بحث الإجماع
شیخ الدقاق

002 - مناقشة دعوى المحقق العراقي في حجية الاجماع المنقول من قبل القدماء

بحث الإجماع

  • الكتاب: مصباح الأصول
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    100

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

قال السيد الخوئي "رحمه الله" ثم إن بعض الأعاظم التزم بحجية الإجماع المنقول في كلمات القدماء.

وضحنا في الدرس السابق ما توصل إليه السيد الخوئي "رحمه الله" من عدم حجية الإجماع المنقول ثم بعد ذلك يذكر السيد الخوئي "رحمه الله" ما ذهب إليه المحقق العراقي "قدس" في تقرير بحثه نهاية الأفكار الجزء الثالث صفحة 97 فقد ذكر المقرر وهو الشيخ البروجردي "رحمه الله" بتوضيح وبيان من السيد الخوئي هنا في المصباح صفحة 159 ما مفاده إن الإجماع المنقول حجة إذا كان في كلمات المتقدمين ووجه ذلك أنه يحتمل أن يكون مستند القدماء في دعوى الإجماع هو السماع من المعصوم "عليه السلام" ولو بالواسطة لقرب عصر القدماء من زمان الحضور فضموا قول المعصوم "عليه السلام" إلى أقوال العلماء ونقلوا ما سمعوه عن المعصوم "عليه السلام" بلفظ الإجماع فيكون نقل الإجماع من المتقدمين من القسم الثاني من الأقسام الخمسة التي ذكرناها لموضوع الإخبار وهو ما كان الإخبار عن أمر حسي مع الاحتمال أن يكون الإخبار به مستندا إلى الحدس أو الحس وقد تقدم في الدرس السابق أن القسم الثاني من الإخبار تشمله سيرة العقلاء فهو حجة لأن العقلاء يعملون بمثل هكذا أخبار إذ أن ظاهر الإخبار عن ظاهر حسي إنه منقول عن حس فإذا شككنا أجرينا أصالة الحس العقلائية فيكون هذا الأخبار حجة وبالجملة احتمال كون الإخبار مستندا إلى الحس كاف في الحجية بناء على سيرة العقلاء أو بناء العقلاء هذا ملخص كلام المحقق العراقي ببيان من السيد الخوئي "رحمه الله" .

وفيه أمران وفي الأمر الأول أمران:

أما الأمر الأول فهو إن هذا الاحتمال أي استفادة القدماء في نقل الإجماع إلى الحس وهو عبارة عن أن يكون مستندهم السماع من المعصوم "عليه السلام" وبالواسطة هذا احتمال موهوم جدا بحيث يكاد يلحق بالخيال والتخيل فلا مجال للاعتناء به فلا يتبادر إلى الذهن من الإجماع إذ أن الإجماع هو عبارة عن إجماع الفقهاء وأقوال الفقهاء ولا يتبادر إلى الذهن أنه ضمن هذا الإجماع يوجد رواية وأن مستندهم في هذا الإجماع هو سماعهم عن حس من المعصوم "عليه السلام" ولو بواسطة وبالتالي لا مجال للاعتناء بهذا الاحتمال وما يذكر من أن احتمال كون الإخبار مستندا إلى الحس كاف في حجية هذا الإخبار إنما هو فيما إذا كان الاحتمال معتدا به عقلائياً وأما الاحتمال البعيد غاية البعد عن بناء العقلاء الملحق بالأمر الخيالي فلا يشمله بناء العقلاء والذي يدل أو يظهر منه أن هذا الاحتمال هو أشبه بالخيال وأنه وهم أمران:

الأمر الأول تتبع إجماعات القدماء كالشيخ الطوسي "قدس" والشريف المرتضى "أعلى الله مقامه" فقد اتضح فيما سبق أن مستند الشيخ الطوسي في نقل الإجماع إنما هو قاعدة اللطف لا إلى الحس من المعصوم "عليه السلام" ولو بواسطة كما واتضح استناد الشريف المرتضى في أجماعاته إلى أصل أو قاعدة كان تطبيقهما بحسب نظره وبالتالي فلو لم ندعي القطع بعدم استناد الشيخ الطوسي والشريف المرتضى إلى الحس من المعصوم "عليه السلام" ولو بالواسطة فلا أقل من عدم الاعتناء باحتمال استنادهما إلى الحس.

