22 جمادى الأولى 1445

6 ديسمبر 2023

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الدرس (الثالث): الفصل الأول قوى النفس الأربع

توجد مملكة ويوجد سلطان وملك، المملكة هي بدن الإنسان والملك والسلطان هو روح الإنسان ونفسه، هذا الملك وهذا السلطان عنده قوى أربع، ومن خلال هذه القوى الأربع يدير المملكة والسلطنة، هذه القوى الأربع لها متفرعات وتفاصيل، بحثنا اليوم بحث مهم جداً بحث مفتاحي مفتاح الفضائل والرذائل هو بحث اليوم، بحث قوى النفس الأربع هو بحث مفتاحي وأساسي لجميع المباحث الأخلاقية التي سنبحثها في كتاب المقامات العلية في موجبات السعادة الأبدية، فما هي قوى النفس الأربع؟

القوة الأولى القوة العاقلة الملكية التي إذا امتدت واشتدت ترفع الإنسان إلى درجة الملائكة.

القوة الثانية القوة الشهوية البهيمية التي إذا قويت واشتدت تنزل بالإنسان إلى درجة البهائم والعجماوات.

القوة الثالثة القوة الغضبية السبعية التي إذا اشتدت وقويت وغلبت يصبح الإنسان حينئذ كسائر السباع الضارية.

القوة الرابعة القوة الوهمية الشيطانية التي إذا قويت وغلبت أصبح الإنسان كالشيطان يدبر الحيل والمكائد والفخاخ.

إذاً أربع قوى: «عقل ـ شهوة ـ غضب ـ وهم».

العقل يرفع الإنسان إلى درجة الملائكة، الشهوة تدني الإنسان إلى درجة البهائم، الغضب يجعل الإنسان بدرجة السباع والذئاب الضارية، والوهم يجعل الإنسان بمثابة الشيطان الذي يدبر الحيل والمكائد.

إذا عندنا مملكة وسلطنة وهي البدن هذه المملكات والسلطنة لها ملكٌ وسلطان وهو الروح والنفس، هذه النفس لها قوى أربع:

القوة الأولى القوة العاقلة، قوة العقل بمثابة وزير الملك والسلطان، الملك والسلطان إذا عنده وزير عاقل تكون المملكة تسير نحو بر الأمان، والعقل يمثل دور الوزير العاقل.

القوة الثانية القوة الشهوية، مثالها وحالها حال جابي الضرائب والخراج، العشار الذي يأخذ العشر جابي بالخراج ما عنده ضمير يسلب الناس أموالهم لأنه يميل نحو شهواته فجابي الضرائب وجابي الخراج الذي يأخذ الضرائب من الناس دائماً يبتز الناس، كذلك إذا غلبت شهوة البطن والفرج تجعل الإنسان يميل إلى أسفليه البطن وما تحت الباطن.

بعد القوة الثالثة القوة الغضبية السبعية دورها دور رئيس الشرطة القاسي من يعمل في الشرطة والأمن غالباً في أغلب الدول دائماً يفبرك أشياء حتى يسيطر يعمل خلايا ومسرحيات ويأتي إلى السلطان ويظهر نفسه مظهر من أفشل هذه الخطط لكي تقرب إلى السلطان ويرقيه السلطان ويعطيه ماذا؟ يعطيه امتيازات ونياشين وأنواط يرقيه، كذلك قوة الغضب.

وأما قوة الوهم فدورها دور من يصنع الحيلة والمكيدة والشيطنة.

جيد بعد يا إخوة التفتوا جيداً اليوم مفتاحي.

القوة الأولى والرابعة، القوة الأولى العاقلة والقوة الرابعة الواهمة دورهما دور الإدراك، القوة العاقلة تدرك الكليات، القوة الواهمة تدرك الجزئيات، من هنا قيل للقوة العاقلة: العقل النظري لأنها تدرك الأمور العامة والكليات النظرية، وقيل لقوة الوهم: العقلي العملي لأنها تدرك الجزئيات في مقام العمل.

