مختصر جامع السعادات
شیخ الدقاق

52 - ذمّ الظلم بالمعنى الأخص

مختصر جامع السعادات

  • الكتاب: مختصر جامع السعادات
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    200

28

2024 | مارس

26 رجب 1445

7 فبراير 2023

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

ذمّ الظلم بالمعنى الأخص

الظلم يقابل العادل، وهناك معنيان للعدل، وهناك معنيان للظلم.

والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم

عندنا عدالة بالمعنى الأعم، وعندنا عدالة بالمعنى الأخص، ويقابلهما ظلم بالمعنى الأعم وظلم بالمعنى الأخص.

أولاً: ما هو معنى العدالة بالمعنى الأعم؟

الجواب: مراعاة وملازمة الحد الوسط في جميع الأشياء، عندنا قوة عاقلة وحدها الوسط الحكمة، الحكمة حد وسط بين الإفراط الجربزة وبين التفريط الذي هو عبارة عن الجهل البسيط، وهكذا القوة الغضبية عندنا الحد الوسط وهو العفة، العفة حد وسط بين التهور حد الإفراط وبين الجبن الذي هو حد التفريط.

يقال لها: شجاعة، الشجاعة هي عبارة عن حد الوسط في القوة الغضبية بين التهور حد الإفراط وبين الجبن الذي هو حد التفريط.

وهكذا في القوة الشهوية الحد الوسط هو العفة والعفة بين الإفراط وهو الشره وبين التفريط وهو الكبت.

إذاً عندنا عدالة بالمعنى الأعم عدالة من الاعتدال والمراد بالاعتدال مراعاة الحد الوسط بين الإفراط والتفريط، ويقال لها: عدالة بالمعنى الأعم يعني تعم جميع الأشياء فالعدالة بالمعنى الأعم عبارة عن الاعتدال في جميع الأشياء وجميع القوى وجميع الصفات وجميع الأفعال.

العدالة بالمعنى الأعم مراعاة وملازمة الحد الوسط في جميع الأشياء وجميع القوى.

ويقابل العدالة بالمعنى الأعم الظلم بالمعنى الأعم وهو عبارة عن تجاوز وتعدي الحد الوسط في جميع الأشياء.

فمن يتعدى الحد الوسط في الشجاعة يصير عنده تهور ومن يتعدى الحد الوسط بالقوة الشهوية يصير عنده شره، ومن يتعدى الحد الوسط في القوة العاقلة يصير عنده جربزة، فيقال: أنه تعدى وظلم.

إذا الظلم بالمعنى الأعم هو عبارة عن تجاوز وتعدي الحد الوسط في جميع الأشياء وسمي بالظلم لأنه تعدي وتجاوز وسمي بالمعنى الأعم لأنه يعم جميع الأشياء وجميع القوى.

بعبارة بسيطة ومختصرة: العدالة بالمعنى الأعم يعني الاعتدال في جميع الأمور، والظلم بالمعنى الأعم عبارة عن التجاوز في جميع الأمور.

ولنأتي الآن إلى الظلم بالمعنى الأخص، المراد بالظلم بالمعنى الأخص عبارة عن إيذاء الآخرين والتعدي على الآخرين، سمي ظلم لأنه تجاوز وتعدي، وسمي بالمعنى الأخص لأنه يختص بالطرف الذي تم التجاوز عليه.

وفي مقابله العدل بالمعنى الأخص، والمراد به الكف عن الآخرين ووضعهم في موضعهم أي إعطاء كل ذي حق حقه ومستحقه، هذا يقال له: عدلٌ بالمعنى الأخص لأنه يخص بالآخرين وعادل لأنه عبارة عن وضع الشيء في موضعه.

سؤال: وردت مفردة الظلم في القرآن الكريم ووردت مفردة العدل في القرآن الكريم والروايات الشريفة فهل يراد بالظلم في الآيات والروايات العدل والظلم بالمعنى الأعم أو العدل والظلم بالمعنى الأخص؟

الجواب: أغلب هذه الاستخدامات والاستعمالات ناظرة إلى العدل والظلم بالمعنى الأخص، فقد ظلم نفسه يعني تعدى على نفسه تجاوز على نفسه، الظلم الوارد في القرآنية والروايات الشريفة عبارة عن التعدي على النفس أو على الآخرين، التجاوز على النفس أو على الآخرين.

