بحث الإجماع
شیخ الدقاق

004 - عدم حجية الشهرة الفتوائية

بحث الإجماع

  • الكتاب: مصباح الأصول
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    100

  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِ اللهم على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

القسم الثالث الشهرة الفتوائية وهي بمعنى اشتهار الفتوى بحكم من الأحكام من دون أن يعلم مستند الفتوى والشهرة الفتوائية هي محل الكلام فعلا من حيث الحجية وعدمها وليس محل كلامنا القسم الأول وهو الشهرة الروائية ولا القسم الثاني وهي الشهرة العملية وقد اتضح أنهما ليسا بحجة وسيتضح إن شاء الله أن الشهرة الفتوائية أيضا ليست بحجة فتكون النتيجة أن الشهرة بأقسامها الثلاثة ليست حجة سواء كانت روائية أو عملية أو فتوائية فبنظر السيد الخوئي "رحمه الله" لم تثبت حجية الأقسام الثلاثة للشهرة.

البحث فعلاً في حجية الشهرة الفتوائية وقد استدل على حجيتها بوجوه ذكر السيد الخوئي ثلاثة وجوه وردها:

الوجه الأول التمسك بمقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة ويدعى أنهما تدلان على حجية الشهرة الفتوائية بتقريب أن المراد من المجمع عليه في مقبولة عمر بن حنظلة ليس هو الإجماع المصطلح بل المراد منه المشهور بقرينة المقابلة في قوله "عليه السلام" واترك الشاذ النادر فوقوع المجمع عليه في مقابل الشاذ النادر يكشف عن أن المراد من المجمع عليه هو الشهرة وإطلاق الشهرة يشمل الشهرة الفتوائية إذ أن لفظ المجمع عليه لفظ مطلق وكذا قوله "عليه السلام" خذ بما اشتهر بين أصحابك في المرفوعة فإن الموصول وهو لفظ ما مبهم من المبهمات والذي يعرّف أسم الموصول ما أو الذي هو صلة الموصول اشتهر بين أصحابك إذن لفظ ما أو لفظ الذي مبهم يتضح معناه والمراد منه من الصلة ما اشتهر بين أصحابك الذي اشتهر بين أصحابك فلفظ الاشتهار بين الأصحاب يكشف عن المراد من لفظ ما أو الذي وإطلاق ما اشتهار بين أصحابك يشمل الشهرة الفتوائية أيضا.

لكن الدليل الأول أو الوجه الأول ليس بتام من ثلاث جهات:

الأولى ما تقدم من عدم تمامية سند مرفوعة زرارة ومقبولة عمر بن حنظلة ومع عدم تمامية السند لا يصح الاستدلال بهما.

الثاني ما تقدم أيضا من أن المراد بالمجمع عليه ليس الشهرة وإنما هو الخبر المقطوع صدوره لأن الإمام "عليه السلام" قد أدخل المجمع عليه وجعله من مصاديق الأمر البين الرشد وكذلك المراد بالمشهور في مرفوعة زرارة ليس هو المشهور الاصطلاحي وإنما هو المشهور اللغوي والمراد به الظاهر الواضح فيكون المراد بالمجمع عليه في مقبولة عمر بن حنظلة وما اشتهر بين أصحابك في مرفوعة زرارة هو الأخذ بالخبر المقطوع فلا ربط لهما بالشهرة الفتوائية.

وأما المناقشة الثالثة فلو غضضنا النظر عن المناقشة الأولى السندية والمناقشة الثانية الدلالية وسلمنا بأن المراد بالمجمع عليه أو ما اشتهر بين أصحابك هو الشهرة فلا نسلم أن لفظ الشهرة فيهما مطلق ليشمل الشهرة الفتوائية بل المراد هو خصوص الخبر المشهور فتختص الروايتان بخصوص الشهرة الروائية ولا يشملا الشهرة الفتوائية لأن المراد من الموصول هو خصوص الخبر المشهور بقرينة أن السؤال في مقبولة عمر بن حنظلة إنما هو عن خصوص الخبرين المتعارضين إذ جاء فيها يأتي عنكما الخبران المتعارضان فبأيهما نعمل قال "عليه السلام" فإن المجمع عليه إلى آخر الرواية.

قد تقول إذن يكون ما يعرف الموصول مغايرا لصلة الموصول إذ أن صلة الموصول مطلقة ما اشتهر بين أصحابك بينما ما يعرف هذا الموصول وهو ما ورد في السؤال الخبران المتعارضان فالمعرف خاص بخصوص الشهرة الروائية وصلة موصولة مطلقة تشمل الشهرة الروائية والشهرة الفتوائية.

