مختصر جامع السعادات
شیخ الدقاق

50 - بواعث الحسد

مختصر جامع السعادات

  • الكتاب: مختصر جامع السعادات
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    200

01

2024 | فبراير

8 رجب 1445

20 يناير 2023

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

(بواعث الحسد)

فصلٌ بواعث الحسد، بواعث الحسد سبعة، بحث اليوم مهم جداً.

الحسد هو تمني زوال ما أنعم الله به على الغير إذا كان في صالحه، فما هي الأسباب التي تجعل الإنسان يحسد غيره ويتمنى زوال تلك النعمة التي أنعم الله بها على غيره من بني الإنسان وكان تلك النعمة فيها صلاح لذلك الغير لأن تلك النعمة إذا لم يكن فيها وتمنى زوالها فهذه غيرة وليست حسد.

يذكر المحقق النراقي ـ رحمه الله ـ سبعة أسباب:

السبب الأول خب النفس يعني سوء السرير، بعض الناس بطبعه حقود لا يحب الخير لأي أحد عند سوء سرير، عنده شح وبخل، فهذا الإنسان الذي عنده سوء سريرة عنده خبث ذاتي، أولاً من الطبيعي أنه لا يتمنى أن يرى أي نعم لغيره وفي غيره.

السبب الثاني العداوة والبغضاء أحياناً الإنسان لا يوجد عنده خبث ذاتي ولكن عند عداوة مع فلان حصل بينه وبين فلان مشاحنة وبغضاء فما يتحمل أن يرى عدوه ومن يحقد في نعمة فيتمنى زوال تلك النعمة.

السبب الثالث يعني حب الرئاسة والجاه والمال ما يرتاح يشوف واحد رئيس فوقه، أو رئيس يناقشه لا هو الرئيس الأوحد والمرجع الأوحد، فمرجع الحسد في السبب الثالث هو حب الرئاسة وحب المال وحب الجاه وحب السلطان بحيث ما يرتاح يسمع أن غيره يرجع إليه أو غيره رئيس أو غير زعيم فأي شخص يكون منافس له في هذه الحالة يتمنى زوال تلك النعمة.

السبب الرابع الخوف من فوت المقاصد، ذكرناك بالخير.

مثال ذلك: الأبناء كل واحد يتمنى يكون هو الأقرب إلى قلب أبيه وإلى قلب أمة فتحصل منافسة، فإذا رأوا أن أباهم يحب فلان أكثر منهم كما حصل بإخوت يوسف ـ عليه السلام ـ يحصل الحسد.

وهكذا الطلاب كل واحد يتمنى أن يكون هو الأقرب إلى أستاذه وهو المقرب من أستاذه، فإذا شخص كان يتمنى أنه يكون أقرب تلميذ يا أستاذ ورأى تلميذاً منافساً له فإنه قد يقع في الحسد ويتمنى زوال تلك النعمة.

وهكذا بالنسبة إلى علماء الدين والمبلغين فلو كان هذا العالم غاية أمله في منطقته وقريته ومدينته أن يكون هو الأكثر محبوبة بين  الناس وهو الأقرب إلى الناس، بحيث هو ينال قبول الناس أو ينال أموال الناس ما كان نظره أن ينال رضا الله وأن يكون أقرب إلى الله صار نظرة دنيوي والعياذ بالله أن يكون الأقرب إلى رضا الناس أو أموال الناس.

ورأى أن الناس تقبل على فلان وتعرض عنه أو أن الأموال والأخماس والزكوات تذهب لعند فلان من العلماء ولا يعطونه شيئاً مع أنه اعلم منه هنا يحصل الحسد.

هذا كله السبب الرابع الخوف من فوت المقاصد.

مثال ذلك: التنافس بين الضرات، الزوجة الأولى والثانية والثالثة والرابعة كل واحدة تريد قلب زوجها، أنا يحبني أكثر وحدة، أنا أحلى وحدة، أجمل وحدة، فهنا كل وحده يصير تنافس بين الزوجة الأولى والثانية والثالثة والرابعة في كسب قلب الزوج.

