تفسير البيان
شیخ الدقاق

084 - (4) تحليل آية (اهدنا الصراط المستقيم) إلى نهاية تفسير البيان

تفسير البيان

  • الكتاب: البيان في تفسير القرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    500

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
الرابع تحليل آية (أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) وبها يكون ختام تفسير سورة الفاتحة.
القراءة
المعروف قراءة غيرِ بالجر ونقل الزمخشري صاحب تفسير الكشاف أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" وعمر بن الخطاب قرئا بالنصب غيرَ المغضوب عليهم والصحيح هو الأول بالكسر غيرِ فإن قراءة النصب عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم تثبت وكذلك لم تثبت قراءة النصب عن عمر بن الخطاب على أنها لو ثبتت عن عمر فهي ليست بحجة لأنه ليس بمعصوم بناء على مبنى الإمامية ومبنى أهل السنة وقد أتضح أن قراءة غير المعصوم لا يعبئ بها وليست بحجة إلا إذا كانت من القراءات المشهورة والمعروفة فيجب إتباعها لا لحجية قائلها بل لكونها من القراءات المشهورة والمتداولة وإن لم تثبت شهرتها فتكون قراءة شاذة لا تجزي في مقام الامتثال فلا يمكن للمكلف أن يمتثل أمر الله "عز وجل" بالإتيان بسورة الفاتحة في الصلاة بأتيها بهذه القراءة بالفتح غير المغضوب عليهم، هذا تمام الكلام في قراءة لفظ غير.
وأما الآية الأخيرة المعروف فيها قراءة (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) نسب إلى علي بن أبي طالب "عليه السلام" وعمر بن الخطاب قراءة من أنعمت عليهم المعروف لفظ الذين صراط الذين نسب إلى علي وعمر صراط من أنعمت عليهم ولا الضالين نسب إليهم وغير الضالين صراط من أنعمت عليهم وغير الضالين أما قراءة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" فلم تثبت أنه قرأ بلفظ من من أنعمت عليهم وبلفظ غير وغير الضالين بل الثابت عدمها وهو القراءة المعروفة الذين أنعمت عليهم ولا الضالين فلو كانت قراءة علي "عليه السلام" كذلك من أنعمت عليهم وغير الضالين لشاع خبرها بين شيعته ولأقرها الأئمة من ولده ومن بعده مع أنها لم تنقل حتى بقراءة رجل واحد يعتمد عليه.
ومثل هذا الكلام يقال بالنسبة إلى قراءة غير بالنصب المنسوبة إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" فلو قرأها رسول الله بالنصب لنقلها صحابته والحال إنها لم تنقل بقراءة رجل يعتمد عليه وأما قراءة عمر فقد اتضح أنه ليس بمعصوم ولا حجية لقراءته إلا إذا وافقت القراءات المشهورة هذا تمام الكلام في بيان القراءة.
اللغة
الهداية الإرشاد والدلالة والهدى ضد الضلال وسيتضح إن شاء الله معنى هداية الله للناس وإرشادهم.
معنى الصراط
الصراط هو الطريق وما يتوصل بالسير فيه إلى المقصود والطريق قد يكون حسيا وقد يكون غير حسي فيقال الاحتياط طريق النجاة الاحتياط أمر معنوي وليس حسي أو يقال طاعة الله طريق الجنة طاعة الله ليس طريقا حسيا هنا إطلاق الطريق على غير الحسي لأحد اعتبارين:
الاعتبار الأول إما أن يقال إن المعنى اللغوي للطريق عام يشمل الطريق الحسي ويشمل الطريق المعنوي فهناك عموم في المعنى اللغوي للفظ الطريق بحيث يشمل الطريق الحسي والطريق المعنوي.
النحو الثاني أن يقال إن لفظ الطريق وضع بخصوص الطريق الحسي وأطلق لفظ الطريق على الأمر المعنوي من باب التشبيه يعني شبهوا الطريق المعنوي بالطريق الحسي أو على نحو الاستعارة استعيرت لفظ الطريق التي تطلق على الطريق الحسي على الطريق المعنوي.
