المقامات العلية
شیخ الدقاق

06 - الباب الثاني في تفصيل الأخلاق الحسنة والرذيلة

كتاب مقامات العلية

  • الكتاب: المقامات العلية في موجبات السعادة الأبدية
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    200

01

2024 | فبراير

12 رجب 1445

24 يناير 2024

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الباب الثاني في تفصيل الأخلاق الحسنة والرذيلة

الباب الثاني في تفصيل الأخلاق الحسنة والرذيلة وفوائدها ومفاسدها وكيفية اكتساب الأخلاق الحسنة ومعالجة الأوصاف الذميمة وهو مشتمل على خمسة مقامات.

تطرق المحدث الشيخ عباس القمي ـ رحمه الله ـ في هذا الكتاب المقامات العلية في موجبات السعادة الأبدية إلى القوى الأربع للنفس، وهي: القوة العاقلة، والقوة الغضبية والقوة الشهوية والقوة الواهمة، وبين ـ رحمه الله ـ إلى أن ميزان الفعل الخلقي الحسن هو ما توفر على الحد الأوسط بين الإفراط والتفريط، فمثلاً بالنسبة إلى القوة الغضبية إن عدمت الجرأة فهذا تفريط وجبن، وإن وجدت الجرأة ووضعت في غير موضعها أي في جانب الإفراط فهذا تهور، وإن وجدت الجرعة ووضعت في موضعها فهي شجاعة.

إذاً الشجاعة صفة حسنة من ثمار القوة الغضبية وهي عبارة عن حد وسط بين الإفراط والتفريط بين التهور الذي هو إفراط في القوة الغضبية وبين الجبن الذي هو تفريط بالقوة الغضبية، وهكذا بالنسبة إلى القوة الشهوية ففيها إفراط في الأكل والشرب والجنس فيقال له: شره وفيها تفريط ويقال له خمود، وهناك حد وسط بين الإفراط الذي هو الشره وبين التفريط الذي هو الخمول وهذا الحد الأوسط هو عبارة عن العفة.

وبما أن الحديث في أربع قوى وهي العاقلة والغضبية والشهوية والواهمة إذا ستكون المقامات أربعة بالخمسة، فكيف كانت المقامات؟ خمسة.

في المقامات الأربع الأول يذكر الصفات المترتبة على كل صفة يعني في المقام الأول ما يترتب على القوة الواهمة، في المقام الثاني ما يترتب على القوة العاقلة، في المقام الثالث ما يترتب على القوة الغضبية، في المقام الرابع ما يترتب على القوى الشهوية، وإما المقام الخامس فما يترتب على القوى الثلاث: الشهوية والغضبية والواهمة إذا سيطرت عليها القوة العاقلة.

إذا الآن أخذنا خلاصة وفهرسة كل مباحث كتاب المقامات العلية في موجبات السعادة الأبدية المقامات العلية كم مقام؟ خمسة:

المقام الأول الصفات الحسنة التي تترتب على القوة الواهمة.

المقام الثاني الصفات الحسنة التي تترتب على القوة العاقلة.

المقام الثالث الصفات الحسنة التي تترتب على القوة الغضبية.

المقام الرابع الصفات الحسنة التي تترتب على القوة الشهوية.

المقام الخامس الصفات الحسنة التي تترتب على القوى الثلاث: الغضبية والشهوية والواهمة إذا أدارتها القوة العاقلة، عاد خلاص ما يحتاج تحضره للدرس خلص كتاب اليوم.

بعد والأمور تعرف بأضدادها فإذا عرفت الحسن عرفت السيء إذ السيء ضد الحسن فنحن ندرس المحاسن والمساوئ وندرس المناقب في مقابل المحاسن فنحن ندرس المحاسن والأضداد، إذاً نشرع في المقام الأول، ما هو المقام الأول؟ الأمور التي تترتب على القوة الواهمة أو القوة العاملة.

