قواعد تفسير القرآن
شیخ الدقاق

020 - المنع من إستخدام الإسرائيليات في تفسير القرآن الكريم

قواعد تفسير القرآن

  • الكتاب: منطق تفسیر القرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    200

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
القاعدة الثالثة من القواعد المختصة بتفسير القرآن الكريم قاعدة المنع من استعمال الإسرائيليات في التفسير.
من الواضح أن الجزيرة العربية وخصوصا المدينة المنورة كان فيها مجموعات من اليهود والنصارى وكان لديهم اختلاط بالمسلمين في ذلك الوقت وهناك تفاعل اقتصادي وثقافي بين المسلمين واليهود والنصارى لا سيما أن بعض آيات القرآن الكريم تطرقت إلى الأنبياء السابقين وأشارت إلى التوراة والإنجيل والزبور وذكرت قصص العديد من أنبياء الله السابقين كأبي الأنبياء إبراهيم الخليل وأبي البشر آدم عليه السلام والنبي موسى وسليمان وعيسى وأيوب وإسماعيل وغيرهم من الأنبياء وهذه القصص أصبحت مورد اهتمام اليهود خصوصا ما يتعلق بموسى عليه السلام وداود وسليمان وبما أن القرآن الكريم كتاب هداية فهو لم يتطرق إلى جميع الجزئيات في حياة الأنبياء ولم يتطرق إلى تفاصيل حياة الأنبياء وأكثر نبي قد تطرق إليه القرآن الكريم بالتفصيل وتكرر ذكره في الكثير من السور والآيات هو نبينا موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام وهو نبي اليهود كما أن عيسى عليه السلام قد تكرر وقد ذكرت أمه مريم العذراء سلام الله عليها فنشأت بعض الأسئلة عند المسلمين فكان بعض المسلمين يتحاور مع اليهود وبرزت في ذلك الوقت شخصيات إسلامية كانت اصولها يهودية ككعب الأحبار ووهب بن منبه فدخلت الأحاديث الإسرائيلية أي الأحاديث التي فيها فكر بني إسرائيل واسرائيل هو لقب نبي الله يعقوب عليه السلام فدخلت في الأحاديث خصوصا الأحاديث التفسيرية والأخلاقية فالفمسر لابد أن يكون نبيها وخبيرا بحيث يمكن أن يمحص الروايات الإسرائيلية المدسوسة من الروايات والأحاديث الصحيحة وهذا بحث واسع كتبت فيه كتب مستقلة منها كتاب الإسرائيليات واثرها في كتب التفسير لرمزي نعنانة وكتاب اسرائيليات القرآن للشيخ محمد جواد مغنية وقد طبع هذا الكتاب بعد وفاة الشيخ محمد جواد مغنية لذلك لم يوفقوا في كتابة العنوان القرآن ليس فيه اسرائيليات كان المفترض أن يسمى الأحاديث الإسرائيلية في تفسير القرآن الكريم وليس اسرائيليات القرآن الكريم.
كما أن بعض الباحثين قد خصصوا فصلا في كتبهم للبحث حول الروايات الإسرائيلية فمن أعلام أهل السنة الشيخ محمود أبو رية في كتابه أضواء على السنة المحمدية قد خصص بحثا، كذلك الشيخ محمد هادي معرفة في كتابه التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب وقد خصص في الجزء الثاني من هذا الكتاب وقبل أن نشرع في صلب الموضوع نوضح المصطلحات.
كلمة اسرائيليات جمع اسرائيلية والنسبة فيها إلى إسرائيل وهو لقب نبي الله يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم الخليل عليهم السلام وإلى النبي يعقوب تنسب اليهود بنو إسرائيل أي بنو يعقوب من أبناءه الاسباط الأحد عشر غير يوسف عليه السلام فمن نسل يوسف لم يأتي الأنبياء، جاء الأنبياء بني إسرائيل من نسل لاوي ويهودا وغيره من إخوة يوسف عليه السلام نعم قد تزوج بابنته نبي وهو نبي الله ايوب، نبي الله ايوب زوج بنت النبي يوسف عليه السلام.
