قواعد تفسير القرآن
شیخ الدقاق

017 - القواعد الخاصة بالتفسير {1}

قواعد تفسير القرآن

  • الكتاب: منطق تفسیر القرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    200

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
الفصل الثالث القواعد الخاصة بالتفسير غالبا
في بحث القواعد الخاصة بالتفسير نتطرق إلى ستة عشر قاعدة تختص غالبا بالقرآن الكريم وقواعد التفسير، القاعدة الأولى قاعدة السياق، القاعدة الثانية قاعدة الجري والتطبيق، القاعدة الثالثة قاعدة المنع من استعمال الإسرائيليات في التفسير هذه القواعد الثلاث الأولى من أهم القواعد الخاصة بتفسير القرآن الكريم فهي قواعد ثلاث هي عمدة وزبدة قواعد التفسير الخاصة بخلاف بقية القواعد التي تأتي من القاعدة الرابعة قاعدة الارتباط بين أجزاء القرآن إلى آخره فالمصنف حفظه الله قد كتب في القواعد الثلاث الأولى وهي قاعدة السياق أولا وقاعدة الجري والتطبيق ثانيا وقاعدة المنع من استعمال الإسرائيليات في التفسير كتب المصنف حفظه الله قرابة خمسة وأربعين صفحة بينما من القاعدة الرابعة إلى القاعدة السادسة عشر كتب قرابة أربعة وعشرين صفحة فعمدة القواعد الخاصة في القواعد الثلاث الأولى.
القاعدة الأولى قاعدة السياق القرآني
السياق القرآني عبارة عن خصوصية الكلمة أو خصوصية الكلام الحاصل من ارتباط العبارات وهذه الخصوصية للكلمة أو الكلام تعتبر إحدى القرائن المرتبطة بالكلام وتؤثر في ظهور معنى اللفظ وتؤثر فيما يراد بالمفردات من جهة وما يراد بالجمل من جهة أخرى فاصول المحاورة العقلائية تقوم على أن للمفردة تأثير وللجمل أو الكلمات المؤلفة لعبارة معينة تأثير آخر واعتبر الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن الجزء الثاني صفحة 313 أن السياق هو سبيل الوصول إلى فهم بعض القرآن هذا البعض الذي لم يثبت في حديث معتبر واعتبر محمد رشيد رضا في تفسيره المنار الجزء الأول صفحة 22 أن أفضل قرينة تقوم على حقيقة معنى اللفظ هي موافقة اللفظ لما سبق من القول واستخدم العلامة الطباطبائي "رحمه الله" في تفسير الميزان جزء 17 صفحة 7 و9 قرينة السياق في مواطن متعددة وبلغ الإكثار منه لدرجة أنه قد قدم ظاهر السياق على ظاهر الروايات مما يدلل على أهمية قرينية سياق الآية الكريمة وللسياق تأثير كبير في الدلالة على قصد المتكلم فقد يظهر معنيان متناقضان للكلمة الواحدة ويكون المميز لهما والمعين لأحدهما هو السياق القرآني من هنا نتطرق إلى السياق في عدة نقاط:
النقطة الأولى مفهوم السياق نتكلم أولا عن السياق في اللغة وثانيا السياق في الاصطلاح القرآني
أما السياق في اللغة ففي الأصل قد أخذ من مادة سوق بمعنى الجلب والطرد كما في مفردات الراغب الأصفهاني مادة سوق، قيل إن السياق من السواق بمعنى البعث على الحركة من جهة الخلف إلى الأمام فتكون السياق بمعنى السوق الظاهري أحيانا كما في قوله تعالى (فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت) أو بمعنى السوق المعنوي كما في قوله تعالى (إلى ربك يومئذ المساق) وقد يأتي السياق في اللغة العربية بمعنى آخر وهو النزع عند الموت يقال هو في السياق أي في الاحتضار يعني مشرف على الموت، هذا تمام الكلام في معنى السياق لغة.
الأمر الثاني معنى السياق في الاصطلاح
وقد ذكر المصنف الرضائي حفظه الله أربعة تعاريف للسياق هذه التعاريف ذكر بعضها في علم الأصول وهو تعريف لمطلق السياق لا لخصوص السياق القرآني فنذكر هذه التعريفات الأربعة للسياق ثم نبرز بعض الملاحظات والتأملات في هذه التعريفات الأربعة لنتبنى التعريف المختار لخصوص السياق القرآني.