فإذا رأين إحدى الزوجات هي الأقرب إلى زوجها ولو ظناً هنا يدخل إبليس ويدخل الحسد بعضهم يذهب يعمل سحر يسمون جلبه يعني حتى تجلب قلب زوجها تروح لواحد خوال أو مال يعمل قراطيس أو سحر، تقول: زوجي معرض عني، يقول: بله، نجلبه.

أو يعملون سحر حتى يطلق وحدة منهم، والعياذ بالله، كل هذا من شأن الحسد والحقد، ومنشأ الحسد الخوف من فوات المقاصد، المقصد هنا جلب رضا الزوج وقلب الزوج والسيطرة على الزوج.

السبب الخامس التعزز.

مثال ذلك:

لو كان الإنسان عزيز جداً، ويعرف أن فلتان إذا كبر مقامه أو صار عنده مال أو جاه أو منصب سيستصغره وسيذله، فهنا يتمنى زوال تلك النعمة من فلتان، لماذا؟ لأن زين لا يحقد على عبيد يكفي أن يساوي زيداً عبيداً، ولكن زيد عزيز نفس، ويعرف أن عبيد إذا صار عنده مال وجاه وسلطان سيمعن في إذلال زيد لا أقل يستصغر في المجالس فتأخذ زيد العزة بالإثم ويتمنى زوال نعمة عبيد، فهنا منشأ للحسد هو عزة النفس.

السبب السادس التكبر بعض الناس يحب يتأمر يحب يتزعم، ومن ملك ساد، صاحب المال يملك القرار، ما دام عنده فلوس يسخر النفوس، فجأة وجد هنا أحد أتباعه صار عتده مال ويمكن هذا المال يصير أكثر منه وبالتالي ينقلب التابع إلى متبوع ويصبح منافساً له.

فهنا الزعيم المتكبر الرئيس المتكبر ليس منشأة الزعل منشأة التكبر دائماً يحب الناس يشوفهم أصغر منه وأدى منه وتابعين له.

فإذا وجد أن بعضهم سينقلب من تابع إلى متبوع هنا التكبر والاستعلاء على الآخرين يقوده إلى الحسد.

السبب السادس التعجب، وهو أن يكون المحسود في نظر الحاسد فرداً حقيراً دنياً كما حصل للكثير من الأنبياء والمرسلين ـ عليهم أفضل صلوات المصلين ـ جاؤوا وادعوا النبوة في مجتمع هذا المجتمع فيه رؤساء وزعماء قبائل وأثرياء وكان الزعماء رؤساء القبائل ينظرون إلى هؤلاء الأنبياء أنهم أدنى منهم.

مثال ذلك: موسى ـ عليه السلام ـ كان راعي غنم، قارون يصير ابن خالة موسى، قارون ثروته مفاتيح خزائنه يحملها أربعين جندي فقط المفاتيح.

لما جاء موسى ـ عليه السلام ـ النبوة حسده، قام قال أنا فقط مفاتيح خزائنين أربعين جمل يحملها، أنا ما أصير زعيم وهذا موسى راعي الغنم يصير زعيم؟!

بعد منو حسده؟

بلعم بن باعورة أعطاه الله حرفاً من الاسم الأعظم كان مستجاب الدعوة ما صار نبي، موسى ـ عليه السلام ـ صار نبي، فحسد موسى ـ عليه السلام ـ قال كيف هذا يصير نبي وأنا الذي عندي حرف من الاسم الأعظم لا أتوج بتاج النبوة؟! فبلعم بن باعورة انحرف وصار في مقابل جيش موسى ـ عليه السلام ـ .

الله عزّ وجل يقول: (واضرب لهم مثل الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاويين) ثم يقول: (لكنه اخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) في البداية الله عزّ وجل يقول: أنا أعطيته آياتي.

إذا السبب السابع هو التعجب، هذه أسباب سبعة للحسد، والعياذ بالله.

«فصل علاج الحسد» كيف نعالج الحسد؟

بالعلم والعمل.