أصل كلمة إسرائيل عبرية بمعنى الغلبة على الله، هذه الكلمة تعود إلى قصة أو اسطورة تروى في بعض المصادر الإسرائيلية من أن يعقوب عليه السلام قام بمعركة مع الله إلى الصباح وعند الصباح غلب الله هذه من اساطير وخرافات بني إسرائيل.
فلفظ إسرائيل يحتمل فيه ثلاثة معاني:
المعنى الأول وهو الشائع بينهم هو الغلبة على الله، اسراء بمعنى الغلبة وائيل بمعنى القدرة الكاملة وهو لقب الله ولقب النبي يعقوب هذا مأخوذ من القصة الموضوعة لمصارعة النبي يعقوب مع الله ليلة كاملة وغلبته عليه في الصباح وهذا مذكور في التوراة الكتاب المقدس سفر التكوين اصحاح 32 عدد 25، قاموس الكتاب المقدس جيمز هاكس 53 و142 ويمكن مراجعة التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب الجزء الثاني صفحة 79 وصفحة 80.
المعنى الثاني للفظ إسرائيل إسرائيل يعني اسر إئيل وإئيل هو الشيطان أي أن يعقوب عليه السلام رأى ا لشيطان وأسره فقالوا أسر أئيل أسر ائيل فاصبحت كلمة إسرائيل.
المعنى الثالث إسرائيل يعني نور الله، هذا المعنيان ذكرا في كتب قصص الأنبياء منها كتاب الأنبياء حياتهم قصصهم للمرحوم الحسني رحمة الله عليه.
لكن مصطلح الإسرائيليات لا يراد به خصوص الروايات اليهودية ولا يراد به خصوص الروايات اليهودية والمسيحية بل يراد بالروايات الإسرائيلية الأعم من روايات اليهود والنصارى وغيرهم مما دسه أعداء الإسلام من أخبار لا أصل لها في مصدر قديم وبالتالي يمكن ذكر معنيين للاسرائيليات والأحاديث الإسرائيلية:
المعنى الأول الإسرائيليات هي الروايات والمطالب التي جاءت من خصوص الثقافتين اليهودية والمسيحية ودخلت الثقافة الإسلامية واستقبلت بعنوان أنها ثقافة إسلامية في ثلاثة محاور الحديث والتفسير والتاريخ.
المعنى الثاني الإسرائيليات هو مطلق ما دس وهذا معنى عام وعادة إذا قيل اسرائيليات يعني روايات فيها فكر بني إسرائيل اليهود والنصارى ودخلت على أنها أفكار إسلامية لا على أنها أفكار يهودية ومسيحية وغالبا ما تذكر في كتب الحديث والتفسير والتاريخ، هذا تمام الكلام في بيان مصطلح الإسرائيليات.
أهم الشخصيات الناقلة للاسرائيليات، نذكر ثمانية من أكبارهم والمشهورين منهم:
أول واحد منهم كعب الأحبار وهو كعب بن ماتع الحميري من علماء اليهود الكبار تعلم الكهانة عن أبيه وقد ولد عام 72 قبل الهجرة ودخل الإسلام بعد وفاة النبي، في أوائل خلافة عمر بن الخطاب ومات سنة 32 هجرية عن عمر يقارب 104 وكان من أهل اليمن وجاءوا به إلى المدينة واعتبره الإمام علي عليه السلام كذابا وذمه وهدده عمر بن الخطاب بالنفي بعد أن منعه من التحديث نتيجة كذبه ونشره للمفتريات ثم هاجر إلى الشام وأصبح يتمتع بحماية معاوية بن أبي سفيان وعنايته وأمره معاوية بسرد القصص في بلاد الشام ومن هذه النقطة انتشرت روايات كعب الاحبار الإسرائيلية واحاديثه اليهودية في الفكر الإسلامي.
