طرق ثبوت الهلال
شیخ الدقاق

26 - عدم جواز الاعتماد على البريد في الإخبار عن الرؤية

طرق ثبوت الهلال

  • الكتاب: عروة الوثقى
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

30

2024 | مايو

5 شهر رمضان 1445
16 مارس 2024

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

عدم جواز الاعتماد على البريد في الإخبار عن الرؤية

المسألة الخامسة من العروة الوثقى قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ :

«لا يجوز الاعتماد على البريد البرقي المسمى بالتليجراف في الإخبار عن الرؤية إلا إذا حصل منه العلم بأن كان البلدان متقاربين، وتحقق حكم الحاكم أو شهادة العدلين برؤيته هناك».

توضيح المسألة:

إذا كان الخبر حجة فحينئذ لا فرق فيه بين أن يكون بالقول والمشافهة أو بالكتابة أو بالفعل أو بالإرشارة كتحريك الآلات التلوجرافية بقصد الإخبار عن الواقع فصاحب التليجراف المحرك لآلاته كصاحب الإنترنت والتلفون الموبايل في يومنا هذا أن كان عادلاً بحيث عرف أن مستخدم الموبايل أو الإنترنت أو التيليجراف هو فلان العادل فحينئذ يكون إخباره بتوسط هذه آلالات خبر عادل يلحقه حكمه، فإذا انضم إليه عادل كان خبرهما حجة ويشكل بينة فإذا شهدا برؤية الهلال وجب الصوم أو الإفطار.

وهكذا لو شهدا بوجود الحجة كحكم الحاكم بناءً على ثبوت الهلال بحكم الحاكم أو الشياع الموجب للعلم.

نعم، لو كان مورد التلغرام أو ما أشار له الواتساب مصدره بلد آخر غير البلد الذي يراد أن يثبت فيها الرؤية أو الهلال جرى الكلام السامع في أنه هل يشترط وحدة الأفق بين البلدين أو لا يشترط الاتحاد بين البلدين في الأفق لإثبات رؤية الهلال.

إذاً صاحب العروة ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ يريد بهذه المسألة أن البرقية وما شاكلها كالواتساب والفاكس لا يعتمد عليها من حيث هي نظراً إلى عدم الثقة بالمخبر فلم يعلم أن المرسل عادلٌ أو فاسق، وحيث إنه لا نعرف من يبرق أو يخابر أو يرسل الفاكس أو يرسل الواتساب لأجله استدرك صاحب العروة بأنه إذا حصل العلم بأن كان المخبر ثقة والبلد متقارباً بناءً على اعتبار وحدة الأفق أو قد أخبر عن حكم الحاكم بناءً على نفوذه أو أخبر عن الرؤية على سبيل التواتر أو الشياع المفيد للعلم أو أخبر عن شهادة العدلين فإذا علم المخبر وأنه عادل وتحققت البينة ترتب عليه وثبت الهلال لأن الأدلة الدالة على حجية الشهادة لا تدل على تقوم باللفظ ولابد أن تكون بلا واسطة بل شهادة البينة تثبت ولو بتوسط البريد أو التليجراف أو الواتساب وما شابه ذلك من الوسائل الحديثة في الاتصال.

وما ذكره صاحب العروة تامٌ ووجيه لأنه إذا لم يكن المتصدي للبرقية أو الفاكس ثقة أو كان ثقة لكنه كان عدلاً واحد فحينئذٍ لا يكون هنالك أثرٌ لإخباره إلا إذا انضم إليه شاهدٌ آخر فالعبرة بقيام البينة أو شهادة جمع يحصل العلم من شهادتهم ولا خصوصية لسبب دون سبب[1].

المسألة السادسة:

«في يوم الشك في أنه من رمضان أو شوال يجب أن يصوم، وفي يوم الشك في أنه من شعبان أو رمضان يجوز الإفطار ويجوز أن يصوم لكن لا بقصد أنه من رمضان كما مرّ سابقاً تفصيل الكلام فيه، ولو تبين في الصورة الأولى كونه من شوال وجب الإفطار سواء كان قبل الزوال أو بعده، ولو تبين في الصورة الثانية كونه من رمضان وجب الإمساك وكان صحيحاً إذا لم يفطر ونوى قبل الزوال، ويجب قضاؤه إذا كان بعد الزوال».

