قواعد تفسير القرآن
شیخ الدقاق

021 - تأثير أهداف القرأن على التفسير

قواعد تفسير القرآن

  • الكتاب: منطق تفسیر القرآن
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    200

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
القاعدة الخامسة من القواعد الخاصة بتفسير القرآن الكريم قاعدة تأثير اهداف القرآن والسور والآيات على التفسير.
القرآن الكريم باجمعه له هدف واحد رئيسي هداية البشرية وهداية الخلق هداية المخلوقين إلى الخالق كما أن كل آية من الآيات وكل سورة من السور لها غرض خاص ومن هنا جاء التفسير البنائي للمرحوم الدكتور محمود البستاني الذي يرى أن كل سورة عبارة عن شجرة لها هدف رئيسي وتتفرع لها اغصان وبالتالي قبل الدخول في أي سورة لابد من معرفة الهدف الرئيسي للسورة والغرض الرئيسي الذي من أجله نزلت السورة كما أن صاحب الميزان السيد محمد حسين الطباطبائي والشيخ ناصر مكارم الشيرازي في كتابه وتفسيره الامثل ركزا كثيرا على أهداف كل سورة قبل البدء بتفسيرها وهذا بحث محوري جدا في تفسير القرآن الكريم فاحيا تقرأ التفسير أو يشرع المفسر في تفسير الآيات وينشغل بكل حرف وكلمة وبمعان مفردات ويغفل عن الهدف الرئيسي لهذه السورة بينما المفسر الذي يدخل تفسير السورة وفي ذهنه البناء الأساسي والهدف الرئيسي لهذه السورة ثم يعالج مفردات هذه السورة فإنه ينظر إلى معاني المفردات ومدى انسجامها مع الهدف الرئيسي للسورة وهذا بحث يتعلق بمقاصد القرآن الكريم حتى ألف بعضهم كتابا تحت عنوان القرآن الناطبق باللغة الفارسية يشير إلى مقاصد القرآن الكريم فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن القرآن الكريم هدفه الرئيسي هو الهداية وأن أربعة عشر سورة كل سورة من هذه السور لها هدف خاص فإن المفسر لابد أن يلحظ أن جميع آيات السورة بل جميع كلمات وحروف السورة تنسجم مع هذا المبدأ الأساسي ومن هنا نشرع في بيان عدة محاور المحور الأول اهداف القرآن، المحور الثاني اهداف السور القرآنية، المحور الثالث اهداف الآية أو مجموعة الآيات فإما أن ندرس القرآن ككل أو ندرس السورة أو ندرس الآية أو مجموع الآيات.
المحور الأول أهداف القرآن
لقد ذكر القرآن الكريم اهدافا كثيرة لنزوله كلها تصب في الهدف الرئيسي العام وهو هداية المخلوقين إلى الخالق ولكن لو رجعنا إلى الآيات الكريمة سنجد أن الأهداف على ثلاثة أنحاء:
النحو الأول الاهداف الابتدائية
النحو الثاني الاهداف المتوسطة
النحو الثالث الاهداف النهائية
أما النحو الأول الاهداف الابتدائية يعني المقدمات، مقدمات الهداية فهناك عدة نقاط قد ذكرت في الآيات نقتصر على ذكر سبعة منها.
الأول الانذار قال تعالى (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا).
الثاني البيان قال تعالى (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)
الثالث التعقل قال تعالى (إنا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)
الرابع التفكر قال تعالى (لعلهم يتفكرون)
الخامس البشارة والانذار قال تعالى (بشيرا ونذيرا)
السادس التذكير قال تعالى (ص والقرآن للذكر)
السابع الهداية والرحمة (وهدى ورحمة)
وإذا لاحظنا هذه العناوين السبعة كلها مقدمات للهدف الأساسي والرئيسي وهو الهداية فالإنذار والتبيان والتعقل والتفكر والبشارة والانذار والتذكير والرحمة كلها مقدمات لحصول الهداية الإلهية للمخلوقين، هذا تمام الكلام في المحور الأول الاهداف الابتدائية المقدمات.
المحور الثاني الاهداف الوسطية نذكر ثلاثة أمور.