أولاً إذا عرف السبب بطل العجب، فالحاسد يعمد إلى معرفة السبب، لماذا هذا الطالب يحسد زميله؟ لماذا هذا العالم يحسد زميله العالم؟ لماذا هذا التاجر يحسد التاجر زميلة؟ عادة يكون الحسد بين الأقران في الغالب وقد يكون يقع في غير الأقران قد الأستاذ يحسد تلميذه وقد التلميذ يحسد أستاذه، وقد الزميل يحسده زميله.

الخطوة الأولى معرفة الداء نصف الدواء تشخص، ما هو سبب الحسد؟ هل هو خبث النفس الذي هو السبب الأول؟ أو العداوة والبغضاء السبب الثاني؟ أو السبب الثالث حب الرئاسة أو المال؟ السبب الرابع الخوف من فوت المقاصد؟ أو السبب الخامس التعزز؟ أو السبب السادس التكبر؟ أو السبب السابع التعجب؟

فإذا شخص شخص سبب الحسد يعمل على إيجاد عكسه.

مثال ذلك: الحسود يتكلم على المحسود، الحاسد يتكلم على المحسود، يغتابه ويقص فيه ويطعنه، فيعود نفسه يمدحه.

مثلاً: صارت عداوة بين زميلين، أو بسبب الخوف من فوت المقاصد هذه الضرة تتكلم على ضرتها العلاج تمدح ضرتها تعود نفسها تقلب الغيبة والنميمة والبهتان والكلام على الغير والسخرية والإساءة يقلبها إلى مدح وثناء وتمجيد.

بعد الحاسد يحقر المحسود فيعود نفسه يمجد المحسود ويزرع في قلبه حب المحسود، فإذا علم المحسود أن الحاسد قد أثنى عليه، وأن الحاسد يحبه، ففي هذه الحالة ستحصل مودة بين الحاسد والمحسود، وستزول العداوة بين الحاسد والمحسود.

سؤال: ما هو ضد الحسد؟

الجواب: النصيحة، النصيحة لها معنيان:

المعنى الأول للنصيحة: إيرادت بقاء نعمة الله على المسلمين ودفع الشرع عنهم هذا المدلول المطابقي للنصيحة، والحسد تمني زوال نعمة الغير، النصيحة تمني بقاء نعمة الغير، الحسد تمني زوال نعمة الله على المحسود المسلم، النصيحة تمني بقاء نعمة الله على المسلم ودفع الشر عنه، هذا المدلول المطابقي للنصيحة.

هذا المدلول المطابقي له مدلول التزامي أنت إذا تحب الخير وبقاء الخير للغير تنصحهم ترشدهم، إذاً  المعنى الثاني للنصيحة إرشاد المسلمين ودفع الشر عنهم.

هذا المعنى الثاني إرشاد المسلمين مدلول التزامي إلى المعنى الأول تمني الخير.

مرزوق وعطيه زملاء في الدرس، مرزوق إذا تمنى إلى عطية أن يبقى الخير عنده وأن ينزع الشر عنه فهذه نصيحة تمني بقاء النعمة على العباد، هذا يلزم منه أن ينصح مرزوق عطية، اعمل كذا  لا تعمل كذا، ينصحه يعني يرشده.

إذاً النصيحة لها معنيان:

المعنى الأول إرادة بقاء نعمة الله على المسلمين ودفع الشر عنهم هذا المدلول المطابقي للنعمة.

المعنى الثاني المدلول الالتزامي للمعنى الأول للنعمة، ما هو المعنى الثاني للنعمة؟ إرشاد المسلمين بما فيه صلاحهم وما يدفع الشر عنهم.

بعد يا أخي يا أخي يا أخي يا أخي إذا تعلم نفسك حب الناس وحب الخير للناس يصير يبعد عنك الحسد.

يا أخي هذا أخوك أنت لا تثيره هو ما عنده فلوس، ما عنده ذاكرة، ما عنده علم، ما عنده ذكاء، أنت لا تظهر هذه النعمة أمامه بحيث تثير فيه الغيرة والحسد، ارحمهم لا تظهر هذا المعنى قد ما يتحمل تخسر أخوك وتضر نفسك.