هذه المسألة تطرقت إلى حكم الصوم يوم الشك والهلال المشكوك فيه إما هو هلال شعبان أي يوم الشك بين آخر شعبان وأول شهر رمضان، وإما أن يكون هلال شوال فيدور إما أن يكون آخر يوم من شهر رمضان فيصوم أوأاول يوم من شهر شوال فيحرم الصوم لأنه يوم العيد.

وهذه المسألة تتطرق إلى حكم الصوم جوازاً أو حرمةً وليس ناظرة إلى طرق ثبوت الهلال، وقد ذكرها بعينها بل أكثر تفصيلاً السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في فصل النية في كتاب الصوم المسألة ستة عشر ثم المسألة سبعة عشر، وتطرق إلى هذه الأحكام بتفصيل أكثر من هنا في بحث طرق ثبوت الهلال فيراجع هناك ما ذكره صاحب العروة وتراجع شروح العروة هناك، مثل:

مستمسك العروة الوثقى السيد محسن الحكيم، جزء 14 نسخة تحقيق السيد محمد القاضي صفحة ثمانية وأربعين.

والمستند في شرح العروة الوثقى للسيد الخوئي، الجزء واحد وعشرين، صفحة خمسة إلى ثلاثة وسبعين هذا شرح المسألة ستة عشر ثم المسألة سبعة عشر.

ونحن هنا نتطرق إلى حكم هذه الفروع بإيجاز واقتضاب لأنها تندرج تحت حكم فقه الصوم لا فقه رؤية الهلال وطرق ثبوته، فهذه الفروع تبحث في أوائل كتاب الصوم عند البحث عن أحكام يوم الشك.

أما يوم الشك من شوال فلا يجوز الإفطار فيه لأمرين:

أولاً تعليق الإفطار على الرؤية كما أن الصوم معلق على الرؤية، قال ـ صلى الله عليه وآله ـ : «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ولم تتحقق الرؤية.

الأمر الثاني عند الشك يجري الاستصحاب هو يشك أن هذا اليوم من شهر رمضان أو من شهر شوال، وكان على يقين أن الأزمنة هي من شهر رمضان، ويشك أن اليوم الثلاثين هل هو من شهر رمضان أو من شهر من شوال وكان على يقين من صومه كان على يقين من وجوب الصوم في شهر رمضان ويشك في ارتفاعه فإنه يحتمل أن يكون الهلال هو هلال شهر جديد وهو هلال شوال لا تنقض اليقين الشك.

وقد يناقش هذا الاستصحاب أنه في الزمانيات وغير ذلك والمدار والعهدة على الرؤية فلا يجوز له في هذه الحالة الإفطار لأن الإفطار لا يجوز إلا على الرؤية ولم تثبت هذا بالنسبة إلى هلال شوال.

وأما بالنسبة إلى يوم الشك من شهر رمضان أي الهلال المشكوك أنه آخر يوم من شعبان أو أول يوم من شهر رمضان فهنا لا يجب الصيام لما ذكر أيضاً من أنه معلق على الرؤية. نعم، يجوز صيام يوم الشك من شهر رمضان بنية أخرى على أنه من؟ شعبان، بل يمكن أن يصومها حتى قضاء عما في ذمته تبحث هذه المسألة، والأفضل أن ينويه استحباباً عن شعبان.

أما بالنسبة إلى الفرع الأول وهو يوم الشك من شوال «لو صام وانكشف الخلاف» أي انكشف أنه أول يوم من شهر شوال أي أنه يوم العيد فحينئذ يجب عليه الإفطار سواء انكشف الخلاف قبل الزوال أو بعد الزوال لأنه صيام يوم العيد وصيام يوم العيد محرم، فمتى ما ظهر له الخلاف ولو دقيقة واحدة قبل الغروب وجب عليه أن يفطر لحرمة الصوم في العيدين وفساده.

وأما الفرع الثاني وهو يوم الشك من شهر رمضان «لو صام على أنه من شعبان، وانكشف الخلافة أو أنه لم يصم أصلاً بل أفطر فهنا صورتان:

الصورة الأولى أن يفطر ثم ينكشف الخلاف فإذا علم أنه أول يوم من شهر رمضان وجب عليه الإمساك تأدباً واحتراماً لشهر رمضان ويقضي ذلك اليوم فيما بعد.