والعدل وارد في الآيات والروايات هو عبارة عن ماذا؟ عن إعطاء النفس حقها أو إعطاء الآخرين حقهم ومستحقهم.

إلى هنا وصلنا إلى هذه النتيجة: العدالة بالمعنى الأعم هي عبارة عن ملازمة الحد الأوسط في جميع الأمور وفي مقابلها الظلم بالمعنى الأعم وهو عبارة عن التعدي والتجاوز في جميع الأمور والأشياء.

والعدالة والظلم بالمعنى الأعم يشمل العدالة والظلم بالمعنى الأخص، العدالة بالمعنى الأخص هو عبارة عن إعطاء النفس أو الآخرين حقهم ومستحقهم والكف عن أذاهم، والظلم بالمعنى الأخص هو عبارة عن التجاوز على الآخرين والتعدي على الآخرين هذا الظلم بالمعنى الأخص التعدي على الآخرين والتجاوز على الآخرين يندرج تحت الظلم بالمعنى أعم تجاوز الحد الأوسط في جميع الأشياء ومنها حقوق الآخرين.

سؤال: ما هو منشأ ظلم الآخرين؟ ما هو منشأ الظلم بالمعنى الأخص؟ وهو موطن بحثنا موطن بحثنا العدل والظلم بالمعنى الأخص.

الجواب: أحد منشأين:

المنشأ الأول الحقد والحسد والعداوة فيرجع إلى القوة الغضبية، يظلم فلان لأنه يحقد عليه ما يطيقه يحسده يأذيه، فصار مرجع الظلم إلى القوة الغضبية.

المنشأ الثاني الحرص والطمع، مثلاً: يريد تجارته تزيد، يحرص على زيادة تجارته، فيعمد إلى ظلم جاره التاجر، هنا ليس منشأ الظلم هو الحسد أو الحقد أو البغض لا ممكن يحبه لكن عنده طمع وحرص على زيادة ثروته فيعمد إلى إيذاء جاره.

وقد يجتمع السببان هذا عنده حرصه طمع على زيادة ثروته من جهة وعنده عداوة وحقد وبغض إلى جاره من جهة أخرى.

وإذا عرف السبب بطل العجب ومعرفة الداء نصف الدواء.

إلى هنا عرفنا معنى الظلم بالمعنى الأخص وهو التجاوز والتعدي على الآخرين وعرفنا أيضاً منشأ الظلم إما الحرص والطمع فيرجع إلى القوة الشهوية وإما الغضب والعداوة.

وأحياناً يا أخي أحياناً يا أخي يا أخي أحياناً لا يوجد حرص طمع ولا يوجد عداوة وحقد وحسد لكن يوجد سوء خلق أو يوجد غضب يعني شخص غضوب في شرارة بمجرد أن ينفعل يرمي كلام بمجرد أن ينفعل يضرب حتى الذي يحبه، فهنا من شئ الظلم لما يرمي كلام أو يضرب هذا ليس منشأ العداوة والبغضاء يحب ولده وليس منشأه الحرص والطمع ولكن منشأه سوء الخلق والغضب وسرعة الانفعال.

نقرأ هذا المقدار قال المحقق الشيخ محمد مهدي النراقي ـ رحمه الله ـ في جامع السعادات:

«تنبيه ذمّ الظلم بالمعنى الأخص[1]

اعلم أن الظلم قد يراد به ما هو ضد العدالة وهو التعدي عن الوسط في أي شيء كان» هذا الظلم عام الظلم بالمعنى الأعم التجاوز الحد الوسط في جميع الأشياء هذا مجمع الرذائل والعدالة بالمعنى الأعم هي مجمع الفضائل، العدالة بالمعنى الأعم هي مجمع المناقب والمحاسن، والظلم بالمعنى الأعم هو مجمع المثالب والمساوئ.

أيضاً تجاوز المراد ليست تجاوز فقط في جانب الإفراط بل المراد التجاوز أيضاً في جانب التفريط لأنه يوجد حد وسط وتجاوز الحد الوسط إما بزيادته كالتهور وإما بالتفريط بالحد الوسط التفريط بالشجاعة وهو الجبن فالمراد بتجاوز الحد الوسط ليس خصوص جانب الإفراط بل يشمل جانب التفريط، تجاوز الحد الوسط تعدي الحد الوسط عدم مراعاة الحد الوسط في جانب الإفراط أو التفريط.

