خارج الفقه
شیخ الدقاق

199 - براءة الذمة بقبض الحاكم الشرعي للخمس

خارج الفقه

  • الكتاب: دروس خارج الفقه
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

29

2024 | مايو

18 ذو القعدة 1445
27 مايو 2024

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

براءة الذمة بقبض الحاكم الشرعي للخمس

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى المسألة الخامسة عشر:

«لا تبرأ ذمته من الخمس إلا بقبض المستحق أو الحاكم سواء كان في ذمته أم في العين الموجودة، وفي تشخيصه بالعزل إشكال».

يقع الكلام في نقطتين:

النقطة الأولى ولاية المالك على تقسيم الخمس، والظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في أن المالك له الولاية على تقسيم ماله وتعيين الخمس منه، وقد نقل المحقق النراقي في مستند الشيعة الإجماع[1].

والولاية على التقسيم تستفاد من الروايات الشريفة خصوصاً التعليل الوارد في روايات الزكاة من كون المالك هو الشريك الأعظم، كما أن السيرة العملية للمتشرعة قائمة على أن مالك المال له أن يعين الخمس من أي مال شاء من أمواله، ولا يجبره المستحق أو الحاكم الشرعي على إخراج الخمس من مال دون مال.

وخلاصة النقطة الأولى: إن مالك المال الذي حصته أعظم ثمانين في المئة له الولاية على التقسيم فهو مخير في إخراج الخمس من أي مال من أمواله ولا يلزمه الحاكم الشرعي أو المستحق بتعيين مال دون مال.

النقطة الثانية ولاية المالك على فرز المال وتشخيص الخمس.

وقد انتهينا في النقطة الأولى من إثبات ولاية المالك على التقسيم فإذا قسم ماله وفرز مقدار الخمس من مال معين، فهل يتشخص هذا المال المفروز في أنه خمس بحيث إذا تلف المال من دون تعدٍ ولا تفريط قبل وصوله إلى الحاكم الشرعي المستحق فحينئذٍ لا يثبت الضمان على المالك.

وقد وقع الخلاف في ولاية المالك على الفرز وتشخيص الخمس، ويمكن أن تذكر ثلاثة أقوال:

القول الأول عدم تشخص الخمس بفرز المالك له، والظاهر من صاحب العروة وأكثر المحشين على متنها الإشكال في تحقق التشخص، إذ قال صاحب العروة ما نصّه: «وفي تشخيصه» أي الخمس «بالعزل إشكالٌ».

والوجه في ذلك:

أنه لم يقم الدليل على ثبوت حقّ تشخيص الخمس للمالك. نعم، ورد ذلك في باب الزكاة فإنها تتعين بمجرد عزل المال والنية على أنه زكاة، لكن إلحاق الخمس بباب الزكاة في جميع الحيثيات ليس بتام ويحتاج إلى دليل.

أي في باب الخمس إلحاق الخمس بـ باب الزكاة لأنه في باب الزكاة تتعين بمجرد الفرز والعزل فهل يتعين بمجرد العزل فيلحق الخمس بباب الزكاة؟ الأصل عدم ثبوت الخمس بمجرد العزل، ولا تبرأ ذمة المالك إلا بعد وصول المال إلى المستحق أو الحاكم الشرعي.

القول الثاني ثبوت حق تشخيص الخمس بفرز المال للمالك، وهذا ما يظهر من جماعة منهم صاحب المستند الشيخ أحمد النراقي[2]، والسيد عبد الهادي الشيرازي ـ رضوان الله عليه ـ[3]

ولعل الوجه هو إلحاق الخمس بـ باب الزكاة، وهذا ليس بتام عندنا، أو الاستدلال عليه بالروايات الدالة على التقسيم وإرسال المال إلى الأئمة ـ عليهم السلام ـ .

وفيه أنها ظاهرة في إذن الأئمة ـ عليهم السلام ـ لا أنهم بمجرد الفرز يتشخص الخمس، وقد يستدل بالسيرة العملية القائمة على ذلك، لكن في هذه السيرة العملية لكن في ثبوت هذه السيرة العملية تأملٌ، فهذه الوجوه الثلاثة كلها قابلٌ للمناقشة.

القول الثالث التفصيل بين عدم وجود المستحق في البلد فللمالك حينئذ الولاية على الفرز وتشخص الخمس، وبين وجود المستحق في البلد فلا يثبت حق الفرز وتشخيص الخمس للمالك، وهذا التفصيل صريح السيد أبو الحسن الأصفهاني ـ رحمه الله ـ في تعليقته على العروة الوثقى[4]، وصريح أيضاً السيد عبد الأعلى السبزواري[5].

