بحث الإجماع
شیخ الدقاق

001 - بحث حجية الاجماع المنقول بخبر الواحد

بحث الإجماع

  • الكتاب: مصباح الأصول
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    100

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

المبحث الثالث من مصباح الأصول للسيد الخوئي في حجية الإجماع المنقول بخبر الواحد

كما هو معلوم الأدلة الشرعية أربعة، الكتاب والسنة والإجماع والعقل فيقع الكلام في حجية الإجماع بكلى قسميه الإجماع المنقول والإجماع المحصل وكان الأنسب أن يذكر هذا البحث بعد بحث حجية خبر الواحد الثقة لترتب القول بحجية الإجماع على القول بحجية خبر الواحد الثقة إلا أن الأصحاب قد ذكروا مبحث حجية الإجماع قبل مبحث حجية خبر الواحد وإن كان الأنسب كما ذكر المحقق النائيني "رحمه الله" وتبعه السيد الخوئي والسيد الإمام الخميني "رضوان الله عليهم" أن يذكر بحث الإجماع بعد بحث حجية خبر الواحد إذ أننا نحتاج هنا إلى عدة أصول موضوعية:

الأول الالتزام بحجية خبر الواحد الثقة.

الثاني أن المراد به خصوص الخبر الحسي دون الخبر الحدسي.

الثالث ما يذكر من أن المراد بحجية خبر الواحد الثقة في خصوص الأحكام دون الموضوعات فالموضوعات يشترط فيها البينة أي لابد من اشتراط العدالة أولاً والتعدد ثانياً إما شاهدان عادلان كما في موارد السرقة وغير ذلك وإما أربعة شهود كما في موارد الشهادة على الزنا والسحاق واللواط والعياذ بالله، إذن يقع الكلام في حجية الإجماع بعد الكلام عن ثبوت الحجية لخبر الواحد الحسي ولكن بما أن أرباب الأصول قد ذكروا مبحث حجية الإجماع بعد مبحثين في مباحث الحجج البحث الأول في حجية الظواهر والبحث الثاني في حجية قول اللغوي والبحث الثالث في حجية الإجماع.

ولا يخفى أن خبر الثقة إما أن يكون عن موضوع وإما أن يكون عن حكم أما بالنسبة إلى حجية خبر الثقة في الموضوعات فإما أن يكون في مقام الترافع في القضاء فهنا لا شك ولا ريب يشترط العدالة أولا ويشترط التعدد ثانيا كما في الشهادة عن السرقة أو الزنا وما شاكل ذلك وإما أن يكون خبر الثقة في الموضوعات لكن لا في مقام الترافع كما لو أخبر بنجاسة مكان معين فهل يشترط في الإخبار في الموضوعات العدالة والتعدد فهل تشترط البينة أم يكفي وتكفي شهادة الواحد الثقة المشهور بين الفقهاء القدماء هو اشتراط البينة في الموضوعات استناداً إلى عدة أدلة منها خبر مصدق من صدقة الوارد في روايات الجبن المتنجس إذ قال "عليه السلام" (والأشياء كلها على هذا حتى تستبين أو تقوم به البينة) أي أن الشهادة بنجاسة الجبن يشترط فيها أن تستبين يعني القطع أو تقوم به البينة ولا يكفي إخبار الثقة، ولكن الكثير من المعاصرين يرى حجية خبر العدل الواحد في الموضوعات بل حجية خبر الثقة الواحد في الموضوعات وعليه السيد أبو القاسم الخوئي "رحمه الله" وجملة من أعاظم تلامذته كالسيد الشهيد السيد محمد باقر الصدر والسيد علي السيستاني وغيرهما من أعاظم تلامذته ويعرف هذا المسلك والمبنى من خلال مراجعة كلماتهم وفتاواهم في بداية كتاب الاجتهاد والتقليد أنه يثبت اجتهاد المجتهد أو عدالته بأحد أمور إلى أن يقولوا البينة ثم يقولوا بل يكفي شهادة العدل الواحد بل يكفي خبر الثقة الواحد.

ليس محل كلامنا هو حجية الخبر الواحد في الموضوعات وليس كلامنا في الموضوعات وإنما الكلام في حجية الأخبار المتعلقة بالأحكام الشرعية من حيث شمول دليل حجيتها للإجماع المنقول بخبر الواحد وعدمه وسيتضح إن شاء الله أن السيد الخوئي "رحمه الله" لم يثبت لديه حجية الإجماع المحصل فضلا عن حجية إجماع المنقول نعم يحتاط السيد الخوئي "رحمه الله" خروجاً عن خلاف القوم فإن المشهور قبل الشيخ الأنصاري حجية الإجماع المنقول وأما بعد الشيخ الأعظم الأنصاري فقد قيل بالتفصيل بين الإجماع المحصل فهو حجة إذا حصل والإجماع المنقول الذي ليس بحجة.