قال: «اعلم أن الظلم قد يراد به ما هو ضد العدالة وهو التعدي عن الحد الوسط في أي شيء كان وهو جامع للرذائل بأسرها كما أشير إليه وهذا هو الظلم بالمعنى الأعم، وقد يطلق عليه الجور أيضاً، وقد يراد به ما يرادف الإضرار والإيذاء بالغير» الإضرار والإيذاء بالغير هذا يراد به ماذا؟ الظلم بالمعنى الأخص.

«وهو الإضرار والإيذاء بالغيري يتناول» يعني يشمل «قتل الغير وضربه وشتمه وقذفه وغيبته وأخذ ماله قهراً ونهباً وغصباً وسرقة وغير ذلك من الأقوال والأفعال المؤذية وهذا هو الظلم بالمعنى الأخص».

الأخص والأعم، الأعم المراد به لا يشمل قوة دون قوة تقول العدالة هي عبارة عن مراعاة الاعتدال في أي شيء يعني في القوى: القوة العاقلة القوة الواهمة القوة الشهوية القوة الغضبية فالعموم بلحاظ شمول جميع القوى وعدم تخصيصها بمورد خاص.

والخصوص بلحاظ طرف معين إما النفس وإما الآخرين، إيذاء للآخرين أو إيذاء للنفس، فوجه الخصوص الطرف الآخر من الإنسان ووجه العموم جميع القوى فالعدالة بالمعنى لم يؤخذ فيها طرف آخر والظلم بالمعنى الأخص لم يلحظ فيه طرف آخر.

وبعبارة أخرى:

ليس معنى نسبي، الظلم والعدل بالمعنى الأخص معنى نسبي فيه طرفان ظالم ومظلوم، عادل ومن وقع عليه العدل، واضح؟ لكن في العدالة بالمعنى الأعم تلحظ نفس النفس وقواها ويراعى في النفس وقواها الحد الوسط إن تمت مراعاة الحد الأوسط وملازمته فهي عدالة بالمعنى الأعم، إن حصل تجاوز إما في جانب الإفراط أو في جانب التفريط فهي ظلم بالمعنى الأعم.

فالعدالة والظلم بالمعنى لا يلحظ فيها طرف نسبي وهو الإنسان الآخر بل يلحظ فيها نفس النفس وقواها ومراعاة الحد الأوسط والاعتدال فيها بخلاف العدالة والظلم بالمعنى الأخص معنى نسبي معنى إضافي أي بالإضافة إلى الآخرين صار واضح.

«وهذا هو الظلم بالمعنى الأخص» ما هو الظلم بالمعنى الأخص؟ الإضرار بالغير، إيذاء الغير هذا المعنى الإضافي المعنى النسبي.

«وهو المراد إذا أطلق في الآيات والأخبار، وفي عرف الناس» لما الناس يقولوا: فلان ظالم يعني آذى الآخرين، فلان عادل يعني أعطى الآخرين حقوقهم، الناس إذا قالوا فلان عادل لا يقصدون أنه يراعي الحد الأوسط والاعتدال في القوى، إذا قالوا: فلان ظالم لا يقولون فلان تجاوز وتعدى الحد الأوسط في النفس وقواها في جانب الإفراط أو التفريط هذا ما ندرسه في علم الأخلاق، المتداول عند الناس العدل والظلم بالمعنى الأخص يعني المعنى النسبي المرتبط والمضاف والمنسوب للآخرين.

«وباعثه» الظلم بالمعنى الأخص «إن كان العداوة والحسد يكون من رذائل قوة الغضب، وإن كان الحرص والطمع في المال يكون من رذائل قوة الشهوة وهو أعظم المعاصي وأشدها عذاباً باتفاق جميع الطوائف وكفاه ذماً أنه تعالى قال في مقام ذمّ الشرك: «إن الشرك لظلم عظيم»».

سؤال: ما هو أكبر الكبائر؟ أكبر ذنب كبير أكبر الكبائر ما هو؟

الشرك بالله، ثاني أكبر الكبائر اليأس من روح الله، ثالث أكبر الكبائر الأمن من مكر الله، هذا أكبر الكبائر الشرك بالله، الله إذا يريد يذمه يذمه بأخس شيء، يعني أخس صفة لابد يذكرها فيه، لأن أكبر الكبائر، لما أراد يذم الشرك ماذا قال؟ إن الشرك لظلم عظيم.