ذمه كتّاب السنة والشيعة ومنهم من السنة أحمد أمين المصري في فجر الإسلام صفحة 160 ومحمود أبو رية في أضواء على السنة المحمدية صفحة 170 ويعتقد الشيخ محمود أبو رية أن كعب الأحبار كان قد دخل الإسلام على أساس الخديعة والتظاهر بالإسلام وكان ينقل عن كتب قديمة غير معتبرة ينقل روايات كثيرة في فضل الشام فلسطين وما حولها والتي تعد اسرائيليات غير معتبرة.
يقول ابن حجر في كتابه الإصابة الجزء الثالث صفحة 316 إن أبا هريرة ومعاوية وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير من الذين ينقلون الحديث عن كعب الأحبار ويعتقد الأستاذ محمود أبو رية أن كعب الأحبار قام بتربية أبي هريرة لكي يدخل خرافاته ومنقولاته إلى الدين الإسلامي بل عمل أبو هريرة على نقل كلام كعب الأحبار على أنه مرفوع عن النبي أي أن النبي هو الذي قاله يعني لم يكتفي بما قام به بل أسس لما بعد وفاته بحيث يكون هناك امتداد لكعب الأحبار وهو أبو هريرة.
الرجل الثاني من الشخصيات الناقلة للاسرائيليات عبد الله بن سلام واسمه الحسين بن سلام بن حارث الاسرائيلي وكان من علماء اليهود وقد أسلم في بداية قدوم النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة أو قبل سنتين من رحيل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ومات سنة 43 هجرية وكان ينقل الأحاديث من التوراة لاسيما صفات النبي وكان ينقل أمورا كثيرا حوله وذلك من أجل الفات انظار المسلمين وجلب اهتمامهم.
الرجل الثالث تميم بن اوس الداري هو أبو رقية تميم بن اوس بن حارثة أو خارج الدار وكان مسيحيا وراهبا عابدا دخل الإسلام عام 9 للهجرة يعني قبل رحيل النبي بسنة وهو أول من أسس لقراءة القصة في المسجد وقد أخذ الاذن في نشر القصص في المسجد من عمر بن الخطاب ولكن الإمام علي عليه السلام طرده من المسجد وقد نقلت عن تميم الداري قصة الجساسة وأدعى أن النبي صلى الله عليه وآله تعلم هذه القصة منه وإسناد هذه الروايات ضعيف.
الجساسة هي دابة تعيش في جزيرة في البحر رآها تميم وحكت له عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الدجال حسب ادعاء تميم الداري وهو علم النبي يمكن مراجعة صحيح مسلم صفحة 203 و205 ومسند أحمد بن حنبل الجزء السادس صفحة 27.
الشخص الرابع وهب بن منبه خراساني من أهل هرات أبعده حاكم ايران إلى اليمن كانت تحت سيطرة ايران وأسلم في عصر النبي صلى الله عليه وآله وكان يدعي أنه قرأ اثنين وسبعين كتابا من كتب الانبياء ونسبت إليه قصص كثيرة واسرائيليات عديدة، من أكثر من روى كعب الأحبار وأبو هريرة ووهب بن منبه وتميم الداري.
الخامس محمد بن كعب القرضي كان من اليهود ومن القصاصين في المساجد حيث ينقل القصص من الكتب القديمة.
السادس عبد الله بن عمر بن العاص وقد ولد عام 7 قبل الهجرة ومات عام 65 هجرية وأسلم قبل العام الثامن للهجرة وكان ينقل الأحاديث من الكتب اليهودية وكان ينقلها على أنها أحاديث للنبي ويعد ذلك عملا جائزا والناس جهل وأمية وهم يقرأون ويكتبون فينقلون.
السابع أبو هريرة لم يذكر اسمه ولقبه على وجه الدقة والتعيين لكنه وصل إلى المدينة وهو في الثلاثين من عمره في السنة السابعة من الهجرة بقي مع النبي صلى الله عليه وآله فترة قصيرة إلا أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وآله احاديث كثيرة وكان من تلاميذ كعب الأحبار وكان يورد أحاديث كعب الأحبار تحت عنوان أنها أحاديث مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وآله.
