قواعد تفسير القرآن
شیخ الدقاق

019 - قاعدة الجري والتطبيق

قواعد تفسير القرآن

  • الكتاب: منطق تفسیر القرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    200

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
القاعدة الثانية من القواعد المختصة بتفسير القرآن الكريم قاعدة الجري والتطبيق، هذه القاعدة من القواعد المهمة جدا في تفسير القرآن الكريم وقد ذكرت قاعدة الجري في روايات أهل البيت عليهم السلام وفي أحاديثهم في صدر الإسلام ولكنها لم تحض باهتمام المفسرين والمتخصصين في علوم القرآن نعم في الازمنة المتأخرية تناولت الكثير من الكتب في علوم القرآن والتفسير هذه القاعدة وإن تناولها البعض بأسماء أخرى فنجد الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي المتوفى سنة 1376 هجرية قمرية تناول جزئيات هذه القاعدة في كتابه القواعد الحسان لتفسير القرآن في قاعدة رقم 21 واعتبرها قاعدة جليلة عظيمة ولكنه لم يذكر اصطلاح الجري بل أشار إلى تطبيق التعاليم الارشادية للقرآن على الحالات والمسائل المعاصرة على أساس العرف والعادة ولكن بعض المفسرين المتأخرين اهتموا كثيرا بهذه القاعدة كالعلامة الطباطبائي في تفسير الميزان الجزء الأول صفحة 41 و42 واستخدمها في تفسير الآيات واعتبرها قاعدة وهذا الاصطلاح مأخوذ من كلمات أهل البيت عليهم السلام.
المفاهيم النقطة الأولى من المفاهيم المعنى اللغوي للجري والتطبيق كلمة الجري في الأصل تدل على الحركة المنظمة والدقيقة في المكان طولا وانسياح الشيء يقال جرى الماء يجري جرية مثل جريان الماء أو السفينة في البحر أو الشمس ويوجد الكثير من اللغويين لم يقيدوا كلمة الجري بالمكان بل اعتبروا كلمة الجري خلاف السكون لا غير وأما كلمة التطبيق فهي في الأصل بمعنى وضع الشيء على آخر بشكل يغطيه ويساويه.
النقطة الثانية المعنى الاصطلاحي للجري والتطبيق
ذكر العلامة الطباطبائي "رحمه الله" في تفسير الميزان الجزء السادس صفحة 41 ـ 42 إن اصطلاح الجري أخذ من أحاديث أهل البيت عليهم السلام ثم أشار إلى تلك الروايات وكتب في تعريف قاعدة الجري ما يلي وهذا منهج أهل البيت عليهم السلام فإنهم يطبقون الآية القرآنية على موارد تقبل الانطباق عليها وإن كانت خارجة عن مورد نزول القرآن فهو يطبق قوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) على الإمام علي عليه السلام والذي جاء ذكره في الروايات، طبعا لفظة التطبيق لم ترد في الروايات، الوارد في الروايات هو خصوص لفظ الجري وأما لفظ التطبيق فقد جرى في الاصطلاح يمكن تعريف الجري والتطبيق بهذا التعريف نقول الجري والتطبيق هو عبارة عن انطباق ظاهر ألفاظ الآيات القرآنية على مصاديق مغايرة لما نزلت حوله آيات القرآن الكريم فمثلا لو نزلت آية من كتاب الله في مصداق معين ولكن ظاهر الآية فيه عموم أو إطلاق ولم يقيد بذلك المصداق وأمكن تطبيق هذا الظاهر على مصداق آخر غير المصداق الذي نزلت فيه الآية فحينئذ يمكن أن نجري بالآية أي نحركها ونطبقها على مصداق آخر.
مفهوم الجري والتطبيق وما يميزه عن المصطلحات المشابه له نذكر جملة من المصطلحات لكي يتضح الفارق بين مفهوم الجري والتطبيق وبينها:
المصطلح الأول التفسير وهو بمعنى الكشف والابانة فالتفسير عبارة عن رفع الستار عن إبهام الكلمة والجمل القرآنية وتوضيح مقاصدها واهدافها.
