قواعد تفسير القرآن
شیخ الدقاق

018 - القواعد الخاصة بالتفسير {2}

قواعد تفسير القرآن

  • الكتاب: منطق تفسیر القرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    200

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
النقطة الرابعة ضوابط وظروف حجية السياق
كان الكلام في قواعد التفسير الخاصة ذكر المصنف ستة عشر قاعدة أولها قاعدة السياق القرآني وفيها عدة نقاط تطرقنا إلى النقاط الثلاث الأولى في الدرس السابق وهي أولا مفهوم السياق، ثانيا أنواع السياق، ثالثا أدلة حجية السياق وبهذه النقاط الثلاث نكون قد نقّحنا الموضوع والمحمول معا أي بينا معنى السياق أولا وبينا حكم السياق ثانيا اليوم نكمل بقية النقاط ونتطرق إلى النقطة الرابعة وهي ضوابط وظروف حجية السياق فلكي يتحقق السياق وتتحقق حجيته لابد من توفر ضوابط في السياق.
الضابط الأول الارتباط الصدوري عند النزول
الضابط الثاني الارتباط الموضوعي والمضموني بين الجمل
الضابط الثالث عدم تعارض السياق مع قرينة أقوى
وتفصيل ذلك الضابط الأول الارتباط الصدوري فلابد من ملاحظة نزول الآية فقد تكون آية واحدة لكنها طويلة وبعضها نزل في معنى والبعض الآخر منها نزل في معنا آخر تماما فإذن لا يوجد ترابط بين صدور صدر الآية مع وسط الآية مع ذيل الآية فإذا قمنا بجمع مجموعة كلام المتكلم فإن السياق الظاهر من تتابع الجمل واقترانها بعضها ببعض يدل على معنا معين وفي الغالب تكون كلمات الآية أو جمل الآية سياقها واحد ولكن أحيانا قد تأتي بعض الجمل ضمن الآية بمثابة الجملة المعترضة نذكر مثالين:
المثال الأول آية التطهير وهي قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وهي جزء من آية 33 من سورة الأحزاب ولو رجعنا إلى سورة الأحزاب وتحديدا هذه الآية سنجد أن هذه الآية طويلة وبعضها نازل في نساء النبي والبعض الآخر منها نازل في أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام فلو قرأنا الآية باجمعها على أنها نازلة في شيء واحد سنفهم أن هذه الآية هي باجمعها قد نزلت في نساء النبي "صلى الله عليه وآله" ولكن لو لحظنا نزول هذه الآيات وخصوصا بقرينة الكثير من الروايات الشريفة سندرك أن هذه الآية تختلف وأن بعضها نزل في نساء النبي والبعض الآخر نزل في أهل البيت عليهم السلام إذا نرجع إلى الآية 33 من سورة الأحزاب قبل هذه الآية تبدأ من آية 28 من سورة الأحزاب (يا ايها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن واسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما)، واضح هاتين الآيتين في نساء النبي.
الآية الثالثة (يا نساء النبي من يأتي منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين واعتدنا لها رزقا كريما) الشاهد الآن آية 32 (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلنا قولا معروفا) هنا الآن تأتي آية التطهير الآية 32 صدر الآية في نساء النبي (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله) إلى هنا الآية نزلت في نساء النبي الآن الضمير سيتغير من ضمير جمع النساء إلى ضمير جمع الرجال (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ـ ولم يقل عنكن الرجس ـ ويطهركم تطهيرا) إذن ذيل الآية وفي نهاية آية 33 النزول اختلف.
الآية التي بعدها الآية 34 (وأذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) إذن الأمر الأول الارتباط الصدوري يعني الارتباط في صدور الآيات ونزول الآيات مهم جدا.
