تحقیق المباني الرجالیة
شیخ الدقاق

141- توضيح مصطلح: الكتاب، المصنف، الأصل، النوادر

تحقيق مباني الرجالية

  • الكتاب: تحقیق مباني الرجالیة
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    500

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
المصطلح السادس الكتاب والتصنيف والأصل والنوادر
هذه كلمات أربع كثر استعمالها في الكتب الرجالية وقد وقع الكلام في معناها والمقصود منها وزعم بعضهم وجود مصطلح خاص لهذه الكلمات الأربع في علم الرجال بل ذهب بعضهم إلى إفادة بعضها الحسن أو الوثاقة لمن قيلت في حقه بل ربما قال البعض بأن هذه الكلمات الأربع كلها تفيد الحسن أو الوثاقة من هنا تبرز أهمية بحث هذه الكلمات والتعرف على معناها اللغوي والعرفي من جهة والاصطلاحي في علم الرجال إن ثبت ذلك من جهة أخرى وفي الختام لابد من المقارنة بين معاني المصطلحات الأربع وملاحظة استخدامات الرجاليين فتارة يعبر الشيخ بالأصل ويعبر النجاشي بالكتاب والعكس بالعكس فقد الشيخ بالكتاب والنجاشي بالأصل والمصطلحات الأربعة كما يلي:
المصطلح الأول الكتاب
الكتاب في اللغة والعرف معناه واضح ومفهومه بين وهو كل ما كتب فيه وقد غلب استعمال الكتاب في المكتوب بين الدفتين نعم ذكر في بعض كتب اللغة أن المجيء بالكتاب بمعنى المجيء بالحكم كقوله "جل وعلى" في كتابه الكريم (لولا كتاب من الله سبق) أي لولا حكم من الله قد تقدم وغير ذلك وهذه الأمور والمعاني ليست محل بحثنا وإنما محل بحثنا المراد بالكتاب في علم الرجال ومن الواضح أن الكتاب يطلق على كل ما كتب بين الدفتين بحسب اللغة والعرف ولا يعرف لهذه الكلمة اصطلاح خاص في علم الرجال بل إننا نجد أن هذه الكلمة قد تكثرت بين الرجاليين وتارة يطلقون لفظ الكتاب على التصنيف وتارة على الأصل وتارة على النوادر مما يعني أن مصطلح الكتاب هو أعم هذه المصطلحات الأربع وأنه يشملها ويشمل غيرها مما هو مكتوب بين الدفتين إذا لم يشكل تصنيفا أو أصلا ولم يطلق عليه أنه من النوادر.
المصطلح الثاني التصنيف
التصنيف في الأصل بمعنى تمييز الأشياء ببعضها البعض كتاب العين الجزء السابع للخليل بن احمد الفراهيدي صفحة 132 لسان العرب لابن منظور الجزء التاسع صفحة 198 وقد غلب استعمال التصنيف على المؤلفات والكتب باعتبار أن المؤلف يصنف المعلومات فيها في الغالب فيقال في العرف عن مطلق الكتب بأنها مصنفات ومؤلفات وقد وجدنا الرجاليين يستخدمون كلمة التصنيف كاستخدامهم لكلمة الكتاب بما لهما المعنى اللغوي والعرفي فقد تكرر من اللغويين إطلاق كلمة تصنيف بمعنى تأليف فيراجع ما ذكره أئمة الرجال كالنجاشي فهرست النجاشي صفحة 384 صفحة 447 رجال الشيخ الطوسي صفحة 412 رجال الكشي صفحة 542 و566 رجال ابن الغضائري صفحة 80 وكذلك إذا راجعنا كلمات اللغويين في كلمة مصنف فقد أطلقت في كلمات الرجاليين وأريد منها مطلق التأليف والمؤلف يراجع فهرست النجاشي صفحة 3،80، 101 فهرست الشيخ الطوسي صفحة 306، 390، 397، 444 وغيرها من الموارد الكثيرة.
وجدنا الرجاليين يطلقون المصنفات في مقابل الأصول كما في ترجمة محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري من كتاب النجاشي حيث ورد فيه فرجعت إلى الأصول والمصنفات فأخرجتها فهرست النجاشي صفحة 355 الرقم 949 ومقتضى المقابلة المغايرة وهذا واضح جدا في ديباجة ومقدمة فهرست الشيخ الطوسي "رضوان الله عليه" حينما تكلم عن ابن الغضائري وهذا ما يبحث من أن ابن الغضائري قد ترجم له زميلاه وهما الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي ولم يذكرا أن له كتاب الرجال والمراد الغضائري الابن احمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري بل ذكر الشيخ الطوسي أن له كتابين احدهما في الأصول والآخر في المصنفات مما يعني أن المصنف يختلف عن الأصل بمقتضى المقابلة.
