قواعد تفسير القرآن
شیخ الدقاق

015 - القواعد المشتركة بين علوم القرآن وقواعد التفسير

قواعد تفسير القرآن

  • الكتاب: منطق تفسیر القرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    200

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
القسم السابع من القواعد المشتركة بين التفسير وغيره من العلوم هو القواعد المشتركة بين علوم القرآن وبين قواعد تفسير القرآن.
القواعد المشتركة بين علوم القرآن وقواعد التفسير كثيرة اقتصر المصنف على ثلاث قواعد مهمة:
القاعدة الأولى قاعدة النسخ
القاعدة الثانية قاعدة إرجاع الآيات المتشابهة إلى الآيات المحكمة
القاعدة الثالثة قواعد النزول وذكر خمس قواعد تتعلق بنزول القرآن الكريم
نشرع اليوم في بيان القسم الأول قاعدة النسخ.
المدخل نبذة تاريخية حول أهمية قاعدة النسخ، مبحث النسخ حظي باهتمام كبير وشديد في عدة علوم الأول علوم القرآن، الثاني علم الفقه، الثالث علم أصول الفقه، الرابع قواعد التفسير وبالتالي فإن من يدرس قواعد التفسير وعلوم القرآن لابد أن يلم بقاعدة النسخ ومن هنا نتكلم عن النسخ في عدة نقاط:
النقطة الأولى مفهوم النسخ ويقع الكلام في مقامين:
المقام الأول معنى النسخ لغة
المقام الثاني معنى النسخ اصطلاحا
النسخ في اللغة هو إزالة شيء بشيء يعتقبه كالنسخ الشمس الظل والظل الشمس والشيب الشباب فتارة يفهم منه الإزالة وتارة يفهم منه الإثبات وتارة يفهم منه الأمران ونسخ الكتاب إزالة الحكم بحكم يتعقبه يراجع مفردات غريب القرآن للراغب الأصفهاني مادة نسخ، إذن النسخ في اللغة بمعنى الازالة أو الإثبات أو أحدهما يعني إما الإزالة والإثبات أو واحد منهما.
وأما النسخ في الاصطلاح يقول الشيخ محمد هادي معرفة في كتابه التمهيد في علوم القرآن الجزء الثاني صفحة 274، النسخ هو رفع تشريع سابق كان يقتضي الدوام حسب ظاهره بتشريع لاحق بحيث لا يمكن اجتماعهما معا إما ذاتا إذا كان التنافي بينهما بينا أو بدليل خاص من إجماع أو نص صريح فإذا كان الحكم إلى آخر كلامه "رحمه الله" ويمكن مراجعة هذا المبحث في المصادر التالية، كتاب قواعد التفسير للشيخ خالد بن عثمان السبت الجزء الثاني صفحة 725، كتاب أصول التفسير وقواعده صفحة 300 للشيخ خالد بن عبد الرحمن العك، كتاب القواعد الحسان في قواعد القرآن وكتاب التمهيد في علوم القرآن للشيخ محمد هادي معرفة وكتاب البيان للتفسير القرآن للسيد الخوئي وغيره.
ملاحظة مفردة النسخ في اصطلاح القدماء تختلف عن مفردة النسخ في اصطلاح المتأخرين والمصطلح الحديث النسخ في المصطلح الحديث عبارة عن رفع حكم الآية تأتي آية ثم تأتي آية أخرى أو رواية وترفع حكم الآية السابقة بالكامل هذا هو النسخ يعني إلغاء الحكم بالكامل ولكن النسخ في اصطلاح المتقدمين يشمل التخصيص والتقييد فالغاء عموم الآية السابقة ببركة المخصص اللاحق يقال له نسخ لأنه نسخ للعموم والغاء للعموم كما أن تقييد الإطلاق السابق بالمقيد اللاحق يقال له أيضا نسخ لأنه نسخ والغاء للاطلاق إذن عندنا نسخ بالمعنى الأعم ونسخ بالمعنى الأخص، النسخ بالمعنى الأعم مطلق الالغاء سواء كان الالغاء لأصل الحكم أو لإطلاق أو عموم الحكم فيكون معنى النسخ شاملا لإلغاء أصل الحكم والتقييد والتخصيص بل ويشمل أيضا بحث المجمل والمبين وهذا لفظ النسخ في كلمات القدماء لذلك كثرت دعاوى النسخ لأنه ما أكثر المقيدات والمخصصات لآيات كتاب الله.