القرآن من أجل اقامة العدل، القرآن من اجل الحكم بين الناس، القرآن للشفاعة هذه كلها مرحلة متوسطة يعني بعد أن أنذرهم وتأملوا وتعقلوا وتفكروا يسود الحكم بين الناس العدالة بين الناس الشفاعة المحور الثالث الاهداف النهائية قال تعالى (المر كتاب انزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات النور) هذا الهدف النهائي إذا خرجوا من الظلمات إلى النور اهتدوا، إذن المفسر لابد أن يلحظ هذه المراحل الابتدائية والمتوسطة والنهائية فهي اجزاء لا تتجزأ وهي وحدات مترابطة وهي حلقات منظومة ضمن عقد فريد، هذا تمام الكلام في بيان المحور الأول اهداف القرآن الكريم.
المحور الثاني اهداف السور القرآنية
لكل سورة من القرآن هدف وعادة يلحظ إما في بداية السورة أو نهاية السورة أو المضمون الأساسي الذي ورد في السورة فسور القرآن بمثابة مئة واربعة وعشرين فص يندرج ضمن عقد منظوم ولابد من ملاحظة هذه الآيات ومضامين هذه الآيات فالآيات المكية والسور المكية تختلف مضامينها عن مضامين السور المدنية الآيات المكية تركز على أصول العقيدة ومحورها ثلاثة توحيد الله "عز وجل" ونبوة النبي "صلى الله عليه وآله" والمعاد يوم القيامة وأما السور المدنية فهي تهدف إلى تنظيم المجتمع والتقنين الإسلامي للدولة الإسلامية ولها اهداف فرعية مواجهة الانحرافات اليهودية والنصرانية وهداية المسلمين في الحروب والغزواة والاضطرابات مثلا لو راجعنا قصة يوسف عليه السلام وسألنا هذا السؤال ما هو الغرض من ذكر سورة يوسف عليه السلام هل الغرض بيان أن أب قد فقد ولده واسترجعه أم الغرض بيان ولاية الله على عبده كيف أن الله "عز وجل" له الولاية على نبي الله يعقوب وله الولاية على نبي الله يوسف.
يقول صاحب الميزان الجزء 11 صفحة 73 غرض السورة ـ سورة يوسف ـ بيان ولاية الله لعبده الذي اخلص إيمانه له تعالى اخلاصا وامتلأ بمحبته تعالى لا يبتغي له بدلا ولا يلوي إلى غيره تعالى من شيء وأن الله تعالى يتولى هو أمره فيربيه أحسن تربية هذا بعض التفاسير الاجتماعية تركز على هذا مثل تفسير الكاشف للشيخ محمد جواد مغنية ولكن مشكلة التفاسير الاجتماعية مثل تفسير المنار لمحمد رشيد رضا تفسير من وحي القرآن للسيد محمد حسين فضل الله تفسير الكاشف للشيخ محمد جواد مغنية قد يستغرق في الظاهرة الاجتماعية ويغفل عن مداليل الآيات القرآنية فيصير عكس التفاسير التقليدية التي جمدت على معرفة معاني الآيات من ناحية اللغة وغفلت عن أن القرآن كتاب حياة وجاء لهداية الناس فلا افراط ولا تفريط بل لابد من ملاحظة البعدين.
المحور الثالث اهداف الآية الواحدة أو مجموعة من الآيات، أحيانا مجموعة من الآيات مو هدف آية الكرسي ما هو هدف آية الدين فمثلا قد يقال إن الغرض من هذه الآيات التي سنقرأها وهي من الآية 2 إلى 4 من سورة الرعد قد يقال الغرض الاشارات العلمية قال تعالى (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفسر الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وانهارا ومن كل الثمارات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزروع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفصل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يوقنون) فقد قول البعض قد اشير في هذه الآيات إلى الجاذبية الأرضية وحركة الشمس والقمر والتزاوج في النباتات ويكتفي بتفسيرها العلمي لكن الصحيح أننا لو تأملنا فيها، فيها إشارة إلى برهان النظم أن النظم يكشف عن وجود منظم وأنه ليس الغرض الإشارة إلى الجاذبية أو حركة الشمس والقمر لأن القرآن ليس كتابا علميا ليس كتاب في الجغرافية أو الفيزياء أو الكيمياء أو الرياضيات حتى تقول الغرض هو الإشارة العلمية وإن استفدنا منها الإشارة القرآن كتاب هداية فإذا لاحظنا هذا الهدف الرئيسي يكون الغرض من بيان هذه الآيات أن نظم الكون يكشف عن خالق للكون.