الجواب لا مانع من أن يكون معرف الموصول ومبين المراد من الموصول خاص ومغاير لصلة الموصول المطلقة وهذا يظهر بالتأمل في نظائره من الأمثلة ونضرب مثالين:

المثال الأول إذا قيل أي المسجدين تحب؟ فقال في الجواب ما كان الاجتماع فيه أكثر كان ظاهراً في خصوص المسجد الذي كان الاجتماع فيه أكثر لا مطلق المكان الذي يكون الاجتماع فيه أكثر ولو لم يكن مسجداً تمسكاً بالخصوصية الواردة في السؤال أي المسجدين تحب.

المثال الثاني لو قيل أي الرمانتين تريد؟ فقال في الجواب ما كان أكبر كان ظاهرا في أن المراد هو الأكبر من الرمانتين لا مطلق الأكبر وهذا ظاهر فحينئذ لا إطلاق للصلة ليشمل مطلق المشهور ويعم الشهرة الفتوائية إذن الوجه الأول الذي استدل به على حجية الشهرة الفتوائية وهو التمسك بمقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة ليس بتام.

الوجه الثاني التمسك بالظن الحاصل من الشهرة فهو أقوى من الظن الحاصل من خبر الواحد الثقة وبما أن خبر الواحد حجة فتكون الشهرة حجة لان الدليل الذي دل على حجية خبر الواحد يدل على حجية الشهرة بالأولوية.

وفيه إن هذا الوجه مبني على أن يكون ملاك حجية الخبر هو خصوص إفادته للظن ويقال بما أن الظن الحاصل من الشهرة الفتوائية أقوى من الظن الحاصل من خبر الواحد فتكون الشهرة حجة لأن خبر الواحد حجة فتكون الشهرة حجة من باب أولى وبناء على ذلك أن الملاك في حجية خبر الواحد إفادته للظن يمكن الالتزام بقاعدة كلية وهي حجية كل ظن مساوٍ للظن الحاصل من خبر الواحد أو أقوى من الظن الحاصل من خبر الواحد سواء حصل هذا الظن من الشهرة أو حصل من فتوى جماعة من الفقهاء أو من فتوى فقيه واحد أو غير ذلك فاللازم ذكر هذا الدليل في جملة أدلة حجية مطلق الظن لا أدلة الشهرة إلا أن هذا المبنى ليس بتام إذ من قال أن الملاك في حجية خبر الواحد هو خصوص إفادته للظن إذ يحتمل أن يكون ملاك حجية خبر الواحد كونه غالب المطابقة للواقع باعتبار كونه إخباراً عن حس واحتمال الخطأ في الحس بعيد جدا بخلاف الإخبار عن حدس كما في الفتوى والشهرة الفتوائية فإن احتمال الخطأ في الحدس ليس ببعيد.

ويحتمل أيضا دخل خصوصية أخرى في ملاك حجية الخبر غير إفادة الظن وغير مطابقة الواقع ومجرد احتمال وجود خصوصية دخيلة في ملاك حجية خبر الواحد كاف في منع الأولوية المذكورة لأن الحكم بالأولوية يحتاج إلى القطع بالملاك وكل ما له دخل في ذلك الملاك وما لم نحرز ملاك حجية خبر الواحد لا تكون الأولوية قطعية بل تكون الأولوية احتمالية أو وهمية إذن الوجه الثاني الذي استدل به على حجية الشهرة الفتوائية وهي إفادتها للظن الأقوى من الظن الحاصل من خبر الواحد ليس بتام.

الوجه الثالث التمسك بعموم التعليل الوارد في ذيل آية النبأ وهو قوله تعالى (فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة يعني بسفاهة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) إذن التعليل قد يكون مخصصاً وقد يكون معمماً للحكم مثال التعليل المخصص للحكم قولنا لا تأكل الرمان لأنه حامض فيعم المنع والنهي كل حامض كالليمون والبرتقال إذا كان حامضا وغيرهما من الحمضيات ولا يختص النهي بخصوص الرمان لأن الحكم وهو النهي عن أكل الرمان معلل بكونه حامضا وقد يكون في هذه الحالة يعلم أنه هذا الحكم كما عمم لغير الرمان وهو الليمون والبرتقال الحامض خصص الرمان بخصوص الحامض فتكون هذه النكتة فيها تخصيص ليس مطلق الرمان حرام أو ممنوع أو منهي عنه بل خصوص الرمان الحامض وقد يستفاد التعميم من التعليل كما لو قيل لا تشرب الخمر لأنه مسكر فإنه يحكم بحرمة كل مسكر وإن لم يكن خمرا إذن أحيانا التعليل يعمم وأحيانا التعليل يخصص.

