26 شعبان 1445

7 مارس 2023

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

حبّ الله وأثره في حياة المؤمن الرسالي

جاء في خطبة النبي محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ التي خطبها في آخر جمعة من شعبان لاستقبال شهر رمضان يرويها وصيه العظيم أسد الله الغالب علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ حيث قال : «خَطَبَنَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ، شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ، هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ، أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ» صدق ونبينا أبو القاسم محمد.

الكلمة حول "الخطوات المهمة لاستقبال شهر رمضان واستثماره".

في كل عام يطل علينا شهر رمضان، فكيف نستقبل شهر رمضان؟

ونقدم مقدمة مهمة لبيان كيفية الاستقبال والاستثمار، الإنسان قد يتوهم بعض الأشياء ويغفل عن مكائد إبليس وأعوانه، فلو سألتكم هذا السؤال ماذا ترون؟ لقلتم ماذا ترون، لقتلم نرى كوب زجاجي، ولو سألتكم وماذا يوجد فيه؟ لقلتم إنه كوب فارغ، وحينها سأسألكم هل هذا الكوب فيه هواء أو لا؟ وحينها ستقولون: نعم إنه مملوء بالهواء، إذ إن هذا الكوب يشغل حيزاً من الفراغ ومملوء بالهواء.

هكذا يتعامل إبليس وهكذا تتعامل مغريات الدنيا والنفس مع الإنسان وهو غافل عن هذه المغريات وواقع فيها، يتوهم أنه بمعزل عن حبائل إبليس وجنوده، وأفضل فرصة لمواجهة إبليس وأعوانه وأشياعه هي فرصة شهر رمضان الكريم عبر ثلاثة خطوات:

الخطوة الأولى التوبة إلى الله توبةً نصوحة.

الخطوة الثانية الذكر العملي.

الخطوة الثالثة الذكر اللفظي.

فما هي هذه الخطوات الثلاثة المهمة؟

الخطوة الأولى التوبة، وهي العزم على ترك الذنب والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، كل إنسان ينبغي أن يتوب إلى الله في كل لحظة لأن هذا القلب سمي قلباً لتقلبه ونسأل الله الثبات، فكل لحظة تمر عليك كل ما تستغفر الله وتقصد التوبة أي الأوبة والرجوع إلى الله فهذا مطلوب هذه هي الخطوة الأولى.

الخطوة الثانية الذكر العملي وهو أهم من الذكر اللفظي، الذكر العملي هو أن تذكر الله في مقام العمل، وقد أشارت إليه الآية الكريمة «والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله» الذكر العملي يعني في مقام العمل قبل أن تقدم على الشيء تذكر الله عزّ وجل.

تريد أن تتكلم تذكر الله لا اغتاب، تجري معاملة تذكر الله أن لا تكون معاملة ربوية أو محرمة.

لذلك الذكر العملي أفضل من الذكر اللفظي لأن الذكر العملي أسلوب وقائي الذكر العملي أن تواظب على الواجبات وتترك المحرمات هذا الذكر العملي يعني في مقام العمل من قولٍ أو فعلٍ أو تركٍ دائماً عينك بعين الله تبارك وتعالى، دائم الذكر لله عزّ وجل من دون لقلقة لسانه، فإذا ذكرت الله أتيت بالواجبات التي أوجبها عليك وتركت المحرمات التي حرمها عليك، لذلك الذكر العملي هو أهم من الذكر اللفظي كل من يلتزم بالذكر العملي أن يذكر الله في مقام العمل هذا يصل إلى درجة العصمة.

الخطوة الثالث الذكر اللفظي بالتسبيح والتهليل وقراءة القرآن والأدعية المأثورة.

أيها الإخوة أيها الأحبة قلب الإنسان بمثابة هذا الكوب الفارغ إذا جعله فارغاً فإنه يتوهم أنه خالٍ لكنه مملوء بالهواء والأهواء والشياطين، فما هو الحل؟

أولاً أن يتوب.

ثانياً أن يذكر الله في مقام العمل ولا يعصي.