التعريف الأول للشهيد الصدر أعلى الله مقامه الشريف قال قدس الجو العام الذي يحيط بالكلمة وما يكتنفها من قرائن وعلامات ويلاحظ على هذا التعريف أولا أنه تعريف عام فلا يخص التعريف للسياق القرآني إذ أن الشهيد الصدر كان في مقام بيان مطلق السياق وثانيا نلاحظ أنه قد خص السياق بخصوص الكلمة ولم يذكر سياق الجملة المؤلفة من مجموعة كلمات.
التعريف الثاني للشهيد الصدر في الحلقة الأولى صفحة 103 دروس في علم الأصول قال الشهيد الصدر "رحمه الله" ونريد بالسياق كل ما يكتنف اللفظ الذي نريد فهمه من دوال أخرى سواء كانت لفظية كالكلمات التي تشكل مع اللفظ الذي نريد فهمه كلاما واحدا مترابطا أو حالية كالظروف والملابسات التي تحيط بالكلام وتكون ذات دلالة في الموضوع ويلاحظ على هذا التعريف أنه تعريف لمطلق السياق لا لخصوص السياق القرآني لذلك عمم الشهيد الصدر السياق للقرينة اللفظية والقرينة الحالية والحال إن المراد بالسياق القرآني هو خصوص القرائن اللفظية دون القرائن غير اللفظية إذن التعريف الأول والثاني تعريفان جيدان متميزان لكنهما عامان يشملان مطلق السياق لا خصوص السياق القرآني إذ أن الشهيد الصدر أعلى الله مقامه الشريف كان في مقام بيان مطلق السياق في علم الأصول ولم يقم في مقام بيان خصوص السياق القرآني في علوم القرآن أو قواعد التفسير.
التعريف الثالث المراد بالسياق ما يؤثر من القرائن السابقة أو اللاحقة الموجودة في الكلام أو السماع أو الكنايات المتعارفة في إعطاء معنا خاص للجملة وهي تحدد المعنى المقصود أكثر وهو ما يعبر عنه بالسياق أو المساق ويلاحظ على هذا التعريف أنه خص السياق بخصوص الكلام ولم يذكر سياق الكلمة فهو تعريف أخص ولا يشمل سياق المفردات والكلمة الواحدة هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن التعريف جيد إذ أنه خص السياق بخصوص القرائن اللفظية سواء كانت شفهية أو كتبية ولم يتعدى إلى القرائن الحالية والمقامية.
التعريف الرابع السياق هو نوع خصوصية للمفردات أو العبارة أو الخطاب يحصل اثر اتصالها بكلمات أو جمل أخرى ثم يذكر مثالا فيقول لو قال الآمر اذهب إلى البحر ثم أعقبها بقوله واستمع إلى حديثه باهتمام فإن المعنى يصبح هو العالم بقرينة قوله واستمع إلى حديثه باهتمام بخلاف ما لو لم يذكر قيدا آخر وقال أذهب إلى البحر وسكت فإن المتبادر العرفي يفهم أن المراد هو السائل الغزير المالح هذا التعريف الرابع لم يصرح بعنصر تأثير السياق في المعنى لكن تأثير السياق في المعنى يعرف من المثال الذي أشار إليه.
النتيجة النهائية التعريف المناسب لقرينية السياق في القرآن الكريم هو هذا التعريف المراد بالسياق القرآني هو الخصوصية والجو العام للمعنى الناشئ من وضع الكلمات والجمل جنبا إلى جنب وتتابعها ويمكنه التأثير في معنى المفردة أو العبارات.
الخلاصة
تأثير المفردة القرآنية أو مجموع المفردات في تحديد المعنى الواحد يعني معنى المفردة الواحدة أو معنى الجمل المتعددة مثلا عندما نقرأ في ورقة هذه العبارة اقتلوه فإنه لابد من ملاحظة سياق هذه الكلمة فلو وردت هذه الكلمة في حكم محكمة فإننا سنفهم منها صدور حكم الإعدام من القاضي وأمره بقتل المتهم وأما لو كانت هذه الورقة جزئا من كتاب أخلاقي فإننا سنفهم من مفردة اقتلوه أي اقتلوا شهوات النفس وحاربوا النفس ولابد من مخالفة الهوى وقتل الهوى ومن هنا يتضح أثر السياق في تحديد معنى المفردة هذا تمام الكلام في النقطة الأولى مفهوم السياق.