قال الشيخ الطوسي في ديباجة الفهرست أما بعد فإني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرست كتب أصحابنا وما صنفوه من التصانيف ورووه من الأصول ولم أجد منهم أحدا استوفى ذلك ولا ذكر أكثره بل كل منهم كان غرضه أن يذكر ما اختص بروايته وأحاطت به خزانته من الكتب ولم يتعرض احد منهم لاستيفاء جميعه إلا ما كان قصده أبو الحسين احمد بن الحسين بن عبيد الله "رحمه الله" فإنه عمل كتابين احدهما ذكر فيه المصنفات والآخر ذكر فيه الأصول واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما احد من أصحابنا واخترم هو "رحمه الله" الاخترام مصطلح يطلق على الموت قبل سن الأربعين، عالم الكبير النجاشي تلميذه النجاشي هو زميله عند أبيه الحسين بن الغضائري الأب وأيضا تلميذه واخترم هو "رحمه الله" وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما يحكي بعضهم عنهم.
ثم يواصل الشيخ الطوسي يقول ولما تكرر من الشيخ الفاضل "أدام الله تأييده" الرغبة فيما يجري هذا المجرى وتوالى منه الحث على ذلك ورأيته حريصا عليه الذي طلب منه يكتب الفهرست عمدت إلى عمل كتاب يشتمل على ذكر المصنفات والأصول ولم أفرد احدهما على الآخر لئلا يطول الكتاب لأن في المصنفين من له أصل فيحتاج أن يعاد ذكره في كل واحد من الكتابين فيطول فهرست الشيخ الطوسي صفحة 2 وواضح من عبارة الشيخ الطوسي أن المصنفات تختلف تماما عن الأصول وكما سيأتي فإن المراد من الأصل مدونة الراوي عن الإمام مباشرة أو عن الإمام بوسائط فالروايات التي يرويها ويودعها في مدونة يقال لها أصل بخلاف الروايات التي ينقلها من كتب أخرى على ما هو التحقيق وسنذكر أربعة أقوال لمعنى الأصل وهذا هو الصحيح عندنا بخلاف المصنف فإنه ما يعمل فيه المنصف رأيه في التبويب والتحقيق إلى آخره ويظهر التغاير أيضا من ترجمة هشام بن الحكم من الفهرست صفحة 495 الرقم 783 وتكرر ذلك في ترجمة هارون بن موسى التلعكبري كما في رجال الشيخ الطوسي صفحة 449 الرقم 6386 وهذا أيضا يظهر من ترجمة الشيخ الطوسي لنفسه في فهرسته صفحة 447 الرقم 714 والذي يظهر من خلال تتبع كلمات الأعلام في الرجال ومن خلال هذه الموارد أن التصنيف يطلق على الكتاب الذي اعمل فيه المؤلف نوعا من الانتخاب والتنظيم في تأليفه ولم يكن مجرد نقلا عن غيره مجردا عن أي جهد علمي فلا يكون التصنيف مرادفا بالدقة للكتاب وإن كثر استعمال الكتاب بمعنى المصنف، والنتيجة النهائية لا يخفى أن المصنف يختلف تماما عن الأصل وأن الكتاب كما يطلق على المصنف يطلق على الأصل أيضا.
المصطلح الثالث الأصل
الأصل في اللغة يطلق على أسفل كل شيء يراجع كتاب العين للخليل بن احمد الفراهيدي الجزء السابع صفحة 156 لسان العرب لابن منظور الجزء 11 صفحة 16 ويطلق الأصل في العرف كثيرا على أساس الشيء ومبدأه ويأتي الأصل أيضا بمعنى الثابت الذي لا يتغير فيقال رجل أصيل والمهم في المقام هو التعرف على معنى الأصل في كلمات الرجاليين فقد كثر استعمالها وورودها في كتب الرجاليين ووقع البحث بين المحققين حول المراد بالدقة من معنى الأصل بعد وضوح أن نظر الرجاليين هو إلى خصوص مجموعة الكتب الروائية الخاصة فالبحث يدور حول حقيقة وماهية هذه الكتب الروائية بحيث تميزت هذه الكتب الروائية الخاصة بإطلاق مصطلح الأصل عليها دون غيرها وقد أوصل المحقق المامقاني الأقوال إلى ستة أقوال لكننا نكتفي بذكر أربعة أقوال منها:
القول الأول إن الأصل هو الذي يحتوي على كلام المعصوم "عليه السلام" دون غيره يراجع منهج المقال فوائد الوحيد البهبهاني تعليقته الجزء الأول صفحة 119 توضيح المقال للملا علي كني صفحة 230 مقباس الهداية للشيخ عبد الله المامقاني الجزء الثالث صفحة 24.
