الحقائق في محاسن الأخلاق
شیخ الدقاق

004 - علوم الآخرة

الحقائق في محاسن الأخلاق

  • الكتاب: الحقايق في محاسن الأخلاق ، قرة العيون في المعارف والحكم ويليه مصباح الأنظار
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    536

07

2023 | مايو

┈┈┈••●❁✿❁◆●••┈┈┈

السلام عليكم أيها الأحبة في الله ورحمة الله وبركاته.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً برحمتك يا ارحم الراحمين، وصلّ اللهم على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

قال الفيض الكاشاني في كتابه الحقائق في محاسن الأخلاق صفحة 16: <فنعني بالعلم المقصود لذاته أن يرتفع الغطاء حتى يتضح جلية الحقّ في هذه الأمور اتضاحاً يجري مجرى العيان الذي لا شكّ فيه>.

مفاد الفصل الثاني العلم علمان: علم الدنيا وعلم الآخرة، علم الدنيا ما يرتبط بمصالح الدنيا من طبّ وهندسة، وعلم الآخرة على قسمين:

القسم الأول يقصد لذاته.

القسم الثاني علم يقصد للعمل به.

العلم الذي يقصد لذاته علم العقائد، والقسم الثاني العلم الذي يقصد للعمل به علم الفقه وعلم الأخلاق، يعني على قسمين: علم الفقه وعلم الأخلاق.

هذه العلوم الثلاثة العقائد، الفقه، الأخلاق، أتمثل شجرة الدين، الشجرة لها جذورٌ وجذعٌ وثمرةٌ فلا مكان للشجرة بدون جذرها ولا مكان للثمرة بدون غصنها، قال ـ صلى الله عليه وآله ـ : <إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق> يعني جاء بثمار الدين، ثمار الدين هي الأخلاق.

إذاً علم العقائد بمثابة الجذر إذ هو يبحث أصول الدين، وعلم الفقه هو بمثابة الجذع والغصن لأنه يبحث فروع الدين وأحكام الدين، وعلم الأخلاق يبحث ثمار الدين.

إذاً العلم علمان: علم الدنيا وعلم الآخرة، وعلم الآخرة ما يطلب لذاته كـعلم العقائد هذا مطلوب لذاته لكي تعرف الله عزّ وجل، والقسم الثاني علمٌ للعمل به هذا العلم الذي يطلب للعمل به على قسمين: القسم الأول علم الفقه والأحكام، والقسم الثاني علم الأخلاق.

تكلمنا في الدرس السابق وقلنا: العالم عالمان: عالمٌ عارفٌ بالله، وعالمٌ عارفٌ بأحكام الله.

سؤال: ما تدرسونه في الحوزة العلمية، أكثر علومكم التي تدرسونها في الحوزة العلمية، منهج الحوزة العلمية من فقه وأصول، يخرج عالم عارف بالله أم يخرج عالم عارف بأحكام الله؟!

الجواب: المنهج الدراسي في الحوزة العلمية يخرج عالم بأحكام الله ولا يخرج عالم بالله وعارف بالله.

سؤال: إذا كان المنهج يخرج عالم عارف بأحكام الله، ولا يخرج عالم عارفاً بالله، فلماذا ندرسها؟ الأولى ندرس منهج يخرج عالم عارف بالله، ولا حاجة لنا إلى المنهج الذي يخرج عالم عارف بأحكام الله؟!

الجواب: العالم بأحكام الله والعلم بأحكام الله مقدمة لمعرفة الله عزّ وجل.

إذا عندنا مقدمة وعندنا ذو المقدمة، المقدمة العلم بأحكام الله وأخلاق الله، ذو المقدمة العلم بالله، المشكلة إذا تشتغل بالمقدمة العلم بأحكام الله، وتنسى وتغفل عن ذي المقدمة، وهو العلم الذي يوصل إلى الله عزّ وجل.

يقول علي ـ عليه السلام ـ : <لو كشف لي الغطاء ما أزدت يقيناً> هذا ناظر إلى أي علم؟ القسم الأول علم الآخرة، من أي قسم؟ القسم الذي هو علم يطلب لذاته.

يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : <إن من العلم كـهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله، فإذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الاغترار بالله عزّ وجل، ولم يتحمله إلا أهل الاعتراف بالله، فلا تحقروا عالماً أتاه الله علماً، فإن الله عزّ وجل لم يحقره إذ آتاه إياه>.

