محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام
شیخ الدقاق

57 - جدلية العلاقة بين المعرفة والعمل في علمي الأخلاق والعرفان

محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام

  • الكتاب: محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    200

29

2024 | مايو

22 شوال 1445

1 مايو 2024

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

جدلية العلاقة بين المعرفة والعمل في عملي الأخلاق والعرفان

جاء في الرواية عن سيدنا ومولانا الإمام محمد الباقر ـ عليه السلام ـ أنه قال: «لا يقبل عملٌ إلا بمعرفة، ولا معرفة إلا بعمل» صدق سيدنا ومولانا باقر علوم الأئمة الإمام محمد الباقر ـ عليه السلام ـ .

الحديث عن "جدلية العلاقة بين المعرفة والعمل في علمي الأخلاق والعرفان".

سؤال يطرح نفسه: أيهما أسبق مرتبة المعرفة أو العمل؟ أيهما أولاً العلم والمعرفة أولاً والعمل ثانياً أو بالعكس العمل أولاً والعلم والمعرفة ثانياً؟

الجواب يختلف فيه علماء الأخلاق عن علماء العرفان والسير والسلوك إلى الله عزّ وجل.

أولاً ما هو معنى علم الأخلاق؟ وثانياً ما هو معنى العرفان؟ لابد أن نفرق بين علمي الأخلاق والعرفان لكي نفرق في النتيجة التي توصلا إليها.

علم الأخلاق يدرس المفاهيم الإيجابية والسلبية فهو يدرس المناقب وفي مقابلها المثالب، يدرس الأخلاق الحسنة وفي مقابلها الأخلاق السيئة، يدرس المحاسن وفي مقابلها المساوئ، فعلم الأخلاق يدرس أخلاق الحسنة والسيئة للتفرقة بين المناقب والمثالب، فيدرس الصدق وفي مقابله الكذب، ويدرس حسن الأمانة وفي مقابلها قبح الخيانة، إذاً علم الأخلاق يدرس المفاهيم.

لذلك عادةً علم الأخلاق يقسم إلى ثلاثة أقسام:

القيم وهي عبارة عن الأصول النفسية الراسخة في الذات كالكرم والبخل هذه قيمة نفسانية.

ويدرس في القسم الثاني الآداب، وهي الرسوم كآداب المتعلمين وآداب الجلوس في الطرقات، وآداب المشي في الطريق والجلوس على المائدة، كلها لها آداب.

والقسم الثالث الحقوق، حقوق الوالدين، حقوق الجيران، حقوق الزوجة.

إذاً في علم الأخلاق عادة تدرس ثلاثة أبحاث: قيم وحقوق وآداب، ودارس علم الأخلاق يدرس هذه المفاهيم المفاهيم الحسنة في القيم والمفاهيم السيئة، يدرس المفاهيم الحسنة في الآداب ويدرس أيضاً المفاهيم السيئة الآداب السيئة، علم الأخلاق يركز على دراسة المفاهيم المبادئ التصورية، كيف تتصور أن هذا الخلق حسن وهذا الخلق سيء؟

لكن علم العرفان يقسم إلى قسمين: «عرفان نظري وعرفان عملي».

العرفان النظري يدرس أسماء الله الحسنى بطريقة خاصة ليست طريقة كلامية، علم الكلام إما عقلي وإما نقلي، قسمين: «علم كلام نقلي وعلم كلام عقلي» علم العقائد العقلية والعقائد النقلية، لكن علم العرفان يدرس أسماء الله تعالى من ناحية قلبية وكشوفات وشواهد ربوبية، هذا من ناحية العرفان النظري.

من ناحية العرفان العملي يدرس السير والسلوك إلى الله، يقول: أنت سالك، وفي سلوكك سائر إلى الله إلى أن تصل إلى الله ودرجة الفناء في الله، فتدرس منازل السائرين ودرجات الواصلين إلى الله تبارك وتعالى.

لذلك أبرز كتاب في العرفان العملي كتاب «منازل السائرين» للخواجة عبدالله الأنصاري الهروي من هرات إلى الآن له مقام في هرات بأفغانستان على الحدود بين أفغانستان وإيران قرب مشهد.

لذلك علم العرفان العملي علم الطريقة الموصلة إلى الحقيقة، يعني مجاهدة النفس ورياضة النفس التي توصل إلى كشف الحقائق والمعارف.

لذلك يوجد عدة مصطلحات في علم العرفان، يقولون: الطريقة الموصلة إلى الحقيقة، وتسلك من الطريق إلى الحقيقة بوسيلة، لذلك هذه مصطلحات مهمة: «الطريقة والوسيلة والحقيقة».

لذلك علم العرفان يركز على طريقة خاصة، يركز على مجاهدة النفس ورياضة النفس لكشف الحقائق والوصول إلى الحقائق الربانية والشواهد الربوبية.

إذاً فرقنا الآن بين علم الأخلاق وعلم عرفان، علم الأخلاق كل واحد يقدر يقرأ في كتاب ويدرسه يدرسه أو ما يحضر عنده أستاذ يقرأ، علم العرفان يحتاج إلى إشراف أستاذ ماهر إذا واحد يروح يسلك طريقه وما عنده أستاذ خبير بالنفس وشؤون النفس هذا قد يتصور أن هذه نفحات رحمانية وربانية ولكنها في الواقع وسوسات شيطانية.