ما هو أبرز يترتب على القوة العاملة؟

الجواب: العدالة، والعدالة لها معنيان ومصطلحان: العدالة بالمعنى الأخص والعدالة بالمعنى الأعم، فما الفرق بينهما؟

العدالة بالمعنى الأخص في مقابل الظلم، العدل في مقابل الظلم، يعني في هذه المسألة مثلاً تقسيم الإرث هذا المقسم إما عادل وإما ظالم هذه عدالة بالمعنى الأخص يعني في خصوص مورد معين، تعامل الزوج مع زوجته، تعامل الأب مع أبنائه، تعامل الأستاذ مع تلاميذه إما أن يكون عادلاً وإما أن يكون ظالماً فهذه عدالة بالمعنى الأخص.

وهناك عدالة بالمعنى الأعم، فما هو المراد بالعدالة بالمعنى الأعم؟

الجواب: العدالة بالمعنى الأعم ملكةٌ تحصل في النفس يستطيع من خلالها الإنسان تعديل الصفات والأفعال فإذا عدل الصفات والأفعال صارت الأخلاق حسنة، ومن هنا يعلم أن العدالة بالمعنى الأعم هي منشأ جميع الفضائل والأفعال والصفات الحسنة لأن هذه الملكة النفسانية الإنسانية تجعل الإنسان قادراً على تعديل جميع الأفعال ويكون قادراً على تعديل جميع الصفات.

ومن هنا قيل لها: العدالة بالمعنى الأعم لأنها تعم جميع الأفعال وجميع الصفات بخلاف العدل في موطن خاص والظلم في موضع خاص أي خصوص ظلم الأب لأبنائه أو عدالة الرجل مع زوجته فهذه عدالة خاصة في مقابل ظلم خاص.

فمن حاز على العدالة بالمعنى الأعم ارتقى إلى سماء الفضيلة أي أنه من حصلت لديه ملكة نفسانية داخلية من خلالها يستطيع ويقدر أن يعدل جميع صفاته ويعدل جميع أفعاله فتصير جميع أفعاله معتدلة وجميع صفاته معتدلة فصارت العدالة بالمعنى الأعم أي الملكة النفسانية سبب، والأخلاق والصفات الحسنة مسبب.

الملكة التي هي العدالة بالمعنى الأعم علة والأخلاق والصفات الحسنة معلومة.

إذاً منشاء جميع الأخلاق الحسنة هي صفة العدالة بالمعنى الأعم والعدالة بالمعنى الأعم من ثمار القوة الواهمة والقوة العاملة التي فائدتها التحريك العملي.

قلنا الفرق بين القوى العاقلة والقوى الواهمة أن القوة العاقلة عقل نظري والقوى الواهمة عقل عملي يعني ما ينبغي أن يعمل وما ينبغي أن يفعل بخلاف العقل النظري ما ينبغي أن يعلم وما ينبغي أن يعرف.

مثال بسيط حتى يبين أن الدرس بسيط ووجداني شخص واقعي مرّ به رجل فسبه سباً وشتمه شتمه فتحركت القوة الغضبية لضربه أو لشتمه، ثم مرّ به شخص ومدحه مدحاً جعله في مرتبة الأنبياء لكن هذا الشخص المذموم من جهة والمحمود من جهة أخرى عنده ملك نفسانية تتحكم في تحريك النفس وتعدل هذا السلوك بحيث لا يكون هناك إفراط ولا تفريط بل ضبط لهذه الناس فهنا هذا الشخص عند ملكة العدالة بالمعنى الأهم أي عنده ملكة نفسانية يقدر من خلالها على تعديل أفعاله ويقدر من خلالها على تعديل صفاته فتكون النتيجة أن أخلاقه أخلاق حسنة، لكن من يفقد هذا الاعتدال ما عنده توازن تزول منه صفة العدالة بالمعنى قال علي ـ عليه السلام ـ في صفات المتقين «في الزلازل وقور» تزول الجبال ولا يزول هذا المتقي عنده اتزان عنده استقرار.

هذا تمام الكلام في آثار المقام الأول، ما هو المقام الأول؟ القوة الواهمة، ما هو أبرز أثر للقوة الواهمة؟ العدالة بالمعنى أعم في مقابل العدالة بالمعنى الأخص.

يبقى هذا السؤال هذه العدالة بالمعنى الأعم هل لها أقسام أو لا؟

وبعبارة أخرى: ما هو متعلق العدالة بالمعنى الأعم؟

الجواب: ثلاثة أمور:

الأمر الأول بين الخالق والمخلوق.