يقول السيد الإمام الخميني ـ رضوان الله عليه ـ : <إذا قال العارف كلاماً ولم تفهمه فلا تكذبه، ولكن قلّ: لم أتعقله، فلربما له وجهٌ أنتَ لم تدركه> لا تستعجل ولا تتسرع في تسفيه كلام الآخرين، خصوصاً العلماء الموحدين، العجلة من الشيطان.

الآن نقرأ مجموعة من الروايات كلها واردة في القسم الأول من علوم الآخرة، ما هو القسم الأول؟ العلم الذي يطلب لذاته يعني العلم الذي يوجب معرفة الله عزّ وجل معرفة أسماءه، معرفة صفاته.

عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أنه قال: <إن من أحب عباد الله إليه، عبداً أعانه الله في نفسه، فاستشعر الحزن، وتجلبب الخوف> تجلبب من الجلباب من اللباس يعني لبس الخوف، يعني من الله، فزهر مصباح الهدى في قلبه إلى أن قال: <قد خلع سرابيل الشهوات، وتخلى من الهموم إلا هماً واحداً انفرد به، فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى، وصار من مفاتيح أبواب الهدى، ومغاليق أبواب الردى، قد أبصر طريقة، وسلك سبيله، وعرف مناره، وقطع غمارة، واستمسك من العرى بأوثقها، ومن الحبال بأمتنها، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس> عنده يقين بالله عزّ وجل.

في كلام آخر لأمير المؤمنين ـ عليه أفضل صلوات المصلين ـ هذا يصف من وصل إلى درجة اليقين بالله عزّ وجل، هذا العلم الذي يطلب بذاته، تحصل اليقين، قال: <قد أحيا قلبه، وأمات نفسه، حتى دقّ جليله، ولطف غليظه وبرق له لامعٌ كثير البرق فأبان له الطريق، وسلك به السبيل، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة، ودار الإقامة، وتشبثت رجاله بطمأنينة بدنه، في قرار الأمن والراحة بما استعمل قلبه وأرضى ربّه>.

أوهل سمعتم بمصطلح التوحيد عند العرفاء، ما معنى التوحيد عند العرفاء؟ يوجد التوحيد عند المتكلمين، التوحيد عند المتكلمين أكثره اصطلاحات:

الاصطلاح الأول التوحيد في الذات، يعني ذات الله واحدة وليست متعددة، التوحيد بمعنى البساطة وعدم التركيب، ذات الله بسيطة وغير مركبة لأن المركب محتاجٌ وفقيرٌ إلى أجزاءه، والله هو الغني.

الثاني التوحيد في الخالقية بمعنى أن الخالق والربّ واحد وليس متعدداً، قد يقال: الذي خلق واحد، ومن يربي ويدبر متعدد. هكذا يقولون أحياناً بعض الاتجاهات، تقول: الخالق واحد ولكن الربّ متعدد، فعندنا التوحيد في الخالقية والربوبية، الخالق واحد والربّ أيضاً واحد.

بعد التوحيد في العبودية يعني المعبود واحد وليس متعدداً، هنا يخرج الشرك الجلي والشرك الخفي، الشرك الجلي من يعبد الأوثان هذا شرك واضح، الشرك الخفي من يرائي فإنه يعبد نفسه، يصلي رياء للناس، يصوم رياء للناس، هذا أشرك بـربّه صلى لله وللناس، هذا شركٌ خفي.

التوحيد عند العرفاء والفلسفة يدرسون الوجود، العرفاء يقولون: التوحيد يعني لا يوجد في الوجود إلا الله، ولا يؤثر في الوجود إلا الله، لا يوجد شيء في الوجود غير الله، شكو ماكو كل شي ماكو.

السيد الإمام الخميني هكذا كان يمشي لا يؤثر في الوجود إلا الله، بعد لا يأثر الشاه، ولا تأثر أمريكا، ولا يأثر أي أحد، المؤثر الحقيقي هو الله، والباقي إن هي إلا أسماء من سميتموها ما أنزل الله بها من سلطان.

الذي يصل إلى درجة اليقين والاطمئنان لا يرى إلا الله، قال علي ـ عليه السلام ـ : <ما رأيت شيئاً إلا وقد رأيت الله قبله ومعه وبعده> لا يرى إلا الله، لا يوجد إلا الله، لا يؤثر في الوجود إلا الله.

قال علي ـ عليه السلام ـ : <اندمجت على مكنونٍ علمٍ> يعني ماذا اندمج؟! يعني هذا العلم امتزج بأحشائي، وهذا العلم مكنون يعني سرّ، هذا السرّ إذا تبيحه إلى الناس تستجن، يقول علي ـ عليه السلام ـ : <اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة>.

