خارج الفقه
شیخ الدقاق

192 - دعوى الانتساب إلى هاشم بن عبد مناف

خارج الفقه

  • الكتاب: دروس خارج الفقه
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

29

2024 | مايو

27 شوال 1445
6 مايو 2024

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

دعوى الانتساب إلى هاشم بن عبد مناف

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى المسألة الرابعة:

«لا يصدق من ادعى النسب إلا بالبينة أو الشياع المفيد للعلم ويكفي الشياع والاشتهار في بلده. نعم، يمكن الاحتياط في الدفع إلى مجهول الحال بعد معرفة عدالته بالتوكيل على الإيصال إلى مستحقيه على وجه يندرج فيه الأخذ لنفسه أيضاً، ولكن الأولى بل الأحواط عدم الاحتياط المذكور».

تعرض السيد اليزدي ـ رحمه الله ـ في المسألة الرابعة لأمرين:

الأول بيان طرق إثبات النسب وحكم تصديق مدعيه.

الثاني بيان الاحتياط الذي ذكره صاحب الجواهر ـ رحمه الله ـ لبراءة الذمة من إعطاء الخمس لمجهول الحال العادل.

أما الأمر الأول وهو طرق إثبات النسب إلى بني هاشم، فقد ذكر صاحب العروة ـ رحمه الله ـ أن دعوى الانتساب تحتاج كغيرها من الدعاوى إلى ثبوت شرعي عبر أحد أمور:

الأول العلم، كالشياع المفيد للعلم.

الثاني الاطمئنان بصدق دعوى المدعي وإن كان الاطمئنان ناشئاً من اشتهار كونه سيداً وهاشمياً في بلده إذا أورث ذلك الاطمئنان الشخصي.

الثالث التعبد الشرعي كما إذا قامت البينة على كونه ينتسب إلى هاشم بن عبد مناف.

ومقتضى الأصل هو جريان أصالة الاشتغال وعدم براءة ذمة المالك من الخمس إلا بإخراج الخمس إلى مستحقه فالاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، ولا يتحقق فراغ ذمة المكلف إلا بإيصال الخمس إلى المستحق الثابت النسب.

ولو أوصله إلى مشكوك النسب أو من علم أنه ليس هاشمياً فحينئذ يكون قد وضع الخمس في غير موضعه فلا تبرأ ذمته من الخمس ويكون ضامناً له.

وأما مجرد دعوى الانتساب فلا تصدق ولا يثبت النسب بمجرد دعوى الانتساب إلى بني هاشم خلافاً للشيخ جعفر كاشف الغطاء حيث إنه حكم بالاكتفاء بمجرد دعواه ذلك كما في مدعي الفقر[1].

وقد ناقشه سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[2] ـ رحمه الله ـ بعد أن ذكر مدعاه فقال ما نصّه:

«وفيهما لا يخفى فإن قياس مع الفارق إذ دعوى الفقر معتضة باستصحاب عدم الغنى الذي هو أمر حادث مسبوق بالعدم، وهذا بخلاف النسب فإن مقتضى الأصل الأزلي عدم الانتساب إلى هاشم، فدعوى الانتساب مخالفة للأصل، ولا يعارض بأصالة عدم الانتساب إلى غير هاشم، لعدم الأثر لها، فإن موضوع الزكاة هو من لم ينتسب إلى هاشم لا المنتسب إلى غير هاشم.

وعليه فيحتاج الانتساب إلى ثبوت شرعي كما عرفت، وهذا وإن لم يرد فيه نصٌ يعين الوظيفة إلا أن السيرة العقلائية قائمة على الأخذ بما هو المشهور بين أهل البلد، وإذ لم يردع عنها الشارع فلا بأس بالتعويل عليها، سيما إذا أوجبت الاطمئنان الشخصي، ويؤيدهم رواه الصدوق ـ قدس سره ـ من أنه يؤخذ بظاهر الحال في خمسة أمور: الولايات والمناكح والذبائح والشهادات والأنساب»[3].

