خارج الفقه
شیخ الدقاق

195 - اعتبار الرجوع في سهم الإمام إلى الحاكم الشرعي

خارج الفقه

  • الكتاب: دروس خارج الفقه
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

29

2024 | مايو

2 ذو القعدة 1445
11 مايو 2024

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 اعتبار الرجوع في سهم الإمام إلى الحاكم الشرعي

الحكم الثاني اعتبار الرجوع في سهم الإمام ـ عليه السلام ـ إلى الحاكم الشرعي، وهو المجتهد الجامع للشرائط، بالإيصال إليه أو الدافع إلى المستحقين بإذنه.

وقد ذهب إلى هذا القول المحقق الحلي صاحب الشرائع، والعلامة الحلي، والشهيد الأول، والشهيد الثاني بل أكثر الفقهاء، ونسب إلى بعضهم كالشيخ المفيد ـ قدس الله نفسه الزكية ـ عدم الاعتبار، ومال إلى كلام الشيخ المفيد سيد المستمسك[1] السيد محسن الحكيم ـ رحمه الله ـ حيث قال:

«الأحوط الدفع إلى المجتهد الجامع للشرائط، وإن كان أقوى جواز دفع المكلف سهم الإمام ـ عليه السلام ـ في الأمر الذي يحرز فيه رضاه».

وقد تطرق السيد محسن الحكيم[2] إلى الأقوال المختلفة التي تطرقنا إليها في الحكم الأول، وأنه كيف يصرف سهم الإمام ـ عليه السلام ـ فقد صال وجال السيد الحكيم في بيان الأقوال المختلفة في كيفية مصرف سهم الإمام ـ عليه السلام ـ في زمن الغيبة، ولا داعي لإطالة البحث فيها[3].

يمكن مراجعة المستمسك والحدائق حيث ذكر قرابة أربعة عشر قولاً، وكذلك يراجع بشكل ملخص الواضح في شرح العروة الوثقى حيث ذكر الشيخ محمد الجواهري عشرة قولاً من هذه الأقوال، والعمدة هو ما رجحناه من أن سهم الإمام ـ عليه السلام ـ يصرف فيما يحرز فيه رضاه لأنه غائب، ولا يجوز التصدق عنه إلا بإذنه، والقدر المتيقن من جواز التصرف هو أن تتصرف في سهمه في الأمر الذي تحرز فيه رضاه، هذا تم في الحكم الأول.

وأما في الحكم الثاني فلو أحرزنا رضا صاحب العصر ـ أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ـ فهل يجوز للمالك والمكلف دفع سهم الإمام ـ عليه السلام ـ إلى مورده مباشرة؟ أم لا بد من استئذان الإمام وفي حال غيبته لا بد من الرجوع إلى نائبه أو الاستئذان منه؟

ونائبه في الغيبة الكبرى هو الفقيه الجامع للشرائط.

وقد ذهب المشهور إلى لزوم الاستئذان خلافاً للشيخ المفيد الذي ذهب إلى الجواز، واستدل للقول المشهور بوجهين:

الوجه الأول إن الرجوع إلى الفقيه أو الاستئذان منه هو مقتضى القاعدة، فبناءً على تعلق الخمس بالعين على نحو الإشاعة وهو ما نبني عليه ويبني عليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ أو الكلي في المعين كما يبني عليه صاحب العروة أو على نحو الشركة في المالية كما يبني عليه شهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ .

فإنه على هذه المباني الثلاثة ليس للشريك حق التعيين والفرز إلا مع إذن الشريك الآخر، وشريك مالك المال هو الإمام المعصوم، وفي حال غيبته يتولى ذلك نائبه في عصر الغيبة وهو الفقيه الجامع للشرائط.

فقد دلت الأدلة على أن للفقيه الولاية على ذلك لكونه نائباً من قبل الإمام الغائب ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أو لا أقل إن للفقيه حق التولي على مال الغائب، له ولاية على أموال القصر والأيتام والغائبين وبقية الأمور الحسبية التي يحتسبها الشارع المقدس عليه كتولي أمور القصر والمجانين والغائبين.

وبناءً على ذلك لابد من الاستئذان من المجتهد الجامع.

