خارج الفقه
شیخ الدقاق

200 - جواز دفع العوض بدلاً عن العين مع وجودها

خارج الفقه

  • الكتاب: دروس خارج الفقه
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

29

2024 | مايو

19 ذو القعدة 1445
28 مايو 2024

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

جواز دفع العوض بدلاً عن العين مع وجودها

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى المسألة السابعة عشر:

«إذا أراد المالك أن يدفع العوض نقداً أو عروضاً لا يعتبر فيه رضا المستحق أو المجتهد بالنسبة إلى حصة الإمام ـ عليه السلام ـ وان كانت العين التي فيها الخمس موجودة، لكن الأولى اعتبر رضاه خصوصاً في حصة الإمام ـ عليه السلام ـ ».

تقدم الكلام في المسألة خمسة عشر وقلنا أن المالك له ولاية على التقسيم ولم تثبت له الولاية على الفرز وتشخص الخمس بمجرد العزل، وبمقتضى الولاية الأولى وهي ولايته على التقسيم فللمالك أن يعطي الخمس من أي جزء من أمواله، وله أن يخرج الخمس من نفس العين التي ثبت فيها الخمس، وله أن يخرج الخمس من مالٍ آخر إذا كان ذلك نقداً.

وقد استفدنا ذلك من الروايات الشريفة وسيرة المتشرعة.

هذا بالنسبة إلى الولاية على التقسيم، لكن الولاية على تبديل المال بجنس آخر فإنه وإن ثبت جوازه في الزكاة لورود النصّ به إلا أنه محل للخلاف في الخمس، والظاهر من أكثر الفقهاء القول بالجواز.

لكننا اخترناً تبعاً للسيد الخوئي وسيدنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري عدم الجواز[1]، فلا يجوز للمالك أن يبدله إلا إذا أجاز الحاكم الشرعي.

إذاً في المسألة يوجد قولان:

القول الأول وهو الجواز، وبناءً عليه يكون للمالك حقّ الاختيار في دفع العوض نقداً أو عروضاً، ولا يعتبر فيه رضا المستحق أو المجتهد أي الحاكم الشرعي، حتى لو كانت العين التي ثبت فيها الخمس موجودة.

وأما بناءً على القول الثاني وهو ما نبني عليه من لزوم أخذ أذن الفقيه الجامع للشرائط، فحينئذ لا يجوز للمالك تبديل الخمس من نقل إلى عروض أو مال آخر وإنما الخمس يثبت في خصوص العين التي ثبت فيها إخراجه من مال آخر أو من عينٍ مثل عروض هذا يحتاج إلى إذن.

المسألة ثمانية عشر:

«لا يجوز للمستحق أن يأخذ من باب الخمس ويرده على المالك إلا في بعض الأحوال كما إذا عليه مبلغ كثير، ولم يقدر على أدائه بأن صار معسراً، وأراد تفريغ الذمة فحينئذ لا مانع منه إذا رضي المستحق بذلك».

هذه المسألة قبل الأخيرة مسألة عملية: وهي أنه لو وجد سيدٌ فقير مستحق، وجاءه طالب علم مثلاً قد ثبت الخمس في داره، وهذا طالب العلم فقير لكن ثبت الخمس في داره، كما لو وهبه أباه داراً، وكان يقلد من يرى لزوم تخميس الهبة، ولم يستطع السكنى في تلك الدار إلا بعد خمس سنوات، فيكون الحول قد مرّ على تلك الدار بعد أن قبضها حينما وكل أخاه مثلاً.

فحينئذٍ بالنسبة إلى سهم الإمام ـ عليه السلام ـ يمكن للفقيه أن يحتسبه عليه، وهذا ما أخذناه في المسألة السابقة احتساب الدين خمساً.

ولكن بالنسبة إلى سهم السادة هل يجوز للسيد أن يقبض خمس الدار ويرجعه إلى هذا الشيخ الفقيه أو لا؟

وهذا ما يعبر عنه بالمداورة لأن المال يدور بين اليدين، فلو افترضنا أن الخمس ألف دينار فإنه يأخذ هذا الشخص يقترض له ألف دينار ويسلمها السيد بعنوان أنها خمس، ثم السيد يعطيها إياه بعنوان أنها هدية.