معنى الاستقامة
الاستقامة هي الاعتدال وهو ضد الانحراف إلى اليمين وإلى الشمال والصراط المستقيم هو الصراط الذي يصل بسالكه إلى النعيم الأبدي والرضوان الإلهي بأن يطيع المخلوق خالقه ولا يعصيه في شيء من أوامره ونواهيه وأن يعبد الله وحده ولا يعبد غيره هذا هو الصراط الذي لا اعوجاج فيه قال تعالى (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض وهذا صراط ربك مستقيما إن ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).
ومن الملاحظ أن طريق الله والصراط المستقيم أطلق في القرآن الكريم بنحو الإفراد فلم يقل صرط الله أو الصرط المستقيمة وإنما قيل صراط الذين أنعمت عليهم أهدنا الصراط المستقيم لفظ الصراط جاء في القرآن الكريم بلفظ المفرد لا الجمع بخلاف طرق الشيطان أطلق بلفظ الجمع ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله إذن سبيل الله واحد وسبل الشيطان متعددة ولكن هناك لحاظان بأحدهما يكون السبيل واحداً وبالآخر يكون السبيل متعددا حتى بالنسبة إلى سبيل الله لذلك لفظ الصراط في القرآن الكريم لم يذكر إلا مفردا ولم يذكر مجموعا وأما لفظ السبيل والسبل فقد أطلق تارة بنحو الإفراد سبيل الله وتارة بنحو الجمع السبل فما هي النكتة التي اقتضت الجمع وما هي النكتة التي اقتضت الإفراد.
أما النكتة التي اقتضت الجمع فلأن الإنسان له جوارح وجوانح والمراد بالجوارح الحواس الظاهرية من نظر ولمس وسمع فله أفعال جوارحية حينما ينظر ويشم ويذوق وله جوانح وهي الأمور الداخلية كالضمير والإحساس فالإنسان له أفعال جوارحية وله أفعال جوانحية وهناك أنواع كثيرة للطاعة كما أن هناك أنواع كثيرة للمعصية أنواع الطاعة الصلاة الصيام الزكاة الحج الخمس وغيرها من الأحكام هذا بالنسبة إلى الأحكام وبالنسبة إلى العقائد الإيمان بالله واليوم الآخرة وملائكته وكتبه ورسله هذه كلها من الطاعة فبلحاظ كثيرة الأنواع صح إطلاق السبل تقول سبل الله الصلاة سبيل من سبل الله الزكاة سبيل من سبل الله فبلحاظ كثرة الأنواع وأما بلحاظ المعنى العام الشامل لجميع هذه الأفعال والشامل لجميع هذه الطاعات وهو الطريق الموصل إلى الله "عز وجل" يكون اللفظ مفردا فيقال صراط الله إذن إن لوحظ تكثر أنواع الطاعة يأتي اللفظ بنحو الجمع سبل وإن لوحظ المعنى العام الشامل لجميع هذه الأنواع وهو الطريق الموصل إلى الله يكون اللفظ مفردا، قال تعالى (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ـ لم يقل أنوار نور واحد ـ يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ـ ولم يقل سبيل السلام سبل هذا بلحاظ أنواع الطاعة ـ وما لنا أن لا نتوكل الله وقد هدانا سبلنا والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).
إلى هنا عرفنا أن القرآن استخدم لفظ الصراط بنحو المفرد في المعنى العام الشامل لجميع أنواع الطاعات واستخدم لفظ السبيل بنحو المفرد بلحاظ المعنى العام الشامل لأنواع الطاعة واستعمل لفظ السبيل بنحو الجمع سبل بلحاظ تعدد وتكثر الطاعة.
معنى الإنعام طبعا دائما تعرف الأشياء بأضدادها لذلك دائما السيد الخوئي يذكر المعنى ويذكر ضده، الإنعام هو الأفضال بالنعمة وزيادتها ومن أنعم الله عليهم هم الذين سلكوا الصراط المستقيم ولم يمل بهم الهوا إلى طاعة الشيطان ولذلك قد فازوا بالحياة الدائمة والسعادة الأبدية وفوق كل ذلك ورضوان من الله أكبر هذا هو الأهم.
قال تعالى (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله اكبر ذلك هو الفوز العظيم).