وأما إذا لم يفطر بل صام استحباباً بناء على أنه من شعبان وانكشف الخلاف، فهنا صورتان:

الصورة الأولى أن ينكشف الخلاف قبل الزوال، وهنا ذهب البعض إلى أنه يجدد النية ما دام قبل الزوال يجدد النية ويقلب نيته من صوم شهر شعبان المستحب إلى صوم أول شهر رمضان الواجب ويجزي.

الصورة الثانية إذا انكشف الخلاف بعد الزوال في هذه الحالة لا مجال لتجديد النية إذ أنه يمكن أن يجدد النية قبل الزوال وبعد الزوال فاته محل النية فحينئذ يمسك يواصل صومه ويقضي.

لكن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ خالف هذا القول القائل بالتفصيل بين قبل بعض الزوال وبعد الزوال، وقال: «وكذا لو لم يفطر وكان الانكشاف بعد الزوال بل وقبله على الأقوى بناءً على ما عرفت من عدم الدليل على تجديد النية في مثل ذلك».

فلم تنهض عند السيد الخوئي الأدلة التي تدل على تجديد النية قبل الزوال في مثل هذا المورد فالسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ يخالف صاحب العروة، فيقول: إذا انكشف الخلاف في هذه الحالة يقضي ولكن صاحب العروة يرى أنه في هذه الحالة يقول: وجب الإمساك وكان صحيحاً إذا لم يفطر ونوى قبل الزوال ويجب قضاؤه إذا كان بعد الزوال، وتفصيل هذه المسألة يبحث في كتاب الصوم بشكل مفصل، وحيث أننا نبحث ثبوت الهلال لا داعي إلى بحثها بشكل مطول.

المسألة السابعة:

«لو غمت الشهور ولم يرى الهلال في جملة منها أو في تمامها حسب كل شهر ثلاثين ما لم يعلم النقصان عادة».

توجد في هذه المسألة أقوال ثلاثة:

القول الأول هو قول المشهور المنصور، وقد ذهب إليه الأكثر وهو أن يعد كل شهر ثلاثين يوماً، وقد ذكر الشهيد الثاني في المسالك أن هذا قول الأكثر[2].

ولعله لأصالة التمام المطابقة لأصالة بقاء الشهر، فالشهر يبقى ثلاثين يوماً.

القول الثاني ينقص من الشهور لقضاء العادة بالنقيصة، ذكره المحقق الحلي[3] لكن لم يعرف قائله كما قيل[4]، ولا يعرف مقدار النقيصة التي ينقصها ولم يعرف كيفية تعيين الشهر الناقص إلا أن يكون المراد منهما ما جرت به العادة المقتضية للعلم الذي يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان، وحينئذ يكون مقتضى الاستصحاب بقاء الشهر إلى أن يعلم بانتهائه.

وقد أشكل على هذا الاستصحاب بعدة إشكالات نعرض عن ذكرها لأن بحثنا هو ماذا؟ ثبوت الهلال وليس تكليف الصائم، تراجع التفاصيل في مستمسك العروة الوثقى السيد محسن الحكيم تحقيق السيد محمد القاضي الجزء الرابع عشر صفحة مئتين وستة وتسعين إلى أربعمئة.

القول الثالث وجوب العمل برواية الخمسة، وهو ما ذهب إليه الشيخ الطوسي في المبسوط[5] والعلامة[6] في جملة من كتبه والشهيد الأول في الدروس[7] والشهيد الثاني في الروضة البهية[8].

ورواية العمل بالخمسة رواها عمران الزعفراني قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ : «إن السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة، فأي يوم نصوم؟

قال ـ عليه السلام ـ : انظر اليوم الذي صمت فيه من السنة الماضية فعد منه خمسة أيام وصم اليوم الخامس»[9].

ورواية الخدر وهي ما رواه محمد بن عثمان الخدري عن بعض مشايخه عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ : «صم في العام المستقبل اليوم الخامس من يوم صمت فيه العام الأول»[10].

وعن عجائب المخلوقات للقزويني: «امتحنوا ذلك خمسين سنة فكان صحيحاً»[11].

لكن عمران الزعفراني مجهول، وقد ضعفه نفس الشيخ الطوسي في الاستبصار حينما ذكر روايتين للزعفراني، وقال: إنه مجهول والسند مشتمل على بعض الوسائط الضعيفة.

