طرق ثبوت الهلال
شیخ الدقاق

29 - قول الفلكي في ثبوت الهلال

طرق ثبوت الهلال

  • الكتاب: عروة الوثقى
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

30

2024 | مايو

8 شهر رمضان 1445
19 مارس 2024

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

قول الفلكي في ثبوت الهلال

لم يتطرق قدماء الأصحاب إلى حجية قول الفلكي في ثبوت الهلال بنفس الصورة العلمية التي تبحث اليوم. نعم، تطرق الفقهاء إلى مشروعية الأخذ بالحساب في ثبوت الهلال وعدمه، كما يوجد في كلماتهم عدم شرعية الأخذ بقول المنجمين أو الأخذ بالمراصد، وهذا يظهر لكل من لاحظ كلماتهم ـ رضوان الله عليهم ـ وهو قريب من محل البحث.

وقد اتفقت كلماتهم على عدم حجية قول المنجم أو الأخذ بالمراصد والحساب، وقد يفهم منها عدم حجية قول الفلكي.

لكن لم يتضح أن رفضهم هل هو رفض مطلق لقول الفلكي أم أنه مقيد بعدم إفادة قول الفلكي للعلم وأنه يفيد الظن فقط.

فبعض الفقهاء المعاصرين يفهم من كلام عدم حجية قول الفلك مطلقاً حتى لو أفاد العلم أو الاطمئنان، بينما يفهم من كلام آخرين عدم حجية قول الفلكي لأنه لا يفيد العلم بل يفيد الظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً.

وفي المقابل نجد أن السيد أحمد الخنساري ـ رحمه الله ـ قد استشكل في عدم الأخذ بقول الفلكين إذا اتفق مهرة الفن وكانوا أهل خبرة، وكلامه ظاهرٌ بحجية قول الفلكي من باب أنه من أهل الخبرة فكلامه يكون حجة حتى لو لم يفد العلم[1].

بينما يفهم من كلام السيد محسن الحكيم[2] ـ رحمه الله ـ أن قول الفلكي والمنجم ليس بحجة لعدم الدليل عليه نظراً لعدم إفادته العلم، وكلامه ظاهرٌ في أن قول الفلكي لو أفاد العلم أمكن الأخذ بقوله نظراً لحجية العلم.

ومن هنا يختلف منشأ حجية قول الفلكي بين كلام السيد الحكيم والسيد الخونساري، فمنشأ الحجية حسب كلام السيد الحكيم هو إفادته العلم ومنشأ الحجية حسب كلام السيد أحمد الخونساري حجية الظن الحاصل من قول أهل الخبرة.

وأما السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ فيفهم من بعض استفتاءاته أن قول الفلك لو أفاد العلم والاطمئنان لا يؤخذ به لأن المعتبر في الشهادة أن تكون حسٍ فلا يكفي إمكان رؤية الهلال شأناً بل لا بد من تحقق الرؤية البصرية الخارجية فعلاً.

ويفهم من استفتاءاته الآخرى أن قول الفلكي لو أفاد العلم لكان حجةً لكنه ليس بحجة نظراً لإفادته الظن والظن ليس بحجة[3].

والخلاصة الأقوال في المسألة ذهب أكثر الفقهاء القدماء وأكثر المعاصرين إلى عدم حجية قول الفلكي. نعم، في مقابل ذلك قد يفهم من كلمات الشهيد الصدر الأول والشهيد الصدر الثاني أن الفلكي قد يؤخذ بكلامه في الأمر الإيجابي كما يفهم من كلمات الشهيد الصدر الثاني[4].

أو قد يؤخذ بكلامه في الأمر السلبي كما يفهم من كلام الشهيد الصدر الأول السيد محمد باقر الصدر[5] وقد أخذ جمع من الأعلام بقول الفلكي في الجانب السلبي[6].

والمراد بالأمر السلبي أن قول الفلكي لا يثبت رؤية الهلال لكن لو قامت البينة أو الشياع على ثبوت الهلال وقطع الفلكي بعدم إمكان رؤيته فحينئذ لا يثبت الهلال فقول الفلك يسلب حجية البينة إذ أن البينة أمارة ظنية، وعند حصول القطع واليقين بالعدم لا مجال لحجية الأمارة الظنية.

بخلاف من قال بحجية قول الفلك في الأمر الإيجابي فإن شهادة الفلك بإمكان رؤية الهلال حجته تثبت الهلال وإن لم ير خارجاً لا بالعين المجردة ولا بالعين المسلحة.

وقبل الولوج في صميم البحث لا بأس بالإشارة إلى الفرق بين علم الفلك وبين التنجيم، فالمنهي عنه في الروايات الشريفة هو التنجيم والحساب.