الغضب غير المغضوب عليهم الغضب هو السخط وتقابله الرحمة والمغضوب عليهم هو الذين توغلوا في الكفر وعاندوا الحق ونبذوا آيات الله وراء ظهورهم ولا يراد بالغضب مطلق الكافر بل خصوص الكافر المعاند قال تعالى (ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) من شرح بالكفر صدرا يعني من توغل في الكفر وعاند طريق الله تبارك وتعالى.
الضلال هو التيه ويقابله الهدى والضالون هم الذين انحرفوا وسلكوا غير طريق الهدى فأفضى بهم إلى الهلاك الأبدي والعذاب الدائم ولكن الضالين دون مرتبة المغضوب عليهم لان الضال هو من انحرف عن الطريق لكنه لم يجحد ولم يعاند وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم بخلاف المغضوب عليه فهو المعاند فالضال هو أدنى مرتبة من المغضوب عليه في شدة الكفر لأن الضالين وإن ضلوا الطريق المستقيم عن تقصير في البحث والفصل إلا أنهم لم يعاندوا الحق بعد وضوحه.
وقد ورد في التفسير أن المراد بالمغضوب عليهم هم اليهود والمراد بالضالين هم النصارى وقد اتضح أن الآية الكريمة لا تختص بمورد وأن كل ما يذكر للآية من المعاني فهو من باب تقديم الكبرى تقدم مصطلح الجري والتطبيق وهو أنه الآية الكريمة لها مفهوم عام تشكل كبرى كلية يمكن تطبيقها على مصاديق متعددة مثل (إنا أعطيناك الكوثر)، الكوثر في اللغة الخير الكثير تأتي رواية تقول الكوثر هي فاطمة "سلام الله عليها" إذ أن ذرية النبي من فاطمة تأتي رواية أخرى تقول الكوثر نهر في الجنة، الجواب النهر الذي في الجنة وفاطمة "سلام الله عليها" من مصاديق الخير الكثير فهذه الروايات المفسرة من باب الجري والتطبيق.
هنا أيضا نقول الضال هو الذي كفر وأوغل في كفره وعاند ومن أبرز مصاديقه اليهود هذا هو المغضوب عليه لماذا غضب الله عليه؟ لأنه ليس بضال فقط وإنما ضل وعاند كفر وعاند فمن مصاديق المغضوب عليهم اليهود ولا الضالين المراد بالضال من الضلال يعني من انحرف وضل الطريق ومن أبرز مصاديقه النصارى والمسيح إذن لا تنحصر آية غير المغضوب عليهم بخصوص اليهود ولا تنحصر آية ولا الضالين بخصوص المسيح والنصارى هذا تمام الكلام في بيان اللغة والمفردات اللغوية للآيات الأخيرة من سورة الفاتحة.
الإعراب
غير المغضوب عليهم يوجد فيها احتمالان:
الاحتمال الأول بدل من جملة الذين أنعمت عليهم وتعرفون أن المبدأ البدل يصح وضعه مكان المبدل منه أهدنا الصراط المستقيم إما أن تقول صراط الذين أنعمت عليهم أو تقول صراط غير المغضوب عليهم فلفظ الذين أنعمت عليهم مبدل منه ولفظ غير المغضوب عليهم بدل.
الإعراب الثاني
آية غير المغضوب عليهم صفة للآية التي قبلها الذين صفة للذين أنعمت عليهم صراط الذين أنعمت عليهم ما هي صفة الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين لأن نعمة الله "عز وجل" كرحمته قد وسعت جميع البشر فمنهم من شكر ومنهم من كفر قال تعالى (الم تر أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض واصبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير).
إشكال قال بعضهم هنا لا يصح التقييد ولا يصح التضييق فلاحظ الآية صراط الذين أنعمت عليهم هذه فيها عموم الذين أنعمت عليهم ثم تقيد الذين أنعمت عليهم الذين أنعمت عليهم حصص كثيرة الله "عز وجل" انعم على كل الناس ثم تقيدها وتضيقها غير المغضوب عليهم يعني لم يكفروا ولم يجحدوا ولا الضالين يعني لم يضلوا الطريق ففي توصيف من أنعمت عليهم بأنهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين تقييد لإطلاق الله "عز وجل" في قوله الذين أنعمت عليهم وتضيق لسعة مفهوم الذين أنعمت عليهم.