مثال آخر يعتبر المعاد من أهداف الإشارات العلمية في القرآن قال تعالى (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا اشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو يحي الموتى وأنه على كل شيء قدير) فقد يقال إن الغرض منها بيان الحقائق الطبية المتعلقة بخلق الإنسان ومراحل نشأته فإذا ذهبت إلى جامعة طهران ودخلت مختبر التاريخ الطبيعي ستجد مراحل تتطور الإنسان كلها موجودة في قارورة من بداية النطفة المضغة المخلقة وغيرها إلى الجنين موجود في زجاجة فهل غرض القرآن الإشارة إلى هذه المراحل التي تراها في المختبر أو لا الغرض الإشارة إلى المعاد كما خلقكم هو قادر على أن يعيدكم من جديد، هذا تمام الكلام في القاعدة الخامسة وهي الالتفات إلى الغرض الأساسي للقرآن والسور والآيات.
القاعدة السادسة قاعدة استخدام العلم في التفسير
والمراد بالعلم اليقين المعبر عنه بدرجة مئة في المئة في مقابل الظن والشك والوهم فالشك عبارة عن تساوي الطرفين خمسين في المئة وخمسين في المئة والظن عبارة عن الكفة الراجحة التي لم تصل إلى درجة اليقين أي من 51 في المائة إلى 99 في المائة والوهم من 1 في المئة إلى 49 في المئة يعني الطرف المرجوح والمراد باليقين درجة مئة في المئة وهذا اليقين هو اليقين المنطقي والعلم له اصطلاحان علم عرفي وعلم دقي والعلم الدقي هو درجة مائة في المائة وهو المعروف في المنطق والعلم العرفي هو عبارة عن الظن المتاخن للعلم يعني الاطمئنان والوثوق ففي المحاورات العرفية نستخدم العلم بمعنى الاطمئنان القريب من القطع واليقين هنا حينما نقول قاعدة استخدام العلم في التفسير المراد مائة في المائة قال تعالى (ولا تقفوا ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا) والقرآن وصلنا بالتواتر أي وصلنا بالقطع فلا يفسر إلا بالقطع نعم لو قام الدليل على حجية الظن فهذا حسب المبنى الفقهي وهناك مباني المبنى الأول مبنى حجية مطلق الظن بناء على دليل الانسداد وهو مبنى الميرزا القمي صاحب القوانين فإذا انسد باب العلم وهو القطع وانسد باب العلم أي الدليل العلمي الظني الذي قام عليه دليل قطعي تصل النوبة إلى حجية مطلق الظن وهذا الدليل ليس بتام لأن باب العلم لو قلنا قد انسد فإن باب الدليل العلمي لم ينسد فعندنا أخبار متواترة وعندنا اخبار ظنية كخبر الثقة قام الدليل القطعي والمتواتر على حجيتها، هذا المبنى الأول حجية مطلق الظن.
المبنى الثاني حجية خصوص الخبر الحاصل من اخبار الثقة يعني خبر الواحد الثقة وهناك خلاف في أنه هل يجوز تفسير القرآن الكريم بخبر الواحد أو لا مسلكان مسلك الأول بناء على مسلك جعل العلمية والطريقية للميرزا النائيني والسيد الخوئي يكون الظن حجة لأن الظن حقيقة جعله الشارع علما وقطعا اعتبارا وبالجعل الشرعي فصار عندنا مصداقان للعلم المصداق الأول القطع الحقيقي والمصداق الثاني الظن حقيقة وهو قطع اعتبارا وجعلا من الشارع وهو خصوص الظن الحاصل من خبر الثقة بناء على هذا المبنى يمكن تفسير القرآن بخبر الثقة.
المبنى الثاني الظن الحاصل من خبر الثقة ظن ولم يثبت أن الشارع نزله منزلة العلم وبالتالي ليس بحجة في تفسير القرآن الكريم إلا في خصوص آيات الأحكام لأن اقوى مدرك لحجية خبر الثقة هو سيرة العقلاء والعقلاء يرتبون الأثر على خبر الثقة فيما له اثر شرعي وما له اثر شرعي إما أن يكون موضوع الحكم الشرعي أو الحكم الشرعي وبالتالي يجوز تخصيص آيات الأحكام بخبر الواحد الثقة، هذا مبنانا ومبنى صاحب الميزان في خصوص آيات الأحكام يمكن أن خبر الثقة الظني يؤثر أما في غيره مثل آيات العقائد آيات الأخلاق فإن خبر الواحد الثقة يفيد الظن وهو لا يغني من الحق شيئا.