ثمانية عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح وكان روميا مسيحيا نقل الاسرائيليات في عصر التابعين بشكل واسع حتى نقل الطبري الكثير من أحاديثه وكان متهما بالتدليس.
خمسة كثرة الرواية عنهم كعب الأحبار، أبو هريرة، وهب بن منبه، تميم بن أوس الداري وابن جريح.
أدلة المنع من استخدام الاسرائيليات في التفسير
يمكن ذكر دليل قرآني وروائي وعقلي نبدأ بالدليل العقلي.
إن التوراة والأنجيل كتابان سماويان وقد أيد القرآن الكريم أصلهما لكنه قطعا قد وقع التحريف فيهما وادخلت فيهما بعض الخرافات والأمور غير الواقعية والقرآن الكريم أشار إلى هذه الحقيقة وتوجد شواهد تاريخية من داخل نص التوراة والأنجيل على وقوع التحريف بحيث اعترف بعض العلماء المعاصرين أن بعض أقسام التوراة كتبت بعد ثمانمائة سنة من وفاة النبي موسى عليه السلام ومن ذلك قصة وفاة النبي موسى ودفنه فهي كتبت بعده فقد ذكرتا في التوراة وذكرت بعض الأمور غير المناسبة للانبياء يكفي الأناجيل الآن عندنا 64 إنجيل اشهرها عندهم أربعة إنجيل متا ولوقا ومرقس ويوحنا أقرب هذه الأناجيل إلى القرآن والإسلام إنجيل برنابا والأناجيل أشبه ما تكون بكتابة سيرة وقصة النبي عيسى عليه السلام وهم يقرون المسيحيون أن الانجيل ليس هو كلام الله وليس هو كلام عيسى بن مريم وإنما هو كلام الحواريين إحدى عشر حواري الذين كانوا حول عيسى عليه السلام وبالتالي إذا أراد الإنسان أن يفسر القرآن الكريم فهل يصح عقلا أن يعتمد على التوراة والإنجيل العقل يقطع بعدم الصحة لأنه يقطع بوقوع التحريف في التوراة والإنجيل، هذا تمام الكلام في الدليل العقلي.
الدليل الروائي الدليل القرآني
القرآن الكريم وجه خطابا عاما للمشركين الشاكين في نبوة النبي "صلى الله عليه وآله" أو في القرآن بأن يتوجهوا لسؤال أهل الكتاب هذا بداية الدعوة الإسلامية فهذا الخطاب أولا موجه إلى المشركين لا إلى المسلمين ثم بعد ذلك اختلف الخطاب لما صار المجتمع الإسلامي في المدينة نهاهم القرآن عن الرجوع إلى اليهود والنصارى قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يؤلونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) فهذه الآية نهي صريح عن الرجوع إلى أهل الكتاب في تفسير القرآن الكريم.
القسم الثالث الدليل من السنة المطهرة هناك روايات عديدة عن النبي "صلى الله عليه وآله" ينهى عن الرجوع إلى أهل الكتاب وخصوصا قد نهى عمر بن الخطاب من هذه الروايات عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال إن عمر بن الخطاب أتى النبي "صلى الله عليه وآله" بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه وفي نسخة أحمد بن حنبل فقرأه النبي "صلى الله عليه وآله" طبعا النبي كيف يقرأ أمي، فغضب "صلى الله عليه وآله" فخاطب عمر بن الخطاب قائلا أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، متهوكون يعني متهتكون والمتهتك هو المتهور غير المبالي، امتهوكون فيها يابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو باطل فتصدقوا به، يعني إن أخبروكم بحق ربما تكذبونه وإن أخبروكم بباطل تصدقونه والذي نفسي بيده لو أن موسى عليه السلام كان حيا ما وسعه إلا أن تبعني) النبي محمد أفضل من النبي موسى وسائر الأنبياء إذن يجب على النبي موسى ولاية النبي محمد، النبي محمد له الولاية على جميع الأنبياء والمرسلين ونقل هذا الحديث عن جابر بن عبد الله الأنصاري بشكل آخر إن عمر بن الخطاب أتى النبي "صلى الله عليه وآله" فقال إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا أفترى نكتب بعضها فقال "صلى الله عليه وآله" أمتهوكون كما تهوكت اليهود والنصارى لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى عليه السلام حيا لما وسعه إلا اتباعي.