تكون النتيجة صراط الذين أنعمت عليهم لا يشمل الذين لم يشكروا نعمت الله، الله "عز وجل" انعم على جميع الناس لكن من لم يشكر نعمة الله يكون خارجا من عنوان الذين أنعمت عليهم ببركة تقيدها بقوله تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين فتكون النتيجة هكذا ويكون المعنى هكذا إن العبد يطلب من الله الهداية إلى طريق الذي سلكه فريق خاص من الذين انعم الله عليهم وهم الذين لم يبدلوا نعمة الله كفرا فحازوا بطاعتهم واستقامتهم نعمة الآخرة كما كانوا حائزين نعمة الدنيا فاتصلت لهم سعادة الدنيا بسعادة الآخرة وهذا التعبير ليس فيه أي إشكال ونأتي بما يشابهه في اللغة العربية فلو قال العالم يجوز اقتناء كل كتاب هذا فيه عموم ثم يقول غير كتب الضلال فهنا قد قيد عموم كل كتاب بخصوص الكتب النافعة التي ليس فيها ضلال وهذا أسلوب عربي واضح أكرم جميع أولادي إلا العاق منهم هذا أمر واضح رب العالمين يقول أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم لكن ليس كل من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
بهذا البيان يتضح فساد إشكال من قال إن كلمة غير متوهمة في الإبهام ومتوغلة فيها إبهام كبير ولا تعرف بما تضاف إليه فلا يصح جعلها صفة للمعرفة ما هي المعرفة؟ لفظ الذين أنعمت عليهم صلة موصولة هذه معرفة قالوا هذه المعرفة لا يصح أن توصف بلفظ غير، غير المغضوب عليهم هنا أصل هذا الأشكال ليس بتام وليس بحاجة إلى الاستغراق في جوابه.
والخلاصة إن الحكم المذكور في القضية أي قضية سواء كانت قضية خبرية أو إنشائية إذا كان عاما لجميع الأفراد وفي موطن بحثنا ما هو حكم العام هنا أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم يعني أهدنا صراط من أنعمت عليهم هذا عام جميع من أنعمت عليهم فإنه يخص تخصيص هذا الحكم العام متى ما أريد ذلك بكلمة غير صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وهذا واضح في كلام العرب تقول جاءني جميع أهل البلد وتقول جاءني جميع أهل البلد غير الفاسقين أكرم جميع أهل البلد غير الفاسقين.
وأما لفظ الضالين فعطف الضالين على المغضوب عليهم وأتي بكلمة لا تأكيدا للنفي حتى لا يتوهم السامع أن المنفي هو المجموع لا الجميع يعني مجموع المغضوب عليهم والضالين وفرق بين المجموع لابد من توفر الاثنين وبين الجميع يعني نفي الأول ونفي الثاني ولو على انفراد ولو على حدة وكلمة غير تدل على النفي التزاما فأجري عليها حكم غيرها من دوال النفي حكم غير حكم لا تقول جالس رجلا غير فاسق يعني جالس رجلا ليس بفاسق ولا سيء الخلق أعبدوا الله بغير كسل ولا ملل هذا تمام الكلام في الإعراب.
التفسير بعد أن لقن الله عبيده أن يعترفوا بين يديه بالتوحيد في العبادة والاستعانة لقنهم أن يطلبوا منه الهداية إلى الصراط المستقيم، سورة الفاتحة فيها ثلاث مقاطع مهمة المقطع الوسط حلقة وصل بين المقطع الأول والمقطع الثاني والمقطع الثاني والثالث نتيجة للمقطع الأول أما المقطع الأول ففيه حمد لله والثناء عليه والتمجيد له تبارك وتعالى بما هو أهله (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) هذا المقطع الأول تجميد الله والثناء عليه.