أو إذا ما عنده ألف دينار عنده مئة دينار ما راح اقترض عنده مئة دينار، يسلم السيد عشر مرات، عشرة في مئة ألف دينار، فالمال يدور بين اليدين لكن في الدفع يختلف العنوان، وهذا أيضاً هذا ما يسمى بالفارسية «دست گردان» يعني هذه اليد تدور.

وهذا ما يعمل في تحويل الخمس من العين إلى كلي في الذمة، فلو افترضنا أن شخصاً ثبت عليه خمس كبير مليون دينار ما يستطيع الآن يدفع مليون دينار، يأتي بمبلغ يقدمه على أنه خمس، مثلاً: عشر المليون، يقدمه إلى الحاكم الشرعي على أنه خمس.

الحاكم يرجعه إليه ويقبضه إياه على أنه قرض يقول: أقرضتك من بيت المال، وهكذا يدور المال عشر مرات.

صاحب المال يدفعه بعنوان أنه خمس، ولي الخمس يدفعه بعنوان أنه دين، فيتحول الخمس من العين التي هي الدار إلى كلي في الذمة، يقول له: اذهب الآن أنت مديون إلى بيت المال بمليون دينار، هذه بعض الوكلاء يعرفون هذه الأمور.

هنا تأتي هذه المسألة: هل يجوز للحاكم الشرعي أو لهذا السيد الهاشمي أن يقبل بأقل؟ مثلاً هو الخمس مليون دينار يتصالح معه أنت ائتي بربع المليون وأنا اعفيك منه ثلاثة أرباع المليون الباقية.

أو أحياناً ما يأخذ منه شيء مجاناً يأخذ منه عشر مرات ويرجعها له بعنوان أنها هبة لا بعنوان أنها دين.

أو أحياناً هبة معوضة عشر مرات يأخذها يرجعها يهبه بشرط أن يهبه قلماً.

فأخذ الخمس ورده على المالك مجاناً المعبر عنه بالمداورة وبالفارسية دستگردان أو المصالحة على الكثير بالقليل يتصالح وياه من مليون دينار إلى ألف دينار أو القبول بأزيد من القيمة كقبول ما يساوي عشرة بمئة، هل هذا جائز أو غير جائز؟

المشهور عدم جواز ذلك، وممن ذهب إلى عدم الجواز صاحب العروة، فلابد من ملاحظة الأقوال في المسألة ومدركها، والأقوال ثلاثة:

القول الأول عدم الجواز مطلقاً، وهذا ما يفهم من كلام صاحب العروة.

ووجه ذلك أن الخمس قد ثبت في الواقع، وقد تعلق ذمة المكلف بتمام الخمس، ولا يحق للمستحق أو الحاكم الشرعي أن ينقص ما ثبت في الذمة واقعاً.

القول الثاني عكس الأول الجواز مطلقاً، كما عن المحقق العراقي ـ رحمه الله ـ فإنه قال في تعليقته على العروة الوثقى[2] ما نصّه:

«لا أرى بئساً بذلك إذا كان عن طيب نفس، ولا يكون من باب المأخوذ حياء».

لا بأس ذكرنا خاطره لأحد أساتذتنا من السادة الفقهاء، يقول: شخص جاء لي بسهم السادة اقبضني، قال: لكن سيدنا أريد أزوج ولدي وبيتي خربان وا وا..

فقال السيد: بلاخره.. يبقى لنا فرد شيء لو لا؟!

فهذا يدفع له مجاناً يعني طبعاً إذا كان هذا السيد من شأنه أن يهب، أحياناً الشأن الاجتماعي هو فقير وليس من شأنه أن يهب، يصير مشكل.

القول الثالث وهو الصحيح وهو التفصيل بينما إذا كان فيه مصلحة للإسلام والمسلمين فيجوز لخصوص الحاكم الشرعي ذلك، وبينما إذا لم تكن هناك مصلحة فلا يجوز، فالجواز مختص بخصوص الحاكم الشرعي دون الفقيه.