المصطلح الثاني التأويل وله معان كثيرة ولكن المشهور عند المتأخرين أن التأويل هو بيان المعنى المخالف لظاهر الآية اعتمادا على قرينة عقلية أو نقلية.
المصطلح الثالث البطن وله معان عديدة نقتصر على ذكر المعنى الذي ذهب إليه الشيخ محمد هادي معرفة "رحمه الله" في التفسير الأثري الجامع، البطن هو أخذ القاعدة الكلية من الآية بعد إلغاء خصوصيتها وانطباقها على مصاديق جديدة.
المصطلح الرابع مصطلح الجري والتطبيق وهو عبارة عن انطباق ظاهر القرآن الكريم أي الكلمات والآيات والجمل والذي هو المفهوم الكلي سواء كان عاما أو مطلقا على المصاديق الجديدة الحاصلة على مر العصور والأجيال واختلاف الأماكن وبالتالي لا يختلف الأمر سواء نزلت الآية في مصداق معين أو في قضية وحادثة معينة أو لم تنزل الآية في قضية أو حادثة إذا اتضحت هذه المصطلحات الأربع نبين الفارق بين مصطلح الجري والتطبيق وبين بقية المصطلحات وقبل أن نبين الفارق نذكر مثالا للجري والتطبيق حتى تتضح الصورة.
جاء في تفسير قوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال الصراط المستقيم يعني أمير المؤمنين عليه السلام ومن الواضح أن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه واثبات أن الصراط المستقيم هو أمير المؤمنين لا ينفي أن غيره ليس بصراط مستقيم ومن هنا جاء في رواية أخرى عن الإمام السجاد عليه السلام قوله نحن أبواب الله ونحن الصراط المستقيم فالروايات طبقت الصراط المستقيم على جميع أهل البيت كما على الإمام الباقر وطبقت الصراط المستقيم على خصوص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فما الفارق بين الجري والتطبيق والمفاهيم الثلاثة الأول التفسير، التأويل، البطن.
أما المفهوم الأول وهو التفسير وقد اتضح أن التفسير هو رفع الغموض والابهام عن ظاهر اللفظ ومن الواضح أن الجري والتطبيق هو عبارة عن التمسك بظاهر اللفظ لبيان مصاديق جديدة للفظ فالجري والتطبيق الذي هو عبارة عن بيان مصاديق جديدة للفظ تفسير للفظ فيكون جري والتطبيق عبارة عن تفسير للقرآن الكريم ببيان مصاديقه تفسير لظاهر ألفاظ القرآن الكريم عن طريق بيان مصاديقها لا بيان مفاهيمها فيصير نوع من أنواع التفسير الجري والتطبيق.
وأما بالنسبة إلى التأويل قلنا إن التأويل بيان المعنى المخالف لظاهر الآية والجري والتطبيق بيان المصداق الموافق لظاهر الآية فالفارق بين الجري والتطبيق والتأويل أن الجري والتطبيق موافق لظاهر الآية بيان المصداق الموافق لظاهر الآية بخلاف التأويل فإنه بيان للمعنى المخالف لظاهر الآية إذن بينهما بول شاسع الجري والتطبيق يلحظ الظاهر والتأويل يلحظ ما يخالف الظاهر مثل قوله تعالى عن الإمام الباقر (فلينظر الإنسان إلى طعامه) قال أي إلى علمه ممن يأخذه نقل الكلام من مفهوم الطعام المادي إلى الطعام المعنوي وهو العلم فالإمام الباقر بيّن المعنى المراد في التأويل من الأول والرجوع أولا بين المعنى خلاف الظاهر ثانيا بين المفهوم العلم إذن يوجد فارقان بينهما الجري والتطبيق يلحظ الظاهر والتأويل يلحظ خلاف الظاهر، الجري والتطبيق يلحظ المصداق الموافق للظاهر التأويل يلحظ المفهوم المخالف للظاهر هذا تمام الكلام في بيان الفارق بين الجري والتطبيق والتأويل.
