خارج الفقه
شیخ الدقاق

194 - مصرف سهم الإمام ـ عليه السلام ـ

خارج الفقه

  • الكتاب: دروس خارج الفقه
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

29

2024 | مايو

29 شوال 1445
8 مايو 2024

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

مصرف سهم الإمام ـ عليه السلام ـ

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى المسألة السابعة:

«النصف من الخمس الذي للإمام ـ عليه السلام ـ أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه وهو المجتهد الجامع للشرائط فلابد من الإيصال إليه أو الدفع إلى المستحقين بإذنه».

تطرق صاحب العروة ـ رحمه الله ـ في هذه المسألة إلى بعض الأحكام:

الحكم الأول الظاهر عدم الإشكال في وجوب إيصال الخمس بأجمعه إلى الإمام ـ عليه السلام ـ حال حضوره وهذا ما يظهر من النصوص والفتاوى وإنما الكلام في حال الغيبة فما هو مصرف سهم الإمام ـ عليه السلام ـ؟

وقد وقع الخلاف فيه بين الأصحاب قديماً وحديثاً نظراً لعدم وجود نصّ خاص بالنسبة إلى مصرف سهم الإمام ـ عليه السلام ـ ، فقد بنى الفقهاء قولهم على مقتضى القواعد والاحتياط، وقد ذكر المحدث الشيخ يوسف البحراني ـ رحمه الله ـ أربعة عشر قولاً أكثرها لا يعتنى به[1]، ومن هذه الأقوال الأربعة عشر عزل الخمس والوصية به من ثقة إلى آخر إلى وقت ظهور الإمام المهدي ـ عليه السلام ـ ، وقد ذهب إلى هذا القول الشيخ المفيد في المقنعة، وهذا القول على مقتضى القاعدة من جهة حفظ مال المنوب عنه إلا أنه يختص بما إذا كانت الغيبة صغيرة وقصيرة، وأما إذا كانت غيبة صاحب المال طويلة كما هو واقع الحال بالنسبة إلى سهم الإمام ـ عليه السلام ـ فهذا القول بلا وجه، إذ أنه يوجب تضييع المال وإتلافه والتفريط به خصوصاً بالنسبة إلى الأوراق النقدية في زماننا الحاضر.

ومنها صرفه في بقية الأصناف أو في فقراء الشيعة وهذا القول لا يمكن المساعدة عليه إذ أن تقسيم ما ينقص عن الأصناف الثلاثة سهم السادة واليتامى والمساكين وأبناء السبيل عند إعوازهم وإعطائهم من سهم الإمام ـ عليه السلام ـ لعله مختصٌ بزمن حضور المعصوم ـ عليه السلام ـ وبسط يده فالروايات الواردة القدر المتيقن منها زمان حضور المعصوم ـ عليه السلام ـ .

نعم، قد يستدل على ذلك بروايات:

الأولى قوله ـ عليه السلام ـ : «من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا»[2].

الرواية الثانية: «من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شيعتنا يكتب له ثواب صلتنا»[3] هكذا ورد عن الصادق ـ عليه السلام ـ .

الرواية الثالثة قوله ـ عليه السلام ـ : «فمن عجز ولم يقدر إلا على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمة، فمن لم يقدر» وفي نسخة «فمن لم يقدر على ذلك فلشيعتهم ممن لا يأكل بهم الناس ولا يريد بهم إلا الله»[4].

لكن يمكن أن تناقش هذه الروايات الثلاث بمناقشتين:

المناقشة الأولى إنها ضعيفة السند. نعم، يمكن تصحيح الرواية الثانية إذ أنها من مرسلات الصدوق الجازمة إذ عبر «قال الصادق ـ عليه السلام ـ» ، وتوجد مبان ثلاثة في مراسيل الصدوق:

المبنى الأول حجية جميع مراسيل الصدوق وهو ما بنى عليه شيخنا الأستاذ الداوري، والمراد بمراسيل الصدوق في خصوص من لا يحضره الفقيه لا مطلق كتبه إذ أنها تكون مشمولة لشهادته في الديباجة ديباجة الفقيه، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع، فيقال: بصحة جميع مراسيل الصدوق.

القول الثاني عدم حجية جميع مراسيل الصدوق، نظراً لضعف إسنادها، وقد ذهب إلى ذلك سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي، ونحن نلتزم بهذا المبنى فتكون الرواية ضعيفة.

المبنى الثالث التفصيل بين مراسيل الصدوق الجازمة التي يجزم فيها ويسند بأن يقول: «قال الصادق، قال الباقر» فتكون حجة، وبين مراسيل الصدوق غير الجازمة كأن يقول: «روي، في كتاب فلان، في رواية فلان» فالصدوق له خمسة أساليب في إيراد المراسيل واحدة منها المراسيل الجازمة فتكون حجة لجزم الصدوق بخلاف المراسيل الأخرى التي لا يجزم فيها كما لو قال: «في رواية فلان» فلعل فيها أمارة التضعيف.

وقد التزم بحجية مراسيل الصدوق إمام أساتذتنا السيد روح الله الموسوي الخميني، ولعله في كتاب البيع ذكر هذا.