النص الأول الصيغة الأولى موجودة في مسند أحمد بن حنبل الجزء الثالث صفحة 387 النسخة الصيغة الثانية موجودة في مجمع الزوائد الجزء الأول صفحة 173.
اشكال الرجوع إلى أهل الكتاب
هناك عدة أنحاء للرجوع إلى أهل الكتاب وهي متفاوتة في الشكل ويختلف حكمها باختلاف صورتها:
الصورة الأولى سؤال أهل الكتاب على أنه مصدر لتفسير القرآن فإذا أردنا أن نفسر القرآن الكريم نسأل أهل الكتاب أو نرجع إلى كتبهم ومن الواضح أن هذا حرام لأن كتبهم محرفة فهذا عبارة عن الاستدلال بالروايات الإسرائيلية في تفسير القرآن الكريم وهذا حرام وغير جائز.
الصورة الثانية نقل مضامين التوراة والإنجيل على أنها أحاديث إسلامية وتفسير للقرآن وهذا اختك مثلك أيضا حرام من ابرز إشكال نقل الإسرائيليات ومن البديهي أنه غير جائز.
الصورة الثالثة نقل المواضيع من التوراة والإنجيل في التفسير بدون ذكر المصدر وهذا أيضا ينتهي إلى دخول الإسرائيليات في التفسير وهذا يعد من الإسرائيليات الممنوعة وهو حرام.
الصورة الرابعة نقل المطالب المستندة إلى التوراة والإنجيل من أجل الدراسة والنقد والابطال واثبات صدق القرآن ولا شك أنه جائز ولكن مع مراعاة الشروط:
الشرط الأول الرجوع إلى التوراة والانجيل وأمثالها بهدف مقارنتها بالقرآن واثبات حقانية القرآن فمثلا في تفسير قوله تعالى (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) يمكن الرجوع إلى الكتاب المقدس في العهد القديم طبعا بالمناسبة إذا ترجع إلى الكلمة اللاتينية الأصلية إلى الانجيل ليست بمعنى الكتاب المقدس لفظ المقدس ما موجود لكن من ترجمها تعمد أن يقول كتاب مقدس.
في العهد القديم، عهد القديم فيه التوراة وفيه الزبور موجود هكذا في الزبور لأن الشريريين سوف ينقطعون أن المتوكلون على الله فسيرثون الأرض وبعد مدة سوف لا يكون هناك شريرون أما الحكماء والصالحون فسيرثون الأرض هذا مؤيد إلى تفسير الآية زبور داود مزمور 37 رقم 29 – 30 العهد القديم.
الشرط الثاني الرجوع إلى الكتب المحرفة من أجل مقارنتها بالقرآن ورد خرافاتها إذن الصورة الأولى للتأييد الصورة الثانية لرد الخرافات فقوله تعالى (إنهم أناس يتطهرون) في إشارة إلى النبي لوط وعائلة النبي لوط وإذا نقارن بين القرآن والتوراة في قصة لوط نجد أن التوراة تقول إن ابنتي لوط قد زنتا بابيهم والعياذ بالله التوراة هكذا تقول سفر التكوين باب 19 رقم 30 و31 وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه لأنه خاف أن يسكن في صوغر فسكن في المغارة هو وأبنتاه وقالت البكر للصغيرة أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة جميع أهل الأرض هلم نسقي أبانا خمرا ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلا فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة ودخلت البكر يعني البنت الكبرى، واضطجعت مع أبيها ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها وحدث في أن البكر قالت للصغيرة إني قد اضطجعت البارحة مع أبي نسقه خمرا الليلة أيضا فادخلي اضطجعي معه فنحيي من أبينا نسلا فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة أيضا وقامت الصغيرة واضطجعت معه ولم يعلم باضطجعها ولا بقيامها فحبلت أبنتا لوط من أبيهما فولدت البكر أبنا ودعت اسمه مؤاب وهو أبو الموئابيين إلى اليوم والصغيرة أيضا ولدت أبنا ودعت اسمه بنعمي وهو أبو بني عمون إلى اليوم.