وأما الأمر الثاني الذي يفيد كون هذا الاحتمال موهوما وهو أنه لو كان الأمر كذلك وهو احتمال استناد المجمعين إلى سماع رواية من المعصوم "عليه السلام" ولو بالواسطة لكان المتعين هو نقل نص الرواية عن المعصوم "عليه السلام" كبقية الروايات لا نقل الإجماع بل هذا أكثر وقعا وهو نقل الرواية لا نقل الاجماع فإن نقل الإجماع باعتبار كونه كاشفا عن قول المعصوم "عليه السلام" مع كون نفس قول المعصوم محسوسا للفقيه ولو بالواسطة يكون أشبه بالأكل من القفا إذ أنه إذا أمكن نقل الرواية لا تصل النوبة إلى نقل ما يكشف عن الرواية وهو الإجماع هذا تمام الكلام في المناقشة الأولى وهو أن نفس هذا الاحتمال إنما هو وهم وخيال ولا يعتد به فلا يشمله بناء العقلاء.

المناقشة الثانية لو سلمنا بصحة هذا الاحتمال وقبلنا جدلا وسلمنا أن إجماع القدماء مستند إلى الحس بالواسطة فيكون بناء على ذلك الإجماع المنقول من القدماء بمنزلة الرواية المرسلة ولا يصح الاعتماد عليه لعدم معرفة الواسطة بين المجمعين وبين المعصوم "عليه السلام" وعدم ثبوت وثاقة رواة هذه الرواية فتحصل مما ذكرنا في هذا المقام أنه لا ملازمة بين حجية خبر الواحد وحجية الإجماع المنقول بوجه من الوجوه فيمكن الالتزام بحجية خبر الواحد وعدم حجية الإجماع المنقول هذا تمام الكلام في حجية الإجماع المنقول واتضح أن الإجماع المنقول ليس بحجة ومن الكتب التي كثر فيها نقل الإجماع كتاب رياض المسائل للسيد علي الطباطبائي "رضوان الله عليه" وأول من ناقش بقوة في الإجماع المنقول وأثبت عدم حجيته هو الشيخ مرتضى الأنصاري "رحمه الله" ومن بعد الشيخ الأنصاري دأب الكثير من الفقهاء والأصوليين على القول بعدم حجية الإجماع المنقول ففقد دليل الإجماع المنقول من الأدلة في مختلف مسائل الفقه وحل محله الاحتجاج بسيرة العقلاء أو بناء العقلاء.

بقي الكلام في القسم الثاني من الإجماع وهو الإجماع المحصل والمراد به أن يبحث الفقيه ويتتبع المسألة ويتتبع أقوال العلماء فإذا حصل لديه إجماع وثبت له أن الفقهاء من الأولين والآخرين منذ زمن الشيخ الكليني والمفيد والمرتضى والشيخ الطوسي إلى يومنا هذا قد أجمعوا قاطبة على مسألة من المسائل ففي هذه الحالة يثبت لديه الإجماع المحصل الذي هو أحد الأدلة الأربعة الكتاب والسنة والإجماع والعقل فما هو الدليل على حجية الإجماع المحصل والمشهور بين الأصوليين بعد الشيخ مرتضى الأنصاري أن الإجماع المنقول ليس بحجة أما الإجماع الحجة فهو الإجماع المحصل وهو ليس بحاصل فتكون المشكلة في الإجماع المحصل مشكلة صغروية وليست كبروية فهم يرون حجية الإجماع المحصل إلا أن مصداقه غير حاصل إلا أن السيد الخوئي "رحمه الله" كما سيتضح يرى أن الإجماع المحصل ليس بحجة أيضا فهو ليس بتام كبروياً فضلاً عن المشكلة الصغروية.

وأما الدليل على حجية الإجماع المحصل فقد يقال إن مدرك حجية الإجماع المحصل هو الملازمة العقلية بين الإجماع وقول المعصوم "عليه السلام" ويمكن تقريب ذلك بأحد وجهين:

الوجه الأول ما استند إليه الشيخ الطوسي "رحمه الله" من قاعدة اللطف وأكثر القدماء في علم الكلام وعلم الأصول يقبلون قاعدة اللطف التي ذكرها الشيخ الطوسي "رحمه الله" لكن أكثر المعاصرين والمتأخرين لا يقبلون قاعدة اللطف ومفادها إنه يجب على الله سبحانه وتعالى اللطف بعباده بإرشادهم إلى ما يقربهم إليه تعالى من مناهج السعادة والصلاح وتحذيرهم عما يبعدهم عنه تعالى من مساقط الهلكة والفساد أي أن المقصود باللطف كل ما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية فيجب على الله "عز وجل" أن يرشد الناس إلى كل ما يقرب إلى الطاعة ويبعدهم عن المعصية وهذا هو الوجه في إرسال الرسل والأنبياء وإنزال الكتب السماوية ونصب الإمام "عليه السلام" وهذه القاعدة تقتضي عند اتفاق الأمة جميعا على حكم من الأحكام إذا كان على خلاف الواقع أن يلقي الإمام "عليه السلام" المنصوب من قبل الله "عز وجل" الخلاف بينهم فمن عدم الخلاف بين الأمة وبين الفقهاء يستكشف موافقتهم لرأي المعصوم "عليه السلام".

خلاصة استدلال الشيخ الطوسي اللطف هو كل ما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية فيجب على الله "عز وجل" أن يرشد الناس إلى ما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية فإذا اتفق الفقهاء وأجمعوا على حكم بخلاف الواقع وجب على الله أن يلقي بينهم الخلاف حتى يبعدهم عن هذه المعصية فإذا لم يكن هناك خلاف كشف ذلك عن دخول قول المعصوم "عليه السلام" مع المجمعين فيكون الإجماع حجة لكونه كاشفا عن قول المعصوم "عليه السلام" ببركة قاعدة اللطف.

وفيه ثلاثة أمور:

أولا عدم تمامية القاعدة في نفسها إذا لا يجب على الله "عز وجل" اللطف بحيث يكون تركه قبيحا ويستحيل صدوره من الله سبحانه وتعالى فلا يجب على الله أن يرشد الناس في كل ما يقرب إلى الطاعة وكل ما يبعد عن المعصية نعم إرشاده سبحانه وتعالى فضل وتفضل منه "عز وجل" ورحمة لعباده أما أن يقال يجب عليه أن يرشد في كل أمر يقرب إلى الطاعة وأن يرشد في كل أمر يبعد عن المعصية فمن قال يجب على الله "عز وجل" ذلك نعم هذا الإرشاد لطف وتفضل منه تبارك وتعالى لعباده بل يكفي أن يبين الله "عز وجل" الواجبات والمحرمات ولا يجب عليه أن يرشد في كل جزئية جزئية إلى ما يقرب إلى الطاعة وينهى عن كل ما يبعد عن المعصية.

المناقشة الثانية لو سلمنا بقاعدة اللطف فغاية ما تقتضيه هو تبليغ الأحكام بالنحو المتعارف وقد بلغها وبينها الأئمة "عليهم السلام" للرواة المعاصرين لهم فلو لم تصل إلى الطبقة اللاحقة لمانع من قبل المكلفين أنفسهم ففي هذه الحالة ليس على الإمام "عليه السلام" إيصالها إلى طبقة اللاحقة بطريق غير عادي إذ قاعدة اللطف لا تقتضي ذلك وإلا لو اقتضت ذلك كان قول الفقيه الواحد إذا كان هو الفقيه الوحيد في عصره ولا يوجد في هذا العصر إلا هذا الفقيه لكان قول الفقيه الواحد كاشفا عن قول المعصوم "عليه السلام" إذا فرض انحصار العالم به في زمان معين وهذا واضح الفساد لأنه إذا كان في زمنه لا يوجد إلا هو فقيه وأفتى بشيء خلاف الواقع بناء على هذه القاعدة أنه في كل زمان وفي كل طبقة يجب على الله من باب اللطف أن يردع ويجب على الإمام أن ينقل الخلاف ففي هذه الحالة يكون في كل زمان إذا وجد فقيه ولا يوجد فقيه غيره أو أجمع فقهاء طبقة على حكم يجب أن يلقى بينهم الخلاف وهذا واضح الفساد وليس بتام.

المناقشة الثالثة ما المراد بإلقاء الخلاف وبيان الواقع من الإمام "عليه السلام" هل المراد من إلقاء الخلاف أن الإمام "عليه السلام" يلقي الخلاف مع إظهار أنه الإمام بأن يعرفهم بإمامته وهذا مقطوع العدم لأن الإمام الحجة في عصر الغيبة الكبرى لا يظهر إلى الناس ويعرفهم بإمامته فهذا مقطوع العدم وأما أن يكون المراد هو إلقاء الخلاف مع إخفاء كونه إماما وهذا لا فائدة فيه إذا لا يترتب الأثر المطلوب من اللطف وهو إرشاد الجاهل لأن الإرشاد لا يحصل من خلاف شخص مجهول غير معروف كما هو ظاهر وإنما الإرشاد يحصل بمخالفة المعصوم "عليه السلام"، هذا تمام الكلام في بيان الوجه الأول على عدم حجية الإجماع المحصل.