النقطة الثانية أنواع السياق وتطبيقاته
ذكر المصنف أربعة أنواع:
النوع الأول سياق المفردات
النوع الثاني سياق الجمل
النوع الثالث سياق الآيات
النوع الرابع سياق السور
وهو ما نبحثه تباعا
النوع الأول سياق المفردات أي الكلمة الواحدة في القرآن الكريم، المراد بسياق المفردات هو اقتران ونظم المفردات بعضها إلى بعض لتشكيل جملة خاصة تتحقق بهذا النظم خصوصية وجو للمعنى يضيف معنا جديدا إلى الكلمة أو يحدد معنا لها ويشخصه فالكلمة من دون هذا السياق لا تدل على هذا المعنى وببركة السياق واقتران هذه الكلمة بكلمات أخرى يحصل معنى آخر نضرب مثالين:
المثال الأول مفردة الأمة فقد وردت واستعملت في القرآن الكريم وفي عدة آيات بمعاني مختلفة نذكر ثلاثة منها:
الأول قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) فالأمة في هذه الآية الجماعة والشعب.
المعنى الثاني قوله تعالى (وقال الذين جامنهما وادكر بعد أمة) والمراد بعد مدة زمنية فهذا قد خرج من السجن وكان مع يوسف قال له اذكرني عند ربك الآخر أعدم وهو نجى وأصبح ساقي للملك ادكر بعد أمة بعد مدة زمنية بقرينة السياق.
المعنى الثالث للأمة قوله تعالى (إنّا وجدنا آبائنا على أمة) بمعنى نهج وطريقة.
معاني ثلاثة مختلفة لكلمة واحدة أمة، أمة بمعنى جماعة، أمة بمعنى طريقة، أمة بمعنى مادة زمنية وببركة السياق شخصنا المراد من الأمة.
المثال الثاني مفردة الدين فقد وردت في القرآن بعدة معاني نذكر أربعة منها:
المعنى الأول قوله تبارك وتعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) والمراد بالدين الشريعة أرسل رسوله بالهدى ودين الحق يعني الشريعة الحقة، ليظهره على الدين كله يعني ليظهره على الشريعة كلها فالدين بمعنى الشريعة هذا المعنى الأول.
المعنى الثاني قوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) أي مخلصين له العبادة والطاعة فالمراد بالدين العبادة والطاعة.
المعنى الثالث قوله تعالى (كذلك كدنا ليوسف ما كنا ليأخذ أخاه في دين الملك) فالدين بمعنى القانون الجزائي يعني لم يستطع يوسف أن يأخذ أخاه بنيامين من أخوته وفقا للقانون إلا بعد أن جعلنا له حيلة وهي جعل سواع الملك في رحل بنيامين وفي قانون بني إسرائيل في ذلك الوقت قانون كنعان أن الذي يسرق يستعبد سنتين فاستطاع يوسف عليه السلام من خلال هذه المكيدة أن يأخذ أخاه في دين الملك يعني بحسب القانون الذي يقره الملك القانون الجزائي قانون العقوبات هنا الدين عبر به عن القانون الجزائي.
المعنى الرابع مالك يوم الدين أي يوم الجزاء فهذه أربع معاني للدين، الدين بمعنى الشريعة الدين بمعنى الطاعة والعبادة، الدين بمعنى القانون الجزائي، الدين بمعنى الجزاء والامثلة كثيرة مثل مفردة الفتنة أو مفردة الكتاب وهذا البحث بحث سياق المفردات له ارتباط وثيق ببحث الوجوه والنضائر في اللغة العربية.
هناك علم اسمه علم المفردات فالبحث الوجوه والنضائر مهم جدا في علم المفردات ومن هنا صنف الكثيرون في مفردات القرآن وبعضهم عنون كتابه بمفدرات غريب القرآن كالراغب الأصفهاني، هذا تمام الكلام في النوع الأول سياق المفردات، سياق الكلمات.