مثال ثاني آية إكمال الدين وهي موجودة في آية طويلة في سورة المائدة ونفس الشيء آية الاكمال موجودة في الوسط، قبلها وبعدها عن ما حرم من الذبيحة وما يجوز أكله وما لا يجوز الآية صايرة في الوسط وهي الآية 3 من سورة المائدة بداية الآية (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكتيم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالازلام ذلكم فسق) إلى هنا الكلام في ما حرم من الذبيحة هنا يختلف الصدور الآن هناك صدر الآية نزل في المحرمات الدم والميتة والمتردية والنطيحة ولحم الخنزير ذيل الآية (اليوم يأس الذين كفروا من دينكم) اليوم يأس ما دخل اليأس في المتردية والنطيحة، هذا اليوم الذي يأس يوم ولاية أمير المؤمنين لما النبي "صلى الله عليه وآله" نصب أمير المؤمنين وليا على المسلمين من كنت مولاه فهذا علي مولاه، (اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) ما دخل ارتضاء الدين بالمنخنقة وتحريم أكل لحم الخنزير والدم، (ورضيت لكم الإسلام دينا) ثم تواصل الآية ذيل الآية (فمن اضطر في مخمصة غير ؟؟؟ لاثم فإن الله غفور رحيم) إذن صايرة آية الاكمال في وسط آية 33 قبلها وبعدها سياقه واحد متردية والنطيحة والأمور التي يحرم أكلها.
ثم الآية 4 يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح) إذن الآية 3 في المحرمات والآية 4 في المحللات، إذن لابد من رعاية الضابط الأول وهو ملاحظة الارتباط الصدوري يعني ملاحظة ارتباط الآيات في نزولها فهل هي نزلت بشأن واحد أو في شؤون متعددة والآيات التي تشكل سياقا هي الآيات التي نزلت لغرض واحد فآية الاكمال نزلت بغرض بيان إكمال الدين حينما نصب النبي محمد "صلى الله عليه وآله" علي بن أبي طالب خليفة من بعده وهذه الآية النازلة آية الاكمال لا ربط لها في نزولها بصدر الآية 3 وذيل الآية 3 الواردين في المتردية والنطيحة والمحرمات من الأكل، إذن الضابط الأول من ضوابط وظروف حجية السياق مراعاة الارتباط النزولي الارتباط في صدور الآيات التي يمكن أن تشكل سياقا واحدا.
الضابط الثاني الارتباط الموضوعي بين الجمل يعني لابد أن تكون الجمل موضوعها واحد ومضمونها واحد أي أن المفهوم من الكلمات والجمل يشكل مفهوم واحد ومطلب واحد فلو وجدت جملة معترضة بين جمل في سياق واحد فإن الجملة المعترضة لها مفادها والجمل التي اعترضتها هذه الجملة لها سياقها فآية الاكمال التي هي جملة معترضة لها سياقها وما قبلها وما بعدها من نفس آية رقم 3 من سورة المائدة لها سياقها في المحرمات من الأكل وهكذا آية التطهير التي هي جملة معترضة لها سياقها وما قبلها وما بعدها مما ورد في نساء النبي له سياقه الخاص به.
عندنا سورة يقال لها سورة القيامة (لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة أيحسب الإنسان...) في نهاية هذه السورة (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه) قد يتوهم متوهم أن هذه الآيات ترتبط بالبعث والمعاد يوم القيامة لأنها وردت في سورة القيامة لكن مضمونها يختلف عن مضمون يوم القيامة مضمونها يتعلق بالقرآن الكريم لا تحرك به لسانك لتعجل به يعني لا تعجل بقراءة القرآن إن علينا جمع القرآن وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه، هذا تمام الكلام في الضابط الثاني، إذن لابد من ملاحظة ضابطين الضابط الأول الضابط الصدوري والنزولي، الضابط الثاني الضابط المضموني والموضوعي والمفهومي للآيات التي تشكل سياقا واحدا.
هذان الأمران الأول والثاني بلحاظ المقتضي الضابط الثالث بلحاظ عدم المانع، الضابط الثالث عدم تعارض السياق مع قرينة أخرى فإذا كان النزول واحدا والمعنى والمفهوم والموضوع واحدا تشكل سياق قرآني والسياق القرآني ظني وليس قطعيا فإذا وجدت قرينة أقوى منه قدمت القرينة الأقوى منه، نعم لو كانت قرينة السياق هي الأقوى فحينئذ تقدم وبالتالي الذي يتصور أن قرينة السياق إما تعارض اللغة العربية أو تعارض آية قطعية أو تعارض رواية قطعية أو تعارض رواية ظنية أو تعارض دليل عقلي قطعي فحينئذ إن عارض سياق الآية معنى لغوي أو رواية ظنية فالمقدم هو السياق القرآني لأن السياق القرآني هو المعين للمعنى اللغوي والسياق القرآني أقوى من ظهور الرواية الظنية فيقدم وأما إذا تعارض السياق القرآني مع دليل عقلي قطعي أو مع رواية قطعية أو تعارض السياق القرآني مع آية قرآنية دلالتها قطعية فيقدم القطع على الظن فالقطع الحاصل من الآية أو الرواية أو العقل مقدم على الدليل الظني، هذا بشكل موجز ومختصر.