وأما الفارق بين الجري والتطبيق والبطن فما هو المراد بالبطن؟ قلنا إلغاء خصوصيات الآية الزمانية والمكانية وغير ذلك وانتزاع مفهوم كلي وتطبيقه هذا هو المراد بالبطن، كل منهما يتفق في شيء وهو العناية بالظاهر فالجري والتطبيق يلحظ الظاهر والبطن أيضا يلحظ الظاهر ولكن الجري والتطبيق يطبق الظاهر مباشرة من هو الصراط المستقيم؟ علي بن أبي طالب وأما البطن فهو يطبق الظاهر عن طريق غير مباشر أولا يلغي الخصوصيات في الظاهر ثم ينتزع المفهوم الكلي من الظاهر ثم يطبق الظاهر وبالتالي في الجري والتطبيق ننطلق من الكلي إلى الجزئي من الصراط المستقيم كلي إلى علي بن أبي طالب جزئي مباشرة وأما في البطن أولا ننطلق من الجزئي إلى الكلي من الآية التي فيها خصوصيات جزئية نجرد الخصوصيات الزمانية والمكانية والقيود وننتزع مفهوم كلي ثم ننطلق من الكلي إلى الجزئي نطبق القانون الكلي الذي انتزعناه بعد إلغاء الخصوصيات على جزئيا، إذن في البطن توجد حركتان الحركة الأولى من الجزئي إلى الكلي الحركة الثانية من الكلي إلى الجزئي بخلاف الجري والتطبيق توجد حركة واحدة من الكلي إلى الجزئي إذن يتفق الجري والتطبيق مع البطن في أن كلا منهما يتناول ظاهر الآية لكن الجري والتطبيق يطبق ظاهر الآية مباشرة يفسر ظاهر الآية مباشرة وأما البطن فإنه يفسر ظاهر الآية عن طريق غير مباشر أولا يلغي الخصوصيات فينتقل من الجزئي إلى الكلي وبعد الحصول على الكلي يطبق الكلي على الجزئيات، هذا تمام الكلام في بيان الفارق بين مفهوم الجري والتطبيق وبين التفسير والتأويل والبطن.
مثال للبطن مثلا (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) (أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين) إلى أن نأتي إلى بلقيس قبل هذا (وإني باعثة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون) أولا نلغي حيثية المكان وهي سبأ في اليمن وسليمان نلغي حيثية الزمان نلغي حيثية الأشخاص كون سليمان ملك وكون بلقيس ملكة ننتزع هذا المفهوم أن الملوك لا يفهمون إلا منطق القوة وأنهم عند تشكيكهم أو عدم معرفتهم بقوة الطرف الآخر يلجأون إلى ترغيبه بهدية هذا مفهوم كلي هذا انتزعناه من بطن الآية، هذا الباطن أخذناه من الظاهر ما أخذناه من باطن الآية فأولا قمنا بإلغاء الخصوصيات الزمانية والمكانية والأشخاص ثم انتزعنا قاعدة كلية أن الملوك لا يعرفون إلا منطق القوة وإذا جهلوا خصمهم فإنهم يبذلون الهدية وهكذا مثلا نحن أولوا قوة المستشارين تنتزع أن الملك يحاط بمستشارين قد يظللونه ويوهمونه أنك أنت قوي وكذا وكذا وكذا إذا الغيت خصوصية بلقيس والمستشارين الخاصين لها تستخرج مفاهيم ونكات كثيرة من القرآن الكريم بإلغاء الخصوصيات الزمانية والمكانية والأشخاص بانتزاع مفهوم كلي فإذن انتقلت أولا من الجزئي إلى الكلي ثم من الكلي تطبقه تقول نعم فعلا هذا الملك في زماننا هذا اوهموه في هذه الحالة صار جري تطبيق من هنا يعلم أن الجري والتطبيق على قسمين قسم تطبق ظاهر الآية مباشرة القسم الثاني تطبق ظاهر الآية عن طريق غير مباشر عن طريق انتزاع المفهوم المبطون.