النوع الثاني سياق الجمل أي العبارات المؤلفة من عدة كلمات، هذه الجمل والعبارات قد تكون جملة واحدة من آية وقرينة على جملة أخرى من آية أخرى فتؤثر في معناها وتشخص معنا معينا من بين المعاني المختلفة وهذا القسم وهو سياق الجمل والعبائر كان محط اهتمام المفسرين والمتخصصين في القرآن الكريم منذ الزمن الماضي إلى يومنا هذا، نذكر مثالين وهو قوله تعالى (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير).
ذهب بعض المفسرين إلى أن المقصود من جملة تؤتي الملك من تشاء تؤتي ملك الجنة وليس المراد ملك الأرض أي الحكم، الشريف الرضي "رحمه الله" رد عليه في كتابه حقائق التأويل في متشابه التنزيل صفحة 65 و66 قائلا لو راجعنا مفردات الآية والجملة لوجدنا أنها تتكلم عن أحوال الدنيا ولا دخل لها في الآخرة مثل قوله تعالى (وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير وإنك على كل شيء قدير)، قد تقول هذا في الآخرة الآن في الدنيا تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي هذه كلها أمور في الدنيا فبقرينة وحدة سياق الجمل نقول إن المراد بإيتاء الملك ايتاء الحكم والسلطنة وليس ملك الجنة.
وهكذا لو راجعنا مفردة الشهيد الواردة في آخر آية 282 من سورة البقرة فهل المراد بها الشاهد المطلع الذي يدلي بشهادته أمام العدالة أو المراد الشهيد الاصطلاحي المقتول في ساحة المعركة فإذا راجعنا القرائن يتشخص أن المراد بالشهيد هو الشاهد لا الشهيد المقتول، هذا تمام الكلام في النوع الثاني سياق الجمل.
النوع الرابع سياق الآيات فالقرآن الكريم مؤلف من كلمات وعبارات وجمل وقد قسم إلى آيات وسور هذه الآيات يختلف حجمها فبعض الآيات كلمة واحدة كقوله تعالى مدهامتان فيشملها النوع الأول سياق المفردات وبعض الآيات عبارة عن جملة أو جملتين فيشملها النوع الثاني وهو سياق الجمل وبعض الآيات مجموعة كبيرة من الجمل كآية الدين التي هي أكبر آية في القرآن الكريم في أواخر سورة البقرة (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل و...) طويلة الآية تتكلم عن أحكام الدين.
آية الكرسي أيضا آية طويلة فهنا يأتي النوع الثالث وهو سياق الآيات إذ أنه قد تأتي آية أو مجموعة آيات لكنها تمثل سياقا يختلف عن سياق السورة فهي بمثابة الجملة المعترضة فحينئذ لا يصح أن نجعل الصورة بأجمعها في سياق واحد ونغفل سياق مجموعة من الآيات مثاله قوله تعالى (ضق أنك أنت العزيز الكريم) فإن هذه الآية لوحدها وهي آية واحدة لو نظرنا إليها بمفردها لفهمنا منها معنى التعظيم والتكريم والاحترام ولكن إذا قرأنا هذه الآية في سياق الآيات التي جاءت معها سنفهم أن المراد الترهيب والتخويف والتهديد فلنقرأ السياق للآيات.
قال تعالى (إن شجرة الزقوم طعام الاثيم) الآية الثانية (كالمهل يغلي في البطون) الآية الثالثة (كغلي الحميم) الآية الرابعة (خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم) الآية الخامسة (ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم) الآية السادسة (ضق انك أنت العزيز الكريم إن هذا ما كنتم به تمترون) فبقرينة الآيات السابقة واللاحقة يفهم أن المراد من قوله تعالى (ضق إنك أنت العزيز الكريم) هو التهديد والتخويف والترهيب والتوبيخ وليس التكريم، هذا تمام الكلام في النوع الثالث سياق الآيات.
النوع الرابع سياق السور وسياق السور قابل للبحث من جهتين:
الجهة الأولى سياق الآيات في داخل كل سورة يعني السياق الداخلي للسورة
الجهة الثانية السياق الناتج من ارتباط الآية الأخيرة في السورة مع الآية الأولى في السورة التي بعدها أي السياق الخارجي للسورة، إذن إما أن نبحث السياق الداخلي للسورة أو نبحث السياق الخارجي للسورة.