النسخ بالمعنى الأخص هو خصوص إلغاء الحكم في الآية السابقة وهو معنى النسخ عند المتأخرين ولتوضيح المسألة بشكل أكبر وأعمق نتطرق إلى الفارق بين البداء والنسخ فالفرق بينهما في المتعلق فالنسخ يتعلق بالتشريع والبداء يتعلق بالتكوين ولنضرب مثالا لتوضيح الفكرة.
مرة عيسى المسيح على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام في الطريق على دار فيها مراسم زواج فقال إن هذا الزوج سيموت هذه الليلة إلا أن الزوج لم يمت فقالوا يا روح الله إنك قلت إنه سيموت لكنه لم يمت فقال أرفعوا المخدة فرفعوا المخدة وإذا بثعبان ميتة تحت المخدة واتضح أن العريس قد تصدق في تلك الليلة فاطال الله عمره وكان من المقدر أن تلسعه الحية فيموت هنا يقولون في العقائد عندنا أجل محتوم واجل مخروم، الاجل المحتوم هو الأجل الذي يكتب في اللوح المحفوظ وتشير إليه الآية الكريمة (فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) لا يوجد تقديم ولا تأخير هذا في الأجل المحتوم الذي لا يتغير ويكتب في اللوح المحفوظ.
ويوجد أجل مخروم يكتب في لوح المحو والإثبات الذي أشارت إليه الآية الكريمة (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ففي الأجل المخروم أو لوح المحو والإثبات يقال فلان يموت ليلة عرسه إذا لم يتصدق فإذا تصدق يطيل الله في عمره فلان مقتول إذا لم يبر ببوالديه أو لم يصل رحمه لذلك ورد أن بر الوالدين أن صلة الرحم توجب طول العمر، الإحسان إلى الناس يوجب طول العمر البغي على الناس يوجب قصم الظهر وقصم العمر لا يرد القضاء إلا الدعاء إن الدعاء يرد القضاء المبرم ابراما القضاء المبرم والمحكم الدعاء يفتته إذن عندنا حكم تكويني من عالم التكوين عالم الخلق إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون هذا الحكم التكويني الموت والحياة موقت بوقت محدد بأجل هذا الأجل تارة يصرح به ويقال فلان سيموت إذا لم يتصدق فحينئذ إذا تصدق يقولون إذا تحقق الشرط تحقق المشروط وإذا لم يتحقق الشرط لم يتحقق المشروط فإذا لم يتصدق مات وإذا تصدق لم يمت هذا لا يقال له بداء لأنه واضح الآن ولكن إذا كان هذا الحكم وهذا الأمد وهذا الزمن خفي علينا بل أظهر الله لنا أن فلان سيموت لكنه لم يمت هذا يقال له البداء والبداء على معنيين معنى لغوي ومعنى اصطلاحي، المعنى اللغوي هو عبارة عن الظهور بعد الخفى بدى لفلان أي ظهر له بعد أن كان خافيا عليه والبداء بالمعنى اللغوي يلزم من نسبته إلى الله نسبة الجهل إليه والعياذ بالله وأما البداء بالمعنى الاصطلاحي فهو عبارة عن الإظهار بعد الإخفاء وليس الظهور بعد الخفى يعني كان في علم الله معلوم أن هذا سيتصدق وستموت هذه الحية لكن الله لم يظهره فهذا إظهار بعد إخفاء وقد ورد في الروايات عن الصادق عليه السلام ما بدى لله في شيء كما بدى له في ابن إسماعيل، أسماعيل ابن الإمام الصادق كان من الصالحين وكانت انظار الناس تتجه إليه للإمامة وكانوا يتوقعون هو الإمام بعد الإمام الصادق عليه السلام وأراد الله "عز وجل" أن يحمي عبده موسى بن جعفر الإمام الكاظم عليه السلام بتوجيه الانظار إلى إسماعيل لكن إسماعيل مات في حياة الإمام الصادق ودفنه في البقيع هنا الإمام الصادق يقول ما بدى لله في شيء كما بدى له في أبني إسماعيل ليس المراد أنه البداء بالمعنى اللغوي الظهور بعد الخفاء يعني الله "عز وجل" كان يعلم أن إسماعيل سيعيش ثم اتضح أنه لن يعيش هذا يلزم منه نسبة الجهل إلى الله يعني في علم الله هناك بالنسبة إلى الناس إظهار بعد إخفاء يعني الإمام هو إسماعيل إن عاش لكنه لن يعيش ومن المعلوم يعني في علم الله من البداية أن الإمام هو موسى بن جعفر، إذن