخطاب من ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب ومن أهم هذه النكات نكتتان لا تضحكان بل تؤنسان هاتان النكتتان تفيدان الخضوع لله تبارك وتعالى والتعبد لله "عز وجل" وضرورة الاستعانة به.
النكتة الأولى كون الله تبارك وتعالى مالك للموجودات ومربيها وبمقتضى مالكيته وتربيته لها ينبغي الخضوع له وينبغي الاستعانة به وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة (الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين) فلأن الله مالك ليوم الدين ورب العالمين ينبغي أن تحصر العبادة به وأن تحصر الاستعانة به هذه النكتة الأولى مالكية الله وتربيته للموجودات.
النكتة الثانية حاجة الإنسان إلى عون ربه وعدم استقلاله عنه وافتقاره إلى رحمة الله الواسعة وهو ما أشارت له الآية الكريمة الحمد لله رب العالمين فإن الحمد والثناء لله والفقر والضعف والافتقار والحاجة ثابتة للإنسان إذن هناك نكتتان أوجبتا الانتقال من خطاب الغيبة إلى ضمير المخاطب النكتة الأولى مالكية الله ورعايته وتربيته للموجودات النكتة الثانية حاجة الإنسان وخضوعه لربه إذن هاتان النكتتان مهمتان جداً.
السيد الخوئي "رحمه الله" يقول وفي الآية التفات من الغيبة إلى الخطاب يعني تغيير في الضمير من ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب والسر في ذلك أحد أمرين:
الأول إن سابق هذه الآية إياك نعبد وإياك نستعين قد دل على أن الله "عز وجل" هو المالك لجميع الموجودات وذلك في قوله مالك يوم الدين والمربي لها والقائم بشؤونها وذلك في قوله رب العالمين وهذا يقتضي أن تكون جميع الموجودات حاضرة لدى الله "عز وجل" وأن يكون الله "عز وجل" محيطاً بالعباد وبأعمالهم ليجازيهم يوم الدين بالطاعة أو المعصية واقتضى هذا الأمر وهو كون الله مالكا للموجودات ومرب لها أن يظهر العبد حضوره لدى ربه وخضوعه له واستعانته به فوجه الخطاب إليه إياك نعبد وإياك نستعين.
الأمر الثاني إن حقيقة العبادة الخضوع، خضوع العبد للرب بما أنه ربه والقائم بأمره والربوبية تقتضي حضور الرب لتربية مربوبه وتدبير شؤونه وكذلك الحال في الاستعانة فإن حاجة الإنسان إلى إعانة ربه وعدم استقلاله عنه في رعايته يقتضي حضور المعبود لتتحقق منه الإعانة.
إذن هذان الأمران أولا مالكية الله وتربيته لمخلوقاته، الأمر الثاني حاجة الإنسان إلى العون يوجبان الانتقال من خطاب الغيبة إلى ضمير المخاطب فالعبد حاضر بين يدي ربه غير غائب عنه، هذا تمام الكلام في الإعراب.
التفسير ابتدأ رب العالمين سورة الحمد بتمجيد نفسه والثناء على نفسه فبعد أن مجد الله تبارك وتعالى نفسه قائلا (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) لقن عباده هذه الآية إياك نعبد وإياك نستعين لكي يعترف الإنسان بمدلول هذه الآية وبمغزاها فهم لا يعبدون إلا الله ولا يستعينون إلا به فإنما سوى الله من الموجودات فقير في ذاته عاجز عن نفسه الله "عز وجل" هو الغنى المطلق والإنسان وسائر الموجودات عبارة عن فقر مطلق.
يقول الحسين سيد الشهداء في دعاء عرفة (إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيرا في فقري إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولا في جهلي إلهي مني ما يليق بالأمي ومنك ما يليق بكرمك) نفحات من دعاء عرفة لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين "صلوات الله وسلامه عليه" وفي هذا الدعاء إشارة إلى أن الإنسان الممكن عبارة عن فقر محض فمهما استغنى فهو فقير ومهما علم فهو جاهل فجميع الممكنات وإن اختلفت مراتبها بالكمال والنقص تشترك في صفة العجز اللازمة للإمكان الإمكان من لوازمه العجز وأن جميع الموجودات الممكنة تحت حكم الله وإرادته قال تعالى (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) (ولله ملك السموات والأرض وإلى الله المصير) من ذا الذي يعارض رب العالمين في سلطانه وينازعه في أمره وحكمه في الدعاء (يا من خضعت له الملوك على نير المذلة فهم من سطواته خائفون) هذا المتجبر الجبار تمر عليه لحظات يستشعر سلطان الله تبارك وتعالى ولذلك ورد في الدعاء (اللهم يا مذل كل جبار عنيد يا معز المؤمنين أنت كهفي حين تعين المذاهب).