وأما بشكل مفصل فنقول هكذا توجد عندنا عدة حالات نتطرق إلى خمس حالات:
الحالة الأولى تعارض السياق مع المعنى اللغوي للمفردة وفي هذه الحالة فإن السياق هو المقدم على المعنى اللغوي وقد بحثنا معنى مفردة الدين ومعنى مفردة الأمة واتضح أن الدين يأتي بأربعة معاني والأمة تأتي بثلاثة معاني والمعين لهذا المعنى هو السياق، هذا تمام الكلام في الحالة الأولى تعارض السياق مع المعنى اللغوي للمفردة.
الحالة الثانية تعارض السياق مع الآيات القرآنية المحكمة يعني التي معناها واضح كأن يقول نصا في المعنى أو قطعيا فحينئذ أمرنا بإرجاع الآيات المتشابهة إلى الآيات المحكمة فتكون الآية المحكمة واضحة الدلالة حاكمة ومقدمة على السياق الظني الدلالة.
الحالة الثالثة تعارض السياق مع دليل قطعي عقلي مثل قوله تعالى (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) وعادة البيعة تكون بالمصافحة باليد فلو خلينا نحن وسياق الآية فإنها تثبت أن لله يدا للبيعة يداً جسمانية ولكن قام الدليل القطعي على أن الله ليس بجسم كما أن الآية المحكمة دلت على نفي التجسيم فهي تقول ليس كمثله شيء فحينئذ حصل تعارض بين السياق الظني وبين الآية المحكمة كما في الحالة الثانية وبين الدليل العقلي القطعي فالمقدم هو الآية المحكمة والدليل العقلي القطعي فنحمل يد الله فوق أيديهم يعني قدرة الله فوق قدرتهم نلجأ إلى التأويل تقدير خلاف الظاهر.
الحالة الرابعة تعارض السياق مع الرواية القطعية، الرواية القطعية إما متواترة أو ظنية محفوفة بقرائن قطعية في هذه الحالة تقدم الرواية القطعية وهذا ما عمله الشيعة الإمامية في آية التطهير وآية اكمال الدين فبقرينة السياق تكون آية التطهير ضمن سياق الآيات الواردة في نساء النبي وهكذا آية اكمال الدين تكون ضمن سياق ما حرم من الأكل ولكن ببركة الروايات القطعية التزمنا بأن آية التطهير واردة في أهل البيت عليهم السلام والتزمنا بأن آية اكمال الدين واردة في بيعة الغدير.
الحالة الخامسة تعارض السياق مع الروايات الظنية وهنا مسلكان:
المسلك الأول من يرى أن الروايات الظنية لا تخصص الآيات القرآنية وهو ما نبني عليه فحينئذ دائما يكون السياق القرآني مقدما على الروايات الظنية وهذا أيضا ما يبني عليه صاحب الميزان فهو يرى أن الدليل الروائي الظني لا يقيد الدليل القرآني الظني لأن القرآن وصلنا بالتواتر والعلم ولا يتصرف فيه إلا بمقتضى العلم لا الظن نعم التزمنا في خصوص آيات الأحكام أنها قابلة للتخصيص بالروايات فحينئذ يلحظ الأقوى ظهورا هل الرواية أقوى ظهورا أو الآية أقوى ظهورا.
المسلك الثاني من يرى أنه يمكن تخصيص القرآن الكريم بالروايات الظنية كما هو مسلك مبنى الطريقية والعلمية للسيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله فبناء على هذا المسلك أو مسلك من يقول إن الروايات الظنية خبر الواحد يمكن أن يخصص القرآن في هذه الحالة يمكن التخصيص فيلحظ أقوى الظهورين إذا نراجع تفسير الميزان نلاحظ أن العلامة الطباطبائي لا يرى حجية خبر الواحد في تخصيص القرآن بل يقدم السياق الظني للآية على الرواية الظنية، هذا تمام الكلام في النقطة الرابعة.