الخلاصة اتضح أن البداء في المعنى المصطلح عند علماء الكلام وعقائد الإمامية هو عبارة عن الإظهار بعد الإخفاء في التكوينيات وأما التكوين المصرح باجله وأمده فلا يقال له بداء إذ أنه يعلم حكمه من التقييد بالأمد والوقت وكما أن البداء يكون في التكوينيات كذلك النسخ يكون في التشريعيات والنسخ في اللغة بمعنى الازالة والالغاء والنسخ في التشريع بمعنى الإظهار بعد الإخفاء في التشريعيات فلو كان التشريع من البداية معلوما وموقتا بوقت ثم انتهى ذلك الوقت لما صدق عليه أنه نسخ ويرى أكثر الشيعة الإمامية ومنهم سيد الطائفة المحقق السيد أبو القاسم الخوئي في تفسير البيان أن النسخ لم يقع إلا في آية واحدة من كتاب الله وهي آية النجوى وهي آية 12 من سورة المجادلة وآية 13 من سورة المجادلة، آية 13 نسخت آية 12، آية 12 مفادها إنكم إذا أردتم أن تناجوا وتتحدثوا مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" والمناجاة هي الحديث سرا، يجب أن تقدموا صدقة لم يعمل بهذه الآية إذا أمير المؤمنين عليه السلام دفع الصدقة وناجى رسول الله البقية بخلوا أن يدفعوا صدقة بعد ذلك الله "عز وجل" الغى هذا الحكم ضرورة التصدق يكفي أن يناجوه ولو من دون صدقة في الآية 13 هنا المراد من النسخ يعني وجوب التصدق كان من البداية موقت بوقت الله "عز وجل" كان يعرف أنه لا يتصدق إلا علي بن أبي طالب فكان موقت بوقت تصدق الإمام علي وبعد صدقة الإمام علي انتهى الأمد انتهى الوقت لكن الآية لم تشر إلى الوقت.
نقرأ الآيتين سورة المجادلة وبحثنا كله حول هذه الآيتين الباقي لم يثبت نسخ قال تعالى آية 12 من سورة المجادلة (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) فعل أمر فقدموا فعل الأمر يدل على الوجوب يجب أن تتصدقوا، (فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم واطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم) إذا ما عدكم صدقة الله يغفر لكم، هم عندهم صدقة ولكن لم يتصدقوا.
الآية 13 بعدها تنسخ الآية 12 (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات، فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فاقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون) إذن نلاحظ أن الآية الأولى لم يذكر فيها الأمد فقدموا بين يدي نجواكم صدقة لم تقل الآية إلى أن يتصدق علي بن أبي طالب لم تذكر الأمد إذن يتفق النسخ والبداء في المعنى اللغوي إذ أن المعنى اللغوي للبداء الظهور بعد الخفاء والمعنى اللغوي للنسخ هو الإزالة والالغاء فنتيجة البداء الظهور بعد الخفاء هي الالغاء والإزالة يتفقان في النتيجة هذا أولا.
وثانيا يتفقان في المعنى الاصطلاحي الإظهار بعد الإخفاء لكنهما يختلفان في المتعلق الإظهار بعد الإخفاء في التكوين هذا مثال البداء بالفتح وليس بالكسر والاظهار بعد الإخفاء في التشريع هذا مثال النسخ ويتفقان أيضا في أن التشريع والتكوين المقيد بأجل واضح وظاهر لا يقال له بداء ولا يقال له نسخ وهذا شيء عرفي أحيانا مثلا الأب يقول يا أولادي يوميا لابد كل واحد منكم قبل ما يروح للعمل يعطي أمه هدية هو الأب في ذهنه يريد يشد الأولاد إلى أمهم ويكتشف طاعتهم وفي ذهنه أن هذا خلال ثلاثة أيام أو اسبوع وإلا إذا يومية يفلسون الأولاد لكن ما يذكر لهم المدة ما يقول لهم لمدة اسبوع لمدة ثلاثة أيام وهذا بسيط يريد يختبر طاعتهم ومودتهم لأمهم فيصير هذا التشريع من الأب بلزوم إهداء الأم غير مقيد بمدة اسبوع مطلق ثم بعد الاسبوع يكفي يا أولادي ما شاء الله كفيتم ووفيتم طلعتوا خوش أولاد يكفي هذا الاسبوع بعد أنا وأمكم لا نريد أن نتعبكم أكثر هذه أمور عرفية.