يبقى الفارق بين الجري والتطبيق والتأويل، التأويل مأخوذ من الأول أخذناه، الخلاصة الجري والتطبيق نوع من أنواع التفسير، الجري والتطبيق يختلف مع التأويل في الظاهر وغير الظاهر لأن التأويل خلاف الظاهر والجري والتطبيق يختلف مع البطن في المباشرة وعدم المباشرة.
صاحب الميزان أعلى الله مقامه الشريف أشار إلى هذين النوعين ببرقية تفسير الميزان الجزء الثاني صفحة 72 نقرأ كلامه هكذا يقول التعليق على هذه الرواية، هذه الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام يقول ظهره تنزيله وبطنه تأويله منه ما مضى ومنه ما لم يكن يجري كما يجري الشمس والقمر، لاحظ القيد الأول ظهره تنزيله يعني يمكن من التنزيل من القرآن النازل أن تأخذ اللفظ الظاهر وتطبقه هذا تأخذ منه قاعدة الجري والتطبيق وبطنه تأويله هذا تأخذ منه الجري والتطبيق بلحاظ المعنى المبطون بلحاظ البطن يعني إذا الغيت الخصوصيات آل الأمر ورجع الأمر إلى ظاهر هذا الظاهر كان مبطونا عنك وليس واضح عندك، أنت حينما تلغي الخصوصيات يصير المعنى الباطن ظاهر وهو من الظاهر طبعا.
صاحب الميزان يقول هكذا تعليق على هذه الرواية وقوله منه ما مضى يأتي ظاهره رجوع الضمير إلى القرآن باعتبار اشتماله على التنزيل والتأويل فقوله يجري كما يجري الشمس والقمر يجري فيهما معا فينطبق في التنزيل على الجري الذي اصطلح عليه الأخبار في انطباق الكلام بمعناه على المصداق كانطباق قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) على طائفة من المؤمنين الموجودين في الأعصار المتأخرة عن زمان نزول الآية وهذا نوع من الانطباق إذن هذه الآية الأولى ظهره تنزيله وكونوا مع الصادقين لما الآية قالت الصادقون علي بن أبي طالب الصادقون فلان هذا جري وتطبيق يعني طبقنا ظاهر التنزيل مباشرة على مصاديق ثم يقول صاحب الميزان وكانطباق آيات الجهاد على جهاد النفس هي آيات جهاد يعني ظاهرها القتال في المعركة نطبقها على جهاد النفس يعني جردنا خصوصية السلاح الزمان المكان وكانطباق آيات الجهاد على جهاد النفس وانبطاق آيات المنافقين على الفاسقين من المؤمنين يعني تلغي خصوصية النفاق أن يكون الظاهر خلاف الباطن وأن تظهر الإيمان وتبطن الشرك والكفر إذا الغيت هذه الخصوصية الظاهر والباطن يبقى مفهوم الفسق هو فاسق يقول وانطباق آيات المنافقين على الفاسقين من المؤمنين وهذا نوع آخر من الانطباق أدق من الأول لاحظ الميزان العلامة الطباطبائي عالم لكن تفسيره ليس كل واحد يفهم إليه يعني يحتاج إلى علماء ينتزعون المفاهيم منه، إذن صاحب الميزان "رحمه الله" أشار إلى كلا النحويين من الجري والتطبيق.
طبعا المشهور هو النحو الأول يعني تطبيق ظاهر الآية على المصداق مباشرة، الانطلاق والتحرك من الكلي إلى الجزئي مباشرة بخلاف المعنى الثاني وهو أولا تنطلق من الجزئي إلى الكلي ثم من الكلي وتطبقه على الجزئي هذا عادة يعبر عنه بالبطن بطن الآية.
إشكال الجري والتطبيق
نذكر شكلين أو ثلاثة:
الشكل الأول الجري والتطبيق بمعونة الآيات
الشكل الثاني الجري والتطبيق بمعونة الروايات
الشكل الثالث الجري والتطبيق بمعونة القرائن غير النقلية كالقرائن العقلية أو القرائن التاريخية القطعية.