وأما الوجه الثاني الذي قد يستدل به على حجية الإجماع المحصل فقد يقال إن اتفاق جميع الفقهاء يستلزم القطع بقول الإمام المعصوم "عليه السلام" عادة إذ من قول فقيه واحد يحصل الظن ولو بأدنى مراتبه بالواقع ومن فتوى الفقيه الثاني يتقوى ذلك الظن بالواقع ويتأكد ومن فتوى الفقيه الثالث يزداد وتزداد قوة الظن بالواقع وهكذا من قول الفقيه الثالث والرابع والخامس يزداد الظن إلى أن يحصل الاطمئنان ويضعف احتمال مخالفة الواقع وهكذا إلى أن يحصل القطع بالواقع كما هو الحال في الخبر المتواتر فإن الظن يحصل بإخبار شخص واحد ويتقوى ذلك الظن بإخبار الشخص الثاني ويزداد ذلك الظن بإخبار الشخص الثالث وهكذا إلى أن يحصل القطع بالمخبر به نتيجة إخبار جماعة كثيرين يمتنع تواطئهم عن الكذب ويمتنع اتفاق خطأهم في فهم الحادثة المذكورة فكما أن التواتر حجة في الأخبار الحسية فكذلك الإجماع حجة في الأخبار الحدسية.

وفيه إن هذا الكلام مسلم في الأخبار الحسية كما في الأخبار المتواترة لكنه ليس بمسلم في الأخبار الحدسية كما في الإجماع أما بالنسبة إلى الأخبار الحسية فلأن احتمال مخالفة الخبر للواقع إنما ينشأ من أحد احتمالين:

الأول احتمال الخطأ في الحس.

الثاني احتمال تعمد الكذب وكلا هذين الاحتمالين يضعف بكثرة المخبرين إلى أن يحصل القطع بالمخبر به وينعدم الاحتمالان فهذا بخلاف الإخبار الحدسي المبني على البرهان فإن نسبة الخطأ إلى الجميع كنسبة الخطأ إلى الواحد إذ احتمال كون البرهان غير مطابق للواقع لا يفرق فيه بين أن يكون الاستناد إليه من شخص واحد أو أكثر ثم يأتي بمثال كمنبه وجداني يقول ألا ترى أن اتفاق الفلاسفة على أمر برهاني عقلي كامتناع إعادة المعدوم مثلا لا يوجب القطع به لأنها مجموعة إخبارات حدسية.

مثلا إذا يوم من الأيام كما في السابق كانوا قد اجمعوا على استحالة المعاد الجسماني اثبتوا المعاد الروحاني ولم يثبتوا المعاد الجسماني فإن إجماع المتكلمين أو الفلاسفة على عدم صحة المعاد الجسماني ليس بشيء ما دام يصطدم آيات كتاب الله تبارك وتعالى.

نعم لو تم ما نسب إلى النبي "صلى الله عليه وآله" من قوله (لا تجتمع أمتي على خطأ) وقلنا أن المراد من الأمة هو خصوص الإمامية ثبتت الملازمة بين إجماع علماء الإمامية وقول المعصوم "عليه السلام" ولكنه غير تام سندا ودلالة أما من حيث السند فهذه الرواية من الروايات المرسلة والضعيفة وأما من حيث الدلالة فلعدم اختصاص الأمة بخصوص الشيعة الإمامية كما هو ظاهر لفظ الأمة الذي يشمل السنة والشيعة معاً ويؤيد ذلك قوله "صلى الله عليه وآله" (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) فإن الظاهر من لفظ أمتي وكونها تفترق إلى ثلاثة وسبعين فرقة أن المراد عموم من ينتسب إلى النبي محمد "صلى الله عليه وآله" وليس خصوص الشيعة الإمامية وقد يقال بالملازمة العادية بين الإجماع وقول المعصوم يأتي عليه الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 4 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: مصباح الأصول
  • الجزء

    01

  • 100

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
4 الجلسة