وفيه:

أولاً عدم التسليم بوجوب مراجعة الحاكم الشرعي في الفرز والتقسيم لما ورد في الزكاة من أن للمالك حق الفرز معللاً بأنه أعظم الشريكين، ونتمسك بعموم التعليل الوارد في أدلة الزكاة وهذه العلة تأتي في الخمس حيث أن أربعة أخماس المال تكون للمالك أي ثمانين في المئة للمالك، وعشرين في المئة سهم الإمام المعصوم، أو الخمس، فروايات الزكاة فيها تعليل عام يشمل الخمس وما نحن فيه.

وثانياً لو تنزلنا جدلاً، وافترضنا تمامية هذا الوجه، وأنه على القاعدة لا يحق للشريك الفرز إلا بعد أخذ إذن شريكه، فهذا غاية ما يستفاد منه اعتبر واشتراط مراجعة الحاكم في خصوص الفرز والتقسيم، ولا يستفاد منه اعتبار ذلك في الإعطاء.

مضافاً إلى أن المستفاد من روايات الباب الواردة في الخمس أن للمالك حق التعيين والفرز، حيث إن أصحاب الأئمة ـ عليهم السلام ـ كانوا يعملون بذلك، ولربما يكشف عن أن هذا الحق حق الفرز كان مرتكزاً عندهم ولم ينكر الأئمة عليهم ذلك بل ورد التقرير من الأئمة كما في روايات مسمع بن عبد الملك وغيرها.

إذاً الوجه الأول ليس بتام.

الوجه الثاني وهو العمدة إن مقتضى القطع أو الاطمئنان برضا المعصوم ـ عليه السلام ـ بالصرف في مورد وتسويغ الصرف فيه بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي، إلا أن إحراز رضا الإمام المعصوم مشكلٌ نظراً لاحتمال أن يكون الصرف مشروطاً ومنوطاً بإذن نائب الإمام ـ عليه السلام ـ ، فلا يكفي مجرد كون المورد من موارد صرف سهم الإمام، فلربما تشترط خصوصية إضافية، فعلاوة على كون المورد من موارد صرف سهم الإمام ـ عليه السلام ـ لابد من إذن نائب الإمام المعصوم، وهو المجتهد الجامع للشرائط في عصر الغيبة.

فكما يكون التصرف في الخمس في عصر حضور المعصوم منوطاً بإذن نفس الإمام المعصوم يحتمل أيضاً أن يكون في عصر الغيبة التصرف منوطاً بإذن نائب الإمام المعصوم.

وهذا الاحتمال لا دافع له، وهو كافٍ في القول بلزوم الاستئذان عقلاً للزوم الاقتصاد في الخروج عن حرمة التصرف في مال الغير على القدر المتيقن، والقدر المتيقن من جواز التصرف في سهم الإمام هو صرفه في مورد يحرز فيه رضا صاحب الأمر وإذ نائبه، وأما صرفه في مورد يرضاه صاحب الأمر لكن مع عدم إذن نائبه فهو مورد للشك.

بيان ذلك بشكل مفصل:

ما هو منشأ الشك في احتمال اشتراط إذن نائب المعصوم ـ عليه السلام ـ يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول أن يكون منشأ الشك هو الترديد في تمامية أدلة ولاية الفقهية، وله وجه ذكره المحقق الهمداني صاحب مصباح الفقيه ـ رحمه الله ـ ، وحاصل ما ذكره، ويراجع كلام شيخنا الأستاذ الداوري[4] أنه إذا قلنا باقتضاء عمومات النص قيام الحاكم مقام الإمام ـ عليه السلام ـ فيما يرجع إليه ولو فيما يتعلق به ـ عليه السلام ـ من جمع أمواله من الخمس والأنفال ونحوهما وصرفها في موردها، كما يظهر بالتدبر في التوقيع المروي في إرجاع عوام الشيعة إلى الفقيه المتمسك برواياتهم، أن الفقيه بمنزلة الإمام ـ عليه السلام ـ فيما يرجع إليه حتى في ضبط أمواله حيث إنه المنصوب من قبل ـ عليه السلام ـ، وحكمه حكم الوكلاء في زمن حضور المعصوم، فلابد من الرجوع إليه في الاستجازة في الصلاة.

وإذا شك في ذلك فيكفي في المقام الشك لأن جواز التصدق أو الصرف موقوف على إحراز رضا الإمام ـ عليه السلام ـ بذلك، فإذا شك في الإحراز فإن مقتضى الأصل حرمة التصرف في المال بدون إذن الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ .

ثم يعلق شيخنا الأستاذ الداوري، ويقول: «وهذا الوجه لا بأس به، وقد فصلناه في بحث ولاية الفقيه في كتابنا التقية[5]، ومقتضى ذلك عدم الفرق بين أن يكون الفقيه هو الأعلم أو غيره كما يظهر ذلك من الماتن وكثير من المعلقين على المتن، وإذا كانت هذه الحصة من المال هي حصة لمنصب الإمامة لا للإمام ـ عليه السلام ـ نفسه» أي ملك للمنصب وليست ملكاً لشخص الإمام «فلابد من إعطائها إلى الفقيه الذي بيده الأمر أو تصرف بإذنه وتحت نظره».

أقول: هذا الكلام تام على مبنانا، إذ ذهبنا إلى ثبوت ولاية الفقيه المطلقة فضلاً عن الولاية العامة، والمراد بولاية الفقيه المطلقة أن مطلق ما يثبت للمعصوم ـ عليه السلام ـ فيما يخص الاجتماع والسياسة والحكم يثبت للفقيه في عصر الغيبة إلا ما خرج بالدليل، فبحكم أدلة ولاية الفقيه لا نحتاج إلى أدلة خاصة لإثبات الموارد المختلفة للفقيه بل نحتاج إلى دليل ينفي، مثال ذلك: هل يحق للفقيه في عصر الغيبة الإذن بالشروع في الجهاد الابتدائي أو لا؟

ذهب المشهور إلى أن الفقيه لا يثبت له حق الجهاد الابتدائي وإنما يصح له الجهاد الدفاعي فقط، وخالف في ذلك السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ فقال: الفقيه المقيدة من جهة الأمور الحسبية، لكن تم الدليل عنده على أن للفقيه حق الجهاد الابتدائي.

والعكس بالعكس بالنسبة إلى السيد الإمام الخميني، فقد ذهب إلى ولاية الفقيه المطلقة وأن مطلق ما يثبت للإمام المعصوم بالنسبة إلى الاجتماع والسياسة يثبت للفقيه في عصر الغيبة من دون حاجة إلى دليل خاص إلا إذا قام الدليل الخاص على النفي والعدم.

وقد ذهب الإمام الخميني إلى ولاية الفقيه المطلقة من جهة، وإلى أن الفقيه في عصر الغيبة لا يحق له الجهاد الابتدائي نظراً لأن المشهور لم يذهبوا إلى جواز جهاد الابتدائي الفقيه في عصر الغيبة.

وأما الإمام القائد الخامنئي فقد إلى الولاية العامة من جهة، وذهب أيضاً إلى أنه يثبت للفقيه حق الجهاد الابتدائي.

الخلاصة:

أدلة ولاية الفقيه المطلقة وليس العامة إذا ذهبنا إلى ولاية الفقيه العامة يعني مقتضاها أن الدليل دلّ على أن للفقيه ولاية وسلطة في الشأن العام، لكن حدود الشأن العام تحتاج إلى دليل، فمن ذهب إلى ولاية الفقيه العامة لا يمكن أن يتمسك بأدلة ولاية الفقيه العامة على إثبات الجزئيات المختلفة، بل يحتاج إلى دليل خاص لإثبات العمومية.

لكن من ذهب إلى ولاية الفقيه المطلقة فإن لا يحتاج إلى إثبات دليل خاص في الموارد المختلفة، يكفي نفس أدلة ولاية الفقيه المطلقة التي أثبتت وعدت مطلق ما ثبت للمعصوم في عصر الحضور فهو ثابت لنائبه الفقيه في عصر الغيبة إلا ما خرج بالدليل.

فبناءً على ولاية الفقيه العامة إثبات الشيء يحتاج إلى دليل، وبناءً على ولاية الفقيه المطلقة نفي الشيء يحتاج إلى دليل، فهذا الوجه تام على مبنانا.

هذا تمام الكلام في الاحتمال أن يكون منشأ الشك في عدم جواز التصرف من دون أخذ إذن الفقيه هو اشتراط إذنه وشمول أدلة ولاية الفقيه له.

الاحتمال الثاني لمنشأ الشك هو كون الحاكم الشرعي اعرف بموارد رضا صاحب العصر والزمان كما ذكر فيلزم الاستئذان منه.