وقد ذهب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى عدم الجواز إلا في صورة واحدة وهي الصورة المستثناة أنه فيها مصلحة، ولكن بقيد مهم وضابط مفاده: عدم فعل ما يوجب تفويت حق السادة وتضييعه[3]، وفي غير هذه الصورة لا يجوز لا بالنسبة إلى الفقير ولا بالنسبة إلى الحاكم.

والوجه في ذلك:

أما الفقير الهاشمي فلأنه ليس بمالك للمال قبل الأخذ فقبل القبض هو ليس بمالك، فكيف يصالح عما لم يملك؟! فلا ولاية للفقير على ذلك.

وأما الحاكم الشرعي فإنه وإن ثبتت له الولاية على الخمس قبل أن يقبض الخمس إلا أنها مقيدة بملاحظة المصلحة والغبطة للمولى عليهم وهم السادة النجباء، وهذه الغبطة مفقودة في المقام لأن مبلغ مليون دينار بحراني وليس عراقي أو مليون دولار أو يورو للسادة تشطبها في لحظة واحدة، وتفوت هذا المبلغ الضخم على فقراء السادة، هذا تفويت وتضييع بحق الفقير بلا وجود مصلحة.

نعم، قد توجد مصلحة وهذه رأيتها بنفسي شيخ فقير وهبوه بيتاً، وهذا البيت قد تعلق به الخمس وهو غير قادر على إخراج الخمس، فاحتسب عليه سهم الإمام لأنه شيخ ولم يكن سيداً، ولو كان سيد وعالم لانتهى الموضوع احتسبوا عليه سهم الإمام وسهم السادة، وأما بالنسبة لسهم السادة، فقالوا له: نحن لا نجيزك وتورط الرجل، كيف يعمل ذلك؟

ولا يجوز ارتكاب ما يوجب إضاعة الحق، لكن من الواضح أنه عند تفريغ رجل متدين تائب فقير عاجز عن أداء دينه هذا أمر مطلوب شرعاً ولا يعتبر تفويتاً لحق الفقراء من السادة.

هكذا أفاد بحقٍ السيد الخوئي[4] ـ رحمه الله ـ  وشيخنا الأستاذ الداوري[5] أفاد صورة أخرى فقال ما نصّه: ا

«وكذا إذا فرض أن المالك كان من أرحامه وكان الردّ إليه من شؤون المستحق كما في الأخوين أو الأخ والأخت وكان المعطي للخمس هو أصغرهما فإن من شؤون الأخ الأكبر أن يصرف على أخيه الأصغر منه أو على أخته التي هي أصغر منه في بعض مصارفها كالزواج أو الجهيزية عند الإيرانيين فالأخذ والرد بهذا العنوان جائز بلا ريب».

الخلاصة:

الأصل عدم الجواز إلا إذا توفر أمران:

أولاً عدم تفويت وتضييع حق السادة النجباء.

وثانياً إذا كان فيه مصلحة، فلا يجوز الاحتساب إلا باذن الحاكم الشرعي إن وجد مصلحة في ذلك، والله العالم.

المسألة التاسعة عشر والأخيرة من كتاب الخمس، وهي ناظرة إلى أخبار التحليل، قال صاحب العروة ـ رحمه الله ـ المسألة تسعة عشر:

«إذا انتقل إلى الشخص مالٌ فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه كالكافر ونحوه لم يجب عليه إخراجه فإنهم ـ عليهم السلام ـ أباحوا لشيعتهم ذلك سواء كان من ربح تجارة أو غيرها، وسواءً كان من المناكح والمساكن والمتاجر أو غيرها».

هذه المسألة ناظر إلى أخبار التحليل وهي كثيرة، وكيف نجمع بين الأخبار التي دلت على أن الأئمة قد حللوا المال لشيعتهم وبين أدلة وجوب الخمس؟ فهذه المسألة من مهمات مسائل الخمس.

وقد وقع الخلاف بين الفقهاء في بيان المراد من التحليل الوارد في الروايات والمشهور بين المتأخرين والمعاصرين أن المال الذي تعلق به الخمس إذا انتقل إلى المكلف ممن لا يعتقد بوجوب الخمس كالكافر ونحوه سواء كان من ربح تجارة أو غيرها، وسواء كان من المناكح والمساكن والمتاجر أو غيرها لم يجب على المكلف إخراجه.