إذا دور القوة الأولى العاقلة والقوة الرابعة هو دور الإدراك بخلاف القوة الثانية والثالثة فدورهما دور الدفع والتحريك، فالقوة الثانية وهي الشهوية ليس دورها دور إدراك الشهوات بل تحرك الإنسان نحو الشهوات نحو شهوة الأكل ونحو شهوة البطن ونحو شهوات الفرج، وهكذا القوة الثالثة القوة الغضبية السبعية تحرك الإنسان نحو الفريسة.

إذا القوة الأولى العاقلة والقوة الرابعة الواهمة دورهما دور الإدراك لا التحريك، والقوة الثالثة الشهوية والقوة الرابعة القوة الثانية الغضبية والقوة الثالثة الغضبية دورهما دور التحريك.

سؤال التحريك نحو ماذا؟ ما هو متعلق تحريك القوة الشهوية؟ وما هو متعلق تحريك القوة الغضبية؟

الجواب: القوة الشهوية تحرك نحو الشيء الذي هو شهوة يعني تحرك نحو الأكل وتحرك نحو الجنس أبرز مصداقين للشهوة البطن وما تحت الباطن وهو الجنس، بخلاف القوة الغضبية القوة الغضبية تحرك ضد يعني عدو يهجم عليك فتهجم عليه.

إذاً في الشهوة توجد إرادة ابتدائية إرادة للأكل إرادة للشرب إرادة للجنس، في الغضب مواجهة إرادة أخرى مواجهة إرادة الذئب المفترس إلى هنا ذكرنا أربع قوى.

لا بأس نقرأها:

«الفصل الأول اعلم أن الروح في مملكة البدان بمنزلة السلطان ولديه جنود وخدم كثيرون من الأعضاء والجوارح لكل منهم مهمة محددة وشغل معين ويوجد بينها أربع قوى تحكم المملكة وتقود الجيش وسائر القوى تحت سلطتها ومطيعة لأمرها هذه القوى الأربع هي:

الأولى العقل الذي هو بمنزلة الوزير للروح.

الثانية الشهوة التي هي عامل خراج الطماع الكاذب الذي يخالف العقل دائماً.

الثالثة الغضب الذي هو كرئيس الشرطة القاسي المتهور والشرير، ويريد دائماً أن ينخدع به السلطان ويعمل بما يقوله ولا يطيع أمر العقل.

الرابعة الوهم وعمله الماكر والحيلة والخيانة والغش والفتنة ويريد يكون سلطان مملكة البدن مطيعاً له».

في الختام يقول الشيخ عباس القمي توجد معركة دائمة ومحتدمة بين القوى الأربعة:

«فإن غلبت القوة العاقلة سار الإنسان إلى برّ الأمان، وإن غلبت إحدى القوى الثلاث الأخرى» إن غلبت قوة الوهم صار شيطان وإن غلبت قوة الشهوة صار بهيمة وإن غلبت قوة الغضب صار سبعاً ضارياً.

سؤال هل يوجد تنافي بين هذه القوى الأربع أو لا؟

الجواب: يوجد تنافي بين القوى الثلاث وبين قوة العقل لكن بين نفس القوى الثلاث الشهوية والغضبية والوهمية لا يوجد تنافي كل واحد يؤيد الآخر، قوة الشهوة تأييد قوة الغضب وقوة الغضب تأييد قوة الوهم، فإذا انتصرت قوة الغضب والقوة السبعية جرت معها قوة الشهوة وقوة الوهم، قوة الوهم تصنع الدسائس للقوة الغضبية والقوة الشهوية تزين الشهوات للقوة السبعية.

إذا إن كانت القوة العاقلة هي الحاكمة وهي المهيمنة على القوى الثلاث صار الإنسان عاقلاً ويرقى إلى أعلى درجات الملائكة.