نقرأ هذا المقدار:

«فصل بواعث الحسد

بواعث الحسد سبعة:

الأول خبث النفس وشحها» يعني بخلها، «بالخير» يعني لعباد الله «فهو ينحل بنعمة الله على عباده» ينحل من نحل ينحل والنحولة هو الضعف، فهو ينحل بنعمة الله يعني يضعف نعمة الله، يجعل نعمة الله هزيلة ضعيفة، يعني هذا الحسود يتمنى أن تكون نعم الله على الناس نحيلة وضعيفة وهزيلة، واضحة العبارة.

«ينحل بنعمة الله على عباده من دون قصد وغرض ولا تصدر انتقال النعمة إليه» يعني ليس بالضرورة يتمنى أن النعمة تنتقل إليها المهم تروح النعمة عن فلان.

ذكرنا لكم قصة الحجاج بن يوسف الثقفي والحسود البخيل

في يوم من الأيام الحجاج بن يوسف الثقفي، قال لجناوزته: اذهبوا إلى السوق وإتوني ببخيل وحسود، فجيء بالاثنين، فقال الحجاج: أيكما يطلب طلباً الثاني أعطيه ضعف الطلب؟ إذا شخص يطلب دار أعطيه دار لكن الآخر أعطيه دارين، إذا واحد يطلب ألف درهم أعطيه ألف درهم والثاني أعطيه ألفي درهم، إذا الأول يطلب جارية أعطيه جارية ولكن أعطي الثاني جاريتين.

فسكتا مدة طويلة أن تكلم البخيل أم الحسود؟ الحسود.

قال: يا حجاج افقأ عيني.

قال: ماذا تقول؟! اطلب داراً جاريةً مالاً.

قال: إذا أعطيتني جارية صار أفضل مني وأنا ما أتحمل أراه أفضل مني ولكن إذا فقأت عيني سأصبح أعوراً ولكنه ستبقى له عينين وسيصبح أعمى وسأكون أفضل منه.

هذ الحسود ما يتمنى يشوف الآخرين أفضل منه، لذلك يقولون: الحسود لا يسود لا يصبح سيداً، الحسود ما يصير سيد.

بعض الروايات عندما تبعد الحسد عن الحكام والسلاطين الظلمة لأن هذا ظالم لو حسود ما يرحم أحد يقتل الكل ما يرحم أحد، يعتدى الجار والعلماء والضرات والأقران.

يقول: «فيكون ناشئاً عن خبث نفسه ورذالة طبعه ولذا يعسر علاجه» علاج الحسد الناشئ من خبث النفس «لكونه مقتضياً خباثة الجبلة» الجبلة يعني الفطرة الجبلة يعني الطبيعة النفسية «والجبلة يعسر إزالتها» يعني هو جبلته هكذا طبيعته هكذا نفسيته هكذا خبيثة خسيسة.

«يعسر إزالتها بخلاف ما يحدث من الأسباب العارضة» يعني صار السبب ذاتي وليس عرضياً طارئ، إذا كانت أسباب عارضة مثل العداوة سبب طارئ تزول العداوة يزول سبب الحسد لكن إذا عنده خبث ذاتي مشكلة صعب جداً.

«الثاني العداوة والبغضاء وهي أشد أسباب الحسد إذ كل أحد ... إذا أصابته بلية فرح بذلك.

الثالث حبّ الرئاسة وطلب المال والجاه فإن غلب عليه والثناء يحب أن الناس تثني عليه واستقره الفرح» استقر الفرح عنده بمدح الناس.

يقولون: بالمثل الفخر في المشتهه وبعضهم يعرف عندما تمدحه يقول بعرف بعرف لكن هات المزيد هات المزيد يعني لو يعرف ولكن يستأنس.

«واستقره الفرح بما يمدح به من أنه وحيد الدهر وفريد العصر في فهمه من شجاعة أو علم أو عبادة أو صناعة أو جمال أو غير ذلك، وسمع بنظير له في أقصى العالم ساءه ذلك وارتاح بموته أو زوال النعمة التي يشاركه فيها ليكون فائقاً على الكل في فنه ومتفرداً بالمدح والثناء في صفته».