النحو الأول الجري والتطبيق بمساعدة القرائن القرآنية مثال ذلك قوله تعالى (صراط الذين انعمت عليهم) تسأل من هم الذين انعم الله عليهم ما هي مصاديق الذين انعم الله عليهم تقرن هذه الآية بآية أخرى قوله تعالى (ومن يطع الله ورسوله فؤلئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) فتعرف أن مصاديق الذين أنعم الله عليهم هم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ومن شاكلهم وماثلهم هذا جري وتطبيق بمعونة الآيات هذا تفسير القرآن بالقرآن يطلق عليه تفسير ويطلق عليه جري وتطبيق.
الشكل الثاني الجري والتطبيق بمساعدة الروايات وذكرنا اهدنا الصراط المستقيم قال الصادق عليه السلام هو أمير المؤمنين عليه السلام أو في رواية أخرى عن الإمام السجاد نحن أبواب الله ونحن الصراط المستقيم.
الشكل الثالث الجري والتطبيق بمساعدة القرائن غير النقلية كالقرائن العقلية أو العقلائية أو القرائن الأدبية القطعية أو القرائن التاريخية القطعية أو القرائن العلمية التجريبية القطعية فإنها تؤثر في ذلك.
مثلا قوله تعالى (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) تذكر مصداق البلاء جائحة كرونا الذي نعيش فيها في هذه الأيام وانتشار الوباء قبل كرونا تقول أحداث زلزلة قبل الزلزلة تقول السيل الذي جرف خوزستان في عام 2020.
النقطة الأخرى استخدامات قاعدة الجري والتطبيق
الجري يشير إلى الجري على المفهوم تحريك مفهوم ظاهر الآية، التطبيق يعني بيان تطبيق هذا المفهوم ومصداقه (اهدنا الصراط المستقيم) الصراط المستقيم مفهومه الطريق الموصل تجري على هذا المفهوم وتأتي بمصدايق تقول هو علي بن أبي طالب عليه السلام.
مثال آخر (إنا أعطيناك الكوثر) ما هو مفهوم الكوثر؟ ترجع إلى اللغة الخير الكثير تجري على هذا المفهوم العام يعني تتمسك بهذا المفهوم وتطبقه على مصاديق جديدة فتقول الكوثر هو فاطمة سلام الله عليها فإن نسل رسول الله منها هو نهر في الجنة يقال له الكوثر.
استخدامات قاعدة الجري والتطبيق
الأول بيان مصاديق الألفاظ العامة
الثاني بيان مصاديق الألفاظ المطلقة
الثالث بيان المصاديق تبعا للأحوال والأفعال
أما الأول بيان مصاديق الألفاظ العامة فهو أن تأتي آية فيها عموم والمراد بالعموم ألفاظ وضعها الواضع اللغوي للدلالة على العموم كلفظ جميع جمعاء قاطبة الجمع المحلى بألف ولام لفظ كل وغير ذلك هذا اللفظ الذي فيه عموم وضعي تطبقه على مصاديق خاصة فتطبق المفهوم العام الذي دل عليه العموم اللفظي على مصداق خاص مثاله قوله تعالى (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) الأبرار جمع، أبرار جمع بر حلي بألف ولام الأبرار يعني كل الأبرار، إن الأبرار يعني إن جميع الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم، فجار جمع فاجر حلي بألف ولام يعني وإن جميع الفجار لفي جحيم هذان لفظان عامان قال الباقر عليه السلام نحن هم والفجار هم عدونا بين مصداق العام وهو الأبرار أنهم أهل البيت ومصداق العام الآخر وهم الفجار وهم أعداء أهل البيت عليهم السلام.
مثال آخر قوله تعالى (وكونوا مع الصادقين) الصادقين جمع صادق حلي بألف ولام طبق على الإمام علي والأئمة، قوله تعالى (ولكل قوم هاد) هنا النكرة في هذا السياق قد تدل على العموم الإمام عليه السلام يقول ولكل قوم هاد يقول هو الإمام في كل زمان، هذا تمام الكلام في الاستخدام الأول بيان مصاديق الألفاظ التي فيها عموم.
