الصحيفة السجادية
شیخ الدقاق

003 - الشروع في شرح الدعاء الأول

الصحيفة السجادية

  • الكتاب: الصحيفة السجادية
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    200

07

2023 | مايو

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

نشرع في بيان الدعاء الأول من الصحيفة السجادية

جاء في الصحيفة السجادية في أول دعاء من الصحيفة السجادية الكاملة هكذا (وكان من دعاءه "عليه السلام" إذا ابتدأ بالدعاء بدء بالتحميد لله "عز وجل" والثناء عليه فقال الحمد لله الأول بلا أول كان قبله والآخر بلا آخر يكون بعده الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين وعجزت عن نعته أوهام الواصفين) إلى آخر الدعاء الأول من أدعية الصحيفة السجادية.

الله "عز وجل" بابه مفتوح للسائلين حتى قال بعضهم ما أعظم الإسلام متى ما أردت أن تسمع كلام ربك فتحت القرآن الكريم في أي وقت وما إن أردت أن توصل كلامك إلى ربك ابتدأت بالدعاء في أي وقت فالله "عز وجل" ليس كسائر السلاطين له حجاب ويدخلون عليه في أوقات ويمنعون الدخول عليه في أوقات الله "عز وجل" بابه مفتوح للكل في كل الأزمنة والأمكنة نعم هناك أوقات محددة أفضل من غيرها كليلة القدر وشهر رمضان وهناك بقاع أفضل من غيرها كمكة والمدينة وكربلاء والنجف وغيرها لذلك ورد في الروايات أفضل الدعاء ما جرى على لسانك يعني ما ذكرته بشكل عفوي وفي مقابلها روايات تحث على الدعاء بالمأثور يأتي أحدهم إلى الإمام "عليه السلام" ويقول علمني دعاء فيعلمه الإمام ذلك الدعاء وذلك لأن الأئمة عليهم السلام يعرفون كيف يخاطب الرب الجليل وفي بداية الدعاء يستحسن الاستعاذة بالله والبسملة والآيات والروايات تدل على ذلك فاستعذ بالله كل عمل بدء بغير ذكر الله فهو أبتر لذلك يستحسن الدعاء أن يستهل بالاستعاذة بالله "عز وجل" من الشيطان الرجيم وبالبسملة بسم الله الرحمن الرحيم ثم بعد ذلك أول نقطة الحمد والثناء على الله "عز وجل" كما أن الملوك قبل أن تطلب طلبك تثني عليهم الله "عز وجل" ملك الملوك سلطان السلاطنة جبار الجبابرة يفضل أن تثني عليه لا لحاجته للثناء كما يحتاج الملوك بل لحاجة العبد لذلك لأن الدعاء عبارة عن طلب والطلب على ثلاثة أقسام:

القسم الأول طلب العالي إلى الداني وهو يعبر عنه أمر كطلب الأمير من عامله فهذا يقال له أمر، أمر الأمير عامله بكذا.

القسم الثاني طلب المساوي من المساوي وهذا يقال له التماس كطلب الأخ من أخيه والصديق من صديقه فيقولون التمس فلان من صديقه فلان كذا.

القسم الثالث طلب الداني من العالي كطلب العبد من ربه وهذا ما يقال له دعاء، قل ما يعبئ بكم ربي لولا دعائكم) وفي الرواية (من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة) وفي الرواية (إني أحب أن يكون المرء دعاءاً) دعاء على وزن فعال صيغة مبالغة دعاء يعني كثير الدعاء لذلك ورد في شروط استجابة الدعاء أن يدعو الإنسان في السراء والضراء في بعض الروايات هكذا (إن العبد ليدعو في الرخاء فتنزل به الشدة فيدعو الله "عز وجل" في رفع شدته فتقول الملائكة صوت معروف أجيبوا حاجته وإن العبد لا يدعو في السراء فتنزل به الضراء فيدعو فتقول الملائكة صوت غير معروف ردوا دعوته) لذلك من نعم الله على الإنسان أن يكون دعاءاً يعني كثير الدعاء لنفسه ولولده وللمؤمنين بل ورد في بعض الروايات إن العبد ليدعو فيقول الله تبارك وتعالى يا ملائكتي أجيبوا دعوته ولكن أخروا الإجابة فإني أحب أن أسمع صوت عبدي المؤمن، يعني الله "عز وجل" يحب يسمع صوت عبده المؤمن وللتشبيه أحيانا الأب يعرف ماذا يريد الابن ولكنه لا يبادر الابن بالنعماء عليه لأنه يحب أن يسمع الطلب من لسان ولده، الله يعلم ما في قلوبنا ويعرف حاجتنا (علمه بحالي يغني عن سؤالي) ولكن هذا ليس على إطلاق، الله "عز وجل" علام الغيوب ولكن يحب أن نبث الحاجات بين يديه ولبث الحاجات بين يديه آداب:

أول أدب البدء بالاستعاذة والبسملة

ثاني أدب الاستهلال بحمد لله والثناء عليه

ثالث أدب الصلاة على محمد وآله محمد

وفي بعض الروايات إن الدعاء لتتوقف إجابته حتى يصلى على محمد وآله محمد، وقد ورد في بعض الروايات أنه إذا صليت على النبي فامسح بكفك وجهك وأنت تصلي على النبي.

إذن الدعاء الأول يبدأ الإمام علي بن الحسين زين العابدين السجاد هذا الدعاء بحمد لله والثناء عليه يقول (الحمد لله الأول بلا أول كان قبله) الحمد هو الثناء الحسن الجميل ويختلف الحمد عن الشكر في أن الحمد لا يكون إلا باللسان بخلاف الشكر فإنه يكون باللسان ويكون بالعمل لكن الحمد مختص بالله "عز وجل" والشكر ليس مختصا بالله بل الشكر يمكن أن يكون للخالق ويمكن أن يكون للمخلوق، الحمد الألف واللام للحقيقة، الحمد لله يعني جنس الحمد مختص بالله "عز وجل" فهذه اللام لله تفيد الاختصاص، الحمد لله يعني كل حمد حقيقة هو مختص بالله "عز وجل" لأن كل الأشياء الممكنة متصرمة غير دائمة بل هي زائلة ويبقى الدوام للدائم تبارك وتعالى فجميع الأشياء الممكنة المتصرمة مدينة في وجودها حدوثا وبقاء إلى واجب الوجود الدائم وهو الله "عز وجل" فلا يستحق غيره الثناء والحمد.

وأما لفظ الله ففيه قولان قول أنه علم أطلق على الذات الإلهية وقول بأنه اسم جنس ليس له مصداق إلا واحد وهو الله "عز وجل"، الله مأخوذة من إله وإله مأخوذة من أله بمعنى أحتار ثم أدخل عليها أل التعريف الله يعني الذات المتحير فيها، الذات التي تحيرت فيها العقول، الحمد لله يعني حقيقة الثناء الحسن الجميل مختص بالذات التي تحيرت فيها العقول وهو الله "عز وجل"، الحمد لله الأول بلا أول كان قبله والآخر بلا آخر يكون بعده.

الإنسان كائن ممكن ويأنس بالمحسوسات الممكنة والممكن يحتاج إلى بداية ويحتاج إلى نهاية فالممكن قبل وجوده عدم يحتاج إلى واسطة، واسطة الفيض تخرجه من حيز الوجود إلى حيز العدم ثم بعد ذلك، بعد أن أصبح موجوداً يحتاج في النهاية إلى واسطة تخرجه من حيز الوجود إلى حيز العدم هذا في ممكن الوجود وأما واجب الوجود فلا أول له ولا آخر له لأنه منتهى الكمال لأنه غير متناهي وغير المتناهي أزلي أبدي أي موجود منذ الأزل وباقٍ إلى الأبد، موجود منذ الأزل يعني منذ القِدم وباق إلى الأبد يعني ما لا نهاية فالذات الإلهية ليست لها بداية حتى يكون هناك شيء قبلها وليست لها نهاية حتى يكون شيء بعدها.