عموماً فهذه الرواية الثانية يمكن تصحيحها على المبنى الأول حجية جميع مراسيل الصدوق أو على المبنى الثالث حجية خصوص مراسيل الصدوق الجازمة إلا أنها على مبنانا، هذا تمام الكلام في المناقشة الأولى.

المناقشة الثانية لعل مورد هذه الروايات غير الخمس من سائر الخيرات، وهذه المناقشة تتم في الرواية الأولى والثانية بخلاف الرواية الثالثة فقد ذكر فيها الخمس إذ أن قوله ـ عليه السلام ـ : «فمن عجز ولم يقدر متفرع على قوله سابقاً، وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس حتى يرفعه إلى ولي المؤمنين وأميرهم ومن بعده من الأئمة من ولده» وهذه الرواية ظاهرة في إرادة خصوص الخمس لا غيره من مطلق الخيرات.

وكيف كان هذان القولان لم ينهض الدليل على اعتبارهما، والمهم من الأقوال التي ذكرت في مصرف سهم الإمام ـ عليه السلام ـ عند المتأخرين قولان، وهما العمدة:

القول الأول ما قواه في الجواهر ومصباح الفقيه من أن النصف يصرف في الأصناف الثلاثة واما النصف الآخر وهو سهم الإمام ـ عليه السلام ـ فيجري عليه حكم مجهول المالك فيتصدق به عنه ـ عليه السلام ـ نظراً إلى أن المناط في جواز التصدق بالمال عن مالكه ليس هو خصوص الجهل بالمالك بل المناط هو عدم عدم إمكان إيصال المال إلى مالكه سواء علم به أم جهل، كما هو مورد بعض النصوص.

من هذه النصوص رواية يونس الواردة في الرفيق في طريق مكة من التصدق عنه لمجرد الجهل بمكانه مع أنه عارف بشخصه فيكون التصدق عنه حينئذ نوعاً من الإيصال إليه فإنه وإن لم يصل إليه عين المال إلا أنه وصل إليه ثواب التصدق به[5].

وسهم الإمام عليه كذلك حيث إن الإمام ـ عليه السلام ـ الإمام المهدي وإن كان معلوماً عنواناً ويعرف باسمه ونسبه محمد بن الحسن العسكري لكنه مجهول بشخصه ومكانه فلا يعرفه المكلف وإن رآه فضلاً عما إذا لم يره فلا يمكنه إيصال المال إليه فيتصدق فيتصدق بسهم الإمام عن الإمام ـ عليه السلام ـ على بني هاشم وغيرهم[6].

وفيه: إن التصدق عن الإمام ـ عليه السلام ـ بسهمه وإن كان وجيهاً في الجملة لكنه مبتلى بإشكال إذ أن دليل التصدق عن المال المجهول مالكه لا إطلاق له بل يمكن أن يدعى أن أدلة مجهول المالك منصرفة عن سهم الإمام ومثل هذا المقام فإن المال الذي لا يمكن إيصاله إلى مالكه يتصدق عنه وهو نوع من الإيصال إيصال ثواب التصدق إلى مالكه الواقع لكن لا إطلاق لدليل التصدق لكي يشمل صورة وجود مصرف يحرز رضا المالك بالصرف فيه.

فلو كان لدينا مال وصاحب المال قد غاب ومرض ولده ودار الأمر بين أن ندفع المال لعلاج ولده وبين أن نتصدق بالمال عن مالكه، فهل مالك المال يرضى أن تتصدق بماله ولا تعالج ولده؟! إن أدلة مجهول المالك منصرفة عن مثل هذا المورد بل لابد أن تصرف المال في مورد تحرز فيه رضا صاحب المال فلو مرضت زوجته أو ولده أو انهدم بيته أو تلفت دابته فإن صرف هذا المال في احتياجاته الخاصة أولا من التصدق بالمال عن مالكه الأصلي، فأدلة التصدق بمجهول المالك منصرفة ولا إطلاق لها ولا تشمل هذا المورد.

وأما رواية يونس المتضمنة للتصدق عن من لم يمكن إيصال المال إليه فيها:

أولاً إنها قضية في واقعة ويرد علمها إليهم ـ صلوات الله عليهم ـ .

وثانياً هي أيضاً منصرفة عن هذه الصورة بالضرورة فسهم الإمام ـ عليه السلام ـ والتصرف فيه لا تشمله رواية يونس وهي منصرفة عنه.

إذاً القول الأول ليس بتام، فلا يتعامل مع سهم الإمام ـ عليه السلام ـ معاملة المال المجهول مالكه.

القول الثاني وهو المشهور والمعروف الآن بين المعاصرين أن يصرف سهم ـ عليه السلام ـ في موارده يحرز فيها رضا الإمام ـ عليه السلام ـ قطعاً أو اطمئناناً بحيث كان الصرف في تلك الجهة مرضياً عنده، كالمصالح العامة لخدمة المسلمين، وما فيه تشييد للدين ودعائم الشريعة وبث أحكام الشرعية، وهناك موردان مهمان نطمئن إن لم نقطع أن الإمام يرضى أن يصرف سهم الإمام فيهما.