والقسم الثاني بيان مصاديق الألفاظ التي فيها إطلاق فالاطلاق فيها قد استفيد ببركة مقدمات الحكمة لا العموم اللفظي مثل قوله تعالى (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) الذين آمنوا هذا إطلاق في الرواية عن أبن عباس المقصود من الذين آمنوا اليوم هو علي والذين أجرموا منافقوا قريش هذا جري وتطبيق لمطلق.
مثال آخر قوله تعالى (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) الإطلاق يعلمون لا يعلمون فعن الإمام الباقر عليه السلام نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون هذا جري وتطبيق.
مثال آخر (غير المغضوب عليهم والضالين) الرواية تقول غير المغضوب عليهم النصارى الضالين اليهود، هذا بيان إلى مصداق لمطلق الضال مطلق الضال المغضوب عليه مطلق المغضوب عليه جاءت الآية وبعض الروايات من لا يعرف إمام زمانه ما شاء الله يمكن ذكر الكثير من الأمثلة إذ أن إثبات الشيء لا يعني نفي ما عداه لذلك كتب أحدهم كتاب تحت عنوان أنوار القرآن وذكر فيه ألف آية نزلت في الأئمة عليهم السلام هنا ليس المراد حصر نزول الآيات في الأئمة عليهم السلام بمقتضى الروايات وإنما المراد أن الروايات طبقتها على الأئمة عليهم السلام.
الاستخدام الثالث تعيين المصاديق تبعا لاختلاف الأحوال والافعال يعني مثل ما عندنا عموم افرادي عندنا عموم ازماني هكذا في العموم كذلك هنا في الجري والتطبيق إما تطبيق بلحاظ اختلاف الأفراد وإما تطبيق بلحاظ اختلاف الأحوال مثال ذلك قوله تعالى (وبالوالدين احسانا) ما هو مصداق الإحسان في الزمن الغابر؟ أن يطعم أبويه أن يسكن أبويه أن تكون أخلاقه حسنة مع أبويه هذا مصداق الإحسان، وبالتالي يمكن أن تتعدد مصدايق الكلي تبعا باختلاف الأحوال والافعال، هذا تمام الكلام في تعيين المصاديق تبعا للاحوال والافعال، إذن استخدامات قاعدة الجري الاستخدام الأول بيان مصاديق الألفاظ العامة.
الاستخدام الثاني بيان مصاديق الألفاظ المطلقة، هذا بيان مصاديق الألفاظ المطلقة فيه قسمان القسم الأول تعيين المصاديق الفردية مثل الذين يعلمون هم الأئمة والذين لا يعلمون هم اعدائهم، القسم الثاني تعيين المصاديق تبعا للاحوال والافعال مصداق الإحسان.
الاستخدام الثالث بيان مصاديق الآية بعد إلغاء الخصوصية وأخذ القاعدة الكلية منها وهذا شرحناه أنه التمسك بالبطن وقلنا إن الجري والتطبيق على نحويين:
النحو الأول بيان مصداق ظاهر الآية مباشرة
النحو الثاني بيان مصداق الآية عن طريق غير مباشر وهو عن طريق أولا الانتقال من الجزئي إلى الكلي بإلغاء الخصوصيات ثم الانتقال من الكلي وتطبيقه على مصاديقه المختلفة، هذا تمام الكلام في بيان استخدامات قاعدة الجري.
أدلة قاعدة الجري والتطبيق يمكن إقامة ثلاثة أدلة:
الدليل الأول القرآن الكريم
الدليل الثاني السنة المطهرة
الدليل الثالث الدليل العقلي
القرآن الكريم يقول (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الالباب) والأصل في كلمة العبرة هو العبور والتجاوز من حال إلى حال والعبرة بالحالة التي يتوصل بها عن معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد إذن القرآن يدعو إلى العبرة وبالتالي القرآن من دون عبرة يصير كتاب تاريخ ميصير كتاب تربية ولا يكون كتابا عالميا خالدا إذن نفس القرآن يدعو إلى التأمل فيه وأخذ العبرة منه ومن أبرز مصاديق الاعتبار بالقرآن تطبيقه على المصاديق المعاصرة.