الأرشية جمع رشى، الرشى الحبال، الأرشية يعني خيوط حبال، الطوى: جمع طوية، الطوية البئر، طوى يعني آبار، البعيدة يعني العميقة، يعني لاحظ البئر إذا عميق جداً وترسل الدلو تجد خيط البئر وحبل البئر يضطرب ويهتز، أمير المؤمنين يمثل يشبه، يقول: العلم الذي امتزج بأحشائي إذا أبيحه إليكم، ما قال حبال واحد في بئر عميقة، يقول: عدة خيوط مضطربة في آبار عميقة هذا حالكم يصير، يعني ما تتحملون هذا العلم.

وسأله كميل بن زياد النخعي عن الحقيقة، فقال: مالك والحقيقة؟! فقال كميل: ألست صاحب سرّك؟! قال: بلى، ولكن يرشح عليك ما يطفح مني، ثم أجابه عما سأل. يعني أنا أعطيك بمقدار، أنت ما تتحمل أي مقدار!!

هذا موجود حتى عند الملائكة، في حديث المعراج، ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى دنواً واقتراباً من العلي الأعلى، بعض روايات المعراج، ارتقى جبرائيل، وجبرائيل سيد رسل الله، أفضل الملائكة، وصل إلى مقام، ثم التقى النبي، فقال النبي: هلم يا جبرائيل!، فقال: يا رسول الله لو دنوت لاحترقت. يعني أنت درجتك أرفع مني أنا ما أستطيع أن أوصل إلى هذا المقام، هذه مقامات، مقامات عالية وراقية.

مثلاً: كانت السموات السبع مفتوحة للجن والشياطين فلما ولد المسيح ـ عليه السلام ـ منعت السماء السابعة إلى الرابعة، فلما ولد أبو القاسم محمد منعت السموات السبع عن الشياطين والجن ما يوصلون إليها، عموماً هذه أبحاث أخرى.

في رواية كميل بن زياد النخعي يقول: أخذ بيدي أمير المؤمنين فأخرجني إلى الجبان، ما المراد بالجبان؟ الصحراء، بالبحراني الجبانة يعني المقبرة، لا هنا المراد جبان يعني الصحراء، فلما أصحر تنفس الصعداء، يعني لما وصل إلى الصحراء تأوه الإمام علي وأخرج زفرة، قال: آآآههههه، ثم قال لي: يا كميل إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها فاحفظ عني ما أقول لك:

الناس ثلاثة: فعالمٌ رباني، ومتعلمٌ على سبيل النجاة، وهمجٌ رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركنٍ وثيق، إلى أن قال: آآآهههه وأشار إلى صدره إن هنا لعلم جما لو أصبت له حمله! بلى أصبت لقناً غير مأمونٍ عليه مستعملاً آلة الدين للدنيا ومستظهراً بنعم الله على عباده وبحججة على أولياءه أو منقاداً لحملة الحق لا بصيرة له في أحناءه ينقدح الشكّ في قلبه لأول عارض من شبهة. ألا لا ذا ولا ذاك!

ثم قال ـ عليه السلام ـ : أو منهوماً باللذة، سلسل القياد للشهوة، أو مغرماً بالجمع والإدخار ليسا من رعاة الدين في شيء أقرب شيء شبهاً بهما الأنعام السائمة! كذلك يموت العلم بموت حامليه.

اللهم بلى! لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهراً مشهوراً، وإما خائفاً مغموراً، لألى تبطل حجج الله وبيناته، وكم ذا وأين أولئك؟! أولئك والله الأقلون عدداً، والأعظمون عند الله قدرا يحفظ الله بهم حججة وبيناته، حتى يودعوها نظراءهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحها معلقةٌ بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلى دينه، آه آه شوقاً إلى رؤيتهم!.

هؤلاء الذين وصلوا إلى درجة اليقين، في يوم من الأيام دخل رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ المسجد، فرأى شاباً قد أصفر لونه، قد أصفر وجهه، قال: أيها الشاب! كيف أصبحت؟!

قال: قال أصبحت وكأني انظر إلى أهل الجنة وهم فيها منعمون، وكأني انظر إلى أهل النار وهم فيها يعذبون، وكأني انظر إلى كذا وكذا.

يتكلم عن أمور كأنه يعاينها.

مرة أحد أساتذتي يقول: زرت أحد الصالحين في النجف، توفي ـ رحمه الله ـ ، يقول: جلست وياه يتكلم عن البرزخ وكأنه عايش في البرزخ، وهو غير ملتفت إلى نفسه يحس بنفسه شخص عادي، ولكن إنسان واصل كشفت له حقائق يتكلم كأنه يعاين.