المورد الأول ترويج الدين والشريعة وتعليم الأحكام.

المورد الثاني فقراء الشيعة، فإن الإمام ـ عليه السلام ـ لا يرضى أن يبقى شيعته فقراء، ولا يرضى أن تندرس معالم الشريعة، لذلك ذهب الفقهاء على دفع سهم الإمام في الحوزات العلمية وإقامة الدروس لتعليم الأحكام الشرعية هذا مورد نقطع برضا صاحب العصر والزمان فيه، وكذلك فقراء الشيعة.

ومقتضى القاعدة هو وجوب صرف أموال المنوب عنه في مثل هذه الموارد، فإنه إذا كان لشخصٍ مالٌ عند شخص آخر، وهذا الشخص الآخر لا يمكنه إيصال المال لصاحب المال الأصلي، وكان أهل صاحب البيت صاحب المال فقراء أو كانت له دار تشرف على الخراب أو ولده مريض أو يحتاج إلى تعليم فإن من عنده المال يعلم بأن صاحب المال يرضى بصرف المال في حفظ أهله أو إصلاح داره وحينئذ لا تصل النوبة إلى جواز التصدق عن صاحب المال.

فالصرف على هذه الموارد التي يحرز فيها رضا صاحب المال هو بمنزلة إيصال المال إلى صاحب المال بخلاف التصدق فإنه ليس إيصال للمال بل إيصال لثواب التصدق بالمال إلى صاحب المال فمع التمكن من الصرف فيما يرضى به المالك لم يدل دليل على جواز التصرف بنحو التصدق، وليس لدليل التصدق في موارد مجهول المالك إطلاقٌ يشمل هذا المورد ويشمل المقام بل لا يجوز ذلك، والمتصدق غير معذور لعدم الإذن من المالك المجهول ولا من وليه وهو الإمام ـ عليه السلام ـ فإنه لم يأذن بذلك لما عرفت من عدم إطلاق دليل الصدقة، لا يوجد دليل خاص يقول تصدق به عنه.

والمقام وهو مصرف سهم الإمام من هذا القبيل فإننا نقطع أو نطمئن بأن الإمام ـ عليه السلام ـ يرضى بصرف سهمه فيما فيه حفظ الدين وإعلاء كلمة الله وترويج الشريعة المقدسة فإنها تقع في المرتبة الأولى في الأهمية بلا ريب فالأئمة ـ عليهم السلام ـ قد بذلوا مهجهم وسفكت دمائهم من أجل الله وحفظ شريعة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فالأولى هو الصرف في الموارد التي يرضى فيها الإمام.

لذلك مورد سهم الإمام لا يشترط فيه الفقر بخلاف سهم السادة يشترط فيه الفقر لكن سهم الإمام يشترط فيه رضا صاحب العصر ولذلك قد يعطى حتى للغني، مثلاً: لو هذا عالم وغني ولكن له خدمات وبحاجة إلى التكريم، هل يجوز أن تكرمه من سهم الإمام ـ عليه السلام ـ؟ لا شك أن الإمام يرضى أن تكرم مروج الشريعة.

ثم إذا زاد عن ذلك صرف في مصالح أقارب الإمام ـ عليه السلام ـ من السادة الفقراء لسد حوائجهم إذا لم يكفهم سهمهم كما كان الأئمة ـ عليهم السلام ـ يفعلون في حال حضورهم ثم الصرف على مطلق الفقراء المؤمنين والمصالح العامة، وهذا هو القول المشهور بين الفقهاء والمعتمد عليه في الفتاوى.

وهذا وجه وجيه لا غبار عليه.

إذا المناط والمدار في صرف سهم الإمام ـ عليه السلام ـ هو إحراز رضا صاحب العصر والزمان هذا تمام الكلام في الحكم الأول.

الحكم الثاني هل هذا الصرف يشترط فيه إذن نائب الإمام وهو المجتهد الجامع للشرائط أو لا؟ هل يجوز للمكلف بنفسه أن يصرف في مصارف ترضي صاحب العصر أم لابد من إيصال المال إلى نائب الإمام أو الصرف بإذنه؟

الحكم الثانية يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

[1]  الحدائق الناظرة، ج 12، من ص 437 إلى ص 444.

[2]  تهذيب الأحكام، ج 4، ص 97، الحديث 323.

وسائل الشيعة، ج 9، ص 475، الباب 50 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

[3]  من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج 2، ص 73، الحديث 1767.

وسائل الشيعة، ج 9، ص 476، الباب 50 من أبواب الصدقة، الحديث 3، مع اختلاف يسير.

[4]  وسائل الشيعة، ج 9، ص 553، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ـ عليه السلام ـ ، الحديث 21.

[5]  تهذيب الأحكام، ج 6، ص 344، الحديث 11189.

وسائل الشيعة، ج 25، ص 450، الباب 7 من كتاب اللقطة، الحديث 2.

[6]  جواهر الكلام، ج 16، ص 177.

00:00

29

2024
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 200 الجلسة

29

مايو | 2024
  • الكتاب: دروس خارج الفقه
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
200 الجلسة