الدليل الثاني الدليل القرآني
الدليل القرآني مفاده هكذا القرآن كتاب خالد وعالمي ومقتضى خلوده وعالميته أنه يتجدد كل حين ويتناسب مع كل عصر ومصر وبالتالي هذا القرآن يمكن أن يطبق على المصاديق المختلفة في العصور المختلفة فتكون الروايات الدالة على الجري والتطبيق إرشاد إلى حكم العقل من هذه الروايات هذه الرواية إن رجلاً سأل أبا عبد الله عليه السلام ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلا غضاضة فقال عليه السلام لأن الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد عند كل قوم غض إلى يوم القيامة، هذا تمام الكلام في الدليل العقلي.
الدليل الثالث الروائي الروايات إرشاد إلى حكم العقل والقرآن فحتى لو لم تتم الروايات سندا فهي إرشاد فهي مؤيد لحكم القرآن والعقل عندنا روايات كثيرة صرحت بقاعدة الجري من هذه الروايات هذه الرواية التي يرى بعض أنها صحيحة السند عن الفضيل بن يسار قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الرواية ما من آية إلا ولها ظهر وبطن وما فيه حرف إلا وله حد ومطلب، ما يعني به قوله لها ظهر وبطن؟ قال عليه السلام ظهر وبطن تأويله منه ما قد مضى ومنه ما لم يجئ يجري كما تجري الشمس والقمر كلما جاء فيه تأويل شيء منه يكون على الاموات كما يكون على الاحياء كما قال الله (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) نحن نعلمه.
هذه الرواية ذكرت في بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار المتوفى سنة 299 هجرية ذكرت مسندة وذكرت أيضا في تفسير العياشي المتوفى سنة 320 لكن ذكرت بدون سند يعني مرسلة وفيها اختلاف بسيط في رواية العياشي قال ظهره تنزيله وبطنه تأويله منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد يجري كما يجري الشمس والقمر كلما جاء منه شيء وقع في نقل عن الإمام الصادق عليه السلام ثم قال للقرآن تأويل يجري كما يجري الليل والنهار وكما يجري الشمس والقمر فإذا جاء تأويل شيء منه وقع فمنه ما قد جاء ومنه ما يجيء.
في رواية عن الإمام الصادق عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنما أنت منذر ولك قوم هاد فقال عليه السلام رسول الله المنذر وعلي الهادي يا أبا محمد هل من هاد اليوم يسأل أبو بصير أبو بصير يقول قلت بلى جعلت فداك ما زال منكم هاد بعد هاد حتى دفعت إليك، لاحظ الإمام الصادق يعلم أبو بصير كيف يجري ويطبق، لما طبق أبو بصير قال ما زال منكم هاد بعد هاد حتى دفعت إليك فقال عليه السلام رحمك الله يا أبا محمد يعني أحسنت على هذا التطبيق، رحمك الله يا أبا محمد لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب ولكنه حي يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى، هذه الرواية يجري كما يجري الشمس والقمر فيها التفاتة عجيبة وهو أن أشعة الشمس لا تتكرر كل يوم تخرج الشمس تأتي باشعاعات جديدة، اشعاع اليوم اشعاع هذه اللحظة غير اشعاع اللحظة التي قبلها هذا بلحاظ الاشعاع وبلحاظ ما يقع عليه الاشعاع يتغير الناس تموت وتأتي إحياء وتجدد البيوت وتجدد الأرض ويأتي اشعاع الشمس ويغطيها كذلك القرآن الكريم كشعاع الشمس.
الآية الوحدة في كل زمن وفي كل مكان لها اشعاع خاص ومن تشع عليه الآية يتغير من زمن إلى زمن فيبقى القرآن غض طري.
مناقشة الروايات
أولا من ناحية السند يمكن التأمل فيها لأن سند الرواية الأولى فيه محمد بن سنان والبعض يوثقه والأكثر لا يوثقه ونحن لا نوثقه كذاب غال وضاع كما في معجم رجال الحديث.