الثاني بين المخلوقين الأحياء.

الثالث بين المخلوقين الأحياء والأموات.

إذا أقسام بالمعنى الأعم أي حقول العدالة بالمعنى الأعم ثلاثة:

الأول بين الخلق بين الخالق والمخلوق لكي يكون المخلوق معتدلاً مع خالقه ينبغي أن يعرفه وأن يعبده وأن ينفذ أوامره وأن يطيع الأنبياء والمرسلين عليهم أفضل صلوات المصلين.

إذاً طاعة الله وطاعة رسوله والأنبياء هذا مصداق بارز للعدالة بالمعنى الأعم بين الخالق والمخلوق.

القسم الثاني العدالة بين الناس الأحياء، مثل ماذا؟ أداء الحقوق: حق الأب، حق الأم، حق الابن، حق الجار، حق الأستاذ، بعد أداء الأمانات، الإنصاف في المعاملات، تعظيم توقير كبار القوم، العفو عن الصغار، هذا كله من مصادر العدالة بالمعنى الأعم بين الناس الأحياء.

القسم الثالث العدالة بالمعنى الأعم بين الأحياء والأموات، مثل ماذا؟ تسديد القروض سواء كان حياً أو ميتاً، تنفيذ الوصية، الاستغفار للأموات والتصدق لهم والدعاء والتصدق عنهم والدعاء لهم.

الخلاصة:

بحثنا في كتاب المقامات العلية الذي هو مختصر لكتاب معراج السعادة للشيخ أحمد محمد مهدي النراقي الابن، وكتاب معراج السعادة تلخيص لكتاب جامع السعادات للشيخ محمد مهدي النراقي الأب، كتاب جامع السعادة وتلخيصه معراج السعادة وتلخيص الترخيص هو المقامات العالية يتحدث عن النفس وقواها الأربع فالمقامات أربعة الآثار المترتبة على القوة العاقلة فقط والآثار المترتبة على القوة الوهمية فقط والآثار المترتبة على القوة الغضبية فقط والآثار المترتبة على القوة الشهوية فقط.

المقام الخامس للآثار المترتبة على مجموعة من القوى وهي ثلاث قوى: الواهمة والغضبية والشهوية إذا سيطرت عليها القوى العاقلة هذه مقامات خمسة.

شرعنا في المقام الأول وضعه طبعاً لا يوجد ترتيب بينها صاحب مفاتيح الجنان جعل المقام الأول هو القوة الواهمة، ما هو الأثر الصحيح للقوة الواهمة والقوة العاملة؟ العدالة بالمعنى الأعم في مقابل العدالة بالمعنى الأخص.

ما هي أقسام العدالة بالمعنى الأعم؟

ثلاثة:

الأول العدالة بين الخالق والمخلوق.

الثاني العدالة بين المخلوقين الأحياء.

ثلاثة بين المخلوقين الأحياء والأموات.

نقرأ هذا المقدار:

«المقام الأول في بيان ما يتعلق بالقوة الوهمية التي هي العدالة بالمعنى الأعم أي الوسط في جميع الأمور» يعني حد الوسط وحد الاعتدال في جميع الأمور، يعني في جميع الأفعال والصفات.

«اعلم أن العدالة أفضل الفضائل» سؤال لماذا هي أفضل الفضائل؟ لأنها منشأ جميع الفضائل، «وأشرف الكمالات» لماذا؟ لأنها منشأ جميع الكمالات، يعلل يقول: «لأنها ملكة تحصل» هذا تعريف العدالة بالمعنى الأعم «لأنها ملكة تحصل في نفس الإنسان فيصير الإنسان بسببها قادراً على تعديل جميع الصفات والأعمال» إذا الملكة سبب والمسبب تعديل الصفات والأفعال، وإذا تعدلت الصفات والأفعال النتيجة: ستكون الصفات والأفعال حسنة.