المقطع الأخير ما دام أنت مجدت الله تطلب منه الهداية، أهدنا الصراط المستقيم فطلب الهداية فرع تمجيد الله والثناء عليه إذن المقطع الأول تمجيد الله المقطع الأخير طلب الهداية المطلب الوسط بين تمجيد الله وطلب الهداية إياك نعبد وإياك نستعين فالمقطع الأوسط إياك نعبد وإياك نستعين نتيجة للمقطع الأول وهو تمجيد الله والثناء عليه وتمهيد للمقطع الأخير وهو طلب الهداية فيكون مفاد صورة الفاتحة هكذا:
الأمر الأول أمجد الله وأثني عليه ثانيا لذلك أحصر به العبادة والاستعانة ثالثا ولذلك أطلب منه الهداية فإن قوله إياك نعبد وإياك نستعين نتيجة للتمجيد السابق وتوطئة للسؤال اللاحق فإن في التمجيد السابق ملاك حصر العبادة والاستعانة به تعالى فالمستحق للعبادة إنما هو الله بذاته برحمته وسلطانه وغيره لا يستحق أن يعبد أو يستعان به.
ورد في الرواية من طرق السنة والشيعة إن الله تبارك وتعالى قد جعل هذه السورة نصفين نصف له ونصف لعبده فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى مجدني عبدي وإذا قال أهدنا الصراط المستقيم قال الله تعالى هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، وإذا تأملنا في نهاية سورة الفاتحة يتضح أن الطرق التي يسلكها البشر في أعمالهم وإيمانهم ثلاثة:
الأول صراط الله.
الثاني طريق المغضوب عليهم.
الثالث طريق الضالين.
أما طريق الله وهو الطريق الذي مهده لعباده لكي يهتدوا بهداه الطريق الثاني الذي يسلكه الضالون والمنحرفون وهذا أهون من الطريق الثالث الطريق الثالث الذي يسلكه المغضوب عليهم وقد بين الله مغايرة الطريق المستقيم للطريقين الآخرين.
البحث الثالث حول آية أهدنا
ذكر المفسرون أن من يطلب الهداية من الله لابد وأن يكون فاقدا لها فكيف يطلب المسلم الموحد في صلاته الهداية، أجابوا بثلاثة إجابة استحسانية لا دليل عليها:
الجواب الأول المراد بالهداية الاستمرار أهدنا الصراط المستقيم يعني اجعلنا مستمرين على طريق الهداية.
الجواب الثاني أن يراد بالهداية الثواب، أهدنا الصراط المستقيم يعني أهدنا طريق الجنة ثوابا لنا.
الجواب الثالث أن يراد بالهداية زيادة الهداية لأن الزيادة قابلة للزيادة والنقصان فمن كان واجدا لمرتبة من الهداية يريد أن يحصل على مرتبة أخرى والصحيح أن هذه الوجوه كلها استحسانية إذن تأمل نأتي بوجوه أكثر منها ولا دليل عليها فهذه الوجوه تخالف ظاهر ما تقتضيه الآية المباركة والصحيح أن يقال إن الهداية التي يطلبها المسلم في صلاته هي هداية غير موجودة عنده وغير حاصلة عنده وإنما يطلب حصولها من ربه فضلا من ربه وترحما.
توضيح ذلك إن الهداية من الله على قسمين: هداية عامة وهداية خاصة وفي قولنا أهدنا الصراط المستقيم نطلب الهداية الخاصة لا الهداية العامة توضيح ذلك الهداية العامة إما أن تكون هداية تشريعية وإما أن تكون هداية تكوينية أما الهداية العامة التكوينية فهي التي أعدها الله في طبيعة كل موجود وأوحى ربك إلى النحل هذه هداية تكوينية كيف النحل يصنع، فالهداية الطبيعية الموجودة في كل موجود سواء كان جمادا أو نباتا أو حيوانا فهي تسري بطبعها وباختيارها والله "عز وجل" هو الذي أودع فيها قوة الاستكمال لاحظ كيف النبات يهتدي إلى نموه ويسير إلى جهة لا صاد له عن سيره فيها وهكذا يهتدي الحيوان إلى ما يؤذيه وما لا يؤذيه فالفأرة تهرب من القطة والهرة ولا تهرب من الشاة وهكذا يهتدي النمل والنحل إلى تشكيل مسكنه ويهتدي الطفل إلى ثدي أمه ويرتضع منه منذ بدء ولادته (قال ربنا الذي أعطا كل شيء خلقه ثم هدى) هذا إشارة إلى الهداية التكوينية العامة.