والخلاصة وعلى الجملة الإيمان بالله "عز وجل" يقتضي أن لا يعبد الإنسان أحداً سوى الله ولا يسأل حاجته إلا منه ولا يستعين إلا به ولا يتكل إلا عليه وإلا فقد أشرك بالله وحكم في سلطان الله غيره (وقضا ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) لكن وما يؤمنوا أكثرهم بالله إلا وهم مشركون لذلك يقسمون الشرك إلى شرك جلي وشرك خفي وشرك أخفاء وتفصيل ذلك تراجعون كتاب الذنوب الكبيرة للشهيد السيد عبد الحسين دستغيب، مضار الشرك الجلي الوثنية تعدد الآلهة مضار الشرك الخفي الرياء والعجب.
البحث الثاني حول آية الحمد، مباحث جدا مهمة العبادة والتأله العبادة والطاعة العبادة والخضوع السجود لغير الله دواعي العبادة حصر الاستعانة بالله الشفاعة.
العبادة والتأله
قلنا أن مفردة العبادة إذا جيء بها من دون نصب قرينة يفهم منها العرف العام التأله لذلك تسأل من تعبد يعني من هو إلهك قلي بربك من تعبد أقسم عليك بمن تعبد يعني أقسم عليك بإلهك فالعبادة بمعنى التأله ولا يرتاب المسلم في أن العبادة بمعنى التأله تختص بالله تبارك وتعالى وهذا المعنى هو الذي ينصرف إليه لفظ العبادة عند الإطلاق وعدم نصب قرينة على المراد من التعبد وهذا هو التوحيد الذي أرسلت به الرسل وأنزلت لأجل الكتب.
قال تعالى (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله) يعني أن نجعل إلهنا إله واحدا وهو الله أن لا نعبد إلا الله يعني أن يكون إلهنا إلهاً واحدا، (أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) يعني لا نجعل له شركاء فالإيمان بالله لا يجتمع مع عبادة غيره.
هناك رواية لطيفة في الحديث القدسي يقول الله "عز وجل" (أنا خير الشريكين فمن عمل لي ولغيري جعلته لغيري) لابد أن تكون العبادة والعمل خالصاً لله "عز وجل" هنا الشرك له صورتان:
الصورة الأولى القول بتعدد الآلهة يعني هناك آلهة متعددة هناك اله للخير يزدان واله للشر اهريمن كما عند الزرادشتية المجوس، المجوس عبدت النار عندهم إلهان إله للخير يزدان وإله للشر اسمه اهريمن وهكذا في الهند آلهة متعددة هذا إله الرياح هذا إله المطر هذا إله كذا إذن الأمر الأول أو الصورة الأولى في الشرك اعتقاد التعدد في الخالق يعني خالق الرياح إله وخالق الأمطار إله وخالق السموات إله وخالق الأرض إله فهذا مرجعه إلى إنكار التوحيد في الذات يعني الذات الإلهية تكون عند القائلين بهذا القول متعددة.
الصورة الثانية وهي الأكثر أن تكون الذات الإلهية واحدة لكن لها شركاء متعددون ومنشأ ذلك عبارة عن الاعتقاد بأن الخلق معزولون عن الله تبارك وتعالى فلا يصل دعاء الخلق إلى الله ولكي يصل دعاء المخلوقات إلى الله يحتاجون إلى وسائط هذه الوسائط هي الآلهة المتعددة فيكون الخلق محتاجاً إلى آلهة متعددة تكون وسائط بينهم وبين الله يقرّبون الخلق إلى الله ومنشأ ذلك قياس الباري "عز وجل" على الملوك وحفدتهم فإن الملك غالباً يكون بعيدا عن رعيته أصلا ما يدري ماذا يجري في مملكته هو محاط بإطار خاص وبحاشية خاصة ولإيصال الشأن إلى الملك تحتاج إلى وسائط يقضون هذه الحاجات ويجيبون الدعاوات وفي الغالب يكونوا من المفسدين يا ترى يأخذون الأموال أو مصالح معينة، إذن هناك صورتان للشرك الصورة الأولى تعدد الآلهة الصورة الثانية وحدة الآلهة مع وجود الشركاء للآلهة.
طبعا الوهابية يقولون الشيعة مشركون لأنهم يقولون كما يقول الوثنيون، المشركين الوثنين لا يقولون إن الله ليس بواحد، يقولون الله واحد لكن دعائنا ما يصل إليه فنعبد الآلهة المختلفة هبل اللات والعزى لكي يصل دعائنا إلى الله والشيعة الإمامية لا يقولون هذا الأمر بالنسبة إلى أئمتهم بل يقولون إن الدعاء يصل إلى الله ولا يوجد حاجب كل ما تريد أن تطلب يمكن أن تدعو الله "عز وجل" ويصل إليه ولكنك بحاجة إلى وجيه، بوجاهته الله "عز وجل" يتوب عليك ويغفر لك فهذا الوجيه هو النبي أو الإمام المعصوم أو ولي الله فلا يقول الشيعة الإمامية إن دعاء الخلق لا يصل إلى الله وبحاجة إلى آلهة يعبدونهم والشيعة لا يعبدون أئمتهم وإنما عندهم التوحيد في العبادة وأن العبادة منحصرة بالله وأن الاستعانة منحصرة بالله تبارك وتعالى ففرق بين الشفاعة والتوسل وبين العبادة، المشركون يعبدون الآلهة والشيعة لا يعبدون الأئمة "عليهم السلام" ففرق كبير وخلط بين المطلبين.