وهذه الجهة وهي الرواية عن المعصوم دون غيره جهة يختلف فيها الأصل عن مطلق الكتاب فمفهوم الكتاب لا يمانع من ذكر كلام غير المعصوم بل يحتوي الكتاب أحيانا على كلام مؤلفه وغيره وقد استشكل في هذه الضابطة بإشكالين ردهما الوحيد البهبهاني "رضوان الله عليه".
الإشكال الأول هذا القول وهو أن الأصل هو الذي يحتوي على كلام المعصوم دون غيره يفضي إلى جعل الكتاب مقابلا للأصل مع أن الكتاب أعم من الأصل وأجاب عليه الوحيد البهبهاني "رحمه الله" بالتسخيف وإنما ذكر لا شك فيه ولكن الكلام هو في الكتاب الذي ليس بأصل فالكلام هو فيما به الامتياز يعني الأصل كتاب بلا شك ولكن بما يمتاز الأصل عن بقية أفراد ومصاديق الكتب كالمصنفات والنوادر وغير ذلك؟
الجواب يمتاز الأصل الذي هو كتاب بأنه مدونة فيها خصوص الروايات المنسوبة للأئمة دون غيرهم فهذا لا يعني أن الأصل في مقابل الكتاب بل يعني إن الأصل قسم من أقسام الكتب وهي خصوص الكتب التي تقتصر على ذكر الروايات عن المعصومين "عليهم السلام".
الإشكال الثاني بأن الكثير من الأصول فيه كلام مصنفين والكثير من الكتب ليس فيه ذلك ومثُل بكتاب سليم بن قيس الهلالي الذي هو من الأصول كما صرحوا بذلك وفيه كلام غير قليل للمصنف وهو سليم بن قيس الهلالي التابعي الذي يروي عن سلمان المحمدي وقد أجاب المحقق الوحيد البهبهاني "رضوان الله عليه" بأن هذا الكلام مجرد دعوى ولا يخفى بعده عن الحقيقة لمن كان له اطلاع على الأصول وأحوالها وموارد إطلاقها نعم لا ممانع من وجود كلام المصنف نادرا وأما كون كتاب سليم من الأصول فهو مجرد كلام لا دليل عليه هكذا يقول الوحيد البهبهاني.
والتحقيق يكفي في رد ومناقشة هذا القول ما يتضح من أن كتب الرواية حتى الجوامع الأولية المتقدمة مثل كتاب نوادر الحكمة جامع البزنطي، جامع محمد بن الحسن بن الوليد وغيرها فضلا عن الجوامع الأولية المتأخرة كالكافي للكليني ومن لا يحضره الفقيه للصدوق والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي وغيرها من كتب الروايات إنما هي في الغالب مجرد روايات منظمة ومصنفة ولا تحتوي عادة على غير الروايات خصوصا كتاب الكافي ومع ذلك فمن الواضح جدا أنه لا يطلق عليها أصول ولا يتعارف إطلاق لفظ الأصل عليها فيبقى هذا القول ليس بتام مما يعني أن مصطلح الأصل يختلف تماما عن مصطلح الكتاب والمصنف.
القول الثاني إن الأصل مجمع أخبار وآثار يتألف منها بشكل عشوائي بخلاف الكتاب فإنه يكون مبوبا على الأبواب يراجع منهج المقال الجزء الأول صفحة 120 توضيح المقال صفحة 232 مقباس الهداية الجزء الثالث صفحة 25.