الآن نأتي لجواب السؤال، سؤال: أيهما أولاً العلم والمعرفة أو العمل؟

الجواب: علم الأخلاق يقول: العلم والمعرفة أولاً والعمل ثانياً، أولاً أن تعرف الأخلاق الحسنة وفرق بين الأخلاق الحسنة والأخلاق السيئة ثم اعمل بها، أولاً اعرف حسن الأمانة وقبح الخيانة ثم في مقام العمل لا تخن وكن أميناً، فعلم الأخلاق يقول: مرتبة العلم والمعرفة سابقه ومرتبة العمل لاحقه.

علم العرفان يقول: بالعكس أولاً العمل ثانياً المعرفة، أنت تعبد وأتهجد وقم بأذكار وأوراد خاصة هذه الأذكار والأوراد الخاصة ستفتح لك معارف خاصة وحقائق عينية تعاينها بالقلب والوجدان «العيان لا يحتاج إلى بيان».

إذا فرق في المنهج فرق في المنهج بين علم الأخلاق وعلم العرفان، علم العرفان يقول العمل أولاً والمعرفة تتفرع على العمل، يعني أولاً رياضة النفس وجهاد النفس ومجاهدة النفس ومن رياضة النفس ومجاهدة النفس ومن هذه الطريقة تصل إلى الحقيقة.

بينما علم الأخلاق يقول: أولاً أن تعرف الأشياء.

ولا تنافي بين القولين لأن علم الأخلاق يقول: المعرفة السابقة على العمل هذه معرفة تصورية يعني أولاً أنت تصور الأخلاق الحسنة وافهمها واعرفها وفرق بينها وبين الأخلاق السيئة، لذلك علم الأخلاق هو علم المحاسن والمساوئ علم المناقب والمثالب، الأخلاق الحسنة والأخلاق السيئة، يعني أولاً أتصور هذه المفاهيم واعرفها ثم بعد ذلك اعمل بالحسن منها وأترك السيء منها.

فإذاً المعرفة السابقة على العمل التي يقول بها علم الأخلاق هي المعرفة التصورية، مبادئ تصورية، مفاهيم لكي تتصور الأشياء.

وأما المعرفة اللاحقة للعمل التي يقول بها علماء العرفان فهي المعرفة التصديقية يعني المعارف والحقائق التي يصدق بها الإنسان ويتوصل إليها نتيجة المعاينة والعمل ومجاهدة النفس.

نرجع إلى الرواية التي صدرنا بها المجلس الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ يقول: «لا يقبل عمل إلا بمعرفة» أنت كيف تعمل بعمل وأنت لا تعرف؟ أنت تعمل تعبد الله لكن ما تعرف الله، الله عزّ وجل يثيب المرء على قدر معرفته، ولا معرفة إلا بعمل، يعني معرفة مجردة عن العمل لا فائدة فيها، كما يقول علي ـ عليه السلام ـ : «العلم يهتف بالعمل فإن أصابه وإلا ارتحل».

توجد رواية يسأل الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ عن قوله تبارك وتعالى: (فلينظر الإنسان إلى طعامه) قال: أي إلى علمه ممن يأخذه».

وفي رواية أخرى في تفسير قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)ـ قال ـ عليه السلام ـ : «أي ليعرفون».  

لاحظ هذه الرواية الأخلاقي يفهم منها شيء، والعرفاني يفهم منها شيء آخر، (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) أي ليعرفون، الأخلاقي يقول: أولاً لابد من معرفة العبادة ثانياً العمل بالعبادة، بينما العرفاني يقول: عند العمل والقيام بالعباد تتجلى المعرفة (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) أي يعبدوا الله ويعملوا، ومن خلال العبادة والعمل، تتجلى المعرفة.

الخلاصة والنتيجة التي نخرج بها من بحث هذه الليلة:

أكثر الكتب الأخلاقية هي من الصنف الأول الذي يركز على المبادئ التصورية، يعني إذا تراجع كتاب جامع السعادات أشهر كتاب أخلاقي باللغة العربية للشيخ محمد مهدي النراقي أو تراجع كتاب معراج السعادة أشهر كتاب أخلاقي باللغة الفارسية، وهو ترجمة واختصار الابن الشيخ أحمد محمد مهدي النراقي لكتاب أبيه جامع السعادات للشيخ محمد مهدي النراقي هذان أشهر كتابين، وتوجد كتب أخرى في علم الأخلاق أغلب هذه الكتب الأخلاقية تركز على الجانب التصوري تركز المفاهيم.

وهناك كتب أخلاقية لكن تركز على البعد العرفاني ككتاب الأربعون حديثاً لأبي الفتوح السيد روح الله الموسوي الخميني، مثلاً: أول حديث يشرح فيه السيد الإمام يشرحه من الأربعون حديثاً حديث النفس، في بداية حديث النفس يقول: «اجتهد أن تكون ذا يقظة هذه اليقظة التوبة واليقظة هذه أول مراتب السير والسلوك إلى الله» يذكرون أربعين منزلة للسائر إلى الله أول شي يبدأ بالتوبة، بعد يقظة الضمير والنفس الإنسانية ويمر بمراحل إلى أن يصل مثلاً إلى درجة التسليم ثم درجة الرضا.

السيد الإمام هذا الكتاب الشريف أو كتاب جنود العقل والجهل يركز على منبهات وجدانية وعلى نكات تؤثر في الجانب العملي، لكي تصل في الجانب النظري إلى ما تصل إليه من المعرفة.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، والبعض كان يقول مثلاً: ما هي النصيحة؟

«حي على خير العمل حي على خير العمل» أيقنت أن عملي لن يأتي به غيري فجددت فيه، عليكم بإتقان العمل ومعرفة العمل المتقن يعرف من علمي الأخلاق والعرفان.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

00:00

29

2024
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 59 الجلسة

29

مايو | 2024
  • الكتاب: محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام
  • الجزء

    01

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
59 الجلسة