إلا أن شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ حاول أن يوجه كلام كاشف الغطاء وأن ينتصر له فقال[4]:

«ويمكن توجيه كلام الشيخ كاشف الغطاء ـ قدس سره ـ بأن مدعي النسب بما أنه أخبر بحال نسبه فهو اعلم به لكونه من الأمور التي لا تعرف إلا من قبله أو لا أقل من أنه اعرف به كالفقر وأمثاله فإنه قد قامت السيرة العقلائية على الاعتماد على قول مدعي مثل هذه الأمور، إذا كان على ظاهر العدالة والثقة ولم يعلم أن دعواه كانت مبنية على الحدس والاجتهاد، وقد دلت على ذلك مرسلة يونس عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: «خمسة أشياء يجب على الناس أن يأخذوا فيها بظاهر الحكم: الولايات، والتناكح، والمواريث، والذبايح، والشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهراً مأمونا جازت شهادته، ولا يسأل عن باطنه»[5].

فهذه الرواية مذكورة في ثلاثة من الكتب الأربعة، وهي: «الكافي والتهذيب والاستبصار» ولم يذكر فيها الأنساب، لكن الشيخ الصدوق ـ رحمه الله ـ في كتاب من لا يحضره الفقيه ذكر الأنساب ولم يذكر المواريث[6].

وقد جعلها شيخنا الأستاذ دليلاً بينما جعلها سيد أساتذتنا السيد الخوئي مؤيداً.

وقد استدل شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الدواري[7] بام كلها قابلة للمناقشة فقال ما نصّه:

«والرواية وإن عبر عنها بالمرسلة إلا أن الظاهر من نقل الصدوق لها بإسناده عن يونس أنها مأخوذة من كتبه فتدخل تحت شهادة ابن الوليد بأن كتب يونس معتبرة معمول بها، هذا مضافاً إلى أن يونس من أصحاب الإجماع فلا بأس بالاستدلال بها في المقام، والحكم بأن مدعي النسب مصدق بالشرطين المتقدمين من كونه على ظاهر العدالة والثقة، واحتمال أن تكون دعواه مبنية على الحس كالإطلاع من آبائه وأجداده وأقاربه» انتهى كلامه زيده في علو مقامه.

أقول هذا الكلام ليس بتام صغراً وكبراً، ومن هنا نذكر عدة مناقشات:

الأولى إن استظهار شيخنا الأستاذ أن هذه الرواية المرسلة مأخوذة من كتب يونس بن عبد الرحمن بدليل أن الصدوق ـ رحمه الله ـ نقل الرواية بإسناده عن يونس ليس بتام.

والسر في ذلك:

أن شيخ الطائفة الطوسي ـ رحمه الله ـ قد صرح في مشيخة: التهذيب والاستبصار، وهما مشيخة واحدة، بأنه يصرح باسم الراوي الذي أخذ الرواية من كتابه، وحينئذ إذا بدأ الشيخ سند الرواية في التهذيب أو الاستبصار بأبي بصير أو فضالة بن أيوب علمنا حينئذ أن شيخ الطائف الطوسي قد أخذ الرواية من كتاب أبي بصير أو من كتاب فضالة بن أيوب، وهذا الكلام لا يتم بالنسبة إلى ثقة المحدثين الشيخ محمد بن علي بن بابويه الصدوق إذ أنه لم يصرح بأنه يبدأ السند باسم الراوي الذي أخذ الرواية من كتابه، فلو بدأ الصدوق السند بـ يونس بن عبد الرحمن فلعله لم يأخذ هذه المرسلة من كتاب يونس عبد الرحمن، بل لربما أخذها من كتاب زميل يونس بن عبد الرحمن أو تلميذ يونس بن عبد الرحمن، وكان الكتاب معتبراً ومعتمداً عند شيخ الطائفة الطوسي فاحتمال أن الصدوق السند باسم صاحب الكتاب قوي جداً لكن لا دليل عليه.

وقد قام الدليل بالنسبة إلى الشيخ الطوسي دون الصدوق، وقد ناقشنا شيخنا الأستاذ الداوري في مجلس الدرس بهذه المناقشة فأقر أن الصدوق لم يصرح بأنه يبدأ السند باسم صاحب الكتاب، لكنه ـ حفظه الله وأيده ـ قال: من خلال التتبع حصل لدي اطمئنان أن الصدوق يبدأ السند باسم صاحب الكتاب وقد صار ذلك الشيخ الطوسي.

أقول اطمئنانه حجة عليه وليس بحجة علينا فهنا تثبت الصغرى، وهو أن هذه المرسلة من كتاب يونس بن عبد الرحمن>

المناقشة الثانية إنكار الكبرى فبعد أن شيخنا الأستاذ الداوري أن مرسلة يونس من كتاب يونس، قال: «يشملها عموم شهادة محمد بن الحسن بن الوليد بأن كتب يونس معتبرة معمول بها».