ونوقش بأن الكثير من الأصول مبوبة وليس جميعها مبعثر وغير منظم والتحقيق إن هذا الوجه غير مطرد ولا منعكس حيث إن الكثير من الأصول مبوبة كما هو واضح بل إن الكثير من الأصول قد كتب في باب واحد من أبواب الفقه فيقال كتاب الصلاة لحريز بن عبد الله السجستاني ويقال هذا أصل فلان في الصلاة وهذا أصل فلان في الصوم أو الحج والعكس أيضا غير صحيح فإن كثيرا ما جاء في كلامهم كتاب غير مبوب ويقسمون أحيانا الكتب إلى كتاب مبوب وكتاب غير مبوب يراجع فهرست النجاشي صفحة 26، 83، 166، 252، 305، 325، 392 وكل من يتتبع يرى الكثير مثل هذه الكلمات مما يعني أن التبويب صفحة زائدة على مفهوم الكتاب، إذن القول الثاني كالقول الأول لا يمكن المساعدة عليه.
القول الثالث ما نقله المحقق الشيخ عبد الله المامقاني في المقام من غير نسبة لأحد بعينه وهو إن الأصول هي المتضمنة للماخوذ من المعصوم "عليه السلام" مشافهة ودونت من غير واسطة في الرواية وغيرها قد اخذ منها فيقال لها الأصل باعتبار ذلك مقباس الهداية الجزء الثالث صفحة 26 وهذا القول من ناحية كونه مجرد احتمال لا بأس به وهو يناسب تسميتها بالأصل ولكن لا دليل على لزوم كون المودع في الأصل روايات الراوي بنفسه مباشرة عن الإمام "عليه السلام" نعم ما ذكر من القيد بأن لا تكون هذه الروايات مأخوذة من كتاب آخر تام وقد ذهب السيد مهدي بحر العلوم "رحمه الله" إلى ما يقرب من هذا الوجه من دون قيد المشافهة والمباشرة إلا أنه قيده بأن يكون معتمدا، يراجع رجال السيد بحر العلوم الجزء الثاني صفحة 367.
والتحقيق إن الأصول وإن كان الكثير منها معتمدا بحسب الاستقراء والتتبع وقد علمنا من استقراء وتتبع القدماء ذلك ولكن هذا لا يعني أن الاعتماد قد اخذ في مفهوم الأصل بحيث لا يكون الأصل أصلا إلا إذا كان معتمدا فيأخذ الاعتماد في حقيقة وماهية الأصل ولم يصرح احد من القدماء بهذا القيد هذا بالإضافة إلى أن بعض الرجاليين قد ضعفوا الكثير من أصحاب الأصول مما يعني أن الاعتماد لا يلازم كون الأصل أصلا إذن القول الثالث لا يمكن المساعدة عليه.
القول الرابع ما ذهب إليه المحقق الوحيد البهبهاني واستقربه وهذا نص كلامه أقول ويقرب في نظري أن الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم "عليه السلام" أو عن الراوي والكتاب والمصنف لو كان فيهما حديث معتمد معتبر لكان مأخوذا من الأصل غالبا وإنما قيدنا بالغالب لأنه ربما كان بعض الروايات وقليلها يأخذ معنعنا ولا يأخذ من الأصل وبوجود مثل هذا فيه لا يصير أصلا فتدبر منهج المقال فوائد التعليقة الجزء الأول صفحة 121.
والتحقيق إن كلام الوحيد البهبهاني "رحمه الله" يناسب التسمية بالأصل من جهة ظهور كلامه في عدم أخذ الروايات روايات الأصل من كتاب أو مصنف قبله مع عدم التقييد بكون صاحب الأصل هو المشافه للإمام مباشرة ولكن ظاهر القسم الثاني من عبارته عند تقييد الحديث المعتبر غالبا في الكتاب بالأخذ من الأصول كأنه يفيد الاعتبار والاعتماد دائما في أحاديثها مع أن الأمر ليس كذلك جزما هذه عمدة الوجوه التي ينبغي ذكرها في المقام وقد ذكر المحقق المامقاني "رحمه الله" ستة وجوه لكن أكثرها إما ليس وجها أو أنه يعود إلى هذه الأربعة فيراجع مقباس الهداية الجزء الثالث صفحة 24 إلى 28.