قال الشيخ عباس القمي:

«واعلم أن مملكة البدن هي دائماً ميدان معركة لها حتى تتم غلبة الجميع من قبل واحدة من هذه القوى، وتصير الأخريات خاضعة لحكمها، ومنشأ النزاع هو القوة العاقلة التي تمنع سائر القوى من أن تظهر آثارها أما القوى الثلاث الآخر فلا نزاع بينها» لا يوجد نزاع بين القوة الشهوية والقوة الغضبية والقوة الوهمية «من جهة أن أياً منها لا تنكر فعل الأخرى إلا بإشارة العقل» ق العقل هو الذي يدرك ويشير إلى أن هذا الفعل ليس صحيحاً.

«الفصل الثاني اعلم أن لكل واحدة من هذه القوى الأربعة المتقدمة لذة وألم».

هذه المباحث هي مباحث الأخلاق اليونانية، قلنا في المقدمات السابقة هناك منهج عقلي وهناك منهج أثري وهناك منهج عرفاني وهناك منهج جامع أو توفيقي أو تلفيقي، أبرز كتاب المنهج العقلي كتاب تهذيب الأخلاق لمسكويه، هذا الكتاب وسائر الكتب الذي تبعته كجامع السعادة يتكئ على ركنين مهمين في دراسة الأخلاق العقلية بالطريقة اليونانية:

الأساس الأول تقسيم قوى النفس إلى أربع عاقلة وشهوية وغضبية ووهمية.

الأساس الثاني بيان أن أساس الأخلاق هو حدّ الوسط فالأخلاق الحسنة هي الحدّ الوسط بين الإفراط والتفريط، ولنضرب لكم أمثلة نبدأ بأي قوة؟ قوى العاقلة عندنا إفراط يسمونه جربزة أو وسوسة، زيادة إعمال في القوة العاقلة ووضعها في غير موضعها يقال له جربزة أو وسوس، في مقابلها في مقابل هذه الوسوسة يصير ماذا؟ إذا الإنسان ما يعمل عقله يصير جهل وحيرة.

ما هو حد الوسط بين الوسوسة والحيرة بين الجربزة والجهل؟ حد الوسط الحكمة، إذا منشأ صفة الحكمة هو القوة العاقلة.

الصفة الثانية نأتي إلى قوة الشهوة الإفراط في الشهوة يقال له: شره، فلان شره في أكله، شره في جنسه، التفريط في الشهوة الجنسية وفي الشهوة شهوة الطعام والشراب، يقال له:: خمود وخمول.

سؤال ما هو حد الوسط بين الإفراط الشرع وبين التفريط الخمود؟

العفة إذا العفة هي الحد الوسط في القوة الشهوية حد وسط بين الشره الذي هو إفراط وبين الخمود الذي هو الذي هو تفريط.

القوة الثالثة قوة الغضبية زيادة إعمال الغضب في غير موضعه، يقال له: تهور، عدم تفعيل الغضب في موضعه يقال له: جبن، وضعه في موضعه يقال له شجاعة.

إذا الشجاعة عبارة عن الحد الوسط بين الأفراد الذي هو تهور وبين التفريط الذي هو جبنٌ إلى هنا كم فضيلة؟ كم فضيلة صفة أخذنا من الصفات الحسنة؟ ثلاث هي أمهات الفضائل أمهات الفضائل أربعة:

الأولى الحكمة ومنشأها القوة العاقلة.

الثانية العفة ومنشأها القوة الشهوية 0

الثالثة الشجاعة ومنشأها القوة الغضبية.

وتوجد صفة رابعة وهي العدالة.

فأمهات الفضائل صفات أربعة الحكمة من جهة العقل، والعفة من جهة الشهوة، والشجاعة من جهة الغضب، والعدالة ما هو منشأ العدالة؟

قيل: إن منشأها الوهم لأن وظيفة الوهم إدراك الجزئيات فإن حصل إفراط في إدراك هذا الفعل وهذا التصرف أو حصل تفريط في هذا التصرف صار ظلم، والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم، ولكن إذا إدراك التصرف الجزئي إذا إدراك التصرف المعين كان في موضعه صارت عدالة.