الله تبارك وتعالى في آيات القرآن الكريم أبطل كلا الاعتقادين الاعتقاد الأول تعدد الآلهة الاعتقاد الثاني وحدة الذات الإلهية مع تعدد الآلهة، قال تعالى في إبطال تعدد الآلهة وهو الأمر الأول (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) يعني لو كان هناك تعدد للآلهة في الكون لفسد الكون (وما كان معه من إله إذن لذهب كل إله بما خلق وعلى بعضهم على بعض سبحان الله على ما يصفون).
وأما الاعتقاد الثاني وهو وحدة الذات الإلهية وتعدد الآلهة فهذا نشأ عن مقايسة الله بالملوك والزعماء من البشر وقد أبطله الله في القرآن بوجوه من البيان ذكر السيد الخوئي "رحمه الله" ثلاثة وجوه:
الوجه الأول طلب البرهان على هذه الدعوى وأنها مما لم يدل عليها دليل قال تعالى (أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين قالوا نعبدوا أصناما فنضل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آبائنا كذلك يفعلون).
الوجه الثاني من بيان بطلان الاعتقاد الثاني إرشاد المشركين إلى ما يدركونه بحواسهم من أن ما يعبدونه لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً والذي لا يمك شيئا من النفع والضر والقبض والبسط والإماتة والأحياء لا يكون إلا مخلوقاً ضعيفا ولا ينبغي أن يتخذ إلها معبوداً.
قال تعالى (افتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أوف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعا ألم يرو أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين)، وهذا الحكم حكم عقلي فطري فاقد الشيء لا يعطيه وشاءت الحكمة الإلهية أن تنبه العباد على هذا الحكم الفطري في هذه الآيات الكريمة وهذا الحكم جار وسار في كل ممكن محتاج وإن كان نبياً من الأنبياء أو ولياً من الأولياء قال "عز من قائل" (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبد الله ربي وربكم).
الوجه الثالث من البيان لرد الاعتقاد الثاني وهو وحدة الذات الإلهية وتعدد الآلهة بيان أن الله "عز وجل" قريب من عباده يسمع نجواهم ويجيب دعواهم وأنه القائم بتدبيرهم وبتربيتهم بخلاف الآلهة المتعددة قال تعالى (ونحن اقرب إليه من حبل الوريد أليس الله بكاف عبده أدعوني استجب لكم وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير) (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير) (وأن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير) (الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (ألا إنه بكل شيء محيط) فالله "عز وجل" ليس معزولاً عن خلقه كالملوك والأمراء والرؤساء بل أمور العباد كلها بيده ولا يفتقر العباد إلى وسائط تبلغه حوائجهم ليكونوا شركاء له في العبادة بل الناس كلهم شرع سواء في أن الله ربهم وهو القائم بشؤونهم ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا كذلك الله يفعل ما يشاء إن الله يحكم ما يريد.
من عظمة الإسلام أنك في كل لحظة وفي أي فترة زمنية يمكن أن تسمع الله ويمكن أن تُسمع الله يمكن أن تَسمع الله بقراءة القرآن الكريم والحديث القدسي فهما كلام الله ويمكن أن تُسمع الله كلامك ونجواك بالدعاء والمناجاة والتوسل والتذرع إليه في أي لحظة لذلك ورد في الرواية (أفضل الدعاء ما جرى على لسانك) يعني تتكلم بعفوية تطلب حاجتك بعفوية تخاطب الله "عز وجل" بما يجري على لسانك بل ورد في الدعاء (يا من لا يشغله شيء عن شيء يا من لا يبرمه إلحاح الملحين) الله "عز وجل" يحب يسمعك صوتك لا تقل علمه بحالي يغني عن سؤالي يحب يسمع صوتك يحب يسمع صوت عبده المؤمن وإن علم بحاجته، أحيانا الأب يعرف أن ولده يحتاج مبلغ أو يحتاج شيء لكن يحب يسمع من الولد يحب يسمع منه الله "عز وجل" يحب أن يسمع صوت عبده المؤمن.
ورد في الروايات (إن العبد ليدعو وإن الله ليستجيب له فيقول يا ملائكتي قد استجبت له ولكن أخروا الإجابة فإني أحب أن أسمع صوت عبدي المؤمن) يحب يسمع صوتك أن يكون هناك اتصال بين الله "عز وجل" وعباده، العبادة والطاعة يأتي عليها الكلام.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 84 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: البيان في تفسير القرآن
  • الجزء

    -

  • 500

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
84 الجلسة