«السبب الرابع الخوف من فوت المقاصد، جمع مقصد يعني ما يقصد الوصول إليه.

مثلاً: الزوجة تقصد الوصول إلى ماذا؟ إلى قلب زوجها وأن يكون قلب زوجها وحيداً فريداً لها لا لها ولضرتها، وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد» يعني اثنان يتزاحمان على هدف واحد ومقصد واحد «فإن كل واحد منهما يحسد صاحبه في وصوله هذا المقصد على أمل التفرد به» بالمقصد «كتحاسد الضرات في المقاصد الزوجية» أن يكون قلب زوجها وحدها لا شريك.

«والإخوة في نيل المنزلة في قلب الأبوين توصلاً إلى مالهما» مال الأبوين خاصة الحقوق الإرث «والتلامذة عند أستاذ واحد في نيل المنزلة في قلبه» ولذلك الأستاذ ينبغي أن لا يفرق بين الطلبة حتى لا يقع بينهم الحسد، «وندماء الملك الذين يتسامرون معهم، وخواصهم» خواص الملك «في نيل المنزلة والكرامة عنده، والوعاظ والفقراء المتزاحمين على أهل بلدة واحدة في نيل القبول والمال عندهم» عند أهل البلدة، «إذا كان غرضهم ذلك والعياذ بالله ولم يكن غرضهم رضا الله عزّ وجل».

«الخامس التعزز وهو أن يصعب عليه أن يترفع عليه بعض أقرانه، ويعلم أنه هذا بعض أقرانه لو أصاب بعض النعم يستكبر عليه ويستصغره وهو لا يطيق ذلك لعزة نفسه فيحسده لو أصابت تلك النعم» يقول: يا رب لا ترفعه راح يذلنا ذل يا رب، يتمنى زوال نعمته حتى ما يستصغره.

«فيحسده لو أصاب تلك النعمة تعززاً لنفسه فليس غرضه أن يتكبر لأنه قد رضي بمساواته بل غرضه أن يدفع كبره» أن يدفع كبر الشخص الآخر.

«السادس التكبر هو أن يكون في طبعه الترفع على بعض الناس ويتوقع منهم» الآخرين «الانقياد والمتابعة في مقاصده» يعني في حوائجهم «فإذا نال بعض النعم فأراد ألا يكتمل تكبره ويترفع عن خدمته وربما أراد مساواته أو التفوق عليه فيعود» فيعود يعني فيصير مخدوماً بعد أن كان خادماً يبدأ «فيحسده في وصول النعمة لأجل ذلك» لأجل التكبر عليه.

«وقد كان حسد أكثر الكفار لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ من هذا القبيل حيث قالوا: كيف يتقدم علينا غلام فقير يتيم؟! قال تعالى: (ولولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) لا النبي محمد اليتيم ـ صلى الله عليه وآله ـ .

«السابع التعجب وهو أن يكون المقصود في نظر الحاسد حقيراً والنعمة عظيمة، فيتعجب من فوز مثله بمثلها فيحسده ويحب زواله عنه» هذا فلان والله ما يستاهل، كيف الله أعطاه؟! ما يستاهل، ما يستاهل، تحقيراً له.

«ومن هذا القبيل حسد الأمم لأنبيائهم حيث قالوا: (ما أنتم إلا بشرٌ مثلنا ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم لخاسرون) فتعجبوا افوز من هو مثلهم برتبة واحدة وحسدوه بمجرد ذلك من دون قصد تكبر أو رئاسة أو عداوة أو غير ذلك من الأسباب» كان السبب هو التعجب.

«فصل علاج الحسد

لما علم أن الحسد من الأمراض المهلكة للنفوس فاعلم أن أمراض النفوس لا تداوى إلا بالعلم والعمل والعلم النافع لمرض الحسد هو ما تقدم منه أن تعرف أنه يضرك في الدين والدنيا ولا يضر محسودك فيهما بل ينتفع به فيهما.

قال المتنبي:

وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها حسد الحسود
 

الحسود يتكلم يتكلم على المحسود فينشره في المجتمع.