دراسة الأدلة والقرائن في التفسير
تفسير القرآن كشف لمعاني القرآن ومقاصد الآيات وبيان معانيها ولابد أن تكشف عن طريق اليقين والعلم يقع الكلام في مصاديق العلم ما هي مصاديق العلم؟ الأول الآيات القرآنية القطعية مثلا قوله تعالى (لا إله إلا الله) (قل هو الله أحد) يدل على توحيد الذات الإلهية قطعا ثانيا قوله تعالى (أقم الصلاة يدل على عموم مطلوبية الصلاة).
المصداق الثاني من مصاديق العلم الأخبار المتواترة مثل حديث الغدير متواتر وهو يفسر قوله تعالى (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا).
المصداق الثالث البراهين العقلية القطعية فقد قام الدليل القطعي على أن الله ليس بجسم لأن الجسم محتاج والله غني ليس بحاجة إلى أي شيء فالبرهان القطعي على عدم جسمانية الباري تبارك وتعالى يوجب تأويل يدل الله فوق أيديهم، يوم يكشف عن ساق، وجاء ربك، تأويلها بخلاف ظاهرها.
المصداق الرابع العلوم التجريبية القطعية فلو افترضنا أن الدليل القطعي قام على كروية الأرض فإنه لا يمكن استفادة أن الأرض مسطحة ولو قام الدليل القطعي على جاذبية الأرض لا يمكن أن نستفيد من الآيات أن الكرة الأرضية ليس فيها جاذبية.
الخلاصة
عندنا قطعيات خمسة قد ذكرناها وهي القرآن القطعي والسنة القطعية والدليل العقلي القطعي والدليل التجريبي القطعي والتاريخ القطعي فهذه القطعيات يمكن على أساسها نفسر القرآن الكريم، هذا تمام الكلام في بيان مفهوم العلم ومصاديق العلم بالتالي نأخذ ما يقابله وهو الظن لأن القاعدة العملية الأولية والأساسية هي اعتماد العلم وعدم اعتماد الظن والظن لا اعتبار به إلا إذا قام الدليل القطعي على حجيته فالظن تشمله الآيات الكريمة (قل أأ الله أذن لكم أم على الله تفترون) (ولا تغفوا ما ليس لك به علم) (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) هذه مجموعة آيات تدل على حرمة العمل بالظن، هذا الدليل الأول.
الدليل الثاني مجموع من الروايات تدل على حرمة العمل بالظن منها ما روي عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" (من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار) وكتب الإمام الحسن عليه السلام في جواب رسالة أهل البصرة قائلا بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تتكلموا فيه بغير علم فقد سمعت جدي رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار، إذن الظن ليس بحجة في التفسير ولابد من بحث مكانة الظن في التفسير وقد ذكرنا بناء على حجية مطلق الظن وهو مسلك دليل الانسداد للميرزا القمي صاحب القوانين يكون حجة وهذا ليس بتام، المسلك الثاني الظن المعتبر حجية خبر الثقة وبينا مسلكين المسلك الأول المسلك العلمية طبعا السيد الخوئي يلتزم به نظريا عمليا ما يفسر القرآن بخبر الواحد إلا في خصوص آيات الأحكام، والمسلك الثاني مسلك صاحب الميزان وهو مسلك المشهور لا يفسرون القرآن بخبر الواحد إلا في خصوص آيات الأحكام.
أقسام الظن المعتبر
هناك عدة اقسام:
القسم الأول ظواهر القرآن وهذا بحث اصولي ويقولون قامت السيرة العقلائية على حجية ظواهر القرآن وهي هذه السيرة بمرأى المعصوم عليه السلام ولم يردع عنها فنستكشف الامضاء فتكون ظواهر القرآن حجة.
القسم الثاني خبر الواحد المعتبر وقد بحثنا.
القسم الثالث اقوال اللغويين والأدباء والصحيح انها ليس حجة وقد بحثت في الأصول وقالوا قول اللغوي ليس بحجة حتى شاع هذا الاعتبار وهذا الكلام تعليلات النحاة أوها من بيت العنكبوت.