وأما لفظ أول، أول إما أصلها أو أل وإما أصلها وؤول إذا أصلها أو أل أفعل مهموز الوسط كما ذهب إلى ذلك الجوهري فتصير أفعل صفة فتقرأ بالجر والتنوين فتقول الحمد لله الأول بلا أول يعني بلا أو أل إذن إذا أرجعنا أول إلى أو أل تكون أفعل صفة مجرورة ومنونة وإما إذا أرجعنا أصلها إلى وؤول على وزن فوعل في هذه الحالة أفعل تفضيل إذا أفعل تفضيل تصير ممنوعة من الصرف إذا ممنوعة من الصرف لا تجر تفتح فتقول هكذا الحمد لله الأول بلا أول كان قبله إذن إن حملنا أول على أفعل الصفة أصلها أو أل يصير جر بالتنوين الحمد لله الأول بلا أول كان قبله وإذا حملنا لفظ أول على فوعل يعني ضمتين وبعدها همزة ولام تصير أفعل تفضيل وأفعل التفضيل ممنوع من الصرف فيفتح فتقول الحمد لله الأول بلا أول كان قبله والآخر بلا آخر يكون بعده في هذه الفقرة الأولى ينص الإمام السجاد "عليه السلام" على وحدانية الله تبارك وتعالى وعلى امتياز الذات الإلهية بأنها أزلية أبدية ولا بداية لها فليس قبلها أول ولا نهاية لها فليس بعدها آخر، الحمد لله يعني الثناء الحسن الجميل مختص بالذات التي تحيرت فيها العقول لماذا تحيرت فيها العقول ولماذا اختصت بالثناء؟ لأنه لا أول قبلها يعني ليس لها بداية ولا آخر لها يعني ليس لها نهاية حتى تنتهي ويأتي من بعدها شيء آخر هكذا ذات ليست ذاتا قابلة للنظر والبصر وإنما تدرك بالبصيرة هكذا ذات لا يدرك كنهها وإنما تدرك بآثارها لذلك ورد في الروايات النهي عن التفكر في ذات الله فإنه يقود إلى الكفر وأمرنا بالتفكر في آثار الله لأن المعلول يكشف عن العلة والمُنظم يكشف عن المنظِم وهذا ما هو واضح في برهان النظم، (أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) (أفرأيتم ما تحرثون *أَأَنتم تزر‌عونه أم نحن الزَّار‌عُون) هذه الآيات تفيد برهان النظم إن نظم الزرع يكشف عن وجود منظم، إن المعلول يكشف عن وجود العلة ففي برهان النظم أو البرهان الإني تنتقل من المعلوم إلى العلة، إن المعلول يكشف عن العلة وهكذا ذات لا تدرك بالأبصار لذلك يقول "عليه السلام" في الدعاء (الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين) لأنه بالنظر البصري لا ترى الله "عز وجل" يعني لا ترى الذات الإلهية لكن بالنظر البصري تدرك آثار الذات الإلهية نعم بعين البصيرة تدرك الذات الإلهية بقدر ما لأن الممكن لا يحيط بالواجب والمتناهي لا يحيط بغير المتناهي وأنا للناقص أن يدرك الكامل فهو عجز في عجز لذلك قال "عليه السلام" (وعجزت عن نعته أوهام الواصفين) لأن من وصفه اعتمادا على نظره البصري فهو واهم متوهم عاجز عن إدراك صفة الله تبارك وتعالى.

نكتفي بهذا المقدار اليوم (الحمد لله الأول بلا أول كان قبله والآخر بلا آخر كان بعده) هنا يثبت الحمد والثناء للذات الأزلية الأبدية (الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين وعجزت عن نعته أوهام الواصفين) هذه صفات لأثر أزلية وأبدية ووحدانية الذات الإلهية يعني لا يدرك كنهها فلا تدرك بالأبصار وإنما تدرك بحقائق البصيرة، قوله "عليه السلام" (ابتدع بقدرته الخلق ابتداع) إشارة إلى نعم الله على الإنسان وهي نعمة الخلق يأتي عليه الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 11 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: الصحيفة السجادية
  • الجزء

    01

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
11 الجلسة