النقطة الخامسة أصالة السياق أو أصالة عدم السياق
يقولون الأصل العدم فلو شككنا في مورد من الموارد في آيات القرآن هل يوجد سياق يمكن التمسك به أو لا يوجد فهل تجري أصالة السياق أو أصالة عدم السياق والأصالة دائما تجري في ظرف الشك فحينما تقول أصالة الحقيقة يعني لو شككنا هل استعمال اللفظة في المعنى استعمال الحقيقي أو مجازي فالأصل أن يكون استعمالا حقيقيا لا مجازيا دائما ظرف الأصالة هو الشك فلو جاءنا مورد من الموارد من آيات كتاب الله وشككنا هل يوجد سياق فنتمسك بالسياق الظني للقرآن أو أصلا لا يوجد سياق ذهب الشيخ محمد هادي معرفة رحمه الله في التمهيد في علوم القرآن الجزء الأول صفحة 280 إلى أن السياق موجود في القرآن الكريم وهذا واضح إذ أنه في المحاورات العرفية كل مجموعة من الألفاظ تجتمع وتنتظم فإنها تشكل سياقا من السياقات فكيف بكتاب الله الذي نزل على نحو الاعجاز فإذا شككنا يوجد سياق أو لا فالأصل وجود سياق فنتمسك بأصالة السياق وقال بعضهم إن السياق متحقق ومحفوظ في موارد:
المورد الأول المورد الذي يراعا فيه ترتيب النزول
المورد الثاني المورد الذي لم يراعا فيه ترتيب النزول لكن كان بأمر الرسول صلى الله عليه وآله مثل الآن آية اكمال الدين النبي قال ضعوها في هذا الموضع في الآية الثالثة من سورة المائدة فهذا توقيفي فبملاحظة ترتيب النزول أولا ووصية الرسول ثانيا تكون أغلب آيات القرآن قد ثبت فيها السياق بل ندعي ونقول كل آيات القرآن لأننا نبني على أن ترتيب الكلمات أولا والآيات ثانيا توقيفي وليس اجتهاديا نعم يغيب السياق في السور لأننا نرى أن ترتيب السور اجتهادي وليس توقيفيا، النتيجة النهائية أصالة السياق ثابتة ومتحققة في جميع الآيات والكلمات القرآنية إلا إذا دل الدليل على رفع اليد عن ظاهر السياق، هذا تمام الكلام في النقطة الخامسة قلنا النقطة الرابعة ضوابط وظروف حجية السياق، النقطة الخامسة أصالة السياق.
النقطة السادسة دور السياق في التفسير الموضوعي والتفسير الموضوعي على نحويين:
النحو الأول أن نطرح سؤالا على القرآن الكريم ونجيب عليه من الآيات المختلفة مثلا نطرح موضوع العلمانية، التعددية السياسية، الليبرالية، القومية، لنرى أن القرآن ماذا يجيبنا هذا نحو موضوع لم يتطرق إليه القرآن بشكل مفصل ولكن يمكن أن يجيبنا عليه القرآن من خلال معرفة روح آيات القرآن الكريم.
الطريقة الثانية أن نختار موضوع قرآني الإنسان في القرآن الكريم، الله في القرآن الكريم، النبوة في القرآن الكريم، المعاد في القرآن الكريم، هذا أيضا تفسير موضوعي بحيث نبحث جميع هذه الآيات وبالتالي نشير إلى أربع نقاط في التفسير الموضوعي.
النقطة الأولى أولا من اللازم الالتفات إلى التفسير الترتيبي قبل الخوض في التفسير الموضوعي لأننا إذا خذنا في التفسير الموضوعي من دون أن نخوض في التفسير الترتيبي فقد نفهم المفردات فهما خاطئاً فإن مفردة الأمة وردت بعدة معاني ومفردة الدين وردت بعدة معاني فقد نجمع الآيات الواردة في الدين بمعنى الشريعة وبعضها لم يرد بمعنى الشريعة بل ورد بمعنى الوقت دين الملك أو ورد بمعنى الجزاء مالك يوم الدين فيقع الخلل من هذه الأمور ما استدل به بعضهم من قوله تعالى (والذين هم للزكاة فاعلون) وحمل الزكاة على الزكاة الضريبة المشرعة في الفقه الإسلامي والحال إن هذه الآية من سورة المؤمنين وسورة المؤمنون مكية والزكاة لم تشرع في مجتمع مكة وإنما شرعت في مجتمع المدينة فيكون المراد بقوله والذين هم للزكاة فاعلون يعني الانفاق في سبيل الله لا الضريبة الخاصة وهذا مطلب يتكرر كثيرا تدرس مفردة الفتنة تدرس مفردة الكتاب مفردة الأمة مفردة الدين إذن النقطة الأولى البحث الموضوعي ينبغي أن يسبق ببحث تجزيئي ترتيبي فالتفسير الموضوعي لابد أن يسبق بالتفسير الترتيبي للآيات.