الخلاصة في النقطة الأولى مفهوم النسخ أن النسخ عبارة عن إلغاء الحكم بانتهاء أمده وليست عبارة عن إلغاء الحكم بعد الجهل بأنه غير صالح للاستمرار وامثلة النسخ كثيرة مثلا فاقتلوا أنفسكم كان في شريعة بني إسرائيل أنه إذا ارتكبوا ذنبا معينا يجب عليهم أن يقتلوا أنفسهم ولكن في شريعة نبينا شريعة الرحمة لا يوجد هذا الحكم.
(أحلل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم) يعني كان في تشريع شهر رمضان لا يجوز الجماع ومقاربة المرأة ليلا ونهارا لكن هم يصومون بالنهار في الليل يذهبون بالخشي، الله "عز وجل" قال علم الله انكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم يعني الله "عز وجل" من البداية ما كان يعرف أن هؤلاء كانوا لا يتحملون؟ كان يعرف لكن لم يذكر الامد لهم.
الخلاصة
مفهوم النسخ في الشريعة هو عبارة عن رفع تشريع سابق هذا التشريع السابق كان يقتضي الدوام والاستمرار بحسب ظاهره لأنه لم يكن مقيدا بوقت أو زمان، هذا التشريع المستمر بحسب ظاهره يرفع بتشريع لاحق بحيث لا يمكن اجتماع التشريع السابق مع التشريع اللاحق، هذا تمام الكلام في بيان مفهوم النسخ.
النقطة الثانية أقسام النسخ
ذكرت للنسخ عدة أقسام وعدة تقسيمات أشار المصنف إلى ثلاث تقسيمات والتقسيم الأول هو المشهور بين علماء التفسير وعلوم القرِآن بخلاف التقسيم الثاني والثالث فهما حديثان:
التقسيم الأول النسخ في التقسيم التقليدي ويقسم النسخ إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول نسخ الحكم والتلاوة
القسم الثاني نسخ التلاوة دون الحكم
القسم الثالث نسخ الحكم دون التلاوة
وسيتضح أن الصحيح من هذه الأقسام هو خصوص القسم الثالث نسخ الحكم دون التلاوة وأما القسم الأول والثاني فهما باطلان عاطلان لأنه يستلزم منهما القول بتحريف القرآن الكريم.
القسم الأول نسخ الحكم والتلاوة ويعني رفع حكم الآية المنسوخة وسقوطها من القرآن ومثاله آية الرضاع ففي حديث عن عائشة قالت كان فيما انزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن هذا من ضمن النص القرآني ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهن فيما يقرأ من القرآن والآن القرآن الموجود لا فيه عشر رضعات ولا خمس رضعات فسقط هذا النص من تلاوة القرآن وسقط هذا الحكم أن خمس رضعات أو عشر رضعات يثبتن التحريم ونشر الحرمة يصير أخ من الرضاعة أو أخت من الرضاعة هذه الرواية موجودة في صحيح مسلم الجزء الثاني صفحة 167 وموجودة في سنن الترمذي الجزء الثاني صفحة 456.
وقد رفض علماء علوم القرآن هذه الرواية وهذا النوع من النسخ لأنه يستلزم تحريف القرآن القرآن يصير محرف من هنا انبرا الشيخ خالد بن عبد الرحمن العك في كتابه أصول التفسير وقواعده صفحة 300 إلى ذكر مثالين آخرين لهذا القسم وفيهما تأمل:
المثال الأول نسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة وفيه هذا من باب نسخ السنة بالقرآن يعني النبي "صلى الله عليه وآله" كان يصلي إلى بيت المقدس هذه سنة فعل النبي نسخت بالقرآن (قد نرى تقلب وجهك بالسماء فلنولينك قبلة ترضاها) إذن الآية نسخت السنة كلامنا في نسخ الآية بالآية أو نسخ الآية بالسنة هنا بالعكس نسخ السنة في الآية فهذا أجنبي لأن كلامنا نسخ الحكم والتلاوة يعني كلامنا في النسخ القرآني.