وقد تعدى السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ممن لا يعتقد بوجوبه كالكافر إلى من لم يلتزم بالخمس ولو كان معتقداً به، فما ذهب إليه مشهور المعاصرين خاصٌ بخصوص من لا يعتقد بالخمس.

فلو مثلاً: انتقلت إليك دار أو سيارة من كافر وقد علمت أن الخمس قد استقر فيهما، فهل يجب عليك إخراج خمس أو السيارة أو لا؟

الجواب: لا يجب عليك الإخراج لروايات التحليل، السيد الخوئي يتعدى، يقول: «مطلق من لم يلتزم» يعني حتى لو كان شيعي ويعتقد بوجوب الخمس لكنه فاسق لا يلتزم يتهاون، فاشتريت داراً من شخص لم يسكنها ولم يخرج خمسها، وانتقلت إليك، فهل يجب عليك إخراج خمس الدار أو لا؟

على مبنى السيد الخوئي لا يجب الإخراج.

ومن هنا هل روايات التحليل تشمل كل الخمس بحيث ما يثبت الخمس في عصر الغيبة؟ أو يشمل خصوص ما تعلق به الخمس بالنسبة إلى الكافر والذي لا يعتقد بالخمس؟ أو يشمل من لا يعتقد بالخمس أو يعتقد به لكن لم يلتزم به؟

هنا توجد عدة أقوال:

قيل: إن المراد من التحليل إباحة الفيء والأنفال مطلقاً، وليس المراد إباحة الخمس، فروايات التحليل ناظرة إلى إباحة الأنفال التي هي خاصة بالإمام ـ عليه السلام ـ وليست ناظرة إلى إباحة الخمس.

وقيل: إن المراد بروايات التحليل تحليل مطلق الفيء والخمس، فما يخص الإمام من الأنفال والفيء وكذلك الخمس «مالنا لشيعتنا»، لذلك ذهب صاحب الحدائق إلى أن السهم الأول سهم الإمام تشمله روايات التحليل لا يجب إخراجه وذهب إلى لزوم البسط فيه على الأصناف الثلاثة في سهم السادة.

وقيل: إنه مختص بحصة الإمام دون سائر الأصناف هذا قول صاحب الحدائق.

وقيل: إن رواية التحليل تشمل خصوص الخمس المتعلق بأرباح المكاسب دون بقية الخمس كخمس الغوص أو الكنز.

وقيل: إن رواية التحليل تختص بخصوص المناكح دون المساكن والمتاجر.

وقيل: إن روايات التحليل تشمل المناكح والمساكن والمتاجر.

وهناك أقوال كثيرة، والمهم في المقام استعراض الدليل والروايات التي هي على طوائف، وأما ملاحظة الأقوال فيمكن ملاحظة مختلف الأقوال بمراجعة مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الحكيم، الجزء ستة عشر، صفحة ثلاثمائة وأربعة وأربعين، وثلاثمائة وخمسة وأربعين مع تخريج المصادر.

والوقت لا يسع أن نذكره ولكن لنذكر ما ذكره صاحب الجواهر[6] قال:

«يخشى على من أمعن النظر فيها مريداً إرجاعها إلى مقصد صحيح من بعض الأمراض العظيمة قبل أن يأتي بشيء» إلى أن يقول: «وليتهم تركونا والأخبار» يعني هذه الكثير من الأقوال ليس لها مستند، فلو تركونا نحن والأخبار لكان أفضل.

إذاً عمدة البحث بعد عرض هذه الأقوال، وأقوال أكثر هو ماذا؟ التطرق إلى روايات التحليل بطوائفها المختلفة.

طوائف أخبار التحليل يأتي عليها الكلام صلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

[1]  الخمس في فقه أهل البيت، ج 2، ص 399.

[2]  ج 4، ص 313، التعليقات 15.

[3]  المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص 345.

[4]  المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص 345.

[5]  الخمس في فقه أهل البيت، ج 2، ص 402.

[6]  جواهر الكلام، ج 16، ص 152.

00:00

29

2024
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 200 الجلسة

29

مايو | 2024
  • الكتاب: دروس خارج الفقه
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
200 الجلسة