السيد الخوئي "رحمه الله" لكي ينقح المراد بالإجماع يقول أحسن ما قيل في المقام ما ذكره شيخنا الأنصاري "رحمه الله" في الرسائل فيراجع فرائد الأصول الجزء الأول صفحة 135 وقد قرر السيد الخوئي "رحمه الله" ما أفاده الشيخ مرتضى الأنصاري وزاد عليه وخلاصة ما أفاده السيد الخوئي "رحمه الله" أن الإخبار عن الشيء له صور خمسة والإجماع المنقول إنما هو خصوص الصورة الخامسة فتكون الصور الأربع الأولى خارجة عن محل بحثنا فإن المخبر إذا أخبر إما أن يخبر عن حس كما لو رأى الشمس طالعة أو رأى سقوط الغيث فقال سقط الغيث ثم خرجت الشمس فهذا أخبار حسي وأحيانا يكون الإخبار إخبار حدسياً كما لو لم يرى سقوط الغيث لكنه سمع صوت الرعد ورأى ضوء البرق فقال سقط الغيث أو لم يشاهد خروج الشمس ولكنه نظر إلى الحمرة بالمشرق فقال خرجت الشمس طلعت الشمس ومحل.

بحثنا في بيان صور خمس للاخبارات وهي كما يلي:

الصورة الأولى أن يكون الإخبار عن شيء إخبارا عن حس ومشاهدة ولا إشكال في حجية هذه الاخبارات تمسكا ببناء العقلاء وسيرتهم على حجية خبر الثقة في إخباره الحسي فإن احتمال تعمد المخبر للكذب مدفوع بعدالته أو وثاقته كما أن احتمال غفلة المخبر مدفوع بأصالة عدم الغفلة التي استقر عليها بناء العقلاء إذن الصورة الأولى لا شك ولا ريب أن الإخبار فيها حجة وسيتضح أن إخبار المخبر حجة في الصور الأربع الأولى دون الصورة الخامسة التي هي مورد الإجماع المنقول.

الصورة الثانية أن يكون إخبار المخبر إخبارا عن أمر محسوس مع احتمال أن يكون إخباره مستنداً إلى الحدس لا إلى الحس كما إذا أخبر عن وقوع المطر مثلاً مع احتمال أنه لم يره بل أخبر بسقوط المطر استناداً إلى بعض المقدمات التي تلازم المطر بحسب حدسه كالرد والبرق مثلاً وهذا القسم ملحق بالقسم الأول إذ مع كون المخبر به من الأمور المحسوسة وهو سقوط المطر فظاهر حال المخبر يدل على أن هذا الإخبار إنما هو إخبار عن حس لا عن حدس فيكون حجة لعين ما ذكر في القسم الأول وهو أن احتمال تعمده للكذب منفي بعدالته أو وثاقته واحتمال خطأ المخبر منفي بأصالة عدم الخطأ وعدم الغفلة.

الصورة الثالثة أن يكون إخبار المخبر إخباراً عن حدس قريب من الحس بحيث لا يكون له مقدمات بعيدة كالإخبار بأن حاصل ضرب عشرة في خمس يساوي خمسين أو الإخبار بعدالة فلان مع أن العدالة ليست أمراً حسيا وإنما هي أمر معنوي وما يدرك ويشاهد ويعاين ليس هو العدالة وإنما الأمور الحسية الملازمة للعدالة مثل المواظبة على الجماعة والصدقات والطاعة وهذا القسم الثالث الإخبار عن حس قريب من الحس بحيث لا تكون هناك مقدمات بعيدة ملحق أيضا بالقسم الأول في الحجية لأن احتمال الخطأ في هذه الأمور القريبة من الحس بعيد جدا ومدفوع بالأصل العقلائي أصالة عدم الخطأ أصالة عدم الغفلة كما أن احتمال تعمد الكذب مدفوع بالعدالة أو الوثاقة كما تقدم في القسم الأول.