المثال الثاني نسخ صيام عاشوراء بصيام شهر رمضان هذا المورد الثاني دعوى بلا دليل وكل منهما يستلزم تحريف القرآن.
النتيجة النهائية
القسم الأول وهو نسخ الحكم والتلاوة لا يمكن قبوله لأنه يستلزم تحريف القرآن أصلا بمجرد تقول نسخ التلاوة هذا تحريف يعني هناك جزء من القرآن كان يتلى والآن ألغي هذا تحريف للقرآن ومنه يعلم بطلان القسم الثاني، القسم الثاني نسخ التلاوة دون الحكم وقد ادعي لهذا النوع من النسخ بنسخ آية رجم الشيخ والشيخة عن عمر بن الخطاب قال هذه الآية موجودة في القرآن إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم هذا النص غير موجود في القرآن موجود (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكما فيهما...) هذا ما موجود إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم صحيح البخاري الجزء الثامن صفحة 280 صحيح مسلم الجزء الخامس صفحة 16 والجزء الرابع صفحة 167، مستدرك الحاكم على الصحيحيين الجزء الرابع صفحة 359، مسند أحمد بن حنبل الجزء الأول صفحة 23 والجزء الثاني صفحة 43، سنن الترمذي الجزء الرابع صفحة 39 والجزء الثالث صفحة 456 وكذلك موجود في كتاب الإتقان للسيوطي الجزء الثاني صفحة 72، الدر المنثور الجزء الرابع صفحة 366، المحلى لابن حزم الجزء 11 صفحة 234، إذن القسم الثاني لا يمكن المساعدة عليه لأنه هذا النسخ يفيد تحريف القرآن الكريم.
القسم الثالث هو التام وهو نسخ الحكم دون التلاوة يعني الحكم يلغى لكن تبقى الآية تتلى في كتاب الله وهذا النوع من النسخ مشهور ضربت له أمثلة متعددة حتى ذهب بعض القدماء إلى القول بوجود مئتي آية منسوخة في كتاب الله إلا أن الشيعة الإمامية لم تقبل وقوع النسخ إلا في خصوص آية النجوى وهي آية 12 من سورة المجادلة وحتى آية النجوى هناك كلام وتأمل وتدقيق فيها وهي أن آية النجوى لم تلغي أصل الحكم وهو مطلوبية التصدق وإنما ألغت وجوب التصدق فكان التصدق عند نجوى النبي واجبا وبعد مجيء آية 13 أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات رفع الوجوب ولن يرفع أصل مطلوبية التصدق.
طبعا المصنف هنا صفحة 231 في الحاشية الرابعة يذكر شيئا مفيدا ذهب السيد الخوئي "رحمه الله" إلى أن الآية الوحيدة التي وقع فيها النسخ هي آية النجوى آية 12 من سورة المجادلة وقد نسختها آية 13 مباشرة بعدها وأن خصوصيات أمير المؤمنين أنه توجد آية في القرآن الكريم لم يعمل بها أي أحد إلا أمير المؤمنين وهي التصدق قد تقول لم يعمل بها النبي تصدق عنده لا أنه يتصدق فهذه الآية الوحيدة التي لم يعمل بها إلا علي عليه السلام من مختصات أمير المؤمنين سلام الله عليه.
أما الشيخ محمد هادي معرفة "رحمه الله" في المجلد الثاني من كتابه التمهيد في علوم القرآن وهو أكبر موسوعة في علوم القرآن عند الشيعة ستة أجزاء ذهب إلى أن النسخ قد وقع في ثمان آيات من القرآن الكريم.
يقول المصنف إلا أنه أنكر أخيرا وقوع أصل النسخ المصطلح في القرآن في مقابلة شفهية معه يعني المصنف الشيخ الدكتور محمد علي الرضائي في مقابلة مع الشيخ محمد هادي معرفة يقول بعد هذا الكتاب في أواخر عمره قال لا يوجد نسخ مصطلح في القرآن الكريم هذا مهم للمفسر أنه إذا جاء يفسر القرآن يعرف موجود نسخ أو لا، هذا تمام الكلام في التقسيم الأول للنسخ هذا هو التقسيم التقليدي والمتعارف في علوم القرآن عند السنة والشيعة.