«ومهما عرفت ذلك عن وسيلة وتحقيق ولم تكن عدو نفس لا صديق عدوك» صديق عدوك هو الحسد، فارقت الحسد، وأما العمل النافع فيه فهو أن يواظب على آثار النصيحة التي هي ضده» ضد الحسد.

ما هي آثار النصيحة؟

آثار النصيحة الإرشاد.

«بأن يصمم على أن يكلف نفسه بنقيض ما يقتضيه الحسد من قول وفعل فإن بعثه الحسد على التكبر عليه فيلزم نفسه التواضع له، وإن بعثه الحسد على غيبته والقدح فيه» يعني الذم في هذا الشخص المحسود «كلف نفسه ولسانه المدح والثناء على المحسود، وإن بعثه الحسد على الغش والخرق بالنسبة إليه كلف نفسه حسن اللين معه، وإن بعثه الحسد على كف الإنعام عنه ما يعطيه فلوس ألزم نفسه زيادة الإمعان ومهما فعل ذلك عن تكلف وكرره وداوم عليه انقطعت عنه مادة الحسد بالتدريج» بالتدريج يروض نفسه.

«على أن المحسود إذا عرف منه» من الحاسد «ذلك» يقاوم نفسه ويحاول بدل أن يغتاب يثني عليه، «»اب قلبه وأحبه» طاب قلب المحسود، وأحب الحاسد.

«وإذا ظهر حبه للحاسد زال» يعني إذا المحسود أظهر حبه إلى الحاسد «زال حسده وأحبه أيضاً فتتولد منهما الموافقة» يصير توافق بين الحاسد والمحسود «وترتفع عنه مادة الحسد والمحاسدة» محاسدة مفاعلة يصير كل واحد يصير يحسد الثاني.

«وهذا هو معالجة كلية» المعالجة العامة، المعالجة العامة أن يأتي بالضد ويواظب عليه بالتدريج هذا بشكل عام، بعد هناك علاج بشكل خاص أن يلاحظ جذور أسباب الحسد ويختلع تلك الجذود.

«وهذا هو المعالجة الكلية لمرض الحسد، والعلاج النافع لكل الأمور من أن يقع سبباً من خبث النفس» يعني أن يعرف سببه، ما هو سببه؟ خبث النفس وحب الرئاسة والكيد وعزة النفس وشدة الحرص وغير ذلك مما ذكر كل واحد من هذه الأشياء يأتي في محله» إن شاء الله سيأتي الحديث عن علاج الحرص وعزة النفس والكبر إلى آخره.

«ثم إنك قد عرفت أن ضد الحقد والحسد النصيحة» النصيحة لها معنيين:

المعنى الأول وهي إيرادت بقاء نعمة الله للمسلمين وكراهة وصول الشر إليهم هذا المعنى المدلول المطابقي للنصيحة.

المدلول الثاني الالتزامي، «وقد تطلق النصيحة في الأخبار على إرشادهم» إرشاد المسلمين «إلى ما فيه مصلحتهم ومنفعتهم، وهو لازم للمعنى الأول» يعني وهو إرشاد المسلمين معنى لازم للمعنى الأول، ما هو المعنى الأول؟ إرادة بقاء نعمة الله للمسلمين.

«فينبغي أن نشير إلى فوائدها» فوائد النصيحة «وما ورد في مدحها تحريكاً للطالبين» طالبي النصيحة «على المواظبة عليها ليرتفع بها ضدها وهو الحسد.

عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : «إن أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة امشهم في أرضه بالنصيحة» امشاهم أكثرهم مشياً بالنصيحة في أرض الله عزّ وجل.

وعن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : « لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحة منه لنفسه» يعني كما يحب الخير لنفسه ويطيل بقاء النعمة لنفسه يريد بقاء النعمة لغيره ويرشد غيره.

«ومنها» يعني ومن الآثار المترتبة على القوة الشهوية الإيذاء والإهانة والاحتقار يأتي عليها الكلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

00:00

01

2024
| فبراير
جلسات أخرى من هذه الدورة 55 الجلسة

01

فبراير | 2024
  • الكتاب: مختصر جامع السعادات
  • الجزء

    01

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
55 الجلسة