وأما الصورة الرابعة والخامسة وهما الهامتان المهمتان، الصورة الرابعة أن يكون إخبار المخبر إخبارا عن حدس مع كون حدسه ناشئا من سبب كانت الملازمة بينه وبين المخبر به تامة عند المنقول إليه أيضا بحيث لو فرض اطلاع المنقول إليه على ذلك السبب لقطع بالمخبر به مثلا لو كان هناك مريض مصاب بالصرع وكان إذا اعترته نوبة الصراع يضغط على لسانه ويعض لسانه فجاء هذا المخبر وقال فلان عض لسانه مع أنه لم يره قد عض لسانه لكنه سمع صراخه حينما اعتراه واعترته نوبة الصرع نظرا لوجود ملازمة عادية بين نوبة الصراع وعض اللسان بحيث أن المستمع وهو والد هذا الولد الذي عنده نوبة صراع لو علم أن هذا الناقل لم يرى ولده قد عض لسانه وأخبره أنني لم أرى أبنك يعض لسانه وإنما رأيته قد اعترته نوبة الصراع فإنه يسلم بهذه الملازمة يقول ما دام قد جاءته حالة الصرع إذن تداركه وضع في فمه شيئا حتى لا يقطع لسانه بأسنانه.

وهذا القسم من الإخبار أيضا حجة لأنه إخبار عن الأمر الحسي وهو السبب واخبر بالسبب ما هو السبب الصرع الصرع عن حس هو حينما نقل نقل عن حس يعني عاين صرعة الولد والمفروض ثبوت الملازمة بين الأمر الحسي وهو الصرع وبين المخبر به وهو عض اللسان في نظر المنقول إليه وهو الأب فيكون وتكون هذه الصورة الرابعة يثبت لها الحجية يبقى الكلام في الصورة الخامسة وهي أن يكون إخبار المخبر إخبارا عن حدس مع كون حدسه ناشئاً من سبب كانت الملازمة بينه وبين المخبر به غير تامة عند المنقول إليه وهذا القسم من الإخبار لم يدل دليل على حجيته وهو مورد بحثنا فإن ناقل الإجماع المنقول ينقل الإجماع عن حس ولكن ثبوت الإجماع المنقول وهو السبب يستلزم المسبب وهو قول المعصوم "عليه السلام" ولكن هذا الفقيه الذي تنقل له السبب وهو الإجماع المنقول قد لا يرى ملازمة بين السبب الإجماع المنقول وبين المسبب وهو قول المعصوم "عليه السلام" فإذا لم تكن الملازمة بين السبب والمسبب ثابتة عند المنقول إليه خلافاً للصورة الرابعة فإن الملازمة بين السبب والمسبب ثابتة عند المنقول إليه وأما في الصور الخامسة  الملازمة غير ثابتة فلا يدل الدليل على حجية مثل هذا الإخبار فإن احتمال تعمد الكذب وإن كان مدفوعا بثبوت عدالة الناقل أو وثاقته إلا أن احتمال الخطأ في الحدس لا دافع له إذ لم يثبت بناء العقلاء على عدم اعتناءهم باحتمال الخطأ في الأمور الحدسية إذا تمت هذه الصور الخمس نقول وبالله المستعان وإليه المرجع وعليه التكلان الإجماع المنقول من القسم الخامس لأن الناقل للإجماع لا يخبر عن حس بقول المعصوم "عليه السلام" ولا يخبر عن حدس قريب من الحس ولا يخبر عن حدس ناشئ عن سبب كان ملازما لقول المعصوم "عليه السلام" عندنا فإن الإجماع المدعى في كلام الشيخ الطوسي "رحمه الله" مثلا مبني على كشف الإجماع لرأي المعصوم من اتفاق علماء عصر واحد بسبب قاعدة اللطف وقاعدة اللطف ليست تامة عند السيد الخوئي والسيد الإمام الخميني والكثير من المعاصرين إذ المراد باللطف كل ما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية فإذا وقع خلاف أو أجمع العلماء على خطأ وجب على المعصوم "عليه السلام" أن يلقي بينهم الخلاف.

السيد الخوئي والسيد الإمام الخميني "رضوان الله عليهما" يقولان لم تثبت قاعدة اللطف من قال أنه يجب على المعصوم "عليه السلام" أن يلقي الخلاف يرجع هذا صحيح يحبذ هذا صحيح أما أنه يجب من قال أنه يجب ما أكثر الأخطاء بناء على هذا ما أكثر الاختلافات الموجودة بين الفقهاء التي تستدعي أن يظهر الإمام "عليه السلام" الرأي الحق هذا غير واجب وسيأتي بحث قاعدة اللطف هذا بالنسبة إلى كلام الشيخ الطوسي، الشيخ الطوسي مستنده في حجية الإجماع قاعدة اللطف.