الرابع آراء الصحابة والتابعين وليس كلامهم بحجة لأنهم ليسوا بمعصومين ولم تثبت الحجية لأقوالهم لذلك نقلوا كثيرا اسباب النزول وشأن النزول لا يتعامل مع هذه الأقوال على أنها حجة وإنما هي قرائن اثبات ناقصة وليست قرائن اثبات تامة يمكن إذا تجمعت أن تشكل تواترا أو تشكل قرائن تورث الاطمئنان ولكن كل مفردة منها لا تشكل حجة.
الخامس آراء المفسرين وآراء المفسرين ليست حجة ولا يجوز التقليد في التفسير.
السادس الأخبار التاريخية، التاريخ من الأدوات التفسيرية ويعتمد عليه في الكثير من الموارد مثل أبحاث اسباب النزول وشأن النزول ومكية السورة ومدنية السورة لكن أقوال المؤرخين ليست حجة فإن التاريخ قد كتبه الملوك وأقوال المؤرخين ليست حجة كما أنه لو نظرنا إلى الكتب التفسيرية للسنة لوجدنا أنها مليئة باسباب النزول وشأن النزول فإذا رجعنا إلى تفسير الدر المنثور للسيوطي وتفسير الطبري وهو من التفاسير الروائية لوجدنا الكثير من الروايات التي وردت في شأن النزول واسباب النزول وكثير منها روايات اسرائيلية وروايات موضوعة والروايات الاسرائيلية والموضوعة قليلة في كتب الشيعة الإمامية لذلك نجد صاحب الميزان رضوان الله عليه وكذلك الشيخ ناصر مكارم في تفسير الأمثل لم يركزا كثيرا على روايات اسباب النزول وشأن النزول فالكثير منها عامي وأما ما ورد من الروايات المفسرة لو رجعنا إلى كتبنا الروائية والتفاسير الروائية كتفسير البرهان للسيد هاشم التوبلاني وتفسير نور الثقلين للشيخ جمعة عبد علي الحويزي وتفسير الصافي للفيض الكاشاني وتفسير كنز الدقائق للمشهدي فضلا عن الكتب المتقدمة مثل تفسير العياشي وتفسير علي بن ابراهيم لوجدنا أن الكثير منها لم يركز على اسباب النزول وشأن النزول بقدر ما ركز على بيان معاني المفردات ـ مفردات الآية الكريمة ـ فهي تفسر القرآن من ناحية المفهوم ومن ناحية المصداق والتفسير من ناحية عن طريق قاعدة الجري والتطبيق، هذا تمام الكلام في الروايات الظنية.
إلى هنا أخذنا العلم، تفسير القرآن بالعلم وتفسير القرآن بالظن، القسم الثالث تفسير القرآن بالشك والقسم الرابع تفسير القرآن بالوهم ولا شك أن الشك والوهم ليس بحجة لا اعتبار بهما لا في العقل ولا في الكتاب ولا في السنة ولا في التفسير ولا في التاريخ.
القواعد العامة
اولا عدم جواز التفسير بغير علم وبغير دليل علمي يعني الاصل في التفسير هو العلم دون ما سواه.
الثاني عدم جواز التقليد في التفسير فنحن ننظر إلى آراء المفسرين لكي تعيننا على فهم تفسير الآية لا أن تفسيرهم ورأيهم حجة في حقنا نعم قد نفهم الآية فهما آخر أو نجمع قرائن من كلماتهم ونستعين بآرائهم على تفسير الآية الكريمة ويتلخص مما تقدم أولا تقليد المفسرين حرام ثانيا يجوز نقل آراء المفسرين في التفسير ثالثا يجوز نقد آراء المفسرين بل نقدها مطلوب، رابعا يجوز قبول آراء المفسرين على اساس الدليل المعتبر فالحجية إنما تثبت للدليل المعتبر لا لآراء المفسرين هذا تمام الكلام في القاعدة السادسة المصنف ذكر ستة عشر قاعدة.