وفيه: تارة يراد الكبرى وتارة يراد الصغرى، فإن أريد الصغرى وهو أن الفقيه اعرف من المكلف بالموارد الجزئية من فقراء ومساكين وأيتام فقد يقال بالعكس وهو أن المكلف هو صاحب المنطقة لعله اعرف بهذه الموارد الجزئية والصغريات من الفقيه، وقد يكون الفقيه اعرف، ولكن لعله في الغالب يكون المكلف اعرف بهذه الموارد المختلفة.

نعم، لو أريد الكبرى وهو أنه أصل صرف سهم الإمام في أصل مورد الصرف كصرفه في المساجد والحسينيات والمآتم، فهنا لا شك ولا ريب أن الفقيه أبصر واعرف من المالك والمكلف بذلك، أي أن تطبيق الضابطة وهي إحراز رضا صاحب العصر على أصل الموارد المختلفة هذا يكون فيه الفقيه أدق من غيره.

ومن هنا ذهب السيد السيستاني والسيد الخامنئي والسيد الإمام الخميني إلى عدم جواز صار سهم الإمام ـ عليه السلام ـ في بناء المساجد وبناء الحسينيات، مع أن العامي إذا قيل له: يجوز صرف سهم الإمام في المصالح العامة فإنه يقول: المسجد والحسينية من المصالح العام التي يجوز فيها الصلاة، لذلك يرجع إلى الفقيه ويلزم العامي أن يرجع إلى الفقيه لمعرفة موارد الصرف من جهة الكبرى وهو الحكم الشرعي.

وأما لزوم لزوم الاستئذان منه في الصرف في الصغريات والموارد المختلفة، فهذا الدليل لا يدل على لزوم الاستيذان منه.

فإذا أخبر الفقيه بفتواه وأنه يجوز الصرف على طالب العلم المحصل والحوزات العلمية والفقراء والمساكين دون المساجد والحسينيات، فحينئذ لربما يكون العامي أخبر بأن هذا الطالب فقير أو هذا الطالب مجد ومتدين، وهذا المورد مورد رضا صاحب العصر والزمان، فيمكن للعامي أن يطبق فتوى الفقيه على الصغريات المختلفة ولا حاجة للاستئذان منه.

إذا بناءً على الاحتمال الثاني لا يثبت لزوم استئذان الفقيه، ولكن بناء على الاحتمال الأول وهو وجيه يلزم الرجوع إلى الفقير بنحو الفتوى، ولا أقل من موافق للاحتياط.

قال صاحب العروة:

«والأحوط له الاقتصار على السادة ما دام لم يكفهم النصف الآخر» أي أنه إذا لم يكفي سهم السادة لسدّ حاجة فقراء السادة فإن الأولى في صرف سهم الإمام المتبقي على خصوص السادة.

وضابط ذلك أنه إذا دار الأمر بين إعطاء خصوص السادة وبين بقية الموارد، في حالة عدم كفاية سهم لسد حاجة فقراء السادة، فحينئذ نقول: الميزان في الصرف هو إحراز رضا صاحب العصر والزمان، والمورد الذي يحرز فيه رضا صاحب العصر والزمان أكثر هو المقدم.

ولكن إذا تساوت الاحتمالات، ولم تكن جهة مرجحة بحيث يقطع أو يطمئن بجواز الصرف فيها وبسببها فحينئذ يقتصر على القدر المتيقن لأنه لا يجوز التصرف في مال من دون إحراز رضاه، وحينئذ يرجح عند التساوي يرجح السيد على غيره لاحتمال أن يكون للقرابة والشرف مزيد دخل في رضاه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .

هذا تمام الكلام في مصرف سهم الإمام ـ عليه السلام ـ بكلا حكميه:

الحكم الأول أن يصرف فيما يوجب رضاه.

والحكم الثاني لزوم الاستئذان من نائبه الفقيه الجامع للشرائط.

يبقى الكلام في مصرف سهم السادة يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

[1]  المستمسك، ج 16، ص 331.

[2]  مستمسك العروة الوثقى، ج 16، ص 318 إلى 331.

[3]  المستمسك، والحدائق، ج 12، ص 431 و 437 إلى 444.

الواضح في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص 351، حيث ذكر الشيخ محمد الجواهري، أحد عشر قولاً من هذه الأقوال.

[4]  الخمس في فقه أهل البيت، ج 2، ص 374.

[5]  التقية في فقه أهل البيت، ج 2، ص 407.

00:00

29

2024
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 200 الجلسة

29

مايو | 2024
  • الكتاب: دروس خارج الفقه
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
200 الجلسة