التقسيم الثاني تقسيم النسخ بلحاظ الناسخ والمنسوخ وذكرت أيضا ثلاثة أقسام:
القسم الأول نسخ القرآن بالقرآن وهذا النسخ جائز ومن أبرز مصاديقه نسخ آية النجوى، آية 13 من سورة المجادلة نسخت آية 12 من صورة المجادلة وقد ادعي وجود هذا النسخ القرآن بالقرآن في موارد عديدة لكن وقوعه محل شك حقيقي.
القسم الثاني نسخ السنة بالقرآن وهذا النوع جائز وواقع أيضا مثاله المشهور نسخ القبلة فإن سنة النبي كانت جارية على الاتجاه إلى بيت المقدس بفلسطين ثم جاءت الآية ونسخت وأمرت المسلمين بالتوجه إلى الكعبة المشرفة فهنا نسخت السنة وهي الاتجاه إلى بيت المقدس بالقرآن وهي الآية التي تشير إلى الاتجاه إلى بيت الله الحرام والكعبة المشرفة.
القسم الثالث نسخ القرآن بالسنة القطعية أو الإجماع يعني آية قرآنية تنسخ بسنة متواترة أو إجماع والكلام في الكبرى والصغرى، في الكبرى يعني هل يمكن نسخ القرآن بالسنة القطعية أو الإجماع أو لا الشيعة الإمامية يرون أنه بالسنة المتواترة يمكن لأنها تفيد القطع واليقين وأما الإجماع على الخلاف فمن يرى حجيته ومن لا يرى حجيته والمشهور الآن على أنه الإجماع لا يرسخ القرآن الكريم وأما صغرويا فلم يقع لا يوجد مورد لكن الشيخ خالد بن عبد الرحمن العك قبل هذا النوع وقال في كتابه أصول التفسير وقواعده صفحة 303 قال ودليل ثبوت نسخ الكتاب بالسنة ما جاء في الحديث أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قرأ في صلاته سورة المؤمنين فاسقط منها آية ثم قال بعد الفراغ ألم يكن فيكم أبي فقالوا بلى يا رسول الله فقال هل لا ذكرنيها فقال أي أبي ظننت أنها نسخت فقال "صلى الله عليه وآله" لو نسخت لانبئتكم بها.
الاستدلال هنا يقول العك فاعتقاد الصحابة أن الكتاب تنسخ أحكامه بالسنة والرسول عليه الصلاة والسلام لم ينكر عليهم ذلك يدل دلالة قطعية على جواز نسخ الكتاب بالسنة.
مثال آخر لنسخ القرآن بالسنة أدعي نسخ الآية التالية قوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) ففي الجاهلية كان العرف يقتضي أن المرأة إذا مات زوجها تبقى في بيت زوجها سنة كاملة وينفق عليها من تركته وقد نسخت هذه الآية بقوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرة) والتي تدل على أن العدة أربعة أشهر وعشرة أيام عدة الوفاة، الآية الأولى ما ذكرت التربص ما ذكرت العدة، الآية الأولى قالت (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) وقد ادعي الإجماع على النسخ وكذا وردت روايات متعددة من الشيعة والسنة وبالاخص عن أمير المؤمنين والإمام الباقر والصادق عليهما السلام بنسخ الآية 240 من سورة البقرة بآيات العدة والإرث من هنا ذهب صاحب قواعد التفسير خالد بن عثمان السبت الجزء الثاني صفحة 729 وصاحب أصول التفسير وقواعده صفحة 300 الشيخ خالد بن عبد الرحمن العك ذهبوا إلى جواز هذا النوع من النسخ واعتبر أن هذه الطريقة مطابقة لاجماع الأمة في جميع العصور فيما يتعلق بالآيات المنسوخة لكن توجد أربع ملاحظات على هذا الاستدلال:
الملاحظة الأولى هذا الاستدلال يكون صحيحا فيما إذا كان الإجماع حجة في تفسير القرآن الكريم وقد اختلفوا في ذلك وقد بحثنا ولا نبني على أن الإجماع حجة في التفسير.
الملاحظة الثانية في رواية أبي لو افترضنا أنها صحيحة سندا على أنه فيها مناقشة نجد أن الكلام كان افتراضيا ولم يثبت النسخ لأن دعوى تقرير النبي لا تكون صحيحة النبي سكوته وامضائه إذا كان الفعل موجود أما شيء افتراضي كيف تثبت للشيء الافتراضي أن النبي سكت عنه هكذا قال أبي ظننت أنها نسخت يعني اعتقدت أنها نسخت أنت يا رسول الله لم تذكر هذه الآية من سورة المؤمنين فكرت انها نسخت فقال النبي لو نسخت لانبئتكم بها النبي ما أمضى أن الآية تنسخ بالسنة وإنما النبي قال لو الله نسخها أنا أخبركم أنها نسخت إذن هذا أمر ظني أمر افتراضي لا يصح هذا الإمضاء.