وفرق شاسع بينه وبين علم الفلك إذ أن المراد بعلم الفلك هو العلم المختص برصد الكواكب السيارة ودراسة كيفية تكون الظواهر الكونية كظاهرة الشروق والغروب والخسوف والكسوف والمد والجزر وكيفية خروج الهلال، وهذا لم يرد فيه نهي بل قد يستفاد من الآيات والروايات المدح للتعرف على أسرار الكون قال تعالى: (وعلامات وبالنجم هم يهتدون)[7]، وقال تعالى: (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون)[8].

فأين علم الفلك الذي يدرس أسرار الكون ويكتشف القوانين الموجود في الأفلاك من علم النجوم والحساب الذي يدرس تأثير حركة الأفلاك والكواكب السيارة في حياة الإنسان وحظوظه ومصير الناس ومستقبلهم وما يرتبط بالحظ والنحس فمثل هذا تخرص ورجم بالغيب لذلك نهت عنه الروايات الشريفة.

ومن هنا يتضح أنه لا يمكن التمسك بالروايات الناهية عن التنجيم والحساب على عدم حجية قول الفلكي، فقول الفلكي شيء وقول المنجم شيء آخر.

وأما الحساب فإن الحساب قد يستخدم بمعنى النجوم يستخدم بمعنى علم الفلاح فبحسب استخدام مفردة الحساب يعلم أن هذا العلم صحيح أو ليس بصحيح.

ولتحقيق المسألة لابد من تحديد موضوع المسألة فنحن نبحث حجية قول الفلكي، فما هو الموضوع الذي نبحثه؟ تحديد موضوع الصوم.

توجد احتمالات ثلاثة متصورة:

الاحتمال الأول افتراض أن الشهر القمري ظاهرة كونية تبدأ بخروج القمر من المحاق، والمراد بالمحاف هو عبارة عن الفترة الزمنية التي تشير إلى نهاية الشهر وبداية شهر آخر، فعند يبلغ القمر محله تحجبه فيها أشعة الشمس بشكل كلي، فنصف القمر مقابل للشمس والنصف الآخر مدبر عن الشمس، فالنصف المقابل للشمس مضيء والنصف المدبر معتم ومظلم بشكل كامل.

والقمر له منازل يسير فيها ففي ليلة الرابع عشر أو الخامس عشر أي منتصف الشهر يكون القسم المقابل للشمس يرى في الأرض فيرى القمر بدراً ثم يسير القمر في منازله فيبدأ بالتناقص إلى أن يصل بحيث لا يرى أي شيء من القمر أي أن الذي يقابل الأرض هو خصوص القسم المظلم من القمر فيقال إن القمر دخل المحاق.

ثم يبدأ القمر ويتحرك ويرى جزء من القمر الذي هو مقابل لشعاع الشمس، وحينئذ يرى القمر كهلال في الأرض.

فظاهرة الهلال هي ظاهرة كونية عبارة عن خروج القمر من المحاق أي الفترة المظلمة والمعتمة، ويخرج من تحت الشعاع يعني يظهر القسم الذي هو تحت شعاع الشمس فيراى هلالاً.

وبالتالي بداية الشهر ظاهرة كونية فالمدار على الشهر التكويني الذي يتحقق بخروج القمر من المحاق ويكون تحت الشعاع، فالمدار في الاحتمال الأول على التولد الفلكي، فينشأ الشهر بتولد الهلال وبمجرد ولادته.

فبناء على الأول يكون الشهر الشرعي هو نفس الشهر التكويني أي أن الهلال المطلوب شرعاً هو نفس الهلال الذي يتولد تكويناً، وحينئذ لا عبرة برؤية الهلال ولا عبرة بإمكان رؤية الهلال بالعين المجردة أو العين المسلحة فلا توجد أي قيمة موضوعية لرؤية الهلال ولا توجد أي قيمة موضوعية لإمكان رؤيته بل المدار كل المدار على الهلال التكويني وتولد الهلال خارجاً فالعبرة بخروج القمر من المحاق، وحينئذ لا مانع من اعتماد قول الفلكي.

هذا هو الاحتمال الأول والافتراض الأول المدار على هلال أي التولد الفلكي.

وهذا ما عمل به معمر القذافي في ليبيا فكان يعول على قول الفلكيين إذا قالوا إن الهلال يولد في هذه اللحظة فإنه كان يعيد أو يثبت شهر رمضان المبارك، ويمكن الاستدلال له ببعض الأدلة الشرعية وسنناقشها وسيتضح أنها غير صحيحة.

الاحتمال الثاني إن الشهر القمري والشرعي معلق على إمكانية الرؤية لا على فعلية الرؤية فليس المدار على ولادة الهلال تكويناً وخارجاً كما عليه الاحتمال الأول وليس المدار على فعلية رؤية الهلال كما سيأتي في الاحتمال الثالث بل المدار على مجموع أمرين:

الأول ولادة الهلال.

وثانيا إمكانية رؤية الهلال.

وهذا يخضع لعدة اعتبارات منها عمر الهلال وبعد الزاوية عن شعاع الشمس، ومدة مكث الهلال بعد مغيب الشمس فهذا الاحتمال الثاني نصطلح عليه قابلية الرؤية أو إمكانية الرؤية.