لذلك يقولون هكذا التفتوا جيداً التفتوا جيداً منشأ المحاسن والمساوئ القوى الأربع أين تكمن المحاسن؟ في الحد الوسط للقوى الأربع، أين تكمن المساوئ؟ في الطرفين طرف الإفراط والتفريط للقوى الأربع.

بعد يا أخي يا أخي هذه الصفات الأربع التي هي الحد الوسط تترتب عليها صف أخلاقية حسنة وهذه المساوئ التي تمثل الطرفين في القوى الأربعة طرف الإفراط والتفريط أيضاً تترتب عليها مساوئ فبحثنا في هذا الكتاب حول المحاسن والمساوئ حول الفضائل والرذائل، حول المناقب والمثالب.

سؤال أين المثالب والمحاسن في الحد الوسط للقوى الأربع؟ أين المساوئ والرذائل في طرف الإفراط أو التفريط للقوى الأربع؟

لذلك قلنا بحث اليوم بحث مفتاح، مثلاً مما يترتب على الحد الوسط للقوة الغضبية: الشجاعة الدفاع عن الأهل، الغيرة على الزوجة، الدفاع عن الوطن، هذا أفعال لقوة غضبية في مجال حسن، لكن مما يترتب على القوة الغضبية من مساوئ طمع العشار جامع الضرائب الذي يظلم الناس، إذا هذا بحث مفتاحي جداً.

«الفصل الثاني اعلم إن لكل واحدة من هذه القوة» القوى الأربع «المتقدمة لذة وألم، لذة العقل في العلم والمعرفة وألمه في الجهل والحيرة، ولذة الغضب في الغلبة والتسلط وألمه في خلافه» يعني إذا لم يتسلط «وكذلك الشهوة والوهم لذة كل منهما في الشيء الذي هو مقتضى طبيعته وجبلته» الجبلة يعني الطبيعة «وألمه في خلافه» فيما يخالف الطبيعة «وأعلى اللذائذ اللذة العقلية» أحد العلماء حل مسألة رياضية في الليل صعد إلى أعلى الدار، قال: أين الملوك وأبناء الملوك من هذه اللذة؟!

«ويجب أن يعلم أن لدى الإنسان قوى وجوارح كثيرة ولكنها جميعا مطيعة ومؤتمرة لهذه القوى الأربع» العاقلة والشهوية والغضبية والوهمية «ومنشأ الخير والشر هو هذه القوى الأربع فكل الرذائل والفضائل تنشأ منها».

سؤال من أين تنشأ الفضائل؟ من حدّ الوسط في هذه القوى الأربعة.

سؤال من أين تنشأ الرذائل؟ من طرف الإفراط والتفريط في هذه القوى الأربعة.

«ولكن خيرات حسنات القوى العاقلة في سيطرتها وسيئاتها وشرورها في حال عجزها وضعفها مقابل سائر القوى على عكس القوى الثلاث» يعني القوة الثلاث شرها في سيطرتها وخيرها في خضوعها للقوة العاقلة.

هذا بحث الأخلاق بطريقة عقلية هذا منهج يوناني يعتمد على أساسين:

الأساس الأول تقسيم قوى النفس إلى أربعة أقسام «عاقلة وشهوية وغضبية ووهمية».

والأساس الثاني المعيار في كون الفعل خلقي هو حدّ الوسط لا إفراط ولا تفريط.

بعض المدارس الأخلاقية تقول: من قال أن الفعل الخلقي دائماً هو حد الوسط؟! قد لا يكون حداً وسطاً ولكن في الأخلاق اليونانية المعيار لكون الخلق حسن وليس بسيء هو كونه حداً وسطاً بين الإفراط والتفريط، جعلنا الله واياكم من أهل الوسط، وجعلناكم أمة وسطاً لا من أهل الإفراط ولا من أهل التفريط.

الفصل الثالث يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.