أقول: لو سلمنا أن شهادة بن الوليد أستاذ الصدوق تشمل كتاب يونس فهذا يعني أن أصل الكتاب معتبر لا أن كل رواية رواية من الكتاب معتبرة، وهذا متداول في كتب الحديث حينما، يقال: هذا كتاب معتبر، كتاب الكافي وكتاب من لا يحضره الفقيه معتبر عمل به الأصحاب فهذا لا يعني المقولة بمقولة الصحيح كما هو عند العامة صحيح البخاري وصحيح مسلم وأن كل رواية فيهما تكون صحيحة بل هذا يعني اعتبار أصل الكتاب.

ولو تنزلنا وقلنا أن هذه العبارة تعني صحة جميع الروايات وهي شهادة من محمد بن الحسن بن الوليد بصحة جميع روايات يونس بن عبد الرحمن لقلنا أن هذه الصحة تحمل على الصحة عند متقدمين لا الصحة عند المتأخرين والصحة عند المتأخرين بمعنى أن تكون جميع الرواة الواردين في سلسلة السند عدولاً إمامية فهي ناظرة إلى تصحيح الراوي.

 الصحيح عند المتأخرين ناظر إلى تصحيح الراوي بخلاف الصحة عند المتقدمين الناظرة إلى تصحيح المروي فالصحة عند المتقدمين مفادها اعتضاد الرواية بقرائن تورث الوثوق والاطمئنان بصدورها، فلعل محمد بن الحسن بن الوليد تراكمت عنده القرائن التي أورثته صحة صدور كتاب يونس بن عبد الرحمن، وهذه القرائن وصلت إلينا فلربما لا تورثنا الاطمئنان واطمئنانه حجة عليه وليس بحجة علينا.

إذا هذه الكبرى ليست تامة مجرد شهادة علم من الأعلام كابن الوليد أن كتاب معتبر ومعول وهذا نقطة الخلاف بيننا وبين شيخنا الأستاذ الداوري فإنه ذهب إلى صحة جميع روايات من لا يحضره الفقيه استنادا إلى قول الصدوق في الديباجة وجميع ما فيه مستخرج من كتب مأثورة عليها المعول وإليها المرجع ككتاب حريز بن عبد الله السجستان.

أقول: كان ينبغي أن يعمل يلتزم بتصحيح جميع روايات الكافي لأن كلام الكليني أصرح، قال: «والعمل بالآثار الصحيحة»، يقول: أنا كتبت كتاب الكافي لمن يريد العمل بالآثار الصحيحة فقد صرح بالصحة الكليني دون الصدوق.

المناقشة الثالثة قلنا إن المستفاد من كلام الكشي في حق أصحاب الإجماع أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء ستة من الأولين وستة من الأواسط وستة من الأواخر هو أن الطائفة أجمعت على وثاقة وجلالة قدر هؤلاء ولم نستفد لا تصحيح الراوي الذي هو ثمرة رجالية ولا تصحيح المروي فمجرد روايات أحد أصحاب الإجماع كيونس بن عبد الرحمن عن رجلٍ لا يفيد توثيقه فلا توجد ثمرة رجالي، كما أن وقوع يونس بن عبد الرحمن في رواية لا يفيد تصحيحها فتكون الثمرة روائية وحديثية.

المناقشة الرابعة على أن قياس كاشف الغطاء لمدعي النسب على مدعي الفقه قابل للتأمل فمن قال أنه حتى مدعي الفقر بمجرد إدعائه يقبل، وقد ناقش في ذلك سيد المستمسك السيد محسن الحكيم[8] كما أن مناقشة سيد أساتذتنا الخوئي للفارق بين دعوى النسب التي هي خلاف الأصل، الأصل أن أنت ما تكون سيد بينما اعتضاد الدعوى الفقر بالأصل الأصل أن أنت فقير إثبات الغنى يحتاج إلى دليل تامة لا غبار عليها، فالصحيح أنه لا يقبل دعوى مدعي النسب بمجرد دعواه إلا إذا أورث الاطمئنان الشخصي من قرائن فتكون الحجية للاطمئنان لا لمجرد دعواه، والله العالم.