كيف الله عزّ وجل لما أراد يمدح نبيه لازم يمدحه بأفضل شيء لما مدحه ماذا قال؟

وإنك لعلى خلق عظيم، أضاف العظمة إلى الأخلاق يعني أفضل صفة الأخلاق الحسنة والعظيمة.

هنا أسوء شيء الظلم:

لا تظلمن ما كنت مقتدرا فالظلم آخره يأتيك بالندم

تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم

وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : «اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة».

وقال الصادق ـ عليه السلام ـ : «ما من مظلمة أشد من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عوناً إلا الله تعالى».

في الرواية: «أتقي ظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله عزّ وجل».

الآن إسرائيل الدولة المغتصبة اللقيطة تقصف غزة تحاصر غزة وتجوع الشعب الفلسطيني في غزة/ تمنع الطعام والشراب والوقود تدمر الأرض حصار بري وجوي وبحري وليس لهم ناصر إلا الله عزّ وجل هذا من أشد الظلامات.

«ثم إن معين الظالم والراضي بفعله والساعي له في قضاء حوائجه وحصول مقاصده» مقاصد ونوايا هذا الظالم «كالظالم بعينه في الإثم والعقوبة» الظالم لو ما يجد له أعوان ما يظلم.

قال الصادق ـ عليه السلام ـ : «العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثة» عامل الظلم والمعين والراضي.

وقال ـ صلى الله عليه وآله ـ : «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الظلمة وأعوان الظلمة ومن لاقى لهم دواة أو ربط لهم كيساً أو مدّ هم بمدة قلم فاحشروهم معهم».

«ومن لاق لهم دواةً»، ما المراد بالدواة؟ الدواة المحبرة كان في الزمن القديم يأخذ القصبة ويضعها في المحبرة ويكتب.

«من لاق لهم دواة» لاق يليق من الليق، والمراد بالليقة: الليفة، ومن لاق لهم دواةً يعني ومن جعل ليفة في دواتهم، والمراد: من أصلح لهم المحبرة ورتب لهم المحبرة لأن هذه المحبرة فيها ليفة وهذه الليفة ينقعون فيها الحبر مثل الآن اسفنجه ويخلون فيها حبر يجعل عليها الستامب ويكتب.

هنا من لاق لهم دواةً أي من جعل ليقة وليفة في دواتهم لكي يصلح لهم محبرتهم هذا ظالم أيضاً، ومن لاق لهم دواةً يعني من أصلح لهم الدواة والمحبرة فهذا معهم.

ثم «إن ضد الظلم بالمعنى الأخص هو العدل بالمعنى الأخص وهو الكف عنه» يعني الكف عن الظلم بالمعنى الأخص «وإقامة كل أحد على حقه» يعني إعطاء كل ذي حق حقه ومستحقه «والعدل بهذا المعنى إعطاء وإقامة كل صاحب حق على حقه هو المراد عند إطلاقه في الآيات والأخبار قال الله سبحانه: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان»، وقال تعالى: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل».

قال الصادق ـ عليه السلام ـ : «اتقوا الله واعدلوا فإنكم تعيبون على قوم لا يعدلون» أنت إذا بتنتقد واحد وتعيبه تقول: هذا ظالم وما يعدل، فلا تكن أنت كذلك.

لا تنهى عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم

يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التأديب؟!

يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم؟!

تصف الدواء لذي السقام وذي الظنى كي ما يصح به وأنت سقيم!!

ابدأ بنفسك فأنهاها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يسمع ما تقول ويشتفى بالقول منك وينفع التعليم

يقول علي ـ عليه السلام ـ : «ومؤدب غيره أولى بتأديب نفسه، ومعلم غيره أولى بتأديب نفسه».

أنت تقول للآخرين: لا تظلم، أنت أيضاً لا تظلم.

جعلنا الله وإياكم من أهل العدل ودفع عنا الظلم والجور.

البحث القادم إخافة المؤمن يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

[1]  والكلام في كتاب مبادئ الأخلاق، السيد محمد رضا الطباطبائي اليزدي، ص 134.

00:00

28

2024
| مارس
جلسات أخرى من هذه الدورة 55 الجلسة

28

مارس | 2024
  • الكتاب: مختصر جامع السعادات
  • الجزء

    01

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
55 الجلسة