هناك هداية عامة تشريعية وهي ما جاء بها الأنبياء والمرسلون الكتب السماوية الشرائع السماوية فقد أتم الحجة على الإنسان بإفاضته عليه العقل بحيث يميز بين الحق والباطن فهذه حجة باطنية وهناك حجة ظاهرية إرسال الرسل والأنبياء والكتب لتبين الشرائع قال تعالى (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) هذه إشارة إلى الهداية العامة التشريعية، إلى هنا انتهينا من الهداية العامة سواء كانت تشريعية أو تكوينية.
وأما الهداية الخاصة فهي هداية تكوينية بعضهم هكذا يقول إذا يذهب إلى أضرحة الأئمة "عليهم السلام" يقول إلهي بجاه هذا المعصوم افتح ذهني على مشاريع لا تخطر على بالي إلهي بجاه هذا المعصوم افتح ذهني على علوم ومعارف أنا لا استطيع الوصول إليها ولكن بفضلهم وببركاتك يا رب العالمين استطيع الوصول إليها بعد ذلك يجد أنه يلقى في روعه أدرس الكتاب الفلاني درس الكتاب الفلاني اعمل المشروع الفلاني هذه هداية ما كانت موجودة عنده فالهداية الخاصة هداية تكوينية وعناية ربانية خص الله بها بعض عباده حسب ما تقتضيه حكمته هذا رزق أن هذه العلوم هذا رزقه هذه المشاريع هذا رزق من الله أن يجري العلم على يد فلان وأن يجري هذا المشروع على يد فلان هذا رزق من الله فيهيئ الله "عز وجل" لعبده ما يصل به إلى كماله ويصل إلى مبتغاه قال تعالى (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء إن الله لا يهدي القوم الظالمين) يعني بسبب ظلمهم ما تحصل الهداية (والله يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم) إذ اتبعوا الطاعات الله يهديهم تأتي المشيئة الإلهية بالهداية (إنك لا تهتدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) إذن الجهاد في سبيل الله موجب للهداية إلى سبل الله.
حيثية تعليلية فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم، إذن يهدي من يشاء لأسباب ويضل من يشاء لأسباب إذن الهداية لم تكن حاصلة ثم حصلت كما أن الغواية لم تكن حاصلة ثم حصلت بسبب سوء الأعمال إلى غير ذلك من الآيات التي يستفاد منها هداية الله وعنايته الخاصة بطائفة خاصة دون بقية الناس.
خلاصة الكلام وصفوة القول إن البشر بطبعه في معرض الهلاك والطغيان فلابد للمسلم الموحد أن لا يتكل على نفسه بل يستعين بربه ويدعوه لهدايته ليسلك به الجادة الوسطى فلا يكون من المغضوب عليهم ولا يكون من الضالين النبي هذا كان (إلهي أشكو إليك ضعفي وقلة حيلتي وهواني على الناس فاعني يا ارحم الراحمين).
إلى هنا انتهى تفسير البيان للسيد الخوئي هذا هو المقدار المطبوع قد يقال هل السيد الخوئي اقتصر على هذا أو كان يبني على الاقتصار عليه أو لا الجواب صفحة 545 نهاية التعليقة 26 السيد الخوئي كان بانيا على إتمام التفسير لكن لم يحصل التوفيق قال السيد الخوئي نهاية تعليقة 26 صفحة 545 الحمد لله على ما انعم علينا بنشر هذا القسم من الكتاب راجين منه سبحانه أن ينفع به المسلمين وغيرهم ويجعله وسيلة إلى معرفة القرآن وفهم أسراره ومغازيه نسأله التوفيق لإكمال هذا التفسير، بعد ذلك حصل سبب أوجب أن يتوقف، فإنه غاية السؤل ومنتهى المأمول والله ولي التوفيق المؤلف وبهذا الكلام نختم بحث تفسير البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي اليوم الاثنين 10 شعبان 1440 هجرية المصادف 15 ابريل شهر أربعة 2019 ميلادية، 26 فروردين شهر واحد 1398 هـ ش.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 84 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: البيان في تفسير القرآن
  • الجزء

    -

  • 500

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
84 الجلسة