ماذا يقول الدمستاني؟ المرحوم الشيخ حسن الدمستاني عن أصحاب الحسين، لما كشف لهم وأراهم مواقعهم، قال: شاهدوا الجنة كشفاً فرأوها رأي عين.

عن السجاد ـ عليه السلام ـ قال: <والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد أخا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بينهما فما ظنكم بسائر الخلق، إن علم العلماء صعبٌ مستصعب لا يحتمله إلا ملكٌ مقرب أو نبيٌ مرسل أو عبدٌ امتحن الله قلبه للإيمان>.

قال: <وإنما صار سلمان من العلماء لأنه امرئ منا أهل البيت فلذلك نسبته إلى العلماء>.

بعض الروايات العلماء يراد بها خصوص أهل البيت ـ عليهم السلام ـ .

يوم من الأيام أبو ذر الغفاري ذهب إلى بيت سلمان، وقبل أن يدخل لاحظ من النافذة سلمان يطبخ، يقلب القدر على النار لا يسقط ما في القدر في النار، ثم سلمان يضع يدّه داخل القدر ويحرك الطعام بيده دون أن تحترق يده.

تعجب هذا ساحر؟!!

فجاء متعجباً إلى أمير المؤمنين، قال: يا أمير المؤمنين إني رأيت من سلمان عجبا، قال: وماذا رأيت؟

قال: يدخل يده في الطعام فلا تحترق!! يقلب القدر فلا يسقط ما في القدر؟!

فقال علي ـ عليه السلام ـ : يا أبا ذر لا تعجب إن سلمان أطاع الله في كل شيء، فأطاعه كل شيء.

سلمان سخر وجوده لله، الله عزّ وجل سخر الوجود له.

ثم التفت أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ إلى سلمان، قال: يا سلمان مهلاً مهلا يعني تظهر كل شيء إلى أبا ذر ما يتحمل، لذلك في الرواية: <لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله> يعني هذا العلم الذي في قلب سلمان، قلب سلمان وعاء يحتمل علم سلمان، علم سلمان لو وضع في وعاء قلب أبي ذر لمات أبو ذر ولم يتحمل! ليس كل علم أنت تتحمله! كل واحد على قده.

طبعاً! هذه إحدى الوجوه، هذا بحث يبحثونه: ما المراد بقوله ـ عليه السلام ـ : <لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله>.

الآن يبين يشرح الفيض الكاشاني هذا الحديث، يقول: أراد عليه السلام أهل التوحيد وأهل العلم والمعرفة والحكمة، لا أهل بيت النسوان والصبيان والأهل والأولاد، يعني ماذا لما قال؟ <لأنه امرئ منا أهل البيت> ما المراد بأهل البيت؟ هل المراد نساء النبي؟! لا، المراد أهل بيت الحكمة والطهارة، أهل الكساء الخمسة، الأئمة ـ عليهم السلام ـ .

وفي الحديث النبوي أيضاً سلمان منا أهل البيت، وفيه أيضاً: <لو علم أبا ذر ما في قلب بطن سلمان من الحكمة لكفره> وفي روايةٍ <لقتله>.

لاحظّ هذه الأبيات الحكيمة المنسوبة إلى الإمام السجاد، ماذا يقولون: <ما كل ما يعلم يقال> السياسة العملية غير السياسة الإعلامية، إذ دائماً سياستك الإعلامية والعملية واحدة أبشر بالأعداء والجهلة.

يقول الإمام السجاد ـ عليه السلام ـ في الأبيات المنسوبة له:

إِنّي لَأَكتُم مِن عِلمي جَواهِرَهُ

كي لا يَرى العِلمُ ذي جَهلٍ فَيَفتَتِنا

وَقَد تَقَدَّمَ في هَذا أَبو حَسَنٍ

إِلى الحُسَينِ وَوَصّى قَلبَهُ الحَسنا

يا رُبَّ جَوهَرِ عِلمٍ لَو أَبوحُ بِهِ

لِقيلَ لي: أَنتَ مِمَّن يَعبدُ الوَثَنا

وَلَاِسَتَحَلَّ رِجالٌ مُسلِمونَ دَمي

يَرَونَ أَقبَحَ ما يَأتونَهُ حَسَنا

عن الباقر ـ عليه السلام ـ : <الناس كلهم بهائهم إلا قليلٌ من المؤمنين>، في الرواية <الناس نيامٌ إذا ماتوا انتبهوا>، لماذا بهائم؟

البهيمة همها علفها تكترش من أعلافها، وتلهوا عما يراد بها، أغلب الناس مشغولين بمعيشتهم، ما هي المعيشة؟ الأكل والشرب والملبس والمسكن، هذه الاحتياجات الناس، البهيمة ماذا تحتاج أكل وشرب ومسكن، وأليست البهيمة مشغولة بهذا؟! هذا البهيمة مشغولة.