القسم الأول السياق الداخلي للسورة يعني سياق الآيات في داخل كل سورة وهذا بحث مهم جدا وهو أن كل سورة فيها مفردات وجمل بارزة هي جوهر السورة وهي أهم محتوى في السورة إذن تنتظم بعض الآيات في مجموعها وتسمى سورة وعادة ما تكون هذه الآيات التي تنتظم في سورة معينة ترمي إلى هدف واحد أو أهداف معينة فيكون لكل سورة جوا معينا من المعاني هذا الجو يؤثر في جميع السورة أو في بعضها كما هو الحال في جو السورة المكية وجو السورة المدنية فاجواء السورة المكية اثبات العقائد وأصول الدين وأجواء السورة المدنية بث الأحكام الشرعية والأخلاق الإنسانية وهناك عدة أبحاث وكتب في هذا المضمون منها أن الدكتور عبد الله محمود شحاتة قد جمع هذه الأهداف في كتاب اسماه أهداف كل سورة ومقاصدها في القرآن الكريم كما أن العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان رضوان الله عليه قد اهتم اهتماما ملحوظا باهداف السورة وكتب في هذا الصدد ما يلي يقول الطباطبائي تفسير الميزان الجزء الأول صفحة 16 يعني في المقدمة إن لكل طائفة من هذه الطوائف من كلامه يعني كلام الله عز وجل نوعا من وحدة التأويل والتمام لا يوجد بين ابعاض من سورة ولا بين سورة وسورة ومن هنا نعلم أن الأغراض والمقاصد المحصلة من السور مختلفة وأن كل واحدة منها مسوقة لبيان معنا خاص ولغرض محصل لا تتم السورة إلا بتمامه وعلى هذا فالبسملة في مبتدأ كل سورة راجعة إلى الغرض الخاص من تلك السورة كل بسملة لها معنى خاص يتحدد من السورة إذن البسملة لها معنى عام ولها معنى خاص فلو كان أجواء السورة هو التقوى كما يقول البروفسور ايزودسو هذا البروفسور الياباني أكد على هذا الموضوع في بحث كلمات القرآن المحورية وقال في السور كل سورة توجد كلمات محورية والكلمات المحورية هي المفردات التي تدور حولها الآيات والمواضيع في السورة فهو يعتبر أن كلمة التقوى محورا لسورة البقرة فتصير البسملة في سورة البقرة هكذا معنى بسم الله الرحمن الرحيم اتقي وأحصن نفسي بالورع والتقوى إلى آخر المعاني.
وكتب أحد المعاصرين تفسيرا خاصا بهذه الأمور وطريقة خاصة للتفسير أطلق عليها التفسير البنائي وهو المرحوم الدكتور محمود البستاني صاحب كتاب الاسلام وعلم النفس، الإسلام وعلم الاجتماع، الإسلام والفن عنده تفسير مؤلف من خمسة اجزاء طبعته استان قدس رضوي حرم الإمام الرضا تحت عنوان التفسير البنائي للقرآن الكريم أو التفسير البنائي في القرآن الكريم فهو يقول إن كل سورة لها شجرة يمكن أن نرسم شجرة هذه الشجرة تبين بناء السورة كما أن الشجرة لها جذع أصلي ولها أغصان فرعية هو يجعل كل سورة هكذا ما هو البناء الأصلي للسورة غرس فكرة التقوى مثلا ثم ما هي الأمور الفرعية والوسائل الفرعية التي هي بمثابة الاغصان لتأصيل وتجذير هذه الفكرة والدكتور متخصص في البلاغة عنده كتاب دراسات فنية في قصص القرآن الكريم وعنده كتاب دراسات في صور القرآن الكريم كتابين فهو يركز على السياق تفسيره قائم على السياق، تفسيره البنائي يعني يركز على سياق السورة والمفردات الأساسية والمحورية التي تبتني عليها السورة.
وهنا يأتي البحث مثلا في مفردة الدين وغيرها من المباحث التي ذكرناها.
القسم الثاني من سياق السور السياق الخارجي ويراد به السياق الناتج من ارتباط الآية الأخيرة في السورة مع الآية الأولى في السورة التي بعدها وهذا البحث يرتبط ارتباطا وثيقا ببحث في علوم القرآن وهو هل ترتيب السور توقيفي أو لا فهناك عدة أبحاث:
البحث الأول هل ترتيب الحروف والكلمات في القرآن الكريم توقيفي أو لا؟ والجواب نعم توقيفي.