فهاتان الروايتان الزعفران والخدري ضعيفتان مهجورتان، ولذا حكي عن المختلف في المقام: «أن العمل على العادة لا الرواية»[12].

في عجائب المخلوقات يقول: عادة خمسين سنة، امتحنوا هذا ووجدوه صحيح، لكن في ثبوت العادة إشكال، خصوصاً أنه قيل أن هذا يثبت في غير السنة الكبيسية السنة التي فيها كبيسة[13].

والصحيح ما ذهب إليه المنصور المشهور ودلت عليه الروايات.

أولاً دلت عليه روايات العامة قوله ـ عليه السلام ـ : «صم للرؤية وافطر للرؤية» فهي تدل على عدم جواز الصيام والإفطار لدى الشك في الهلال.

ثانياً دلت عليه بعض النصوص الخاصة المصرحة بعد الثلاثين مع عدم الرؤية لغيم ونحوه، فلو أطبقت السماء غيماً شهر رجب وشعبان وشهر رمضان عدّ ستون يوماً من أول رجب ويصام في اليوم الواحد والستين ويفطر في اليوم الواحد والتسعين، هذا فيما إذا لم يعلم بالنقصان عادةً، فلو علم أنه في كل أربعة شهور شهر واحد ينقص يصير تسعة وعشرين علمنا وقطعنا، فحينئذ في هذا المثال المتقدم لو ضم جمادى الثانية ورجب وشعبان وشهر رمضان فحينئذٍ يعلم أن اليوم العشرين بعد المئة منذ غرة جمادى الأولى لم يكن من رمضان قطعاً لامتناع كون أربعة شهور متواليات ثلاثين يوماً وتامات عادة فاللازم حينئذ العمل على طبق العلم.

يعني موية يحسب مئة وعشرين يوم ومئة وواحد وعشرين يجعله شهر رمضان بل يجعل ماذا؟ مئة وتسعة عشر يصوم ويوم مئة وعشرين يكون من شهر رمضان يعني يجعل جمادى ورجب وشعبان هذه كم؟ تسعين يوم ثم شهر رمضان يصير الهلال يوم ثلاثين من شهر رمضان يعني أول شوال يصير يوم مئة وعشرين هذا إذا علم وقطع فيفطر في هذا اليوم المزبور.

والسر في ذلك:

إن عدّ الثلاثين أمارة ظنية على دخول الشهر الجديد ومعلوم أن حجية الأمارة خاص بظرف الشك فمع العلم والقطع بالخلاف لا تثبت الحجية للأمارة.

إذاً رأي المشهور هو المحكم أن يعد ثلاثين يوماً ما دام شاكاً إلا إذا قطع بالخلاف فالمحكم هو ماذا؟ القطع، والله العالم.

هذا تمام الكلام في المسألة السابعة.

المسألة الثامنة يأتي عليها الكلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

 

[1]  المستند في شرح العروة الوثقى، تقرير الشهيد مرتضى البروجردي لبحث السيد الخوئي، كتاب الصوم، ج 22، ص 124.

مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم ـ ره ـ ، تحقيق السيد القاضي، ج 14، ص 394.

[2]  مسالك الأفهام، ج 2، ص 56.

[3]  شرائع الإسلام، ج 1، ص 181.

[4]  مدارك الأحكام، السيد محمد العاملي، ج 6، ص 187.

[5]  المبسوط، ج 1، ص 268.

إرشاد الأذهان، ج 1، ص 303.

[6]  تذكرة الفقهاء، العلامة الجلي، ج 6، ص 141.

قواعد الأحكام، العلامة الحلي، ج 1، ص 387.

منتهى المطلب، العلامة الحلي، ج 9، ص 256.

[7]  الدروس الشرعية، الشهيد الأول، ج 1، ص 205.

[8]  الروضة البهية، ج 2، ص 313.

[9]  وسائل الشيعة، ج 10، ص 283، الباب 10 أحكام شهر رمضان، الحديث 3.

[10]  وسائل الشيعة، ج 10، ص 283، الباب 10 من أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

[11]  عجائب المخلوقات، ص 71.

مستمسك العروة الوثقى، ج 14، ص 391.

[12]  مختلف الشيعة، ج 3، ص 498

[13]  مسالك الأفهام، ج 2، ص 75.

00:00

30

2024
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 31 الجلسة

30

مايو | 2024
  • الكتاب: عروة الوثقى
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
31 الجلسة