ثالثاً أن يملأ هذا القلب بالذكر فإذا امتلأ القلب بالكامل بذكر الله لا يوجد فيه فراغ للشياطين واتباع إبليس وأعوانه.

لذلك ورد في دعاء شعبان «واعمر قلبي بطاعتك ولا تشقني بمعصيتك» إذا أفضل شيء في استقبال شهر رمضان التوبة وترك الذنوب وملء القلب بذكر الله، لذلك كان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ يتفرغ للعبادة والطاعة في شهر رمضان ويشتد ذلك في العشر الأواخر من شهر رمضان يعتكف.

وهكذا أهل الطاعة المرحوم العلامة الأميني عبد الحسين الأميني صاحب موسوعة الغدير كان يختم القرآن في شهر رمضان خمسة عشر مرة يعني كل يومين ختمة ويهدي أربعة عشر ختمة للمعصومين الأربعة عشر هو ختمة لوالديه.

وهكذا كان إمام الأمة الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ يقلص أعماله ويتفرغ للتهجد والتعبد، وكان يواظب على فتح مفاتيح الجنان بدقة ورقة لكي لا يتمزق لكن خلال عشر سنوات من حكمه الشريف تمزق كتاب مفاتيح ثلاث مرات أبدلوه له ثلاث مرات من شدة مواظبته على فتحه وقراءته فيه.

لذلك هذه فرصة ثمينة في شهر رمضان فرصة ثمينة، النبي يقول: «أيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وأوقاته أفضل الأوقات».

يبقى سؤال أخير ونختم النبي يقول: «الشياطين فيه مغلولة» في مقام العمل نجد الناس تذنب أكثر حفلات الرقص والموسيقى والغناء والدجل تكثر في شهر رمضان ودورات كرة القدم وغيره من الأمور التي قد تلهي قد تقول هذه مباحة على كل حال مضيعة الأوقات، فكيف تكون الشياطين مغلولة والناس تذنب؟

الجواب: من قال إن إغراءات الإنسان وذنوب الإنسان ينحصر سببها في الشياطين؟!

قال الشاعر:

إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف الخلاص وكلهم أعدائي؟!

إذاً المغريات أول المغريات إبليس يوجد أيضاً غير إبليس إبليس والشياطين عدو خارجي يوجد عدو داخلي وهو النفس بعد يوجد عدو خارجي الدنيا الدنيا حلوة تضر وتغر، صحيح الشياطين مغلولة في شهر رمضان يعني عدو واحد خارجي، ولكن يوجد عدو خارجي آخر الدنيا بطبيعتها تغر وتضر.

بعد النفس الإنسانية وما أبرئ إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.

بعد طبيعة الحياة الدنيا.

لذلك يا أخي احرص أن يكون هذا الكأس مملوء، كيف مملوء؟ مملوء بحب الله، مملوء بذكر الله، إذا ملأ بحب الله لا يوجد فيه فراغ لإبليس بعد، لا يوجد فراغ فيه لحب الدنيا التي هي رأس كل خطيئة، لا يوجد فيه فراغ للنفس وتسويلاتها، لا يوجد فيه فراغ للدنيا ومغرياتها.

قال علي ـ عليه السلام ـ : «ما رأيت شيئاً إلا وقد رأيت الله قبله ومعه وبعده» لأن قلبه قد ابتلى بحب الله فلا يوجد فراغ ولا يوجد مجال لغير الله عزّ وجل.

إذا شهر رمضان فرصة ثمينة لملئ القلب بحب الله.

كيف ليلة الناصفة يأتي الأولاد بالكيس ويملؤون إذا امتلأ الكيس بالحلاوة والأموال تعطيه بعد لا يوجد مجال في الكيس امتلأ الكيس بالحلاوة، أنتم حلوين تملؤون هذا الكيس في شهر رمضان كيس القلب تملأونه بحب الله.

الذي قلبه امتلأ بحب الله لا يوجد فيه مجال لغير الله، الفرصة الثمينة هي فرصة شهر رمضان، وفقنا الله وإياكم للصيام والقيام وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.