القرآن والإسلام ينزهان الأنبياء جميع الأنبياء معصومون خاصة في الفكر الشيعي الإمامي الاثني عشري، عصمة الأنبياء وتنزيههم ونحن لا نعتقد فقط أن النبي معصوم بل نرى أن عائلة حتى لو انحرفت لكنها لا ترتكب فاحشة يعني زوجة موسى خرجت على وصيه يوشع بن نون وهي بنت النبي شعيب وعائشة بنت أبي بكر خرجت على وصي النبي علي بن أبي طالب في واقعة الجمل ولكننا ننزه عائشة عن الفاحشة والرذيلة هي زوج النبي أم المؤمنين نحن في عقائد الشيعة الإمامية ننزه عوائل الأنبياء عن ارتكاب الفاحشة، عوائل الأنبياء والأئمة قد يحصل فيهم فسق وانحراف ولكن ما يصير بيت النبي والامام بيت رذيلة وفاحشة هذا يقدح في مبدأ النبوة والإمامة.
الثالث أن تكون المطالب المنقولة من التوراة أو الانجيل أو ما شابههما مرفوعة بذكر المصدر وأن تكون متميزة عن المتن التفسيري هذا القرآن وهذا تفسيره وهذا مطلب من التوراة والإنجيل وهذا جيد للمقارنة فهذه الكيفيات الثلاث قد تتواجد مع بعض وقد يتواجد واحد منها ليس بينها مانعة جمع.
كيف نعرف الإسرائيليات؟
الجواب إما عن طريق السند وإما عن طريق المتن، عن طريق السند إذا وجدنا واحد من هؤلاء الثمانية كعب الأحبار أو أبو هريرة أو تميم الداري أو ابن جنيح أو عبد الله بن عمر بن العاص وهب بن منبه خصوصا في الروايات التي يذكرها كعب الأحبار عن بيت المقدس وعن الشام من ضمن هذه الروايات قال كعب إن العرض والحساب من بيت المقدس وإن مقبور بيت المقدس لا يعذب قال وهب بن منبه أهل بيت المقدس جيران الله وحق الله "عز وجل" أن لا يعذب جيرانه، هذا كله شغل معاوية بن أبي سفيان والفكر الأموي.
الطريق الثاني عن طريق المتن هناك روايات مضمونه يخالف العقل أو العلم القطعي أو الآيات المحكمة أو السنة القطعية أو التاريخ القطعي إذن الملاك خمسة أمور قطعية كل رواية خالفت خمس قطعيات يضرب بها عرض الحائط أولا القرآن القطعي ثانيا السنة القطعية (المتواترة) ثالثا العقل القطعي رابعا التاريخ القطعي خامسا التجارب القطعية والعلم القطعي مثل الروايات التي تذكر أن ترتيب السماوات على أساس علم الهيئة البطلوميسية إن بعض السماوات من فضة وبعضها من زبرجد وأن السيارات مركوزة فيها كما في ترتيب اليونان مثل إن القمر في السماء الدنيا وعطارد في الثانية كثير من هذه الروايات واضح الخرافة فيها مثلا هذه الرواية روى مسلم عن أبي هريرة أخذ رسول الله "صلى الله عليه وآله" بيده فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواة يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق من آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر والليل هذه رواية رواها أحمد بن حنبل والنسائي عن أبي هريرة.
وقال البخاري وابن كثير وغيرهما أن أبا هريرة قد تلقى هذا الحديث عن كعب الأحبار لأنه يخالف نص القرآن في أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام.
ملاحظتين
الملاحظة الأولى الملاك ملاحظة مخالفة القطعيات الخمسة القرآن القطعي السنة القطعية، التاريخ القطعي العلم القطعي والعقل القطعي.