وقد قوى شيخنا الأستاذ الداوري هذا القول الثالث الذي فيه تفصيل بين وجود المستحق وعدمه إذ قال ـ حفظه الله ـ ما نصّه:

«والظاهر أنه الأقوى لما تقدم من أن المستفاد من التعليل الوارد في نقل الزكاة إذا تلفت بأنه خرج من يده فإنه يشمل الخمس أيضاً، ومقتضى الجمود على هذه الرواية المصير إلى عدم الضمان لو فرز المال ثم نقله، ولا يبعد القول بعدم الخصوصية للنقل، وأنه إذا لم يوجد المستحق وقام المالك بعزل المال حتى يوصله إليه عند تمكنه إما بالنقل أو بوجه آخر فإنه يصدق عليه أنه أخرجه من يده، وحينئذ يتشخص الخمس ويتعين خارجاً وليس عليه الضمان لو تلف»[6].  

أقول الصحيح هو القول الأول خصوصاً على مبنانا من ثبوت الولاية العامة بل المطلقة للفقيه الجامع للشرائط، وحينئذ لا يتعين المال بمجرد فرز وعزل الخمس بل يتعين الخمس ويتشخص المال في كونه خمساً إذا أذن الفقيه أو قبض الفقيه الجامع للشرائط.

وأما قياس الخمس على الزكاة فهو قياس مع الفارق إذ دلّ الدليل في كتاب الزكاة على أن المالك له ولاية على الفرز وبعزله لمقدار الزكاة فإنها تتعين وتتشخص، ولا يوجد عندنا دليل صريح في الخمس يدل على تشخصه بمجرد العزل.

فالصحيح أنه لم يثبت لدينا دليل يدل على تشخص الخمس بمجرد عزله تمسك بالتعليل.

لكن هذا التمسك ليس بتام يحتاج إلى قلب جسور وضرسٍ قاطع حتى يعدي، من قال أنه بمجرد عزله يرى العرف أنه خرج من يده؟!

الآن إذا نرجع إلى العرف وشخص عنده أموال، قال: هذا المقدار لابني الأكبر وهذا المقدار لابني الأصغر من دون أن يقبض الابن الأكبر أو الأصغر ثم بعد ذلك عدل، وقال: لا أنا غيرت الخطة، هل العرف يعاتبه ويقول له أنك بمجرد أن عزلت المال للابن الأكبر خرج من يده؟ لا يرى العرف أنه خرج من يده.

في كتاب الزكاة قلنا خرج من يده للروايات التي دلت على أنه بمجرد العزل تتشخص الزكاة ولا يوجد هكذا دليل في كتاب الخمس، فالتمسك بعموم التعليل لا يمكن المساعدة عليه لعدم تحقق الصغرى، من قال بمجرد العزل يرى العرف أنه هذا المال قد خرج من يديه.

هذا تمام الكلام في المسألة الخامسة عشر.

المسألة السادسة عشر:

«إذا كان له في ذمة المستحق دينٌ جاز له احتسابه خمساً، وكذا في حصة الإمام ـ عليه السلام ـ إذا أذن المجتهد».

هذه المسألة تتطرق إلى احتساب الدين خمساً، ويوجد في المسألة قولان:

القول الأول الجواز ويظهر من كثير من الأعلام ومنهم صاحب العروة الذهاب إلى جواز احتساب الدين خمساً.

القول الثاني عدم الجواز بل لا بد من القبض والإقباض أو الإذن من الحاكم الشرعي وهو الصحيح وهو الظاهر من جماعة منهم السيد محسن الحكيم[7] ـ رضوان الله عليه ـ، وذهب إلى ذلك أيضاً سي

 أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[8] ـ رحمه الله ـ .

والذي يظهر من مستمسك السيد الحكيم الإشكال في ذلك بالنسبة لحصة سهم السادة من الخمس، واستدل على ذلك بأن الاحتساب إيقاع لا تمليك، ولذا فإنه لا يتوقف على القبول مع أن الظاهر أن اللام في الآية المباركة للملك وأنه لابد من أن يملك المستحق، وعلى هذا فجواز الاحتساب يتوقف على أحد أمور ثلاثة ليست تامة بنظر السيد الحكيم:

الأول أن تكون اللام للمصرف لا للملك إذ يكفي في الصرف إبراء الذمة وإسقاط ما فيها وهذا خلاف ولا سيما بقرينة السهام الراجعة إلى الإمام ـ عليه السلام ـ .

الثاني أن تكون اللام للملك لكن المالك لما كان هو الطبيعة فالمالك أو الفقيه بحسب ولايته على المال المذكور يصرفه في مصالح الطبيعة، ومنها إبراء الذمة لبعض أفرادها.

وفيه أن ثبوت هذه الولاية المطلقة لا دليل عليه وإنما الثابت هو الولاية على تطبيق الطبيعة على الفرد وبعد التطبيق المذكور يدفع إليه ملكه نظير تطبيق الكلي المملوك على الفرد المعين.

إذاً الثاني ليس بتام.

الثالث البناء على صحة عزل الخمس في المال الذي في الذمة، وبعد تطبيق المستحق الكلي على الذمة يسقط المال قهراً، لكن عرفت الإشكال في جواز عزل الخمس في المال الخارجي فضلاً عن المال الذي في الذمة، ومن ذلك يظهر الإشكال في جواز الاحتساب في هذا القسم من الخمس.