الرواية الثانية فيها محمد بن جمهور وهو من الغلاة فلا تصح الرواية سندا ولكن يمكن التأمل في مضمون هذه الروايات فإن تمت سندا فبها ونعمت إن لم تتم هي مؤيدة وشاهد على الآية القرآنية والدليل العقلي، نذكر ثمان نكات علمية في هذه الروايات.
النكتة الأولى القرآن كالشمس كما أن الشمس كل يوم لها اشراق جديد واشعاع جديد ومن تشرق عليه يكون شيئا آخر فلا يحصل نور متكرر للشمس والمستضيئون ليسوا ثابتين كذلك القرآن نوره ليس متكررا ومن يستضيء بالقرآن ليس ثابت.
النكتة الثانية هذه الروايات تشير إلى أسرار بقاء القرآن وخلوده كما جاء صريحا في رواية خيثمة ما دامت السماوات والأرض وقاعدة الجري والتطبيق من أسرار خلود القرآن واستمراريته.
النقطة الثالثة اشير في هذه الروايات إلى اصطلاحات ثلاث الجري والبطن والتأويل القرآن يجري كما تجري الشمس والقمر وكما يجري الليل والنهار قلنا مصطلح الجري ورد في الروايات وموجود في هذه الروايات ثلاثة مصطلحات الجري والبطن والتأويل مما يعني وجود ترابط بين هذه المطالب الثلاثة مصطلح الجري ومصطلح التأويل ومصطلح البطن.
التأويل من الأول والرجوع يعني المعنى يرجع إلى هذا ومصطلح البطن يعني معنى مبطون في ظاهر اللفظ.
النقطة الثالثة إن الفاعل للفعل يجري في الرواية هو القرآن الكريم، القرآن هو الذي يجري يعني تتحرك مفاهيم القرآن الكريم ويمكن أن تطبقها على المصاديق الجديدة.
النقطة الخامسة بعض المصاديق قد تحققت وبعض المصاديق لم تتحقق وستأتي مصاديق جديدة إلى يوم يبعثون الروايات تشير إلى تجدد القرآن.
النقطة السادسة في هذه الروايات تجد بعض هذه الروايات تقول القرآن نزل ثلث فينا وثلث في عدونا وثلث مفاهيم عامة مما يعني أن هذه الروايات تشير إلى أن القرآن الكريم يمكن بلحاظ مجموعه أن تصنفه من جهة المصاديق التي يرجع إليها، الصنف الأول فينا يعني جنود الرحمن أحباب الله، القسم الثاني في عدونا يعني جنود الشيطان القسم الثالث قصص وتاريخ وما شاكل ذلك.
النقطة السابعة قوله تعالى (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) يتضح أن الراسخين في العلم هم الذين يعلمون تأويل الآيات وبطن الآيات والجري والتطبيق لهذه الآيات فقد يقال إن الراسخين في العلم لا يختص باهل البيت عليهم السلام بل يشمل كل من يستطيع القيام بهذه المهمة انتزاع المفهوم المبطون والقيام بعملية الجري والتطبيق إلا إذا دل دليل خاص يخص الراسخين في العلم بخصوص الأئمة عليهم السلام.
النقطة الثامنة إن أهل البيت عليهم السلام كانوا بصدد ترويج قاعدة الجري وتعليمها لأصحابهم الرواة وهذا ما ظهر في رواية أبي بصير رحمك الله يا أبا محمد بحيث كانوا يلفتون اصحابهم إلى كيفية تطبيق الآيات الكريمة على المصاديق المختلفة كما في قوله تعالى (لكل قوم هاد) كيف طبقها أبو بصير على الإمام الصادق عليه السلام، هذا تمام الكلام في القاعدة الخاصة الثانية الجري والتطبيق إلى هنا أخذنا قاعدتين، القاعدة الأولى قاعدة السياق، القاعدة الثانية الجري والتطبيق، القاعدة الثالثة قاعدة المنع من استعمال الإسرائيليات في التفسير وهذا بحث مهم، القاعدة الثالثة المنع من استعمال الإسرائيليات في التفسير يأتي عليه الكلام.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 21 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: منطق تفسیر القرآن
  • الجزء

    -

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
21 الجلسة