القاعدة السابعة قاعدة الالتفات إلى ظاهر الآيات وباطنها وتجنب نسبة الفهم الذوقي والشخصي إلى القرآن، قرآن الكريم له ظاهر وله باطن، الظاهر المعنى الذي يؤخذ من ظاهر اللفظ وكشف القناع عن ظاهر اللفظ وأما الباطن ففيه اختلاف بعضهم يقول الباطن هو مبطون في ظاهر اللفظ ولكن نلغي الخصوصيات، الخصوصية الزمانية المكانية الحدثية مثلا (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) نجردها من الأشخاص والزمان والمكان نقول هذه تدل على لزوم رجوع الجاهل إلى العالم.
المعنى الثاني للبطن البطن لا يستخرج من ظاهر الآية وإنما هو المدلول الالتزامي للآية وهذا المدلول يكون خفيا ليس لازما بينا بالمعنى الأخص يحتاج إلى اعمال فكر حتى تتطلع عليه فهذه القاعدة تقول لابد من الالتفات إلى ظاهر الآية وباطنها والمراد بالباطن المعنى الذي هو حجة إما يستخرج من المعنى الظاهر اللفظ الظاهر أو مدلول التزامي بناء على الاختلاف في معنى البطن وليس المراد بالبطن وليس المراد بالبطن الاستحسان والفهم الذوقي والمكاشفات الشخصية التي لا اعتبار لها فهذا خارج عن دائرة التفسير فإذا رجعنا إلى كتب التفسير الإشاري وهي كتب التفسير العرفاني فيها اشارات قلبية واردات قلبية شاردات وواردات، واردات إلى القلب وصادرات من القلب، قد تكون صادرات من الوهم أو من الشيطان وخلتكون من الرحمن تحتاج إلى دليل يدل عليها فإذا رجعنا إلى تفسير كشف الاسرار للميبدي أو غرائب القرآن للنيسابوري أو كتاب روح المعاني للآلوسي، احيانا يذكرون ابحاث تحت عنوان رموز واشارات واسرار وتأول وهذه الإشارات قد تكون خارجة عن اطار الدلالة العقلائية للألفاظ على المعاني ويقولون أنها بطون وواردات قلبية واشارات ونفحات رحمانية وقد تكون هي اوهام نفسانية، مثال ذلك في تفسير قوله تعالى (والضحى والليل إذا سجى) كتب الميبدي في كتابه كشف الاسرار الجزء العاشر صفحة 530 قال وعلى لسان أهل الإشارة وطبقا لذوق رجال الطريقة فإن المقصود من هذا النهار والليل هو الكشف والحجاب والكشف والحجاب علامة على اللطف والغضب.
مثال آخر حول بقرة بني اسرائيل (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) كتب النيشابوري في تفسيره غرائب القرآن ورغائب الفرقان الجزء الأول صفحة 314، هنا في تفسير غرائب القرآن قال النيشابوري ذبح البقرة إشارة إلى ذبح النفس البهيمية فإن في ذبحها حياة القلب الروحاني وهو الجهاد الأعظم فهكذا يقولون الصوفية والعرفاء هناك إفاضات واشراقات شهودية نظرية وإفاضة صوفية وعرفانية وباطنية فهذا التفسير الباطني لمعرفة أنه صحيح أو غير صحيح لابد من إيراد الدليل عليه لا مانع من ذكر هذه الإشارات الذوقية ولكن الاعتقاد بها يحتاج إلى دليل.
الأمر الأول بطن القرآن هو المدلول الالتزامي عند الشيخ محمد هادي معرفة، المعنى الثاني المراد ببطن القرآن الفهم الذوقي والاستحساني وهذا غير صحيح المعنى الثالث المعنى الباطني ما بينه أهل البيت عليهم السلام هذا جيد نحن والرواية إذا ثبت مدلولها وهناك عدة روايات وردت في تفسير القرآن الكريم اشار اهل البيت عليهم السلام إلى بطن الآية هذا تمام الكلام في القاعدة السابعة.
القاعدة الثامنة تفسير القرآن الكريم اعتمادا على المصادر والوثائق والقرائن المعتبرة هذا واضح أن كل نص لكي تفهمه وتعرف مدلوله لابد أن تلحظ القرائن، القرائن المقالية والقرائن المقالية القرائن اللفظية والقرائن العقلية والمرتكزات وذكرنا خمس قرائن قطعية القرآن الكريم القطعي والسنة القطعية والتاريخ القطعي والدليل العقلي القطعي والدليل التجريبي القطعي، هذا تمام الكلام في القاعدة الثامنة.