البحث الثاني هل ترتيب الآيات توقيفي أو لا؟ والجواب نعم توقيفي يعني وضع هذه الكلمة مكان هذه الكلمة ووضع هذه الآية بعد هذه الآية باذن الله وباشارة رسول الله صلى الله عليه وآله نعم وقع الخلاف في القسم الثالث هل ترتيب السور في القرآن المتداول اليوم توقيفي أو لا؟ ذهب البعض كالدكتور صبحي الصالح شارح نهج البلاغة في كتابه علوم القرآن إلى أن ترتيب السور أيضا توقيفي لكن المشهور أن ترتيب السور اجتهادي وليس توقيفيا وأن هذا المصحف المتداول اليوم لم يرتب على أساس ترتيب النزول بل مصحف الإمام علي عليه السلام بناء على القول المشهور هو مرتب على حسب ترتيب النزول وأما المصحف المتداول اليوم وهو المصحف العثماني والذي جمع في أيام عثمان بن عفان هو مصحف اجتهادي رتبه المسلمون في أيام عثمان بن عفان بناء على حجم السورة فجعلت السور السبع الطوال في المقدمة البقرة ثم آل عمران ثم النساء ثم المائدة إلى أن نكمل السور السبع الطوال ثم المثاني والمئيين إلى أن نصل إلى السور الصغار نختم بالناس وجعل افتتاحية المصحف سورة الفاتحة إذن هذا المصحف رتب بناء على حجم السورة وهذا الترتيب اجتهادي وليس توقيفي فلا معنى لربط نهاية السورة ببداية السورة اللاحقة نعم هذا البحث له ثمرة وميزة بناء على أن الترتيب توقيفي ولكن هذا البحث سواء كان الترتيب توقيفي أو اجتهادي بحث تأملي يفيد في التأمل والتدبر في القرآن الكريم لذلك نجد بعض التفاسير ركزت على ربط نهاية السورة السابقة ببداية السورة اللاحقة ومن هذه التفاسير التي ركزت على ارتباط السور في كل سورة تفسير مجمع البيان للطبرسي والفخر الرازي في مفاتيح الغيب فقد ذكروا نوع وعلاقة وجهة بداية كل سورة مع نهاية السورة التي قبلها كذلك ركز على هذه الرابطة الزركشي في البرهان الجزء الأول صفحة 130، هذا تمام الكلام في أنواع السياقات الاربعة وتطبيقاتها سياق المفردات، سياق الجمل، سياق الآيات سياق السور.
إلى هنا أخذنا النقطة الأولى مفهوم السياق، النقطة الثانية انواع السياق، النقطة الرابعة أدلة حجية السياق ومن الواضح أن السياق أقصى ما يفيد الظن والظن لا يغني من الحق شيئا نعم قد تشمله حجية الظهور وقد بحث بحث حجية الظهور اللفظي في علم أصول الفقه وبالتالي لو تعارض ظهور السياق مع ظهور آية أخرى أو ظهور رواية ففي هذه الحالة يقدم الأقوى ظهورا وبالتالي لابد أن نرجع إلى مدرك حجية الظهور وهو البناء العقلائي وسيرة العقلاء والعقلاء يعتمدون على حجية الظهور في خطاباتهم في أمور حياتهم ويرتبون عليها الثواب والعقاب ويحملون ظاهر اللفظ على المعنى الجدي للفظ ويرتبون عليه الآثار ومن هنا لابد من ملاحظة حجية الظهور والسياق يمثل قرينة متصلة إذ أن السياق مستفاد من المفردة أو الجملة أو الآية وكلها الفاظ النص القرآني وهو أحد الأصول في المحاورة العقلائية فانسجام النص يشكل قرينة من القرائن وبالتالي عموم أدلة حجية الظهور تشمل حجية السياق فيكون السياق حجة، هذا تمام الكلام في بحث القاعدة الأولى قاعدة السياق وأخذنا فيها ثلاثة ابحاث أولا مفهوم السياق ثانيا انواع السياق ثالثا ادلة حجية السياق، الأمر الرابع ضوابط وظروف حجية السياق يأتي عليها الكلام.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 21 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: منطق تفسیر القرآن
  • الجزء

    -

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
21 الجلسة