وأما السيد المرتضى "رضوان الله عليه" فإنه كثيرا ما ينقل الإجماع على حكم نتيجة أن هذا الحكم يستند إلى قاعدة أجماعية فمن نظره بما أن القاعدة أجماعية تكون نتيجتها أيضا موردا للإجماع وينقل السيد الخوئي "رحمه الله" عن السيد المرتضى مسألة وإذا رجعنا إلى المسائل الناصرية للسيد المرتضى المسألة الرابعة فإنه ربما يظهر منها خلاف ما ذكره السيد الخوئي "رحمه الله" في مصباح الأصول لكننا ننقل ما ذكره هنا في مصباح الأصول لبيان منشأ الإجماع المدعى فإن الشيخ الطوسي يرى أن وجه حجية الإجماع هو قاعدة اللطف والسيد المرتضى "رحمه الله" يرى أن وجه حجية الإجماع استناده إلى قاعدة اجمع عليها أو مورد أصل أجمع عليه كدعواه الإجماع على جواز الوضوء بالمائع المضاف استنادا إلى أصالة البراءة التي اتفق عليها العلماء مع أن الوضوء بالماء المضاف ليس من موارد أصالة البراءة فأصالة البراءة وإن كانت أجماعية إلا أنه ليس من مواردها الوضوء بالماء المضاف وإذا رجعنا إلى المسائل الناصرية لا نجد أن المسألة هكذا بالنسبة إلى المائع المضاف مع أنه لا قائل من الإمامية بجواز الوضوء بالماء المضاف وليس الوضوء بالماء المضاف من موارد أصالة البراءة.

وكذا الحال بالنسبة إلى الإجماع المدعى في كلمات جملة من المتأخرين المبني على الحدس برأي المعصوم "عليه السلام" من اتفاق جماعة من الفقهاء إذ لا ملازمة بين اتفاق مجموعة من الفقهاء ورأي المعصوم "عليه السلام" لو علم استناد ناقل الإجماع إلى الحس بأن نقل الأمرين السبب والمسبب وقال هكذا اتفق الأصحاب على قول المعصوم "عليه السلام" في كذا وكذا فنقل السبب وهو قول المعصوم ونقل المسبب الإجماع أو أنه سمع المعصوم "عليه السلام" لكن لم ينقله بلفظ الرواية نقله بلفظ الإجماع قال يوجد إجماع على حرمة أكل لحم الأرنب والحال إنه سمع من المعصوم أن لحم الأرنب حرام فلا مجال للتوقف حينئذ وكان مشمول لأدلة حجية خبر الواحد بلا إشكال لأنه إخبار حسي وليس حدسيا فإذن هذه القضية مسلمة كبروية لو سمع المعصوم ونقل كلامه بلفظ الإجماع يكون إخباره حجة ولكن هذه الكبرى لا صغرى لها غير متحققة هذا الصغرى بل نقطع بعدمها لأننا نقطع بأن الاجماعات المنقولة في كلمات الأصحاب غير مستندة إلى الحس بل هي إخبارات حدسية وليست اخبارات حسية ونرى أن ناقلي الإجماع ممن لم يدركوا عصر المعصومين "عليهم أفضل صلوات المصلين" فمن نقل الإجماع لم يكن من الحاضرين ولم يكن ممن أدرك زمن حضور الأئمة "عليهم السلام" وأما زمن غياب المعصوم فادعاء الرؤية غير مسموع مع أن المجمعين لم يدعوا أنهم رأوا المعصوم وقال لهم وبلغهم الحكم المعين.

النتيجة النهائية إلى هنا اتضح موضوع الإجماع وهو الخبر الحسي القريب من الحس وهو الإخبار الحدسي مع كونه حدسا ناشئا من سبب كانت الملازمة بينه وبين المخبر به غير تامة عند المنقول إليه واتضح عدم حجية الإجماع المنقول، يقع الكلام في توجيه المحقق العراقي "رحمه الله" لحجية الإجماع المنقول ومناقشة السيد الخوئي لما أفاده المحقق العراقي في نهاية الأفكار ثم إن بعض الأعاظم يأتي عليه الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 4 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: مصباح الأصول
  • الجزء

    01

  • 100

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
4 الجلسة