الأمر الثاني وهو الاحتيال المذكور في جواهر الكلام للتخلص من الإشكال فهو عبارة عن توكيل الغير مع الشرط بإيصال الخمس إلى مستحقه وهو الهاشمي الفقيه على وجه يندرج فيه الأخذ لنفس الوكيل لو كان هاشمياً واقعاً، وهذا كافٍ في براءة ذمة الموكل لأن المدار في سقوط التكليف وتحقق الأداء خارجاً على علم الوكيل للموكل ما لم يعلم بالخلاف، ثم أضاف صاحب الجواهر قوله: «لكن الإنصاف أنه لا يخلو عن تأمل أيضاً»[9].

إلا أن سيد المستمسك قال: هذا التأمل ضعيف[10].

لكن الإنصاف أن هذا التأمل في محله، وقد استشكل في هذه الحيلة غير واحد منهم سيد أساتذتنا الخوئي في كلام طويل نأتي ختامه، وحاصل إشكال السيد الخوئي أن التوكيل أمر طريقي في إيصال الحق إلى أهله فإذا علم كيفية الإعطاء وكان يشك في صحة عمل المعطي فلا أثر لعلمه في تصحيح العمل بالنسبة إلى الموكل المكلف بإيصال الحق إلى مستحقيه، وهذا تماماً كما إذا مباشرة لمن يشك في استحقاقه فإنه لا يجزي لأن الشك في الاستحقاق يستتبع الشك في فراغ الذمة فكذلك إذا صدر الإعطاء عن وكيله وإن الوكيل يرى الاستحقاق لنفسه أو لغيره، إذا تأمل صاحب الجواهر في محله[11].

أقول: اعرف بعض المؤمنين العدول، وقد رأيتهم بعيني يصلون صلاة الليل، ومن أهل الدين والورع، ويعتقد أنه سيد ابن رسول الله، ومن الواضح في منطقتهم أنهم مدعوا السيادة وليسوا سادة، فحينئذ إذا كنت أنا عندي خمس سهم سادة وأوكله في إيصال سهم السادة إلى السادة النجباء، واعلم أنه سيصرفه على نفسه لأن الوكالة مطلقة تشمله وتشمل غيره، فحينئذٍ أنا حسب تكليفي وحسب علمي اعلم أن الخمس سيصرف في غير مورد استحقاقه، أفهل يصح في هذا المورد أن يقال: المدار على علم الوكيل لا على علم الموكل؟! هذا الكلام ليس بتام في خصوص مورد العلم ليس بتام، تفصيل ذلك مذكور في المستند تراجعونه إن شاء الله.

إذ فهذه الحيلة التي ذكرها صاحب الجواهر ليست تامة لأن مجرد توكيل الموكل للوكيل لا يوجب فراغ ذمته، والاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقين، فهو يتيقن باشتغال ذمته بالخمس ولا يتيقن من فراغ ذمته من الخمس إلا بإيصال الخمس إلى مستحقه إما مباشرة أو بالتوكيل الذي يعلم من خلاله أن الخمس سيصل إلى مستحقه، وفي هذه الحيلة يعلم أن الخمس لن يصل إلى مستحق فلا تتم هذه الحيلة والتأمل في محله وفاقاً للسيد الخوئي وخلافاً للسيد الحكيم، والله العالم بالصواب.

المسألة الخامسة دفع الخمس إلى واجب النفقة، يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

[1]  كشف الغطاء، ج 4، ص 211.

[2]  المستند في شرح العروة الوثقى، ج 25 من موسوعة الإمام الخوئي، ص 325.

[3]  من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج 3، ص 9، الحديث 29.

[4]  كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج 2، ص 361 و 362.

[5]  الكليني، ج 7، ص 471، كتاب القضاء والأحكام، الباب 269، الحديث 15.

تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج 6، ص 246، الحديث 781، مع اختلاف.

استبصار، الشيخ الطوسي، ج 3، ص 26، الحديث 35، مع اختلاف يسير.

وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 27، ص 289، الباب 22 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، الحديث 1.

[6]  من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 16، الحديث 3247، في نسخة أخرى.

[7]  الخمس في فقه أهل البيت، ج 2، ص 362.

[8]  مستمسك العروة الوثقى، ج 16، ص 322، تحقيق السيد محمد القاضي.

[9]  جواهر الكلام، ج 16، ص 106.

[10]  مستمسك العروة الوثقى، ج 16، ص 320.

[11]  المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص 327.

00:00

29

2024
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 200 الجلسة

29

مايو | 2024
  • الكتاب: دروس خارج الفقه
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
200 الجلسة