النقطة الثانية لا يمكن للمفسر في التفسير الموضوعي أن يلتزم دائما بسياق الآيات بل قد يلتزم بخلاف سياق الآيات لأن تجميع الآيات المتشابهة وأراجعها إلى الآيات المحكمة قد يؤدي إلى نتيجة خلاف السياق مثلا تجمع الآيات الواردة في يد الله يوم يكشف عن ساق العرش الكرسي وجوه يومئذ ناظرة كلها تجمعها وتقارن بينها وبين الآيات المحكمة ليس كمثله شيء فحينئذ لا تتمسك بالسياق وإنما ترجع الآيات المتشابهة إلى الآيات المحكمة.
النقطة الثالثة لابد أن يلحظ أن بعض الآيات جاءت كجملة معترضة مثل آية كمال الدين مثل آية التطهير فالذي يبحث في البحث الموضوعي والتفسير الموضوعي لابد أن يلحظ أن هذه الآيات جاءت ضمن السياق العام أو جاءت كجملة معترضة فلابد أن يلحظ نزول الآيات.
النقطة الرابعة لابد للمفسر حينما يفسر الآيات العلمية التي وردت في الأبحاث الموضوعية العلمية التي تطرق إليها القرآن الكريم مثل بعض الأمور التي قد يفهم منها الفيزياء أو الكيمياء أو الأحياء أو الفلك أو الجيلوجية لابد أن يفهم أن هذه الآيات لم تأتي لتقنين علم معين كعلم الفيزياء أو الكيمياء أو الجيلوجية أو الفلك وإنما هي إشارات علمية والغرض منها الهداية الربانية يعني الغرض من جميع هذه الآيات هداية الإنسان وإن كان هذه الآيات تطرقت إلى إشارات علمية فليس الغرض من الآيات العلمية تقنين علم معين وإنما الغرض هداية الناس عن طريق هذه الاشارات العلمية، هذا تمام الكلام في التفسير الموضوعي وأثر السياق ونختم بهذه النكتة المهمة جدا وهو أن المفسر في التفسير الموضوعي يدور بين محذورين بين التمسك بالسياق أو عدم التمسك بالسياق بالتالي إن لم يتوجه المفسر الموضوعي إلى السياق قد يصاب بالتفسير بالرأي ويفسر القرآن وفقا لمزاجه فهو يضرب بالسياق القرآني عرض الحائط ويفسر القرآن وفق مزاجه ووفق ما يجمع به الآيات القرآنية وهذا مشكل، هذا المحذور الأول في ترك التمسك بالسياق فإن آفته الوقوع في التفسير بالرأي ومن فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار.
المحذور الثاني لو تمسك بالسياق تمسكا حرفيا فإنه لن يستطيع أن يجيب على الاسئلة المستجدة وسيبقى القرآن جامدا لا يجيب على الأسئلة المعاصرة والحديثة وبالتالي لابد أن يلجأ المفسر إلى طريق وسط لا يتمسك بالسياق تمسكا جامدا حرفيا وبالتالي يكون القرآن كتاب جامد لا يجيب على الاسئلة المعاصرة وفي ونفس الوقت لا يترك السياق للإجابة على الاسئلة المعاصرة فيقع في التفسير بالرأي، هذا تمام الكلام في القاعدة الأولى من قواعد التفسير المختصة وهي قاعدة السياق القرآني، القاعدة الثانية مهمة جدا قاعدة الجري والتطبيق يأتي عليها الكلام.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 21 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: منطق تفسیر القرآن
  • الجزء

    -

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
21 الجلسة