القاعدة التاسعة عدم مخالفة التفسير للآيات المحكمة في القرآن أنت قد تفسر الآية بتفسير جيد ومعنى حل لكنه يتنافى ويتعارض مع آيات أخر قال تعالى (ولو كان من عند غير الله لوجودا فيه اختلافا كثيرا) (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) وبالتالي خاصة الآيات آيات العرش والكرسي وآيات التشبيه يعني الآيات المتشابهة لابد من ارجاعها إلى الآيات المحكمة، هذا تمام الكلام في القاعدة التاسعة أن لا يكون التفسير مخالفا للآيات المحكمات.
القاعدة العاشرة عدم تعارض التفسير مع السنة القطعية مثلا وردت روايات في تفسير قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) فإذا تفسر آية الاكمال بالمتردية والنطيحة وما أكل السبع وغيره الذي هو كسياق موجود في بداية الآية ونهاية الآية فهذا يتعارض مع السنة القطعية.
القاعدة الحادية عشر أن لا يكون التفسير مخالفا للقطع العقلي فقد دل الدليل القطعي على أن الله ليس بجسم وهو غني مطلق إذن لابد أن نأول قوله تعالى (يد الله فوق ايديهم) (يوم يكشف عن ساق) (وجاء ربك) (وجوه يومئذ ناظرة إلى ربها ناظرة) نأولها بما لا يشير إلى الجانب المادي والجسماني.
القاعدة الثانية عشر أن لا يكون التفسير مخالفا للعلوم التجريبية القطعية والعلوم التجريبية القطعية على نحوين:
الأول علوم طبيعية مثل كيمياء والفيزياء والطب
الثاني علوم انسانية مثل التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس والادارة والاقتصاد والسياسة وغير ذلك فمثلا قال الفخر الرازي جعل لكم الارض فراشا يعني الأرض مسطحة وهذا يتنافى مع مبدأ كروية الأرض فلا نقبل كلام الفخر الرازي لأن تفسيره لا ينسجم مع المكتشفات القطعية وهي كون الأرض كروية، هذا تمام الكلام في القاعدة الثانية عشر.
القاعدة الثالثة عشر رعاية الفروض المبنائية يعني الأصول الموضوعية للتفسير، هناك أصول موضوعية للتفسير، قواعد للتفسير ولا يحسن للمفسر أن يبتعد عنها مثلا يوجد مبنيان المبنى الأول تواتر القراءات وهذا يقول به أهل السنة والمبنى الثاني قول الإمامية الأخذ بخصوص القراءة المعروفة والمشهورة اقرأ كما يقرأ الناس والقراءة المتداولة هي قراءة حفص عن عاصم الكوفي بالتالي نأتي إلى هذه الآية الكريمة (يسألونك عن النساء فاعتزلوا النساء في المحيص ولا تقربوهن حتى يطهرن) هذه قراءة عاصم في القراءات الأخرى حتى يطّهرن يعني يعني حتى يغتسلن يعني لا تجوز مواقعة الحائض إذا انقطع دم حيضها قبل أن تغتسل وأما بناء على قراءة عاصم حتى يطهرن الحرمة غايتها انقطاع الدم فإذا انقطع دم الحيض جاز وطئ الحائض حتى قبل غسلها إذن هذا المبنى الذي تتخذه في التفسير يؤثر، الفروض المبنائية الأصول الموضوعية للتفسير تؤثر.
القاعدة الرابعة عشر تفسير الآيات على الأسلوب الصحيح ولزوم رعاية اصول المحاورة العرفية والعقلائية فإن القرآن جاء وفقا لطريقة المحاورات العربية والعقلائية والعرفية في فهم النصوص والقرآن لم يبتكر طريقة جديد فلا يصح تفسير القرآن بناء على طريقة خاصة ما أنزل الله بها من سلطان فلابد من حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد والمجمل على المبين والأخذ بحجية ظواهر القرآن وغير ذلك.
قال رسول الله من قال في القرآن برأييه فأصاب فقد اخطأ لأن الطريقة غير صحيحة حتى لو كانت النتيجة صحيحة.
طبعا المناهج الصحيحة في تفسير القرآن هي تفسير القرآن بالقرآن التفسير الروائي التفسير العقلي التفسير العلمي إذا قام الدليل على ذلك.