يقول: «وتترتب عليها» يعني على العدالة بالمعنى الأعم «جميع الأخلاق الفاضلة» لأن العدالة بالمعنى الأعم علة، وجميع الأخلاق الفاضلة معلول، «وهي» يعني العدالة بالمعنى الأعم «على ثلاثة أقسام» يعني بلحاظ متعلقها تتعلق بماذا؟

«القسم الأول العدالة بين العبادة وخالقهم وهي» ما هو مقتضى العدالة بين المخلوق والخالق؟ «اكتساب المعرفة» معرفة الله مقتضى العدالة أن تتعرف على خالقك «وتحصيل المحبة» حبّ الله عزّ وجل في الرواية عن الإمام الصادق «أوثق الإيمان الحب في الله والبغض في الله» «والسعي في تنفيذ أمر الله في طاعة الأنبياء والانقياد لأحكام الشريعة والامتثال لآداب الدين والعرف» يعني العرف الذي يرتضيه الشرع.

«الثاني العدالة بين الناس وهي أداء الحقوق ورد الأمانات والإنصاف في المعاملات وتعظيم كبار القوم واحترام الشيوخ ونصرة المظلومين ومساعدة الضعفاء والفقراء».

«الثالث العدالة بين الأحياء وذو الحقوق» في الرواية «إن العبد ليكون باراً بابويه في حياتهما فيكتب عاقاً لهما بعد وفاتهما» ما يزورهم ما يقرأ لهم الفاتحة يصير عاقل إذا لابد من تتابع وتواصل المعروف.

يقول: «مثل أداء قروضهم» قروض ذوي الحقوق حياً أو ميتاً، هذا أبوك أمك عليه قرض أخوك تسعى في سدادة «وتنفيذ وصاياهم في حياتهم ومماتهم وذكرهم بالتصدق» التصدق تتذكره وتتصدق تقول هذه الليلة ليلة الجمعة أدعو له وأستغفر له وأتصدق عنه.

«والاستغفار والدعاء وغيره» عمل الخيرات تعمل مشروع خيري، تتطعم الطعام، تذبح الذبيحة وتهدي ثوابها لوالديك ومن له حق عليه، «وهذه العدالة بالمعنى الأعم».

هذه العدالة بالمعنى الأعم، ما المراد بالعدالة بالمعنى الأعم؟

ملكة تحصل في النفس فيصير الإنسان بسببها قادراً على تعديل جميع الصفات والأفعال فتكون النتيجة: الأخلاق الحسنة.

لماذا سميت عدالة؟

لأنها تبعث على التعديل والاعتدال.

لماذا سميت بالمعنى الأعم؟

لأنها تعم جميع الأفعال وجميع الصفات بخلاف العدالة بالمعنى الأخص فإنها عدالة في مورد خاص في مقابل الظلم في مورد خاص.

لذلك قال:

«والعدالة بالمعنى الأخص التي هي مقابل الظلم بالمعنى الأخص ستأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى» قد هذا الأب يظلم ابنه، وهذا الأب يعدل مع ابنه.

هذا تمام الكلام في المقام الأول، المحدث القمي جعل المقام الأول للقوة الواهمة، وجعل المقام الثاني للقوة العاقلة، وجعل المقام الثالث للقوة الغضبية، والمقام الرابع للقوة الشهوية، ولم يذكر ملاك هذا الترتيب.

ولعل السر في ذلك هو الاختصار لأن أثر القوة الواهمة واحد بسيط وهو العدالة لا يحتاج إلى تطويل ثم نتوسع قليلاً في آثار القوة العاقلة ثم نتوسع أكثر في آثار القوة الغضبية ثم نتوسع أكثر في آثار القوة الشهوية لأن أكثر مفاسد الناس وأكثر ذنوب الناس من القوة الشهوية، تقول الرواية: «أردى بك أسفلاك» البطن وما تحت البطن وهو الفرج، أكثر ذنوب الناس من القوة الشهوية ثم القوة الغضبية ثم القوة الواهمة، وأكثر نجاة الناس من سيطرة القوة العاقلة على القوة الواهمة.

فإذا تحققت هذه العدالة، هذه العدالة أوجب تعديل جميع الصفات، هذا تمام الكلام في المقام الأول، المقام الثاني يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

00:00

01

2024
| فبراير
جلسات أخرى من هذه الدورة 12 الجلسة

01

فبراير | 2024
  • الكتاب: المقامات العلية في موجبات السعادة الأبدية
  • الجزء

    -

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
12 الجلسة