الملاحظة الثانية بمجرد التشابه بين الروايات اليهودية والمسيحية والآيات القرآنية لا يمكن رد هذه الروايات مباشرة بمجرد التشابه بل لابد من ملاحظة أن الحديث ضعيف أو صحيح معتبر أو غير معتبر وأنه ينسجم مع القطعيات الخمسة أو لا ينسجم مع القطعيات الخمسة فليس بمجرد الموافقة أو المخالفة يرد بل لابد من التحقيق.
امثلة من الإسرائيليات في التفسير
المثال الأول ما جاء في قصة خلق آدم وأن حواء قد خلقت من ضلعه الأيسر، الله "عز وجل" قادر على خلق حواء لماذا آدم ينام ويستيقظ وإذا بضلعه الأيسر مقلوع وتنخلق حواء من هذا الضلع وروايات كثيرة في أن حواء خلقت من ضلعه الأيسر.
المثال الثاني الإسرائيليات في قصة هاروت وماروت ذكر السيوطي في كتابه الدر المنثور قصص عجيبة عن كعب الأحبار وغيره وهذه القصص تخالف عصمة الملائكة والحقائق الدينية الثابتة في القرآن الكريم والروايات الشريفة.
المورد الثالث الإسرائيليات الواردة في قصة بناء الكعبة على يد سيدنا آدم عليه السلام وأن الحجر الأسود هو ياقوتة من الجنة.
المورد الرابع الإسرائيليات في قصة تابوت بني إسرائيل روايات كثيرة في تفاصيل تابوت بني إسرائيل.
المورد الخامس الإسرائيليات في قضية قتل جالوت وقتل داود جالوت.
المورد السادس الإسرائيليات في قضية التيه الذي حصل لبني إسرائيل حيث تاهوا في البراري والصحاري.
المورد السابع الإسرائيليات في قضية المائدة التي نزلت على النبي عيسى عليه السلام.
المورد الثامن الآيات المتعلقة ببني إسرائيل وقصة موسى والألواح.
المورد التاسع الإسرائيليات الواردة في خصوص عوج بن عنق وهي روايات ترتبط بالآية رقم 22 من سورة المائدة إن فيها قوما جباريين.
المورد العاشر الإسرائيليات الواردة في سفينة نوح وطولها وعرضها العجيب.
المورد الحادي عشر الإسرائيليات الواردة في قصة يوسف عليه السلام لاسيما بما لا ينسجم مع عصمة النبي يوسف عليه السلام.
إذا نرجع إلى تفسير الميزان الجزء إحدى عشر صفحة 67 وكتاب الشيخ محمد هادي معرفة التفسير والمفسرون في ثوبه القشيف الجزء الثاني صفحة 213 نجد أنهم تعرضوا لهذه الإسرائيليات في قصة يوسف ونقدوها وردوها بشكل حازم وجدي.
الثاني عشر الإسرائيليات حول شجرة طوبى.
الثالث عشر الإسرائيليات حول أصحاب الكهف.
الرابع عشر الإسرائيليات الواردة حول ذي القرنين.
الخامس عشر الإسرائيليات حول يأجوج ومأجوج.
السادس عشر الإسرائيليات حول ملكة سبأ وسليمان والياس واسحاق وايوب انبياء بني إسرائيل.
السابع عشر قصة ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، وتفسير نون والقلم وعمر الدنيا وخلق الشمس وغيرها.
يمكن مراجعة كتاب التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب للشيخ محمد هادي معرفة الجزء الثاني صفحة 228 إلى صفحة 310، هذا تمام الكلام في القاعدة الثالثة المنع من استخدام الإسرائيليات في تفسير القرآن الكريم.