المناقشة الثالثة من الممكن أن لا يكون النسخ هنا بالمعنى الاصطلاحي يعني بمعنى إلغاء الحكم لأن الآية 240 من سورة البقرة لم يكن الكلام فيها عن عدة الوفاة وارث الزوجة حتى يحصل تنافي بين الآية الأولى والآية الثانية بل الآية الأولى ناظرة إلى البقاء في بيت الزوجية مدة سنة كاملة وأنه قد أعطي الحق للزوجة في أن تبقى في بيت زوجها المتوفى مدة سنة كاملة وأن هناك وصية بأن ينفق عليها من تركة زوجها لكن ما موجود أن العدة هي سنة كاملة إذن ما أدعي أنها ناسخة آية العدة أربعة شهور وعشرة أيام لا يوجد لها منسوخ أصلا الآية الأولى موضوعها يختلف عن موضوع الآية الثانية.
الملاحظة الرابعة عندنا روايات تقول كلما خالف كتاب الله فهو زخرف اضربوا به عرض الحائط فكيف نرفع اليد عن آية قرآنية برواية مروية فالرواية ظنية والآية القرآنية متواترة قطعية لا يمكن رفع اليد نعم لو ادعي أن الرواية متواترة صح هذا الكلام.
الملاحظة الخامسة الأصل هو عدم النسخ واثبات النسخ يحتاج إلى دليل وهنا لم ينهض الدليل في كلا المثالين هذا تمام الكلام في التقسيم الثاني للنسخ إذن التقسيم الأول التقسيم التقليدي الكلاسيكي المتعارف ثلاثة أقسام نسخ الحكم والتلاوة نسخ الحكم دون التلاوة نسخ التلاوة دون الحكم ولم يصح إلا نسخ الحكم دون التلاوة، التقسيم الثاني تقسيم النسخ بلحاظ الناسخ والمنسوخ نسخ القرآن بالقرآن، نسخ القرآن بالسنة، نسخ السنة بالقرآن.
التقسيم الثالث وهذا تقسيم حديث وموجود في كلمات الشيخ محمد هادي معرفة ولا معنى له ولا معنى لادراجه في النسخ، تقسيم النسخ إلى مطلق ومشروط والمراد بالمشروط النسخ التمهيدي والنسخ التدريجي طرح العلامة الشيخ محمد هادي معرفة "رحمه الله" نوعا جديدا من النسخ أطلق عليه اسم النسخ المشروط أو النسخ التمهيدي وضرب مثالا لذلك الرق والعبيد، الرق والعبيد كان شائعا أيام الجاهلية وحينما جاء الإسلام لم يكفي عصر الرسول لإلغاء الرق فهذا يحتاج إلى زمن طويل بحيث أن مدة حياة الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" لا تكفي لإلغاء الرق وبالتالي الخطوة الأولى تجفيف منابع الرق والاقتصار على رق الحر.
في الخطوة الثانية شرع الإسلام طرقا لتحرير الأسرى لتحرير الرق ومحو ظاهرة العبيد بصورة تدريجية فهذا يقال له نسخ تدريجي يقول في كتابه شبهات وردود صفحة 150 ـ 151 يقول واتخاذ هذه الاجراءات لقطع جذور عادة جاهلية ساطية قد اصطلحنا عليه بالنسخ التدريجي الميسر مع الزمان مما قد مهدت اسبابه منذ البدء وعلى عهد صاحب الشريعة، هذا النسخ في الشريعة كلامنا النسخ في القرآن الكريم فهذا أجنبي عن علوم القرآن وعن بحثنا في علوم القرآن، هذا تمام الكلام في القاعدة الأولى من القواعد المشتركة بين علوم القرآن وعلم قواعد التفسير، القاعدة الأولى قاعدة النسخ، القاعدة الثانية قاعدة إرجاع المتشابهات إلى المحكمات يأتي عليها الكلام.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 21 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: منطق تفسیر القرآن
  • الجزء

    -

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
21 الجلسة