الآية الكريمة جاء فيها عنوان خاص وهو خبر الفاسق (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) فعل أمر يعني يجب التبين عند مجيء الفاسق بالخبر، ما هو وجه الوجوب التبين ما هي علة وجوب التبين أن تصيبوا قوما بجهالة يعني لكي لا تصيبوا قوما بسفاهة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين إذن مفاد التعليل في الآية الشريفة إنما هو وجوب التبين في كل ما كان العمل به سفاهة وحيث إن العمل بالشهرة لا يكون سفاهة فلا يجب التبين بمقتضى عموم التعليل فتكون الشهرة الفتوائية حجة.

وفيه منع الصغرى والكبرى، أما الصغرى فلأن المراد بالجهالة في الآية الشريفة أحد معنيين إما السفاهة بمعنى العمل السيئ بمعنى العمل بشيء بلا لحاظ المصلحة والحكمة فيه في مقابل العمل العقلائي الناشئ من ملاحظة المصلحة.

المعنى الثاني أن يراد بالسفاهة الجهل في مقابل العلم ولفظ الجهالة في اللغة العربية استعمل في كلا المعنيين السفاهة يعني في مقابل العمل العقلائي والجهل في مقابل العين فإن كان المراد من الجهالة المعنى الأول وهو السفاهة في مقابل العمل العقلائي كان العمل بالشهرة من السفاهة لأن العمل بالشيء الذي لا يؤمن معه من الضرر المحتمل أي العقاب يكون سفاهة بحكم العقل فإن العقل يحكم بلزوم تحصيل المؤمن من العقاب والعمل بالشهرة من دون دليل يدل على حجيتها لا يكون مؤمننا بل يكون عملا سفيها فيكون العمل بالشهرة الفتوائية سفاهة وغير عقلائي إذا لم ينهض الدليل على حجيتها.

وإن كان المراد بالجهالة المعنى الثاني الجهل في مقابل العلم فالأمر أوضح إذ أن الشهرة لا تفيد العلم والقطع واليقين فيكون العمل بالشهرة جهالة لا محالة لأنه ليس عملا للعلم إذن الصغرى ليست تامة.

وأما منع الكبرى وفيها نكتة علمية دقيقة جداً فلأن التعليل الوارد وهو أن تصيبوا قوما بجهالة وإن كان يقتضي التعميم فيجب التبين عن كل ما يوجب الجهالة والسفاهة إلا أنه لا يقتضي نفي الحكم وجوب التبين عن غير مورده مما لا توجد فيه العلة إذ لا مفهوم له حينئذ لأن المفهوم فرع انحصار العلة وانحصار العلة لا يستفاد من مجرد التعليل ولا ربط لانحصار العلة بعموم التعليل فإن التعدي إلى غير الخمر من المسكرات والحكم بحرمتها لعموم التعليل لا يوجب الحكم بحلية كل ما ليس بمسكر بل قد يكون الشيء حراما مع عدم كونه مسكراً كما إذا كان الشيء نجسا فلا يجوز أكله أو كان الشيء مالا للغير فلا يجوز أكله فالحكم هنا الخلاصة الزبدة في هذه النكتة الحكم بوجوب التبين في كل ما كان العمل به سفاهة لعموم التعليل لا يدل على وجوب التبين في كل ما ليس العمل به سفاهة بل يمكن أن يكون التبين فيه واجباً مع عدم كون العمل به سفاهة.

إذن إذا تمسكنا بعموم التعليل الوارد في الآية فهي تدل على وجوب التبين في كل ما يصدق عليه أنه سفاهة ولكن هل إذا لم يكن العمل بالشيء سفاهة لا يصدق عليه أنه سفاهة يكون حجة هذا يحتاج إلى دليل فتحصل أن الشهرة الفتوائية مما لم يقم دليل على حجيتها فالسيد الخوئي "رحمه الله" ناقش الوجوه الثلاثة التي أقيمت على حجية الشهرة الفتوائية ووصل إلى هذه النتيجة إن الشهرة الفتوائية ليست حجة هذا من ناحية صناعية أصولية ولكن في الفقه الاحتياط في محله فراراً من مخالفة الفتوى المشهورة هذا تمام الكلام في بحث الشهرة بعد أن انهينا بحث الإجماع واتضح أن السيد الخوئي "رحمه الله" يرى عدم حجية الإجماع بكلا القسميه المنقول والمحصل كما يرى عدم حجية الشهرة بأقسامها الثلاثة الشهرة الروائية والعملية والفتوائية.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم إنه غفور رحيم وتواب حليم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 4 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: مصباح الأصول
  • الجزء

    01

  • 100

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
4 الجلسة