أنت قد تكون الرواية ثقيلة ولكن إذا تحللها هذا هو الواقع، أغلب الناس مشغولين بما تشتغل به البهيمة من أكل وشربٍ ولبسٍ وسكنٍ، القليل الذي يلتفت إلى آخرته وعلاقته بالله تبارك وتعالى.

الآن العالم كم عدده ثمانية مليار، الثمانية مليار كلهم يتجهون إلى الله، لو في شيء مشترك كلهم يشتركون في الانشغال بشؤون معيشتهم، يعلق الفيض الكاشاني على هذه الرواية، يقول: أقول: قد تتعجب من هذه الرواية، رواية الإمام الباقر: <الناس كلهم بهائم إلا قليل من المؤمنين> يعلق الفيض الكاشاني، يقول: هذا عليه شاهد قرآني، القرآن ماذا يقول؟

أقول: وتصديق ذلك قول الله سبحانه <أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيل> إذا أنت تستقبح أنهم بهائم هذا يقول: أضل سبيل من البهائم.

عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ : <إن أمرنا سرٌّ مستور في سرّ مقنعٍ بالميثاق من هتكه أذله الله>، وقال الإمام الصادق في رواية أخرى: <إن أمرنا سرٌّ مستور في سرٍّ مستسر وسرّ لا يفيد إلا سر، وسر على سر مقنع بسر>، وقال ـ عليه السلام ـ أيضاً: <هو الحقّ وحقّ الحقّ، وهو الظاهر وباطن الظاهر، وباطن الباطن، وهو السرّ والسر المستسر، سرٌّ مقنع بالسرّ> هذه كلها تحتاج إلى شرح شرح مستقل الآن نذكرها بإيجاز.

وقال ـ عليه السلام ـ مجيباً مشيراً إلى وجوب كتمان هذا السرّ: <التقية ديني ودين آبائي فمن لا تقية له لا دين له>، وقال الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ <خالطوا الناس بما يعرفون، ودعوهم بما ينكرون، ولا تحملوا على أنفسكم وعلينا، إنا أمرنا صعبٌ مستصعب لا يحتمله إلا ملكٌ مقرب أو نبيٌ مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان>.

في الختام نذكر هذه القصة قاضي قضاة حلب الشهباء، الشيخ محمد مرعي الأميني الأنطاكي، خمسة وعشرين سنة كان قاضي حلب، قرأ المراجعات وتشيع، وأنشد يقول:

لماذا اخترت مذهب آل طه؟!

وحاربت الأقارب في ولاها

وعفت ديار آبائي وأهلي

وعيشاً كان ممتلئاً رفاها

لأني قد رأيت الحقّ نصّاً

وربّ البيت لم يألف سواها

فمذهبي التشيع

وهو فخرٌ لمن رام الحقيقة وامتطاها

فهل ينجو بيوم الحشر فردٌ

مشى في غير مذهب آل طه

هذا الشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي اشتغل على أخيه، الشيخ أحمد مرعي الأمين الأنطاكي لكي يشيعه فلم يتشيع بسرعة، قضى معه شهور وأيام، حتى تشيع الشيخ أحمد مرعي الأمين الأنطاكي، وكتب لماذا اخترت مذهب الشيعة؟!

ولكن لما ذاق الشيخ أحمد مرعي الأمين الأنطاكي حلاوة التشيع، أخذ يخرج إلى الناس في الشارع ويدعوهم إلى التشيع وكانوا لا يتقبلون منه، فأمسكه أخوه، قال: نسيت نفسك، أنا شهور اشتغل عليك، إلى أن تشيعت، الآن بعد أن ذقت حلاوة التشيع تتصور وتتوهم أن الناس في لحظة واحدة تتشيع؟! هذا يحتاج إلى مدة! هذا يحتاج إلى صبر.

الفصل الثالث العلم المقصود للعمل وهو علم الفقه وعلم الأخلاق، يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.

 

00:00

07

2023
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 8 الجلسة

07

مايو | 2023
  • الكتاب: الحقايق في محاسن الأخلاق ، قرة العيون في المعارف والحكم ويليه مصباح الأنظار
  • الجزء

    01

  • 536

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
8 الجلسة