القاعدة الرابعة قاعدة الارتباط بين أجزاء القرآن، القرآن يفسر بعضه بعضا، قال أمير المؤمنين عليه السلام نهج البلاغة خطبة 123 كتاب الله إلى أن يقول ينطق بعضه بعضا ويشهد بعضه على بعض وقال في رواية أخرى في تفسير قوله تعالى (ورتل القرآن ترتيلا) قال لا تنثره نثر الرمل إذن القرآن الكريم مؤلف من كلمات ومفردات وآيات كثيرة وهي تفسر بعضها بعضا لأنه حاله حال السياقات الأدبية واللغوية فلابد من حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد والمتشابه على المحكم وهذا يفيدنا في تفسيرين أولا تفسير القرآن بالقرآن في التفسير التجزيئي وثانيا التفسير الموضوعي للقرآن الكريم وبالتالي من يفسر القرآن تفسيرا تجزيئيا هو بحاجة دائما إلى التفسير الموضوعي خاصة إذا ترجع إلى تفسير الميزان تفسير القرآن بالقرآن في أي آية لابد يأتي أول ما يأتي بالآيات المشابهة لها والمماثلة لها كما أن من يفسر القرآن بالتفسير الموضوعي لابد أن يطلع على التفسير التجزيئي إذن بينهما ترابط وانسجام وبالتالي التفسير المتفرق يشتت الذهن والأفكار فلابد من الترابط بين أجزاء التفسير بل إن بعض الباحثين أعتبر ظهور الأشاعرة والأخباريين من عوامل التفريق بين تفسير آيات القرآن الكريم المختلفة وتفسيرها بشكل غير مترابط وغير ترابطي.
بعض الباحثين شبه القرآن الكريم باللوحة النفيسة فلو حددنا نظرنا في جزء صغير منها فإننا سوف لا نرى سوى بعض الألوان المختلفة المتداخلة فمن اللازم أن نرجع إلى كل اللوح حتى تتجلى بشكل كامل والسيد الخوئي "رحمه الله" في تفسير البيان صفحة 93 شبه القرآن قائلا كأنه جملة من درة في عقد منتظم وذهب السيد الإمام الخميني "رحمه الله" في تفسير سورة الحمد صفحة 107 إلى أنه حتى البسملة بناء على مسلك أهل المعرفة تتعلق بسورتها الخاصة ويختلف معنى البسملة في كل سورة بناء على أن هذه البسملة تتعلق باللفظ الخاص في السورة وبالتالي لابد من مراعاة الترابط بين أجزاء الآية والآيات والسور لكي نفهم القرآن فهما صحيحا ليس فيه خلل أو اضطراب.
مثلا إذا نرجع إلى الآيات الواردة في القاء النبي موسى عليه السلام عصاه بعضها تعبر أنها حية وبعضها تعبر أنها ثعبان، (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) والثعبان يطلق على الحية الكبيرة، (وأن ألقي عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولا مدبرا فالقاها فإذا هي حية تسعى) وإذا قارنا بين هذه الآيات نجد أن الآية التي تقول إنها انقلبت إلى حية صغيرة هذا بداية دعوة النبي موسى وأما الآيات التي تقول إنها ثعبان مبين فهذا لما واجه السحرة ومن هنا تتضح بعض الملاحظات:
الملاحظة الأولى يوجد ارتباط وثيق بين التفسير الترتيبي خصوصا تفسير القرآن بالقرآن والتفسير الموضوعي فلا معنى للتفسير الترتيبي من دون التفسير الموضوعي ولا معنى للتفسير الموضوعي من دون التفسير الترتيبي بل هذا نوع من إرجاع المتشابهات إلى المحكمات.
الملاحظة الثانية من الواضح أن هذه القاعدة الخامسة ترتبط بقاعدة أهداف السورة وأهداف القرآن لأن كل سورة فيها هدف خاص والقرآن له هدف خاص وهو هداية الأمة وهو كتاب هداية وبالتالي لكي نربط بين الكلمات المختلفة والمفردات المختلفة والآيات المختلفة ينبغي أن نلحظ أولا هدف القرآن العام وهو أنه يمارس دور الهداية وليس كتاب علمي رياضي وثانيا الأهداف الخاصة في كل سورة، هذا تمام الكلام في القاعدة الرابعة من القواعد المختصة بتفسير القرآن الكريم.
القاعدة الخامسة قاعدة تأثير أهداف القرآن والسور والآيات على التفسير يأتي عليها الكلام.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 21 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: منطق تفسیر القرآن
  • الجزء

    -

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
21 الجلسة