وهذا هو المراد عادة من بحث حجية قول الفلكي، فإذا قيل نحن نبحث حجية قول الفلكي فإنه لا يراد به الاحتمال الأول أن الفلكي إذا قال أن الهلال ينشأ تكويناً في الساعة الفلانية والدقيقة الفلانية فإنه يثبت هذا غير مراد فليس المراد الشهر التكويني بل المراد الشهر الشرعي بناء على الاحتمال الثاني وهو يختلف عن الشهر التكويني فالشهر التكويني والهلال التكويني يحصل بنشأة الهلال تكويناً في الخارج بينما الهلال والشهر الشرعي ينشأ من لحظة إمكانية رؤية الهلال بعد تكونه خارجاً.

هذا الاحتمال الثاني قد يفهم من كلمات بعض الأعلام كالشهيد الصدر الأول السيد محمد باقر الصدر[9].

الاحتمال الثالث أن القمري لا يبدأ إلا عندما يرى الهلال خارجا بالرؤية الحسية البصرية الفعلية فلا قيمة لقول الفلكي سواء شهد الفلكي بولادة الهلال تكوينه كما عليه الاحتمال الأول أو شهد الفلكي بإمكان رؤية الهلال كما عليه الاحتمال الثاني، فالاحتمال الثالث هو عدم حجية قول الفلكي مطلقاً فلا يؤخذ بقول الفلك لا في ولادة الهلال ولا في إمكان رؤية الهلال الذي ادعي أنه قد ولد وتحقق.

فالاحتمال الثالث يشترط يشترط الرؤية الحسية بالعين المجردة أو العين المسلحة.

ومن الأعلام الذين قالوا بذلك السيد أبو القاسم الخوئي والسيد السيستاني ـ حفظه الله ـ إذ اشترطا الرؤيا البصرية بالعين المجردة فعلاً.

قال السيد ـ رحمه الله ـ في صراط النجاة[10] في الإجابة عن سؤال وجه إليه حول إمكانية الاعتماد على الحسابات الفلكية قال ما نصّه:

«لا أثر للاطمئنان بتولده ـ أي الهلال ـ بل ولا للاطمئنان بقابلية الرؤية بل لا بد من الرؤية خارجاً وثبوتها للمكلف».

وهذا الكلام منه قد يظهر منه موضوعية الرؤية في ثبوت الهلال لكن السيد الخوئي أصر على أن الرؤية طريقية وليست موضوعية.

يقول السيد السيستاني ـ حفظه الله ـ ما نصّه:

«لا أثر للاطمئنان بتولد الهلال ولا أثر للاطمئنان بكون الهلال قابلاً للرؤية بل لابد من ثبوت الفعلية منك أو من غيره»[11].

لكن السيد السيستاني في استفتاء آخر وجه إليه في خمسة عشر محرم ألف وأربعمئة وتسعة عشر يظهر منه إمكانية كفاية إمكانية الرؤية جاء فيهما نصّه:

«إذا حصل العلم أو الاطمئنان بكون الهلال موجوداً على الأفق بنحو يمكن رؤيته بالعين المجردة من إخبار الفلكي بذلك أو من غيره من الإمارات الموجب لذلك عمل بالعلم والاطمئنان»[12].

هذا تمام الكلام في بيان موضوع المسألة، واتضح أن موضوع بحثنا في حجية قول الفلكي هو خصوص الاحتمال الثاني وهو أن الفلكي لو أخبر بإمكانية رؤية، فهل يؤخذ بقوله ويكون حجة أو لا؟ فهل نشترط الرؤية الحسية الفعلية بالعين المجردة كما عليه السيد الخوئي والسيدي السيستاني أو لا نشترط ذلك؟ وتكون شهادة الفلكي بإمكانية رؤية الهلال حجة في حقنا.

هذا إن شاء الله ما سنبحثه في الدرس المقبل، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

[1]  جامع المدارك، السيد أحمد الخونساري، ج 2، ص 200.

[2]  مستمسك العروة الوثقى، ج 8، ص 464.

[3]  صراط النجاة، ج 1، ص 132.

[4]  ما وراء الفقه، ج 2، ص 117.

[5]  الفتاوى الواضحىة، ص 630.

[6]  تعاليق مبسوطة، الشيخ الفياض، ج 5، ص 187.

كتاب ما وراء الفقه، الشهيد الصدر الثاني، السيد محمد محمد صادق الصدر، ج 2، ص 117.

[7]  سورة النحل، آية 7.

[8]  سورة الأنعام، آية 97.

[9]  الفتاوى الواضحة، ص 633.

[10]  ج 1، ص 232.

[11]  الفتاوى الميسرة، ص 403.

[12]  ثبوت الهلال وفقاً لقول الفلكيين، كتاب رؤية الهلال، ج 2، ص 1680.

00:00

30

2024
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 31 الجلسة

30

مايو | 2024
  • الكتاب: عروة الوثقى
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
31 الجلسة