نعم، يبعد ذلك في سهم الإمام ـ عليه السلام ـ بعدما عرفت من اعتبار الرضا إذ معه يصح إبراءه على أن يسقط منه بمقداره» انتهى كلامه زيد في علو مقامه[9].

تمام الكلام في استدلال السيد محسن الحكيم.

وأما السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ فقد استدل بوجه آخر وهو أسهل وأوضح من كلام السيد الحكيم ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ إذ قال ـ قدس سره ـ ما نصّه:

«مقتضى ما تقدم من ظهور أدلة الباب في تعلق الخمس بعين المال عدم الاجتزاء بالأداء من مال الآخر، وعدم الولاية للمالك عليه إلا ما أثبته الدليل» إلى أن يقول: «وقد ثبت به ولايته على التبديل بمال آخر عيناً نقداً كان أم عروضاً أو بالناقل خاصة من درهم أو دينار أو ما يكون مقامهما من النقود على الخلاف المتقدم.

أما ولايته على احتساب الدين خمساً بجعل ماله في ذمة المستحق خمساً بدلاً من الخمس المتعلق بالعين فهو يحتاج إلى دليل ولم يرد عليه دليل في المقام كما ورد في الزكاة»[10].

وقد أجيب عن كلا الوجهين بأنه ورد في قرب الإسناد عن يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي عبدالله ـ عليه السلام ـ : عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فاشتري لهم منها ثياباً وطعاماً وأرى أن ذلك خير لهم، فقال: لا بأس»[11].

والمستفاد منها جواز الصرف على المستحق إذا كان ذلك أنفع لحاله، وبناء على التعميم والشمول للخمس يقال: إنه إذا كان الصرف عليه أنفع جاز التبديل والصرف المذكور بما هو أنفع سواء كان بعين كالثياب والطعام، أو بتفريغ الذمة المستحق إذا كان ذلك أنفع له كما لعله الغالب أن تبريه الذمة أفضل له وتسقط دينه، وعليه يجوز الاحتساب بلا إشكال».

وقد ناقش هذا شيخنا الأستاذ الداوري[12] بمناقشتين:

الأولى أن ما ورد من قوله: «وأرى أن ذلك خير لهم جاء» في كلام السائل لا في كلام الإمام ـ عليه السلام ـ حتى يصلح للتعميم، فلعله مختص بباب الزكاة أو كان الجواب بنفي البأس لخصوصية في السائل وإلحاق الخمس بالزكاة محل نظر، وقد تقدم الكلام فيه.

الثاني أن الرواية ظاهرة في الصرف على المستحق بعد إخراج الزكاة، يعني أولاً أخرج الزكاة المال ثم بدل أن يدفع إلى المستحق نقداً دفع له عيناً، فالرواية ظاهرة في تعين القيمة لا في الصرف عليه من الزكاة ووقع التبديل للقيمة أولاً ثم اشترى بها ما ذكر بعد تعينها فيها، فمقتضى القاعدة عدم جواز الاحتساب بل مقتضى القاعدة لابد من القبض والإقباض. نعم، إذا اجاز الفقيه أو الحاكم الشرعي من باب الولاية العامة إذا قمنا بثبوتها ونحن نلتزم بثبوت الولاية المطلقة فضلاً عن العامة أو من باب ولاية الفقيه من باب الحسبة فحينئذ إذا احتسب الفقيه ما في ذمة المستحق خمساً فرغت ذمة المستحق من ذلك الدين، وإن أردنا الاحتياط فالأحواط هو تحقق القبض والإقباض لكنه ليس بلازم، والله العالم.

المسألة السابعة عشر يأتي عليها الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

[1]  مستند الشيعة، ج 10، ص 138.

[2]  مستند الشيعة، ج 10، ص 138.

[3]  تعليقة العروة الوثقى، ج 4، ص 312، التعليقات الخمسة عشر، طبعة جماعة المدرسين.

[4]  العروة الوثقى، ج 4، ص 312، طبعة جماعة المدرسين، التعليقات الخمسة عشر.

وتراجع أيضاً طبعة مؤسسة السبطين العالمية التعليقات 41، ج 11، ص 202.

[5]  العروة الوثقى، ج 12، طبعت مؤسسة السبطين العالمية، ص 203.

[6]  الخمس في فقه أهل البيت، ج 2، ص 395.

[7]  مستمسك العروة، ج 16، ص 341، تحقيق السيد محمد القاضي.

[8]  المستند في شرح العروة الوثقى، ج 25، ص 343 و 344.

[9]  مستمسك العروة الوثقى، السيد الحكيم، ج 16، ص 343 و 344.

[10]  المستند في شرح العروة الوثقى، ج 25، ص 344.

[11]  قرب الإسناد، ص 49، الحديث 159.

وسائل الشيعة، ج 9، ص 168، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 4.

[12]  كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج 2، ص 398.

00:00

29

2024
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 200 الجلسة

29

مايو | 2024
  • الكتاب: دروس خارج الفقه
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
200 الجلسة