الخامس عشر أن يكون المفسر جامعا للشروط مطلعا لأن تفسير القرآن تخصص يحتاج إلى بحر علامة لديه اطلاع ولديه خبرة أما من لا يفقه شيئا كيف يفسر القرآن.
قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار.
القاعدة السادسة عشر المنع من التفسير بالرأي وتجنب تحميل الآراء الشخصية والأحكام المسبقة على القرآن الكريم فرق كبير بين التفسير والتحميل، أحيانا أنت مشبع بفكرة معينة مثلا أنت تؤمن بالعمل الحزبي تأتي إلى القرآن وتريد أن القرآن يجوز تشكيل الأحزاب والتنظيمات أو بالعكس أنت ضد العمل الحزبي والتنظيمي تأتي إلى القرآن هذا تحميل للقرآن وليس تفسير للقرآن، هكذا صنعت الاتجاهات العقائدية فقد ورد الأشاعرة الذين كانوا يقولون بالجبر جاءوا لتفسير القرآن لتحميل افكارهم وأخذ الآيات التي تدل على الجبر (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ولكن الله قتلهم وهكذا جاء المفوضة كالمعتزلة الذين يقولون إن الله خلق الإنسان وفوض إليه ما يصنع من دون أن يتدخل في ذلك وتمسكوا بآيات كل نفس بما كسبت رهينة وغيرها من الآيات وهذا تفسير بالرأي وقد ورد النهي عنه في القرآن الكريم، هذا تمام الكلام في القواعد الستة عشر الخاصة بتفسير القرآن الكريم واقتصر المصنف على القواعد في التفسير الترتيبي ولم يذكر قواعد التفسير الموضوعي إلا أن الشيخ محمد فاكر الميبدي في كتابه القيم قواعد التفسير لدى الشيعة والسنة وهو بحث مقارن عقد في خاتمة هذا الكتاب المقارن فصلا خاصا في قواعد التفسير الموضوعي ومن أراد أن يتعمق في قواعد تفسير القرآن الكريم وأن يعمل بحثا مقارنا بين قواعد التفسير عند الشيعة الإمامية وقواعد التفسير عند السنة في كل قاعدة قاعدة فعليه بدراسة أو قراءة أو مراجعة هذا الكتاب القيم الذي طبعه المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية فإن الشيخ الدكتور محمد فاكر الميبدي قد تناول القواعد المشتركة في العلوم كما فعل مصنف كتاب منطق تفسير القرآن الشيخ الدكتور محمد علي الرضائي الاصفهاني ثم ذكر القواعد الخاصة بالتفسير ثم ذكر القواعد الخاصة بالتفسير الموضوعي فصل القواعد الخاصة بالتفسير الموضوعي عن القواعد الخاصة بالتفسير التجزيئي وبذكر القاعدة السادسة عشر نختم الكلام في هذه الدورة في قواعد التفسير من كتاب منطق تفسير القرآن الجزء الأول للشيخ الدكتور محمد علي الرضائي الاصفهاني هذا كتاب قيم إذا ترجع إليه باللغة الفارسية أفضل هذه الترجمة العربية الدكتور الشيخ أحمد الأزرقي والدكتور الشيخ هاشم أبو خمسين ولكن يبدو أن الذي صفى الحروف خلط الكثير من الأمور أنا أقطع أنهما لو أطلعا على هذه الكيفية لم يقبلا ندعو إلى إعادة النظر في ترجمة هذا الكتاب القيم فإن الترجمة قد خربت مواضع كثيرة بينما كتاب قواعد التفسير لدى السنة والشيعة للشيخ الدكتور محمد فاكر الميبدي كتب بلغة عربية رصينة وانصح بدراسته أو مطالعته والرجوع إليه واعتباره مصدر من مصادر القيمة في قواعد التفسير فإن الكثير من السنة قد كتب في قواعد التفسير ولكن الشيعة الإمامية قد كتبوا في قواعد التفسير في هذه الأزمنة المعاصرة المتأخرة.
ونختم هذه الدورة قواعد تفسير القرآن اليوم الخميس 18 من شهر ذي القعدة عام 1441 هجرية قمرية الموافق 19 من شهر تير 1399 هجرية شمسية المصادف 9 يوليو وهو الشهر السابع من عام 2020 ميلادية.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 21 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: منطق تفسیر القرآن
  • الجزء

    -

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
21 الجلسة