وتحقيق المسألة إن مصطلح الأصل لم يرد في كتاب ولا سنة حتى نبحث عن المصطلح الشرعي لمعنى الأصل في الكتاب والسنة بل إنما ورد على السنة العلماء والرجاليين منذ القديم فلابد أن نرجع إلى كلمات علماء الحديث والرجال وملاحظة كلماتهم واستعمالاتها حتى يتضح المقصود من هذا المصطلح الأصل وبتتبع كلمات الرجاليين يمكن أن نصل إلى عدة أمور:
الأمر الأول من الواضح أن الأصل يطلق في اللغة على أساس الشيء وأسفله والأصل يطلق في مقابل الفرع بحيث يقال إن ما لا فرع له لا يتحدث عن وجود أصل له.
الأمر الثاني لا يخفى أن الحديث عن إطلاق الأصل عنوانا لبعض الكتب في كتبنا الرجالية والفهرستات ومن الواضح أن مصطلح الأصل إنما أطلق على خصوص بعض الكتب الروائية ولم يطلق على غير الكتب الروائية بل لم يطلق على جميع الكتب الروائية وإنما أطلق مصطلح الأصل على حصة خاصة من الكتب الروائية فمصطلح الأصل لم يطلق على الجوامع الحديثية الأولى كجامع البزنطي وجامع محمد بن الحسن بن الوليد ونوادر الحكمة ونوادر احمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي واضرابهم فضلا عن الجوامع الثانوية كالكتب الأربعة للمحمدين الثلاثة ومن تأخر عنهم بل لم نجد من أطلق مصطلح الأصل على جملة من الكتب الروائية التي لم تشكل جامعا ككتب الصدوق "رحمه الله" غير من لا يحضره الفقيه وكتاب كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه وغيرها وعلى هذا فنحن أمام مصطلح يختص بحصة وعينة خاصة من كتب الحديث كتبت منذ عهد الإمام أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" إلى عهد الإمام الحسن العسكري "سلام الله عليه" وهي عبارة عن مدونات أصحاب الأئمة "عليهم السلام" التي دونوا فيها ما سمعوه من الأئمة مباشرة أو ما سمعوه من الأئمة عن طريق وسائط في النقل بحيث أودع الراوي جميع هذه الروايات التي لم ينقلها من أصل آخر.
الأمر الثالث نتتبع ونستقرأ معنى الأصل وما يمكن أن يقال فيه من كلمات المحققين ولعل أهم كلمة هي كلمة فخر المحققين البحاث الكبير في هذه الأيام المعاصرة وهو الشيخ آقا بزرك الطهراني صاحب كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة وكلامه طويل جدا نقتصر على المهم ويرجى مراجعة كلامه "رضوان الله عليه".
قال الأصل هو عنوان صادق على بعض كتب الحديث خاصة كما أن الكتاب عنوان يصدق على جميعها فيقولون له كتاب أصل أو له كتاب وله أصل أو قال في كتاب أصله أو له كتاب واصل وغير ذلك وإطلاق الأصل على هذا البعض ليس بجعل حادث من العلماء بل يطلق عليه الأصل بما له من المعنى اللغوي ذلك لأن كتاب الحديث إن كان جميع أحاديثه سماعا من مؤلفه عن الإمام "عليه السلام" أو سماعا منه عن من سمع عن الإمام "عليه السلام" فوجود تلك الأحاديث في عالم الكتابة من صنع مؤلفها وجود أصلي بدوي ارتجالي غير متفرع من وجود آخر فيقال له الأصل لذلك وإن كان جميع أحاديثه أو بعضها منقولا عن كتاب آخر سابق وجوده عليه ولو كان هو أصلا وذكر صاحبه لهذا المؤلف أنه من مروياته عن الإمام "عليه السلام" وأذن له كتابتها وروايتها عنه لكنه لم يكتبها عن سماع الأحاديث عنه بل عن كتابته وخطه فيكون وجود تلك الأحاديث في عالم الكتابة من صنع هذا المؤلف فرعا عن الوجود السابق عليه وهذا مراد الأستاذ الوحيد البهبهاني من قوله الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم أو عن الراوي عنه فالأصل من كتب الحديث هو ما كان المكتوب فيه مسموعا لمؤلفه عن المعصوم أو عمن سمع منه لا منقولا عن مكتوب فإنه فرع منه ويشير إلى اعتبار السماع كلام النعماني الآتي في أصل سليم كما أن أصل كل كتاب هو المكتوب الأولي منه الذي كتبه المؤلف وكل ما ينتسخ منه فهو فرع له فيطلق عليه النسخة الأصلية أو الأصل لذلك من الواضح أن احتمال الخطأ والغلط والسهو والنسيان وغيرها في الأصل المسموع شفاها عن الإمام أو عمن سمع منه اقل منها في الكتاب المنقول عن كتاب آخر لتطرق احتمالات زائدة في النقل عن الكتاب فالاطمئنان بصدور عين الألفاظ المندرجة في الأصول أكثر والوثوق به أكد فإذا كان مؤلف الأصل من الرجال المعتمد عليهم الواجدين لشرائط القبول يكون حديثه حجة لا محاله وموصوفا بالصحة كما عليه بناء القدماء.
ثم ينقل صاحب الذريعة كلمات الأعلام في كون الأصل إحدى الحيثيات الموجبة للاطمئنان بالصدور يقول صاحب الذريعة بعد ذلك ذكر الشيخ البهائي في مشرق الشمسين الأمور الموجبة لحكم القدماء بصحة الحديث وعد منها وجود الحديث في كثير من الأصول الأربعمائة المشهورة المتداولة عندهم ومنها تكرر الحديث في أصل أو أصلين منها بأسانيد مختلفة متعددة ومنها وجوده في أصل رجل واحد معدود من أصحاب الإجماع وقال المحقق الداماد في الراشحة التاسعة والعشرين من رواشحه بعد ذكر الأصول الأربعمائة وليعلم أن الأخذ من الأصول المصححة المعتمدة أحد أركان تصحيح الرواية فوجود الحديث في الأصل المعتمد عليه بمجرده كان من موجبات الحكم بالصحة عند القدماء وأما سائر الكتب المعتمدة فإنها يحكمون بصحة ما فيها بعد دفع سائر الاحتمالات المخلة بالصدور ولا يكتفون بمجرد الوجود فيها وحسن عقيدة مؤلفيها فالكتاب الذي هو أصل ممتاز عن غيره من الكتب بشدة الاطمئنان بالصدور والاقربية إلى الحجية والحكم بالصحة، هذه الميزة ترشحت إلى الأصول من قبل مزية شخصية توجد مؤلفها تلك هي المثابرة الأكيدة على كيفية تأليفها والتحفظ على ما لا يتحفظ عليه غيرهم من المؤلفين وبذلك صاروا ممدوحين عند الأئمة "عليهم السلام" كما في حديث مدح أهل البصرة بدخولهم وسماعهم وكتابتهم ولذا نعد قول أئمة الرجال في ترجمة احدهم أن له أصلا من ألفاظ المدح له لكشفه عن وجود مزايا شخصية فيه من الضبط والحفظ والتحرز عن بواعث النسيان والاشتباه والتحفظ عن موجبات الغلط والسهو وغيرها والتهيؤ لتلقي الأحاديث بعين ما تصدر عن معادلها على ما كان عليه ديدن أهل الأصول، انتهى المقطع المهم من الذريعة وكلامه طويل فيراجع الذريعة إلى تصانيف الشيعة الجزء الثاني من صفحة 125 إلى صفحة 135.
والخلاصة والمتحصل إن الأصل هو الكتاب الرواية الأصلي غير المأخوذ من كتب الرواية الأخرى وأن غيره من الكتب متفرع عليه في الروايات لكون الكتب الأخرى إما بأكملها أو بعضها قد أخذت من هذه الأصول وهذا المعنى يوافق بوضوح محتوى ما وصل إلينا مؤخرا مما ينسب إلى الأصول كالكتاب الذي طبعه السيد حجة الكوهكمري "رحمه الله" من المراجع المعاصرين تحت عنوان الأصول الستة عشر وأدعى أنه قد عثر على هذه الأصول ودونها في هذا الكتاب الذي طبعه ومن الواضح أن صاحب الذريعة يرى أن كون الشخص له أصل من موجبات مدحه وسيتضح إن شاء الله أن الصحيح أن جميع هذه المصطلحات الأربع الكتاب المصنف الأصل النوادر لا تدل على المدح أو الذم بل تدل على انجاز معين ككتابة الكتاب أو الأصل أو المصنف أو النوادر، هذا تمام الكلام في المصطلح الثالث الأصل.
يبقى الكلام في المصطلح الرابع وهو النوادر والمقارنة بين هذه المصطلحات الأربع الكتاب المصنف الأصل النوادر ونضيف إليها لفظ النسخة، الرابع النوادر يأتي عليه الكلام.
وصلى الله على محمد وآله الكرام

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 146 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: تحقیق مباني الرجالیة
  • الجزء

    -

  • 500

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
146 الجلسة